أخبار المركز
  • إصدارات جديدة لمركز "المستقبل" في معرض الشارقة الدولي للكتاب خلال الفترة من 6-17 نوفمبر 2024
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

بين المصلحة والأيديولوجيا:

دوافع التباين الآسيوي حول ضم روسيا أراضي أوكرانية

29 أكتوبر، 2022


شهد الصراع الروسي - الأوكراني الغربي منعطفاً جديداً عندما ضمت روسيا مناطق لوغانسك ودونيتسك وزاباروجيا وخيرسون لتصبح جزءاً من أراضيها. وهذا المنعطف كانت له أصداؤه في مختلف أقاليم العالم، وكان من بينها التي ظهر فيها تفاوت واضح في المواقف؛ منطقة شمال شرقي آسيا، حيث تقع كل من الصين واليابان والكوريتان الجنوبية والشمالية. 

وبدا هذا التفاوت في مواقف هذه الدول الآسيوية الأربع من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم 12 أكتوبر 2022، والذي يدين ضم روسيا مناطق أوكرانية، حيث تم إقراره بتأييد 143 دولة ومن ضمنها اليابان وكوريا الجنوبية، فيما صوتت 5 دول من بينها كوريا الشمالية ضد القرار، وامتنعت 33 دولة أخرى عن التصويت، ومنها الصين.

مواقف متباينة:

جاءت مواقف الصين واليابان والكوريتين الجنوبية والشمالية من عملية الضم الروسي متسقة مع مجمل سياسة كل دولة منها تجاه الحرب الأوكرانية، وفي الوقت نفسه أظهرت أوجه التباين فيما بينها، وهو ما يتضح في التالي:

1- الصين: كانت بكين واضحة منذ البداية في عدم الانحياز إلى أي من الأطراف في الحرب الأوكرانية، وإن كانت توجه نقداً لتصرفات بعض الدول التي أسهمت في وصول الأمور إلى ما وصلت إليه بسبب عدم مراعاة المصالح الأمنية للدول الأخرى. وأكدت الصين، عقب عملية الضم الروسي للمناطق الأوكرانية الأربع، أهمية احترام سيادة ووحدة أراضي جميع الدول والشواغل الأمنية المشروعة لها واحترام مبادئ ميثاق الأمم المتحدة. 

واختارت بكين الامتناع عن التصويت على مشروع القرار الذي دفعت به الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن لإدانة عملية الضم، وكذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأكدت أهمية الحلول التفاوضية للصراع، الذي أدى تفاقمه في الشهور الماضية إلى تداعيات سلبية كثيرة، داعيةً مجلس الأمن إلى الاضطلاع بدوره وفقاً لاختصاصاته في عملية التسوية السياسية للصراع، وأن تكون خطوات المجلس محسوبة بعناية، بحيث لا تزيد الصراع تعقيداً. وعلى ذلك، تطالب الصين كل الأطراف في هذه الحرب بممارسة ضبط النفس والإقلاع عن كل ما من شأنه زيادة التوتر. وهذه النقاط التي أوضحتها الصين في تبريرها للامتناع عن التصويت في قرار إدانة الضم الروسي، هي امتداد لموقفها الثابت منذ بداية الحرب.

2- اليابان: إذا كان الموقف الصيني لا يذهب إلى الوقوف مع هذا الطرف أو ذاك، بالرغم كل ما يُقال أمريكياً وغربياً حول طبيعة العلاقات الصينية - الروسية، فإن الدول الثلاث الأخرى (اليابان، والكوريتين الجنوبية والشمالية) جاءت مواقفها على العكس من ذلك. واعتبرت اليابان كلاً من الاستفتاءات والضم الروسي انتهاكاً لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، وكذلك انتهاكاً للقانون الدولي، ولا يمكن الاعتراف بها، ومن ثمّ فإنها تدين كل هذه العملية بقوة، حيث إن كل تلك الإجراءات قد تمت في ظل الحالة الطارئة المتمثلة في "العدوان الروسي"، على حد وصفها، مؤكدة أن السعي لاكتساب الأراضي بالقوة غير شرعي، ويتعارض مع القانون الدولي بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة.

ومن ثم فإن طوكيو لا يمكنها أن تتسامح مع محاولة تغيير الوضع القائم في أوكرانيا بالقوة، وأوضحت أنها سوف تستمر في العمل على جبهتين، أولاهما تتمثل في فرض عقوبات أشدّ على روسيا، والثانية دعم أوكرانيا، وكل ذلك بالتعاون مع المجتمع الدولي بما في ذلك مجموعة السبع الصناعية. 

وبالفعل، وافق مجلس الوزراء الياباني، يوم 7 أكتوبر 2022، على فرض عقوبات جديدة على روسيا في أعقاب تحرك موسكو أُحادي الجانب لضم أربع مناطق في أوكرانيا. وأضاف هذا القرار الياباني 81 شخصاً و9 مؤسسات إلى قائمة الأشخاص والكيانات الخاضعة لتجميد الأصول. وبالتالي من المتوقع أن تؤدي هذه الخطوة لمزيد من التوتر في العلاقات بين طوكيو وموسكو، خاصةً بعد الطرد المتبادل لدبلوماسيين في البلدين، حيث طلبت اليابان، يوم 4 أكتوبر الجاري، من دبلوماسي روسي (لم تسمه) مغادرة البلاد، رداً على خطوة مماثلة أقدمت عليها موسكو بإعلانها اعتقال القنصل الياباني للشؤون السياسية، موتوكي تاتسونوري، بتهمة التجسس.

3- كوريا الجنوبية: لخصت سول موقفها في ثلاث نقاط، أولاها عدم الاعتراف بالاستفتاءات التي أُجريت في المناطق الأوكرانية الأربع، ومن ثمّ عدم الاعتراف بشرعية ضم تلك الأراضي لروسيا، وثانيتها أن سيادة واستقلال ووحدة أراضي أوكرانيا يجب أن تُحترم، وثالثتها أن الحكومة الكورية الجنوبية تدين بشدة "الغزو الروسي المسلح" لأوكرانيا، الذي يُعد انتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة. 

4- كوريا الشمالية: تدعم بوينج يانج بشكل واضح الموقف الروسي، وتعترض على القرارات الدولية التي تدين موسكو، ومن ثمّ جاء قبولها بخطوة الضم الروسي وما سبقها من استفتاءات، معتبرة أنها أُجريت طبقاً لميثاق الأمم المتحدة، ومبدأ حرية الشعوب في تقرير مصيرها. ولم تكتف كوريا الشمالية بذلك، بل رأت أن مجلس الأمن ينتهك حقوق الدول ذات السيادة ويتصرف طبقاً لمعايير مزدوجة وبما يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة ذاته، مؤكدة أن "زمن استخدام الولايات المتحدة للمجلس كأداة للعدوان واستمرار الهيمنة قد ولى".

دوافع متعددة:

مع توضيح سياسات تلك الدول الأربع، وأوجه الاتفاق والاختلاف في مواقفها، يمكن الوقوف على مجموعة من العوامل التي تدفع باتجاه تباين المواقف بينها، لعل من أهمها القناعات الأيديولوجية، والاعتبارات المصلحية، وعلاقات كل دولة بأطراف الصراع الروسي - الأوكراني.

ويُلاحظ ابتداءً أن الدول الأربع تستند إلى الجانب القيمي والقانوني لتبرير مواقفها، وهذا ربما يكون مختلفاً بعض الشيء عن القناعات الأيديولوجية التي تمثل أحد محددات السياسة الخارجية للدول، وأوضح مثال على ذلك كوريا الشمالية. أما الصين، وإن كانت ما تزال تتحدث عن الاشتراكية، فإن سياستها الخارجية تحولت إلى البرجماتية، لكن يبقى أن الحالتين الكورية الشمالية والصينية خارج نطاق المنظومة الغربية، بينما تنخرط كل من اليابان وكوريا الجنوبية في هذه المنظومة.

ويبدو الانخراط الياباني والكوري الجنوبي في المنظومة الغربية ليس فقط في المبادئ الحاكمة للاقتصاد والممارسة السياسية، وإنما كذلك بالنسبة للاختيارات السياسية والدفاعية، التي تصل إلى مستوى التحالف مع الولايات المتحدة، والسعي لعلاقات أوثق مع حلف شمال الأطلسي "الناتو". وهذا مختلف تماماً عن حالتي الصين وكوريا الشمالية، اللتين تتحدثان عن سعي أمريكي لاستمرار الهيمنة وعودة إلى أجواء الحرب الباردة، والكثير من مفرداتهما على هذا الصعيد تكاد تتطابق مع نظيرتها الروسية. 

فكوريا الشمالية بات من الواضح استنادها بشكل شبه كلي إلى كل من روسيا والصين، ليس فقط في التعاملات، وإنما في تصدي كلا البلدين لمحاولات إدانة أو فرض عقوبات جديدة ضد بيونج يانج، ومن ثمّ لا يمكن للأخيرة إلا أن تكون في جانب موسكو، رداً للجميل، وكذلك سعياً إلى الحصول على مزيد من الدعم الاقتصادي والسياسي والعسكري. 

أما الصين فليس من مصلحتها أن تأخذ موقفاً واضحاً في الانحياز إلى روسيا، فلهذا تكلفة عالية جداً، ليس فقط على صعيد علاقاتها مع الولايات المتحدة والدول الغربية، وإنما أيضاً على صعيد قضايا داخلية تخصها، مثل قضية تايوان وهونج كونج. وقد أشار المندوب الروسي في مجلس الأمن الدولي، عند مناقشة مسألة الضم، إلى أن الولايات المتحدة التي لا تتوقف عن انتقاد موسكو بخصوص ما تسميه أراضٍ أوكرانية، تعلن استعدادها للدفاع عن تايوان وهي جزء لا يتجزأ من الصين، ولعل هذه الإشارة توضح الدافع وراء الحذر الصيني حيال هذا الصراع منذ بدايته وحتى الآن.

وبالمنطق نفسه، لا يمكن تصور انحياز طوكيو وسول بعيداً عن واشنطن والغرب، حيث إن ذلك يضر كثيراً بمصالح كل منهما. ولا يجب إغفال أن اليابان ما زالت تطالب بما تسميه الأقاليم الشمالية التي تسيطر عليها روسيا منذ الحرب العالمية الثانية، وبسبب عدم تسوية هذه المسألة، فإن البلدين لم يوقعا بعد على اتفاقية سلام.

مراجعات نسبية:

على ضوء المتغيرات التي تم إيضاحها، وفي ظل مراقبة سلوك الدول الأربع حيال الصراع الروسي - الأوكراني، من المرجح استمرار نمط تفاعلات هذه الدول مع هذا الصراع على حالها من حيث التوجهات العامة. لكن تبقى هناك مسائل مهمة ربما تؤدي إلى بعض المراجعات، ومنها المستوى الذي يمكن أن يصل إليه التصعيد العسكري، وما إذا كان الإقدام على استخدام الأسلحة غير التقليدية بما فيها النووية وشيكاً، وكذلك تطورات أسواق الطاقة العالمية.

وعلى الأغلب، فإن مثل هذه المراجعات لا تنطبق على كوريا الشمالية، في ظل الخيارات الأيديولوجية الحاسمة، وحالة العداء مع الولايات المتحدة، والتعرض لعقوبات قاسية قادت واشنطن فرضها سواء عبر مجلس الأمن الدولي أو بشكل منفرد، فضلاً عن تزايد احتياج بوينج يانج إلى روسيا.

أما الصين، فإنه بالإمكان طرحها مبادرة يكون البند الأول فيها النزول بمستوى التوتر وتقليل التصعيد الروسي - الأوكراني، وحينها ربما تجد كل الأطراف المنخرطة في الصراع نفسها في حاجة إلى مثل هذه الخطوة، على ألا تقدم أي منها تنازلات جوهرية. وبالنسبة لليابان وكوريا الجنوبية، فلن يكونا في وضع يسمح بتقديم مبادرات، وفي الوقت نفسه سيكون من الصعب عليهما اتخاذ خطوات أُحادية بالتراجع عن فرض العقوبات على روسيا وتقديم الدعم لأوكرانيا.