أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تقدم تكتيكي:

دوافع استئناف المفاوضات بين واشنطن و"طالبان"

28 نوفمبر، 2019


أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومسئولون أمريكيون آخرون، في 22 نوفمبر الجاري، عن استئناف المفاوضات مع حركة "طالبان" بعد توقف لأكثر من شهرين في سبتمبر الماضي، على إثر إلغاء الأول اجتماعاً كان مقرراً مع وفد الحركة في منتجع كامب ديفيد، واصفاً المحادثات آنذاك بـ"الميتة". لكن استئنافها من جديد جاء مواكباً لعدة متغيرات، منها إبرام صفقة تبادل أسرى متعددة الأطراف بين الولايات المتحدة و"طالبان" والحكومة الأفغانية للمرة الأولى، إضافة إلى استئناف المفاوضات عملياً الأسبوع الماضي في موقعها الاعتيادي في الدوحة بالتزامن مع إبرام الصفقة. وعلى الرغم من التفاؤل الذي تبديه اتجاهات عديدة إزاء النتائج التي يمكن أن تفسر عنها تلك الجولة، إلا أنه لا تزال هناك العديد من التحديات التي تواجه توصل الأطراف المعنية إلى "اتفاق سلام" ينهي الحرب الدائرة على مدار أكثر من 18 عاماً، ربما يكون الأبرز فيها، مع عملية استئناف المباحثات، دخول إيران على الخط باستضافة مباحثات موازية مع الحركة.

صفقة متعددة الأطراف:

عملياً لم تكن المفاوضات مجمدة خلال الشهرين الماضيين، وفقاً لما هو متصور في أعقاب إلغاء لقاء كامب ديفيد، إذ أن إبرام صفقة كبيرة بين أطراف متعددة يوحي بأن الاتصالات لم تنقطع وأن كل ما حدث هو إلغاء زيارة وفد "طالبان" للولايات المتحدة. ويبدو أن كل الأطراف يدركون جيداً أن الحديث عن عملية سلام ليس بالمعنى الحقيقي، وإنما المطلوب هو التوجه نحو إبرام "صفقات كبرى" تحقق مصالحها.

ووفقاً للسياق السابق، ركزت "الصفقة الأولى" على عملية تبادل أسرى شاملة قد تمثل البداية لتعزيز مفهوم الصفقات الكبيرة، خاصة بالنظر إلى طبيعة الأسرى الذين تم تبادلهم، فعلى سبيل المثال أفرجت القوات الأمريكية عن ثلاثة من أعضاء شبكة حقاني أبرزهم أنس حقاني نجل مؤسس الشبكة والشقيق الأصغر لقائد الجناح العسكرى لـ"طالبان"، بالإضافة إلى الحاج مالي خان، وهو قائد بارز في الحركة ونجل شقيق نائب زعيمها. وفي المقابل، أفرجت "طالبان" عن الأكاديميين في الجامعة الأمريكية في كابل، وهما الأمريكي كيفين كينغ، آخر أمريكي محتجز لديها، والاسترالي تيموثي ج. ويكس، وذلك بعد نحو 3 سنوات من الاختطاف، كما أفرجت عن 10 من رجال الأمن الحكوميين في بادرة استحسنتها حكومة أشرف غني، في حين أطلقت الأخيرة سراح القيادي البارز في الحركة مسئول العمليات الانتحارية حافظ عبد الرشيد.

وأطلق الأطراف الثلاثة تصريحات إيجابية بشأن صفقة الأسرى التي توسط فيها المبعوث الأمريكي إلى أفغانستان زالماى خليل زاد، والتي تطرح عدة دلالات، منها، بالإضافة إلى أنها يمكن أن تمثل مدخلاً لصفقة كبرى، أنها أول صفقة مهمة جامعة للأطراف الثلاثة، وهو ما يعد نقلة نوعية في جولة المفاوضات الحالية، تجاوزت إلى حد بعيد "إشكالية الاعتراف" المتبادل بين "طالبان" والحكومة الأفغانية، وربما يكون الأهم بالنسبة للأخيرة هو عملية التوصل إلى قرار وقف إطلاق مع "طالبان"، لاسيما بعد أن وسّعت الحركة من الهجمات ضد القوات الحكومية والمدنيين خلال الفترة التي أعقبت الإعلان عن توقف المباحثات، الأمر الذى فرض من جانب آخر ضغطاً على الحكومة للدخول في الصفقة، لكنه، على ما يبدو، جاء بنتائج عكسية نسبياً بعد أن أثر على شعبيتها، وهو ما رصدته تقارير محلية عديدة كشفت أن عائلات ضحايا تلك الأحداث انتقدوا إبرام الحكومة لتلك الصفقة.

تحديات متعددة:

على الرغم من تلك الخطوة، إلا أن المفاوضات لا تزال تواجه العديد من العقبات، التي قد تؤثر على مساراتها المحتملة، ويتمثل أبرزها في:

1- مطالب "طالبان": تسعى الحركة إلى تحقيق "انتصار" يتمثل في انسحاب القوات العسكرية الأمريكية من أفغانستان، ومع أنه تم سحب جزء من هذه القوات بمقدار 2000 جندي من بين 13 ألف تقريباً، فإن ذلك قد لا يتوافق مع حساباتها وحرصها على تعزيز موقعها قبل أن تصل المفاوضات إلى نهايتها أو تتبلور نتائج واضحة لها. وبالطبع، فإن انسحاب تلك القوات سوف يرتبط في الوقت نفسه برؤية واشنطن لتأثير المفاوضات على الترتيبات السياسية والأمنية التي سوف تشهدها أفغانستان خلال المرحلة القادمة.

2- المناورة الإيرانية: تتابع طهران بدقة تطورات المفاوضات بين "طالبان" وواشنطن، على نحو بدا جلياً في إعلان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في 27 نوفمبر الجاري، عن عقد لقاء مع قادة الحركة هو الثاني من نوعه خلال العام الجاري، بهدف دفع المفاوضات فيما بينهما والتوصل– وفقاً للرؤية الإيرانية- إلى تأسيس حكومة مشتركة تشارك فيها مختلف القوى السياسية "المؤثرة"، وتنهي التواجد الأجنبي في البلاد في إشارة إلى الوجود العسكرى الأمريكي، بالإضافة إلى محاولة تطويق تنامي حضور "داعش" في المشهد الأفغاني. لكن بالنسبة للولايات المتحدة، فإنها تعتبر أن الخطوة الإيرانية قد تربك مباحثات الدوحة، بل إن تقارير أمريكية تشير إلى أن الأخيرة ذاتها تُسهِّل حركة قادة "طالبان" بين المكتب السياسي في الدوحة وطهران. وتكشف تلك التقارير أيضاً أن إيران لا تزال تدعم الحركة بالأسلحة، الأمر الذي يُعقِّد الموقف ميدانياً، وهو ما تحاول الحركة باستمرار نفيه، بل إن طهران ترد على ذلك باتهامات مماثلة إلى واشنطن. ويعتقد أن كلا الطرفين– "طالبان" وطهران– يوظفان تلك المباحثات لصالح أجندتهما الخاصة، فالحركة تدرك أن ورقة طهران يمكن توظيفها في المباحثات للضغط على واشنطن، والعكس من جانب طهران التي ترى أن عليها أن تمارس دوراً في صياغة المستقبل السياسي في أفغانستان المجاورة، بالإضافة إلى الضغط على واشنطن في ضوء التوترات القائمة بينهما.

3- الاعتراف المتبادل: ثمة تباينات واسعة في هذا السياق بين كافة الأطراف. فـ"طالبان" توجه انتقادات قوية للعلاقة بين الحكومة والولايات المتحدة، ولا يمكن، في رؤيتها، الاعتراف بها، وهناك غموض في موقفها من هذا السياق في إطار التغير الذي يمكن أن تسفر عنه المفاوضات الجارية حالياً، كما أنه ليس واضحاً ما إذا كانت "طالبان" ستقبل بفكرة تداول السلطة في حال وافقت على عملية سياسية وفقاً للمنظور الأمريكي. وفي المقابل، فإن الحكومة التي دخلت كشريك في صفقة مع الحركة تضع عملية وقف إطلاق النار كشرط للقبول بمخرجات التفاوض، في مؤشر على أن الهدف الأساسي لها هو وقف إطلاق النار وليس العملية السياسية كأولوية في المرحلة الحالية، حيث تعتبر أنها حكومة منتخبة، على نحو دفع اتجاهات عديدة إلى ترجيح عدم اعتراف الطرفين ببعضهما البعض.

في الأخير؛ على الرغم من إنجاز صفقة متعددة الأطراف بين واشنطن و"طالبان" والحكومة الأفغانية تمثل نقلة نوعية في المفاوضات الجارية حالياً، إلا أنها لا تزال مجرد تحركات تكتيكية لا تؤكد على فاعلية مسار المفاوضات، فحتى الآن لا تزال حدود التنازلات أقل من المتصور لإنضاج "صفقة التسوية"، وبالتالي من المحتمل أن لا تكون الجولة الحالية هى الأخيرة في العملية، خاصة مع دخول إيران على خط التفاوض، لكن على الجانب الآخر، ربما تكون خطوة طهران الأخيرة دافعاً لواشنطن للإسراع في إتمام تلك الصفقة، وبالتالي فإن السيناريو الأقرب إلى التصور هو أن كافة الأطراف ستعتمد سياسة المناورة في الجولة القادمة لتوسيع هامش الخيارات المتاح أمامها.