أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

تحول جديد:

أسباب ومسارات التصعيد في الغوطة الشرقية

27 فبراير، 2018


يواجه قرار مجلس الأمن رقم 2401 الخاص بوقف الأعمال القتالية في سوريا لمدة ثلاثين يومًا، والذي صدر في 24 فبراير الجاري، عقبات عديدة لا تبدو هينة، خاصة في ظل عدم التوافق على موعد تفعيله أو نطاقه الجغرافي، لا سيما مع الحرص على الفصل بينه وبين العمليات العسكرية الموجهة ضد التنظيمات الإرهابية، خاصة "داعش" و"القاعدة" و"جبهة النصرة" أو "جبهة فتح الشام".

ومن دون شك، فإن ذلك يعود، في قسم منه، إلى تباين مواقف وسياسات الأطراف المحلية والقوى الإقليمية والدولية المنخرطة والمعنية بالصراع السوري حول تطوراته ومساراته المحتملة، خاصة بعد تصاعد حدة المواجهات المسلحة في الغوطة الشرقية قرب دمشق بين النظام السوري وقوى المعارضة. وقد دفع ذلك اتجاهات عديدة إلى إبداء شكوك في مدى قدرة القرار الأممي الجديد على تعزيز الجهود التي يمكن أن تبذل بهدف الوصول إلى تسوية للأزمة السورية خلال المرحلة القادمة.

أهمية خاصة:

تعد الغوطة الشرقية إحدى مناطق خفض التصعيد الأربعة التي توصلت القوى المعنية بالصراع السوري إلى اتفاق بشأنها في مايو 2017. وقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية، في هذا الوقت، خفض التوتر وتمرير قوافل المساعدات إلى الغوطة تمهيدًا لبدء جولة جديدة من المفاوضات التي تهدف للوصول إلى حل سياسي، إلا أن ما شهدته تلك المنطقة عقب ذلك من تصعيد حال دون ذلك، حيث نشبت بعض المعارك بين المعارضة وقوات النظام السوري، بشكل أدى إلى عدم تطبيق قرار خفض التصعيد.

وبدأت قوات النظام، مؤخرًا، عملية عسكرية كبيرة لفرض سيطرتها على الغوطة، وهو ما يشير إلى أن النظام يبدي اهتمامًا خاصًا بحسم المعركة لصالحه في هذا التوقيت تحديدًا، على نحو سوف يفرض تأثيرات مباشرة سواء على توازنات القوى أو على الترتيبات السياسية التي ستتم صياغتها في المرحلة القادمة.

أسباب مختلفة:

لم يكن التصعيد العسكري في الغوطة الشرقية مستبعدًا بل كان متوقعًا إلى حد كبير، خاصة في ظل سعى كثير من الأطراف المنخرطة في الصراع إلى السيطرة عليها، حيث تحظى بموقع جغرافي هام يكسبها ثقلاً عسكريًا ويمكنها من تغيير موازين الصراع لصالح الطرف الذي يمكن أن يسيطر عليها. ففضلاً عن أنها قريبة من دمشق، وتمثل الامتداد بين العاصمة وحمص، فإنها تعتبر منفذًا للمرور إلى جميع المحافظات السورية.

كما أنها تدخل أيضًا في إطار العاصمة السياسية لسوريا، بالإضافة إلى أنها تقع بالقرب من الممر الاستراتيجي الذي تحاول إيران تأسيسه من أجل مواصلة تقديم دعمها لميليشيا حزب الله في لبنان.

وبالإضافة إلى ذلك، تعد الغوطة آخر وأهم معاقل المعارضة السورية، وبالتالي فإن السيطرة عليها تضمن للنظام السوري تأمين المكاسب التي حققها خلال الفترة الماضية والتي تضمنت توسيع نطاق سيطرته على مساحات واسعة من الأراضي بالإضافة إلى حماية دمشق.

وقد توازى اندلاع تلك المعركة مع تقدم قوات النظام السوري على حدود دمشق، وعقب حسمه لعمليته في الغوطة ترجح اتجاهات عديدة أن يواصل عملياته في إدلب ثم الرقة، وهو ما يزيد من الأهمية الاستراتيجية للغوطة بالنسبة له.

ومن دون شك، فإن السيطرة على الغوطة سوف تساهم، بصورة مؤثرة، في تغيير اتجاهات الترتيبات السياسية التي يحتمل صياغتها في الفترة القادمة، في ظل ما سوف تفرضه من انعكاسات على وضع المفاوضات في كل من جنيف وسوتشي.

ففي الوقت الذي تسعى فيه روسيا نحو فرض الحل الذي تريده ممثلاً في بقاء نظام الأسد وتثبيت وجوده، على نحو أدى إلى تأخير صدور القرار الأخير في مجلس الأمن، فإن النظام يحاول من خلال العملية العسكرية تحقيق مكاسب أخرى، خاصة فيما يتعلق بممارسة ضغوط أقوى على تركيا، حيث كان لافتًا أن الهجوم على الغوطة تزامن مع التقدم التركي في عفرين والقصف التحذيري الذي تعرضت له الميليشيات المتحالفة مع النظام من جانب المدفعية التركية عقب محاولتها الدخول إلى عفرين وانسحابها، وما أعقبها من تحذيرات أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن بلاده لن تسمح لأى مجموعة مسلحة بالدخول إلى عفرين.

مسارات محتملة:

يفرض تشابك وتعقد مصالح وحسابات القوى المنخرطة في الصراع مسارات متعددة، وربما متناقضة، للمعركة في الغوطة الشرقية، حتى بعد صدور القرار الأممي، حيث يمكن تحديد ثلاثة مسارات محتملة: لا يتمثل في نجاح النظام السوري في إحكام سيطرته على الغوطة، وهو احتمال يعززه انقسام قوى المعارضة المسلحة في المنطقة، إذ شهدت الشهور الماضية تصعيدًا ومعارك عسكرية بين "جيش الإسلام" من جهة و"فيلق الرحمن" و"جبهة النصرة" من جهة أخرى، بسبب تصاعد حدة الصراع على النفوذ ومصادر التمويل، حيث يسيطر "جيش الإسلام" على حوالي 53% من الغوطة، بينما تتواجد كل من "هيئة تحرير الشام" و"فيلق الرحمن" و"حركة أحرار الشام" في ما تبقى.

ويتوازى ذلك، مع إشارة اتجاهات عديدة إلى أن اختلاف التفسيرات الخاصة بالقرار رقم 2401، يمكن أن يؤدي إلى استمرار المواجهات العسكرية خلال المرحلة القادمة.

فيما ينصرف المسار الثاني، إلى استمرار المعركة دون حسم، خاصة في حالة عدم تطبيق قرار مجلس الأمن، مع الوضع في الاعتبار القدرات البشرية والمهارات القتالية التي تمتلكها الميليشيات المسلحة مقارنة بالجماعات الأخرى الموجودة في مناطق مختلفة داخل سوريا، وهو ما يعني أنه لا يمكن استبعاد احتمال تمكن تلك الميليشيات من مواجهة العمليات التي يشنها النظام، على نحو يفرض حدودًا للتقدم الذي قد يحققه النظام.

بينما يتعلق المسار الثالث، بهزيمة النظام وبقاء الوضع على ما هو عليه، وهو مسار قد يتحقق في حالة ما إذا تدخلت قوات عسكرية خارجية بدرجة يمكن أن تغير من توازنات القوى في غير صالح النظام. لكن هذا الاحتمال غير مطروح على الأقل في المرحلة الراهنة، على الرغم من تصاعد التهديدات الأمريكية، بما يعني أن ما يمكن أن تحصل عليه الميليشيات المسلحة في الغوطة من دعم في مواجهة قوات النظام من المتوقع أن يقتصر فقط على الجانب غير المباشر.

مسارات متعددة ومصالح متناقضة كلها تعني أن الجهود المبذولة للوصول إلى تسوية للصراع في سوريا ما زالت تواجه تحديات كبيرة، حتى بعد الوصول إلى قرار مجلس الأمن رقم 2401.