أطلقت روسيا 30 صاروخاً على قاعدة عسكرية أوكرانية في يافوريف قرب مدينة لفيف غرب البلاد في 13 مارس 2022، وفقاً لمصادر أوكرانية، وهو الهجوم الذي تسبب في مقتل 35 شخصاً وإصابة 60 آخرين في القصف الجوي الروسي. وأشارت وسائل الإعلام الروسية إلى أن القاعدة العسكرية تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، بينما أشارت وسائل إعلام أخرى إلى أن القاعدة كانت موقعاً لإمداد القوات الأوكرانية بالسلاح الآتي من دول غربية ومن حلف الناتو.
أبعاد الهجوم الروسي:
تمثلت أبرز ما نشر عن الضربة العسكرية الروسية ضد قاعدة الناتو، وما تلاها من مواقف في التالي:
1- سقوط عدد كبير من القتلى: أعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية ارتفاع عدد القتلى من حوالي 9 قتلى إلى حوالي 35 قتيلاً، بالإضافة إلى إصابة 134 آخرين، وذلك من دون الإشارة إلى جنسياتهم، وما إذا كانوا ينتمون جميعهم إلى الجيش الأوكراني، أو أن بعضهم من المقاتلين الأجانب، أو المدربين من حلف شمال الأطلسي، لاسيما أن القاعدة كانت تستضيف في السنوات السابقة مدربين أمريكيين وكنديين.
ومن المحتمل، بالنظر إلى حجم الهجوم الروسي، وعدد الصواريخ المستخدمة أن تكون عناصر تابعة لحلف الناتو قد سقطت في هذا الهجوم، وقد أعلن البنتاجون أنه لا يوجد بالقاعدة جنود أمريكيون، وذلك من دون أن ينفي وجود قوات أخرى تابعة لحلف شمال الأطلسي.
2- تصريحات بريطانية وأمريكية مهادنة: أعلن جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، أن الهجوم الروسي قرب حدود بولندا يظهر خيبة أمل بوتن بشأن عدم تحقيقه تقدماً في القتال في أوكرانيا، وذلك في محاولة للتهوين من الهجوم، وهو ما اختلفت معه بريطانيا، إذ نظرت إليه باعتباره تصعيداً خطيراً.
ويكشف التصريح الأمريكي عن سعي واشنطن للتهوين من حجم الهجوم، وذلك حتى لا تكون واشنطن مجبرة على اتخاذ مواقف قوية ضد روسيا، خاصة أنها تدرك جيداً أن أي تصعيد عسكري أمريكي سوف يعني دخول واشنطن في صراع مباشر مع موسكو، أي الدخول في حرب نووية، وهو سيناريو أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه ليس بوارد القيام به. كما أكد البنتاجون، في المقابل، أنه لن يرسل قوات أمريكية إلى أوكرانيا، وذلك في أعقاب الهجوم.
رسائل الكرملين للغرب:
تتمثل أبرز رسائل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى الدول الغربية جراء الهجوم الأخير في التالي:
1- تنفيذ تهديدات موسكو: يمثل الهجوم الروسي رداً روسياً على اتفاق دول الاتحاد الأوروبي في قمة فيرساي في 11 مارس، على مضاعفة تمويلها لشراء الأسلحة لأوكرانيا، وهو ما ردت عليه موسكو في 12 مارس على لسان نائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي ريابكوف، بالتأكيد أن القوافل العسكرية الغربية باتت "أهدافاً شرعية"، لتقوم روسيا في اليوم التالي مباشرة بتنفيذ تهديداتها عبر ضرب قاعدة يافوريف.
2- تأكيد استمرار التصعيد: كشفت مصادر قريبة من موسكو أن القوات الروسية مصممة على استهداف أي منشآت تشك في أنها قاعدة لاستقبال أسلحة من الخارج في إشارة ضمنية للولايات المتحدة وبريطانيا وبولندا بأن موسكو لن تتردد في تحقيق أهدافها العسكرية في أوكرانيا، وأن الدعم العسكري الغربي سوف يقف، وأنه لم يعد بإمكان الدول الغربية تمرير الأسلحة إلى كييف من دون المغامرة إما باستهداف قوافل الأسلحة الغربية، أو تصعيد المواجهة مع روسيا.
3- السيطرة على الأجواء الأوكرانية: نفذت موسكو الهجوم بمقاتلات استهدفت القاعدة بحوالي ثلاثين صاروخاً، ويلاحظ أن القاعدة تقع على بعد 25 كيلومتراً فقط من الحدود الأوكرانية – البولندية المشتركة، ولم تقم موسكو بتنفيذ هذا الهجوم باستخدام الصواريخ الباليستية أو المجنحة، وهو ما يعكس رسالة من موسكو لواشنطن بأنها تسيطر بشكل كامل على الأجواء الأوكرانية بما في ذلك أقصى مناطق غرب أوكرانيا، والتي لا توجد فيها قوات روسية.
ومن جانب آخر، فإن واشنطن قد أعلنت إعادة نشر بطاريتين لصواريخ باتريوت من ألمانيا إلى بولندا، بالقرب من الحدود الأوكرانية – البولندية، ويبلغ مدى المنظومة ما بين 70 و110 كيلومترات، أي أنه من الناحية التقنية كان من المفترض أن تتمكن واشنطن من تأمين القاعدة الواقعة على بعد 25 كيلومتراً فقط من الحدود البولندية، من أي ضربات لها، وهو ما لم يتم، وهو ما يعكس تحدياً روسياً لنظم الدفاع الجوي الأمريكية المنشورة هناك، وعن عدم وجود مخاوف روسية من تعرض مقاتلاتها للاستهداف من منظومات الدفاع الأمريكية.
4- مواصلة موسكو عملياتها العسكرية: تمثل الضربات العسكرية الروسية كذلك رسالة واضحة للدول الغربية بأن موسكو ماضية قدماً في تنفيذ أهداف عملياتها العسكرية ضد أوكرانيا، ولن يردعها في ذلك عقوبات غربية أو إمداد الدول الغربية لأوكرانيا بالسلاح، وهو ما أكده مصدر في الرئاسة الفرنسية، والذي أشار إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يرى أن بوتين لا يزال "مصمماً على تحقيق أهدافه في أوكرانيا"، وذلك في أعقاب الاتصال الذي جرى بينهما في 12 مارس، بحضور المستشار الألماني أولاف شولتز.
5- التشكيك في المظلة الدفاعية الأمريكية: يلاحظ أن تنفيذ روسيا لمثل هذا الهجوم، وبهذا الأسلوب يعد رسالة لدول شرق أوروبا بأن نظم الدفاع الجوي الأمريكية لن تكون قادرة على تأمين هذه الدول في مواجهة موسكو، وهو ما قد يدفع الدول الأخرى إلى إعادة حساباتها وعدم الانجراف في دعم العمليات العسكرية في أوكرانيا على غرار بولندا.
الردود الغربية المحتملة:
يلاحظ أن الخيارات العسكرية الغربية في أوكرانيا تواجه صعوبة شديدة في ظل اتجاه روسيا للهيمنة على الأجواء الأوكرانية، وهو ما يجعل الغرب يعود مجدداً إلى آلية العقوبات الاقتصادية، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:
1- مواصلة الجيش الروسي تقدمه العسكري: تمكن الجيش الروسي من محاصرة مدينة ماريوبول الساحلية من كل الجهات، فضلاً عن قطع طريق الإمدادات عنها، خاصة بعد سيطرة الانفصاليين الموالين لروسيا على مدينة فولنوفخا الواقعة في الشمال من ماريوبول، فضلاً عن تمكن الجيش الروسي من دخول أحيائها الشرقية، وهو ما يعني أن سقوطها بات مسألة وقت.
ومن جانب ثانٍ، تتجه روسيا إلى تطوير هجومها من الجنوب باتجاه الشمال، وذلك في محاولة لقطع طرق الإمداد على القوات الأوكرانية في الشرق، خاصة في مدينة خاركيف، وهو ما يعني أن هذه القوات سوف تكون محاصرة، ويجعل مسألة سقوطها هي الأخرى مسألة وقت كذلك.
ومن جانب ثالث، يقوم الجيش الأوكراني بتطويق العاصمة الأوكرانية كييف من الجهات كافة تقريباً، وهو ما يعني أن أي أسلحة أمريكية لن تكون قادرة على الوصول إلى العاصمة، أو أي من المدن الأوكرانية المحاصرة في الشرق، خاصة في ظل الهيمنة الروسية على الأجواء الأوكرانية.
2- تزويد أوكرانيا بأسلحة إضافية: أعلن البنتاجون الأمريكي أنه يدرس الاستمرار في تزويد أوكرانيا بنظم الدفاع الجوي المحمولة على الكتف من طراز ستينجر، والصواريخ المضادة للدروع من طراز جافلين، غير أنه من الملحوظ أن منظومات الدفاع الجوي لم يكن لها حضور مؤثر في العمليات العسكرية الأوكرانية السابقة، كما أنها لم تنجح في أن تحد من الهيمنة الروسية على الأجواء الأوكرانية. ولذلك لا يتوقع أن يكون الدعم الأمريكي مؤثراً في الحد من التفوق العسكري الروسي على أوكرانيا، وإن تسببت في إبطاء وتيرة التقدم العسكري الروسي، من دون أن تعيقه تماماً.
3- العودة لخيار العقوبات الاقتصادية: سوف تواصل الدول الغربية فرضها عقوبات ضد الاقتصاد الروسي، غير أن واشنطن بدأت تدرك أن العقوبات الغربية وحدها غير كافية للتأثير على قرارات الرئيس بوتين، ولذلك بدأت واشنطن في ممارسة ضغوط على الصين من أجل فرض عقوبات على روسيا، على غرار العقوبات الأمريكية، وهو ما كشف عنه وزير المالية الروسي، أنطون سيلوانوف، في 13 مارس.
وفي الختام، فإن الضربات العسكرية الروسية تعد رسائل إنذار مباشرة لواشنطن بأن موسكو عازمة على المضي قدماً لتحقيق أهدافها العسكرية كاملة في أوكرانيا، وأن المحاولات الغربية لتوسيع دعمها العسكري لأوكرانيا لن يتم التسامح معها مستقبلاً، وهو ما يرفع تكلفة الاستمرار في تقديم هذا الدعم، بصورة قد تجعل الدول الغربية تسعى لزيادة الضغط الاقتصادي على روسيا، عبر محاولة الضغط على الدول الحليفة لها على غرار الصين.