أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

ذكرى 11 سبتمبر بين تغير الأمن وسيولة الجهاد

12 سبتمبر، 2021


على الرغم من مرور 20 عاماً على أحداث 11 سبتمبر 2001، فإن العالم لم يعرف الحقيقة الكاملة حولها، ولم يتبين على سبيل القطع واليقين كل الملابسات بشأنها، ومع ذلك فإن الحقيقة التي لا تقبل الشك أن هذه الأحداث قد غيرت شكل العالم وصورته إلى زمن لا يمكن لأحد أن يتنبأ به. وهذا التغيير متعدد الأبعاد والجوانب يمكن تلخيص أهم أبعاده في مجموعة النقاط الآتية:

1- نهاية مفهوم الأمن والسكينة بمعناه القديم الذي كان موجوداً قبل أحداث 11 سبتمبر، حيث كان البشر العاديون يشعرون بدرجة معينة من الأمان والاطمئنان في حياتهم، وكانت المخاطر بالنسبة لهم معلومة المصادر، محددة الشكل والنتيجة، وهي محصورة في الإطار الجغرافي، والمحيط الاجتماعي، ولم يكن من ضمنها أن يكون من مهددات الأمن ومنغصات الحياة مخاطر تأتي من أقاليم وقارات بعيدة لا علاقة للإنسان العادي بها، وإنما يتم التضحية به من أجل النكاية بحكومته، أو بديانته. وقد تمدد هذا المفهوم مع تنظيم داعش الإرهابي، ومع الهجمات العبثية التي حدثت في المدن الأوروبية وفي نيوزيلندا وغيرها ضد أبرياء لا علاقة بينهم وبين من يعتدي عليهم. ونهاية مفهوم الأمن بهذا المعني غيرت حياة المليارات من البشر، وكلفت الحكومات موارد هائلة لمواجهة مخاطر محتملة مثلما حدث في سبتمبر 2001.

2- تراجع مفهوم سيادة الدول بالمعني التاريخي السابق على أحداث سبتمبر، فقبلها كانت السيادة مفهوماً مقدساً لا يمكن المساس به إلا بعد إجراءات معقدة جداً؛ من أهمها قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تحت الفصل السابع من الميثاق. وبعد 11 سبتمبر 2001، أصبحت الدول القوية القادرة تخترق سيادة الدول الأضعف تحت حجة جاهزة وهي محاربة الإرهاب. فقد كان للحرب الأمريكية على أفغانستان والعراق تأثير غاية في الخطورة على المفهوم القانوني للنظام الدولي الذي كان يعتمد مفهوم السيادة كقاعدة قانونية لجميع تصرفات أعضائه. ومثال آخر في هذا السياق، ما تقوم به تركيا في العراق وسوريا وليبيا وغيرها تحت ذريعة محاربة الإرهاب الذي أصبح تهمة جاهزة يتم إلصاقها بأقليات أو حركات سياسية انفصالية. 

3- انتكاسة حركة الفكر النهضوي الإسلامي لصالح الحركات الشعبوية التي تريد إعادة تمثيل التاريخ على مسرح العصر، وذلك تحت شعار الجهاد الذي تمت عملية معقدة لتشويهه؛ قامت بها قيادات تنظيم القاعدة ومن سار على طريقتهم، حيث تم تحويل الجهاد الذي يعد باباً من أبواب الفقه الإسلامي التاريخي له ضوابطه ومحدداته إلى مفهوم سائل يتم توظيفه لتبرير أعمال وحشية قاسية لا يقبلها أي دين أو ملة من ملل بني البشر. وفي هذا السياق، ظهرت حركات إجرامية عديدة ترفع شعار الجهاد مثل "بوكو حرام"، وحركة "الشباب" في الصومال، وأفرع القاعدة في مختلف بقاع العالم الإسلامي. وظهور هذه الحركات التي تمارس الإرهاب تحت عنوان "الجهاد"، جاء على حساب حركات التجديد والنهضة والإحياء الإسلامي التي بدأت مع القرن التاسع عشر وكانت تهدف إلى تحقيق نهضة حضارية في المجتمعات المسلمة.

4- تجديد ثقافة المواجهة بين العالم الإسلامي والغرب؛ وهي الثقافة التي كانت موجودة في فترة الاستعمار الغربي لأفريقيا وآسيا. فقد أدت أحداث سبتمبر 2001 إلى تجديد هذه الفكرة التي سوق لها المفكر السياسي الأمريكي "صمويل هنتنجتون" في كتابه "صدام الحضارات" قبل ذلك بنحو 10 سنوات، وكان العالم يظن حينها أن هذه فكرة افتراضية نظرية، فإذا بأحداث 11 سبتمبر تحول هذه الفكرة إلى واقع حقيقي تعيشه العديد من المجتمعات والحركات الدينية وتدعو إليه، سواء في العالم الإسلامي أو في الغرب.

إجمالاً، هذه بعض المجالات التي أحدثتها هجمات 11 سبتمبر 2001 على شكل العالم الذي نعيشه اليوم والتي سوف تستمر معنا لعقود قادمة ما لم تتم عملية تغيير في الوعي العالمي تقوم بها أدوات الثقافة والفنون العابرة للحدود.