أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

ملف ضاغط:

هل تنجح إيران في تسوية مستحقات النفط مع كوريا الجنوبية؟

17 ديسمبر، 2019


تواجه إيران ضائقة مالية واسعة منذ عدة أشهر مع التراجع الشديد في العائدات الحكومية من النفط نتيجة العقوبات الأمريكية المفروضة عليها في أغسطس ونوفمبر 2018، وهو ما اضطرها في الفترة الأخيرة إلى ممارسة ضغوط على بعض مشتريها السابقين من النفط، ومن بينهم كوريا الجنوبية، لسداد مستحقاتها المالية نظير بيع النفط إليها في فترات ماضية. بيد أن قدرة طهران على تسوية هذه المستحقات المالية في القريب العاجل، تواجه عقبات عديدة، في ظل الإصرار الأمريكي على حرمانها من عائدات النفط، وهو ما يرجح قبول الطرفين لحل آخر قد يتمثل في توريد سلع إنسانية لإيران كآلية لسداد المدفوعات المالية المستحقة.

أزمة جديدة:

طالبت إيران، في نوفمبر الفائت، كوريا الجنوبية بتسديد مبالغ مالية تقدر بنحو 7 تريليون وون كوري جنوبي، أى ما يعادل 6 مليار دولار، نظير مشتريات الأخيرة من النفط الإيراني في فترات سابقة. وعلى هذا النحو، استدعت وزارة الخارجية الإيرانية السفير الكوري الجنوبي بطهران في الشهر الماضي، وعبرت عن أسفها لعدم تسديد هذه المبالغ على الرغم من إيداعها في بنكين كوريين وهما "ووري" و"بنك كوريا الصناعي"، إلا أنه لم يتم تحويلها للبنك المركزي الإيراني بسبب العقوبات الأمريكية.

ومنذ مايو 2019، توقف كوريا الجنوبية عن استيراد النفط الإيراني بعدما ألغت الولايات المتحدة الأمريكية الإعفاءات الممنوحة للأولى وسبع دول أخرى، من بينها الصين والهند واليابان، لمواصلة شراء النفط الإيراني. ومنذ ذك الحين، لم تستورد كوريا الجنوبية أية شحنات نفط خام من إيران. وبحسب بيانات حديثة للجمارك الكورية الجنوبية، لم تستورد كوريا الجنوبية أى نفط إيراني خلال نوفمبر الفائت.

وقد كانت إيران مُورِّداً رئيسياً للنفط الخام للسوق الكورية الجنوبية، حيث زودت كوريا الجنوبية بنحو 12 مليون برميل شهرياً، بما يوازي 400 ألف برميل يومياً من النفط الخام، أى ما يمثل حوالي 10% من إجمالي وارداتها قبل فرض العقوبات الأمريكية. كما اعتمدت كوريا الجنوبية بشكل أساسي على واردات المكثفات الإيرانية، وهو نوع خفيف جداً من النفط، لتلبية احتياجات صناعة البتروكيماويات منه في البلاد.

ولكن بعد الحظر الأمريكي على قطاع الطاقة الإيراني، لجأت الشركات ومصافي التكرير الكورية الجنوبية بشكل واضح لمصادر بديلة لتعويض نقص الإمدادات الإيرانية، وزادت من وارداتها من النفط الخام من منتجين آخرين أبرزهم الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والعراق.

اعتبارات مختلفة:

دفعت مجموعة من المتغيرات إيران إلى الاتجاه نحو ممارسة ضغوط على كوريا الجنوبية مؤخراً لتسديد مدفوعات النفط، ويتمثل أبرزها في الضائقة المالية التي تعاني منها في الفترة الحالية بسبب العقوبات الأمريكية، والتي نجم عنها تراجع شديد في العائدات الحكومية من النفط. وبحسب آخر بيانات متاحة، فقد تراجعت صادرات النفط الإيرانية إلى ما يقدر بنحو 400 ألف برميل يومياً في سبتمبر 2019 مقارنة بمستويات بلغت 1.95 مليون برميل يومياً في سبتمبر 2018. 

ومع تقلص عائدات النفط، عانت البلاد ضغوطاً مالية شديدة ظهرت ملامحها في الموازنة العامة للعام الجديد (الذي يبدأ في 21 مارس 2020)، والتي من المتوقع أن تسجل عجزاً مالياً بنسبة 4.5% ثم تزيد إلى 5.1% العام المقبل بحسب توقعات صندق النقد الدولي. فيما اضطرت إيران أيضاً لاتخاذ إجراءات عديدة لتقليص النفقات الجارية بالموازنة العامة مثل رفع أسعار البنزين للمستهلكين، في 15 نوفمبر الماضي، في خطوة يرجح أن تحقق وفرات للحكومة تقدر بنحو 2.5 مليار دولار سنوياً. وعلى هذا النحو، تنظر إيران إلى مستحقاتها المالية لدى الدول الأخرى كإحدى الوسائل المحتملة لإنقاذ موقفها المالي وسد عجز الموازنة العامة في الفترة المقبلة.

صعوبات محتملة:

أبدت كوريا الجنوبية استعدادها للتعاون من أجل ضمان تسديد المستحقات المالية لطهران، وهو ما يلاقي بطبيعة الحال ترحيباً من الجانب الإيراني. ولكن على الرغم من ذلك، فإن هناك صعوبات كبيرة قائمة أمام طهران لاستعادة هذه الأموال، يتمثل أبرزها في إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على حرمانها من عائدات النفط وتصفير صادراتها من الخام، فضلاً عن عدم ترحيبها بمساعي بعض الدول الأوروبية لمواصلة التعاملات التجارية مع إيران، بل وتهديدها بفرض عقوبات في حالة استمرار العمل بآلية "انستكس" للتجارة بين الطرفين.

وبالتالي يمكن القول إن استجابة كوريا الجنوبية لمطالب إيران بتسديد هذه المبالغ المالية في الفترة المقبلة تبدو صعبة، مع العلم بأن طهران واجهت موقفاً مماثلاً خلال العقوبات الدولية التي فرضت عليها في الفترة من 2011 إلى 2015، عندما فشلت في استرداد أموال تقدر بنحو 6 مليار دولار مستحقة لدى الهند نظير مدفوعات نفط، ولم يتم الإفراج عن معظمها سوى بعد الوصول للاتفاق النووي في يوليو 2015 ورفع تلك العقوبات في يناير 2016.

ولكن قد يكون من المرجح أن يلجأ الطرفان لحل آخر لتسوية هذه المستحقات، وذلك من خلال سدادها مقابل صادرات إنسانية من السلع الغذائية والأدوية إلى إيران، وهو أحد جوانب التجارة المعفاة من العقوبات الأمريكية. وقد سعت كوريا الجنوبية بالفعل في الأشهر الماضية إلى التنسيق مع الإدارة الأمريكية لضمان استمرار صادراتها الإنسانية للسوق الإيرانية.

​وفي يونيو الماضي، جرى تنظيم لقاء بين جين ووك المدير العام لمكتب الشئون الإفريقية والشرق الأوسط بوزارة الخارجية الكورية الجنوبية ونائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لمكافحة التهديدات المالية والعقوبات ديفيد بيمان، حيث ناقش الطرفان سبل تعزيز الصادرات الإنسانية من كوريا الجنوبية إلى إيران وتذليل الصعوبات التي تواجه الشركات الكورية الجنوبية في تصدير الأدوية والمعدات الطبية وغيرها من المنتجات الإنسانية إلى إيران من خلال نظام المعاملات الثنائية باستخدام العملة الكورية الجنوبية. 

وختاماً، يمكن القول إن إيران قد تواجه صعوبات شديدة في استرداد مستحقاتها المالية لدى بعض الدول، في ظل الإصرار الأمريكي على حرمانها من عائدات النفط، بما سيُقوِّض مساعيها للتغلب على المشكلات المالية الحادة التي تواجهها.