أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

سياسات البقاء:

كيف تمول كوريا الشمالية الإنفاق العسكري في ظل العقوبات؟

17 ديسمبر، 2017


على الرغم من العقوبات العسكرية المفروضة عليها منذ سنوات، تمكنت كوريا الشمالية من الحفاظ على مستويات مرتفعة من الإنفاق العسكري لدعم برنامج التسلح الضخم، ويرجع ذلك إلى اعتبار بيونج يانج الإنفاق العسكري ضمن أولويات البقاء، واعتمادها على اقتصاديات الظل (Shadow Economics) في تمويل برنامجها العسكري، بالإضافة إلى بناء شبكات لتبادل المصالح عبر الحدود مع القوى الدولية مثل الصين بما يكفي لتمويل أنشطتها العسكرية.

اتجاهات النمو الاقتصادي:

على الرغم من العقوبات التي يعاني منها اقتصاد كوريا الشمالية، إلا أن الناتج المحلي الحقيقي لكوريا الشمالية قد ارتفع في عام 2016 بنسبة قدرها 3.9% مقارنةً بالعام الذي سبقه، وهو أعلى معدل نمو شهده منذ عام 1999، وذلك بسبب ارتفاع إجمالي الصادرات بنسبة 4.6٪ لا سيما صادرات المعادن، وارتفاع إنتاج قطاع المناجم بما يعادل 8.4%، والصناعات الكيمائية والثقيلة بما يعادل 6.7٪، بالإضافة إلى التبادل التجاري مع الصين، وفقًا لتقرير صادر عن البنك المركزي لكوريا الجنوبية في يوليو 2017.

كما يُرجع بعض الاقتصاديين هذا النمو الذي شهده الاقتصاد الكوري إلى الإصلاحات الاقتصادية التي حدثت في عام 2011، حيث تم السماح لمديري المصانع بتحديد رواتب الموظفين، وإعطائهم صلاحيات التعيين والفصل، كما استبدل نظام الجمعيات الزراعية مما قاد إلى نمو في القطاع الزراعي.

وعلاوة على ذلك، سمحت الحكومات بتوسيع الفرص أمام المشروعات الخاصة، بيد أن الحكومة تزعم أنها لا تزال تتبع مبادئ الاشتراكية، وترفض الاعتراف بالتعديلات التي أُدخلت على الاقتصاد الكوري، وتظل الأرقام المتداولة عن الوضع الاقتصادي في كوريا الشمالية مجرد تقديرات محتملة وغير مؤكدة، بل إنها تتضارب مع بعضها بعضًا.

تصاعد الإنفاق العسكري:

يستند النظام الحاكم في كوريا الشمالية إلى عقيدة "زوتشيه"، أي روح الاعتماد على الذات والتي تقوم على ثلاثة مبادئ: "الشاجو" ويعني الاستقلال السياسي، و"الشارب" ويشير إلى الاكتفاء الذاتي في الاقتصاد، و"شاوي" أي الدفاع عن الوطن. 

ويعتقد النظام الكوري أن التميز العسكري وامتلاك الأسلحة القوية هو ما يتيح تحقيق هذا المبدأ، وقد تم دمج هذه العقيدة بسياسة سونغون "الجيش أولًا" في عام 1996.

ويصعب إيجاد مصادر دقيقة تشير إلى معدلات الإنفاق العسكري الكوري، حيث إن هذه البيانات غير مذكورة في التقارير الأكثر مصداقية ودقة، بيد أن آخر تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية يذكر أن حوالي ربع الميزانية العامة تتوجه إلى الإنفاق العسكري المتنامي سنويًّا، كما يؤكد التقرير أن المتوسط السنوي للإنفاق العسكري الكوري قد بلغ ما يعادل 3.5 مليارات دولار في الفترة ما بين عام 2004 إلى عام 2014. 

وقد قدرت وزارة الدفاع بكوريا الجنوبية تكلفة إطلاق الصواريخ الباليستية الكورية منذ عام 2011 إلى يوليو 2016 بما يقدر بحوالي 97 مليون دولار، وأكد تقرير للاستخبارات الدفاعية الأمريكية صدر في يوليو 2017 أن كوريا الشمالية تمتلك ما يُقدَّر بحوالي 60 رأسًا نوويًّا، فيما يشير تقرير معهد استوكهولم لدراسات السلام الدولي الصادر في يوليو 2017 إلى تقديرات أقل، إذ يشير إلى ما يتراوح بين 10 إلى 20 رأسًا نوويًّا.

وتشير وزارة الدفاع الوطني الكوري الجنوبي في أحد تقاريرها الصادرة في مايو 2017 إلى امتلاك كوريا الشمالية ترسانة من الأسلحة الكيميائية تشتمل على غاز الخردل، والكبريت، والكلور، والفوسجين، والسارين. ويقدر مخزون الأسلحة الكيميائية لديها بما بين 2500 إلى 5000 طن. ويعتقد أن كوريا الشمالية تمتلك بعض الأسلحة البيولوجية التي تجعل لديها القدرة على إنتاج مسببات الأمراض كالجمرة الخبيثة والجدري.

مصادر تمويل التسلح:

في ظل تصاعد تكلفة التسليح لكوريا الشمالية، بالتوازي مع تشديد العقوبات الدولية عليها من قبل مجلس الأمن، لجأت كوريا الشمالية إلى الاعتماد على وسائل تمويلية مختلفة لتدبير الإنفاق العسكري، منها مزاولة أنشطة غير مشروعة.

وقد رصد مجلس الأمن في تقريره الصادر في فبراير 2017 حالات تعاون بشكل خفي بين كوريا الشمالية وبعض الدول في محاولة منها للالتفاف على العقوبات، وقد ساعدت الشمولية المسيطرة على كوريا في توجيه نسب كبيرة ومتزايدة من الميزانية العامة صوب الإنفاق العسكري. فعلى الرغم من أن المواطنين قد يرغبون في تقليص الإنفاق العسكري، وتوجيه هذه المليارات إلى أولويات أخرى كالدعم ومشروعات التنمية؛ إلا أن الديكتاتورية الحاكمة ستركز على تحقيق الأولويات من وجهة نظر الحاكم وليس المواطن، وفيما يلي أبرز الدعائم التمويلية لكوريا الشمالية كما يلي:

1- الشراكات الدولية: على الرغم من تضييق خناق الشراكة على كوريا الشمالية إلى حد جعلها دولة منبوذة على صعيد التجارة الخارجية؛ إلا أنها استطاعت خلق شراكات مع بعض الدول الآسيوية مثل الصين التي تعتبر أكبر الدول الشريكة لها، حيث وصل حجم الصادرات الكورية إلى الصين ما يعادل 2.57 مليار دولار وذلك في عام 2015، ووصل حجم التجارة الثنائية بينهما إلى ما يصل لحوالي 5.51 مليارات دولار وذلك وفقًا لتقرير معهد استوكهولم لدراسات السلام، الصادر في فبراير 2017، عن الشراكة بين الصين وكوريا الشمالية. 

ولا يقتصر الدور الصيني على التبادل التجاري الضخم فقط، بل يتعداه إلى تقديم الدعم الفني للبرنامج النووي، وكذلك قيام مؤسسات مالية وشركات ضخمة وبنوك بتسهيل التحويلات النقدية إلى كوريا الشمالية.

وتأتي بعد الصين بعض الدول التي تحتل نسبًا متنامية في تجارتها مع كوريا الشمالية، وهي: الهند، باكستان، روسيا، بوركينافاسو.

2-صادرات المعادن: تنشط كوريا الشمالية في تصدير المعادن إلى الدول الآسيوية وكذلك إلى روسيا والاتحاد الأوروبي، فقد رصد المراقبون الدوليون تصدير الفحم والحديد والذهب إلى الصين، وسلفادور، والهند، وإندونيسيا، وباكستان، والفلبين، وسلوفاكيا.

وتظهر البيانات أن كوريا الشمالية قامت بتصدير الفحم والحديد إلى مجموعة من الشركات الصينية في الفترة من أبريل إلى نوفمبر 2016، وقدرت صادرات الفحم بـ791 مليون دولار تقريبًا، بينما بلغت تكلفة صادرات ركائز الحديد ما يقدر بنحو 60 مليار دولار وفقًا لتقرير مجلس الأمن.

3-تصدير العمالة القسرية: ذكر تقرير مجلس الأمن أن حزب العمال الكوري لديه علاقات مع شركة (Rungrado) التي يعمل لديها أكثر من 10 آلاف موظف لديها، وتمتلك فروعًا في أكثر من ٤٠ دولة، ووفقًا للمراقبين الدوليين فإن هذه الشركة تضطلع بإيفاد عاملين كوريين قسريًّا إلى دول خارجية، أبرزها بولندا وروسيا والصين، بهدف تدبير مبالغ ضخمة من العملات الأجنبية لحكومة كوريا الشمالية واستغلالها في تمويل ترسانة الأسلحة النووية.

4- مبيعات السلاح: تجني كوريا الشمالية أموالًا ضخمة كحصيلة لمبيعاتها من السلاح إلى دول شرق أوسطية وإفريقية، ورصد المراقبون عددًا من صفقات السلاح الموجهة إلى دول إفريقية في الفترة الأخيرة، من أبرزها تصدير منظومات الدفاع الجوي المحمولة وقذائف سطح إلى موزمبيق، وأيضًا تجديد سفن خفر السواحل في أنجولا، وبناء سفن في سريلانكا، بالإضافة إلى تصدير أسلحة وتدريب الحرس الرئاسي بالكونجو، بحسب تقرير مجلس الأمن أيضاً.

5- الجرائم السيبرانية: يتم اتهام كوريا الشمالية بأنها في السنوات الأخيرة استطاعت تطوير شبكة تحويلات مالية مشبوهة باستخدام البنية التحتية الذكية للصين وماليزيا، وتقوم من خلالها بسرقة أموال بعملات مختلفة تقليدية وإلكترونية وتحويلها إلى حسابها. فعلى سبيل المثال، اتُّهمت كوريا الشمالية، في فبراير 2016، بسرقة 81 مليون دولار من حساب البنك المركزي البنجلاديشي لدى البنك الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك، ناهيك عن الهجمات الإلكترونية المتكررة على بنوك ومؤسسات تابعة لكوريا الجنوبية، فوفقًا لتقرير صادر عن شركة الأمن السيبراني الروسية "كاسبيرسكي" في أبريل 2017، فإن النظام الكوري الشمالي يرتبط بالهجمات على 18 دولة. ولتعظيم مكاسبها من الجرائم السيبرانية تستخدم كوريا الشمالية العملة الإلكترونية بيتكوين في تحويلاتها، كما تحتفظ باحتياطيات نقدية ضخمة لدى الصين.

6- تصدير المواد المخدرة: تتهم حكومة الولايات المتحدة النظام الكوري بالضلوع في تصنيع وتصدير الأنواع المختلفة من المواد المخدرة، والتي تصل إلى مناطق مختلفة من العالم، والتي تتصاعد بصورة غير مسبوقة مع تشديد العقوبات.

ختامًا، تتوقف إمكانية محاصرة مصادر تمويل الإنفاق العسكري لبيونج يانج، على عدد من العوامل، منها: القدرة على تقليص الدعم الصيني، فقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية للضغط على الصين من أجل الحد من دعمها لكوريا الشمالية، وبالرغم من إعلان الصين في أغسطس ٢٠١٧ عن توقف استيراد الفحم من كوريا الشمالية حتى نهاية عام ٢٠١٧، إلا أن شبكة المصالح بين الطرفين تظل واسعة ومتشعبة، بالإضافة إلى أن الصين تعتبر كوريا الشمالية منطقة عازلة، خاصةً وأنها محاصرة بحلفاء الولايات المتحدة، وأي أزمات اقتصادية ضخمة في كوريا الشمالية من شأنها أن تؤدي إلى تدفق المهاجرين إلى الصين، من جانب آخر فإن هناك ثغرات متعددة في نظام التحويلات النقدية العالمية تستغلها كوريا الشمالية لتسهيل تحويلاتها المالية المشبوهة. كما تسعى كوريا في الوقت الحالي لتطوير أسلحة نووية أقل كلفة، ويرى بعض المحللين أن هذا سيقلل من الحاجة إلى التسليح التقليدي، وعليه فإنه سيحقق وفورات مالية للميزانية من شأنها أن تقابل العقوبات الموقعة عليها.