أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

تباطؤ التعافي:

إلى أي مدى ستؤثر حرائق الغابات على الاقتصاد التركي؟

17 أغسطس، 2021


شهدت تركيا منذ 28 يوليو 2021 حرائق غابات حادة، هي الأسوأ في تاريخها، حيث انتشرت في أنحاء مختلفة من البلاد، وتسببت في إخلاء عدد من الأحياء والقرى، مع وقوع أضرار مادية وبشرية غير مسبوقة. ومن المتوقع أن تترك الحرائق أضراراً، ستدوم لعدة أشهر على الأرجح، على النشاط الاقتصادي في تركيا، لاسيما بالنسبة للقطاعين الزراعي والسياحي.

ويأتي هذا في وقت يعاني فيه الاقتصاد التركي مشاكل جمة بسبب الوضع الجيوسياسي غير المستقر وجائحة كورونا. ومن الملفت أن الأزمة كشفت عن ضعف قدرات الحكومة التركية في التعامل مع تلك الحرائق، مما استدعى حصولها على دعم دولي من أجل إخماد الحرائق.  

خصائص الأزمة الراهنة:

منذ أكثر من عقدين، تواجه تركيا حوادث متكررة لحرائق للغابات، لاسيما في فصل الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة، لكنها كانت محدودة الانتشار وضعيفة التأثير في أغلب الأحيان. ولكن في الآونة الأخيرة، شهدت العديد من المناطق التركية، لاسيما بالشريط الساحلي المطل على البحر المتوسط، حوادث حرائق الغابات شديدة القوة، على نحو عزتها المنظمات البيئية لتغير المناخ العالمي، خاصة أنها تتزامن مع حرائق مماثلة في بعض دول منطقة البحر المتوسط المجاورة مثل اليونان وقبرص، إلى جانب الجزائر. 

ومؤخراً، حذرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة من أن مستويات الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري قد أصبحت مرتفعة بشكل غير مسبوق، مما يضع تفسيراً مقبولاً لهذه الحرائق. وفيما يلي أهم سمات حرائق الغابات التي شهدتها تركيا مؤخراً: 

1- انتشار واسع: شهدت تركيا منذ 28 يوليو 2021 عدد 299 حريقاً امتد لنحو 54 مقاطعة عبر تركيا، حتى 13 أغسطس. وتم احتواء معظمها بحسب الحكومة التركية.

2- تآكل مساحات كبيرة: غطت حرائق الغابات مساحة قدرها 677.5 ألف هكتار في الفترة من 29 يوليو وحتى 15 أغسطس 2021، أي ما يزيد 9 مرات تقريباً على المتوسط البالغ 72.3 ألف هكتار خلال الفترة نفسها في أعوام (2008 – 2020)

3- أضرار بشرية غير مسبوقة: تسببت حرائق الغابات في إجلاء مئات المواطنين من منازلهم، مع وقوع عدد كبير من المصابين، فيما أودت بحياة 9 أشخاص، وتعد هذه الأضرار هي الأعلى منذ سنوات. 


استجابة الحكومة للأزمة:

تعرضت الحكومة التركية لانتقادات شعبية شديدة، وكذلك من أحزاب المعارضة، على خلفية افتقارها إلى التخطيط بشأن إدارة ملف حرائق الغابات في بلد تمثل فيه تلك الحرائق مصدر قلق دائم، ويأتي ذلك في ضوء عدد من الاعتبارات:  

1- استعدادات ضعيفة مسبقاً: تخصص تركيا مبالغ ضئيلة بالميزانية الحكومية لمكافحة حرائق الغابات، وقد بلغت بموازنة 2021 نحو 200 مليون ليرة، أي ما يعادل 23.4 مليون دولار، وأقل بكثير من المعدل السائد في أوروبا مثل البرتغال بـــ 264.1 مليون دولار، وأسبانيا بـــ 76.6 مليون دولار. 

ونتج عن ذلك نقص واضح في التجهيزات الفنية اللازمة لمكافحة الحرائق على غرار الطائرات والمعدات الأخرى، ومن ثم اضطرت أنقرة لتلقي المساعدات الدولية لتعويض نقص الموارد المحلية. 

2- قبول المساعدات الدولية: قدمت كرواتيا وإيران وإسبانيا وروسيا وأوكرانيا وأذربيجان مساعدات، شملت الأفراد والمعدات، لمساعدة السلطات التركية في السيطرة على الحرائق، وإخمادها. كما حصلت على مساعدات فنية أخرى من الاتحاد الأوروبي، حيث استقبلت منها بعض الطائرات لمكافحة الحرائق. 

ومن ناحية أخرى، فقد رفض الرئيس التركي أردوغان عرض اليونان، للمساعدة في مواجهة حرائق الغابات.

3- مساعدات نقدية ومادية للمتضررين: قدمت تركيا مساعدات نقدية عاجلة للمتضررين بالمناطق المنكوبة بقيمة 79.4 مليون ليرة تركية (9.3 مليون دولار)، بالإضافة إلى خدمات الإيواء إلى نحو 4409 أشخاص في مناطق الكوارث، ومساعدات غذائية لـ 284.852 ألف شخصاً يومياً، فيما تبدو غير كافية لتغطية الأضرار الواسعة كافة بولايات مختلفة. كما تعهدت الحكومة بإعادة بناء المنازل المحترقة وإعادة تشجير المناطق المحترقة، إلى جانب تقديم مساعدات أخرى.

خسائر اقتصادية فادحة:

جاء اندلاع حرائق الغابات في تركيا، وسط مساعي الحكومة التركية لدعم تعافي الاقتصاد التركي الذي بدا متأثراً بشدة بتداعيات جائحة كورونا السلبية في العام الماضي، حيث أدت الجائحة إلى تراجع معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي لتركيا لتصل إلى 1.8% خلال عام 2020، وتدهور أوضاع سوق العمل وتفاقم معدلات البطالة لتصل إلى نحو 13.2% عام 2020.  

وعلاوة على ما سبق، فقد عانت البلاد ارتفاع معدلات التضخم باستمرار، حيث لم تتحرك من خانة العشرات خلال العام الماضي بالغة في المتوسط حوالي 14.6% 2020، بالإضافة إلى التراجع المستمر لسعر صرف الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، بسبب السياسة النقدية غير الرشيدة، وعدم استقرار البيئة السياسية. وبالتالي، فمن شأن حوادث حرائق الغابات السابقة أن تُثقل كاهل الاقتصاد التركي المنهك بالفعل، ويتضح ذلك على النحو التالي:  

1- تراجع القطاع السياحي:

تسببت موجة حرائق الغابات في تهديد الموسم السياحي، وهو ما يتضح في التالي:

• تهديد الموسم السياحي: قبل اندلاع الأزمة الأخيرة، كان القطاع السياحي التركي، والذي يُمثل ما بين 5 إلى 6% سنوياً من الناتج المحلي التركي، في طوره للتعافي من تفشي جائحة كورونا، بعد أن تراجع أعداد السياح الوافدين بشدة إلى مقاصد السياحة التركية في العام الماضي. وتُعد حرائق الغابات بمنزلة تهديد جديد للقطاع، إذ اندلعت الحرائق في مارماريس وأنطاليا وعدد من المناطق الأخرى التي تعتبر من بين أهم الوجهات السياحية في تركيا. 

وقد أدت حرائق الغابات إلى إجلاء آلاف السياح الأجانب والمحليين من المنتجعات السياحية المطلة على البحر المتوسط، وأحدثت تأثيراً سلبياً على الحجوزات السياحية المجدولة إلى التركيا، لاسيما من السوق الروسي. 

• تباطؤ التعافي: ستقوض حرائق الغابات الأخيرة نسبياً مساعي الحكومة التركية السابقة لتنشيط السياحة في الفترة الماضية من خلال الجهود الدبلوماسية لرفع قيود السفر، وإطلاق الحملات الترويجية، فضلاً عن توسيع برنامج تطعيم العاملين في قطاع السياحة. وبالتالي، ستجعل من الصعب على الحكومة التركية تحقيق هدفها الخاص ببلوغ أعداد السائحين إلى 25 مليون سائح في العام الجاري وبعائدات قدرها 20 مليار دولار.

2- تدمير الأراضي الزراعية والثروة الحيوانية: ألحقت حرائق الغابات في تركيا أضراراً ملموسة بقطاع الزراعة والثروة الحيوانية والغابات، إذ تسببت في دمار 1500 هكتار من المساحات الزراعية بحسب رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون، كما امتد أثر الحرائق ليشمل تدمير الثروة الحيوانية في بعض المناطق المنكوبة بما في ذلك الماشية، ونحو 6 آلاف غرفة لإنتاج العسل وفق التقديرات الأولية.

3- تدمير المباني السكنية والتجارية: تسببت حرائق الغابات في دمار المباني السكنية القريبة منها، لاسيما في المناطق الساحلية، على نحو سيرفع من الحجم الإجمالي للخسائر. فيما كانت الحرائق هددت عدداً من المباني الحيوية، مثل المحطة الكهربائية العاملة بالفحم بمدينة موغلا الساحلية، ولا يعرف مدى الضرر الحقيقي الذي أصاب المنشأة. 

4- قياس الخسائر الإجمالية: يبدو من السابق لآوانه تقدير حجم الخسائر الكلية الناجمة عن حرائق الغابات، وذلك لحين حصر الحكومة التركية حجم الأضرار المادية الكلية الواقعة على المنشآت والأراضي الزراعية، مع الأخذ في الاعتبار الخسائر الأخرى المحتمل أن يتكبدها القطاع الزراعي والسياحي وغيرها من الأنشطة في الأشهر المقبلة. 

ويبدو، على أية حال، أن حجم الخسائر الناجمة عن حوادث حرائق الغابات الأخيرة ستكون الأكبر في تاريخ تركيا، نظراً لامتدادها على مساحات شاسعة وما خلفه ذلك من أضرار غير معهودة في السابق، هذا بالإضافة إلى حجم المساعدات النقدية المصروفة للمواطنين بالمناطق المنكوبة، والتعويضات المالية الأخرى للمزراعين وأصحاب المنشآت السياحية، وهو ما يُمكن اعتباره جزءاً من التكلفة غير المباشرة للحرائق. 


تداعيات على الأمد الطويل: 

كشفت حوادث حرائق الغابات في تركيا مؤخراً عن قصور واضح في تعامل الحكومة التركية مع الأزمة، نظراً لعوامل ضعف مالية ومؤسسية، مما يتطلب من أنقرة تقديم استجابة مختلفة على مستوى السياسات في المستقبل، خصوصاً في ضوء ما يلي: 

1- توقعات بازدياد حدة الحوادث: يزيد التغير المناخي الذي يشهده العالم حالياً من احتمالات تواتر حرائق الغابات، وتزايد حدتها في العالم. وتعتبر تركيا معرضة لحرائق الغابات مستقبلاً، بل ومن المتوقع أن تكون الحرائق أكثر ضراوة، بما سيضاعف من تأثيراتها على القطاعات الاقتصادية المختلفة، إذا لم يتم الاستعداد جيداً للتعامل معها واحتوائها.

2- ضغوط لتعديل السياسة المناخية: يضع تزايد احتمال تكرار حوادث حرائق الغابات ضغوطاً على تركيا لتغيير استجابتها للتغيرات المناخية، ونهجها تجاه القضايا البيئية، على نحو يُمكنها من الاستعداد الكافي لمواجهة الظواهر الناجمة عن تغير المناخ، ومنها حرائق الغابات من ناحية، مع خفض احتمالية تعرض اقتصادها لصدمات جديدة من ناحية أخرى.


وختاماً، يمكن القول في ضوء ما كشفته حوادث حرائق الغابات الأخيرة عن عدم كفاية استعدادات الحكومة التركية لمواجهتها، إن تركيا باتت مجبرة للتحرك وبشكل سريع لتبني سياسات بيئية لمكافحة التغير المناخي، من خلال الالتزام بالجهود الدولية في هذا الشأن والتصديق على اتفاقية باريس للمناخ، والتوسع في الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة، وتعزيز القدرات المالية والمؤسسية اللازمة لمواجهة الظواهر المناخية المفاجئة.