أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

متغيرات عديدة:

هل تتمكن السودان من تخطي أزمة التضخم؟

20 نوفمبر، 2018


تواجه السودان مأزقًا اقتصاديًا حادًا مع ارتفاع معدل التضخم لمستويات غير مسبوقة في الأشهر الماضية، بما تسبب بدوره في أزمة سيولة حادة لدى البنوك نتيجة شح نقود البنكنوت في الجهاز المصرفي، وهو ما تزامن مع التدهور المستمر لقيمة الجنيه مقابل الدولار في الفترة الماضية.

وبالأساس، تعود الأزمة المركبة الراهنة إلى تدهور عائدات صادرات البلاد من النفط منذ انفصال الجنوب في عام 2011، في الوقت الذي لم تستطع فيه الموارد الأخرى، على غرار الذهب، سد العجز التجاري المتزايد. ولاحتواء هذه الأزمة، ينبغي على الحكومة أن تواصل جهودها بالالتزام ببرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي طرحته مؤخرًا بجانب تعزيز السياسات النقدية والمالية لمواجهة التشوهات الاقتصادية القائمة.

ضغوط مستمرة:

وصلت الضغوط التضخمية غير المسبوقة التي تتعرض لها السودان إلى ذروتها في سبتمبر الماضي، عندما بلغ معدل التضخم 68.64% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وهو ما يعني أن المستهلكين يواجهون ارتفاعات كبيرة في أسعار السلع والخدمات في السوق. وبالتوازي مع ذلك، ارتفع الطلب المحلي على نقود البنكنوت بشكل عجز معه الجهاز المصرفي عن تلبية هذا الطلب، على نحو تسبب في أزمة سيولة حادة بالبنوك في الأسابيع الماضية.

وتزامنت التطورات السابقة مع تدهور سعر الصرف مؤخرًا، حيث اتسعت الفجوة بين سعر العملة المحلية في السوقين الرسمي والموازي بشكل كبير اضطر معه البنك المركزي إلى تخفيض قيمة الجنيه إلى 47.5 جنيه للدولار مؤخرًا، وذلك بعد إنشاء آلية جديدة مستقلة من خارج الحكومة لتحديد سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية تتكون من عدد من مدراء المصارف وأصحاب محال الصرافة وخبراء اقتصاد.

ومن اللافت أيضًا في هذا السياق أن الأوضاع الاقتصادية لم تتحسن بالشكل المتوقع بعد رفع جزء من العقوبات الأمريكية على السودان في أكتوبر 2017، حيث ظلت مستويات النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية دون المأمول خاصة في ظل تباطؤ الجهود المبذولة لإصلاح مناخ الاستثمار وتحسين السياسات النقدية والمالية في البلاد.

أسباب عديدة:

يعود نقص العملات الصعبة إلى التراجع الشديد في الصادرات النفطية جراء انفصال جنوب السودان منذ عام 2011، حيث لم تحقق المساعي التي بذلت لتنمية موارد النقد الأجنبي من مصادر أخرى، مثل الذهب، لتعويض هذه الفجوة نتائج بارزة، وهو ما تكشفه العائدات المحدودة من الذهب بتصدير 100 طن بقيمة 400 مليون دولار في العام الماضي، فضلاً عن تباطؤ تدفقات الاستثمار الأجنبي للبلاد في السنوات الماضية.

وعلى ضوء ذلك، تزايد العجز المالي للموازنة في الأعوام الماضية ليبلغ ذروته في العام الماضي بنسبة 1.8% من الناتج المحلي الإجمالي. ومن المتوقع أن يتزايد إلى 2.1% في عام 2018، بسبب نقص الإيرادات الحكومية، التي كان النفط يشكل الجزء الأكبر منها.

واستمر الميزان التجاري في تحقيق عجز خلال الأعوام الماضية بلغ نحو 3.2 مليار دولار في عام 2017، ولكنه أقل من 4.2 مليار دولار في عام 2016. وفي ظل هذا العجز، تآكلت الاحتياطيات النقدية ووصلت إلى أدنى مستوى لها في عام 2016 بقيمة 875 مليون دولار (أى تكفي لتغطية حوالي 1.4 شهر من الواردات).

وبطبيعة الحال، لم يكن هناك مفر أمام السلطات لمواجهة الأوضاع السابقة سوى السماح للجنيه بالانخفاض أمام الدولار نحو أربع مرات منذ عام 2016 وحتى الآن ليصل من 8 جنيهات مقابل الدولار إلى 47.5 مقابل الدولار بالسعر الحالي، إلا أن جهود الحكومة في احتواء هذا التدهور عبر تقييد الحصول على النقد الأجنبي لم تحقق النتائج المطلوبة.

احتواء الأزمة:

تحاول الحكومة اتخاذ إجراءات عاجلة لتدارك الأوضاع الاقتصادية السابقة: يتمثل أولها، في تبني برنامج إصلاح اقتصادي عاجل يمتد على مدى 15 شهرًا ويتضمن مزيدًا من تدابير ترشيد النفقات الحكومية وإلغاء جميع الإعفاءات الضريبية لسد العجز المتزايد للموازنة العامة. ويتعلق ثانيها، بطرح ورقة نقدية جديدة فئة 100 جنيه لتلبية الطلب المحلي على النقود في إطار مواجهة المعدلات المرتفعة للتضخم.

وينصرف ثالثها، إلى زيادة دعم السلع الحيوية كالطحين، حيث قررت الحكومة، مؤخرًا، زيادة الدعم للطحين إلى 35 مليون جنيه يوميًا بدلا من 25 مليونًا في السابق، وذلك في محاولة لاحتواء أى تداعيات محتملة لارتفاع التضخم على أسعار الخبز، بما قد يثير احتجاجات شعبية في الفترة المقبلة على غرار الأعوام الماضية.

ويتصل رابعها، بالجهود الدبلوماسية والسياسية التي تقودها الحكومة لدفع الولايات المتحدة إلى شطبها من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهى الخطوة التي ربطتها الإدارة الأمريكية الحالية بشروط عديدة، منها قيام الخرطوم بإجراء مزيد من الإصلاحات في مجالات مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان، على نحو يوفر فرصة لتنشيط الاقتصاد عبر استقبال مزيد من الاستثمارات الأجنبية.

كما تعول الحكومة، فيما يبدو، على الصين، باعتبارها أهم الشركاء التجاريين والاستثماريين للسودان، لضخ مزيد من رؤوس الأموال في السوق، بما ينشط الاقتصاد ويوفر مزيدًا من  فرص العمل.

وتبذل السودان أيضًا جهودًا كبيرة لتعزيز شراكاتها التجارية والاستثمارية مع العديد من القوى الإقليمية والدولية على غرار تركيا وروسيا لجذب الاستثمارات الأجنبية في قطاعات عديدة خاصة النفط والغاز والتعدين وغيرها.

ويبقى المحك الرئيسي لخروج الاقتصاد السوداني من مأزقه الحالي مرتبطًا بمدى الالتزام ببرنامج الإصلاح الاقتصادي الخاص بتعزيز الإيرادات الحكومية وتحسين أداء السياسات النقدية بما يمكن أن يؤدي، في نهاية المطاف، إلى تعزيز الثقة الدولية به في الفترة المقبلة.