أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

شراكة خاصة:

ما هي استراتيجية الناتو في العلاقة مع المغرب؟

31 مارس، 2024


أشار التقرير السنوي الصادر عن ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، إلى اهتمام الحلف بمواصلة مشاورات مكافحة الإرهاب مع المغرب، باعتبارها أحد أهم شركاء الحلف من خارجه في القارة الإفريقية، وتحديداً في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا؛ إذ أشار التقرير إلى أنه خلال عام 2023؛ قام الحلف بإجراء مشاورات خاصة بمجال مكافحة الإرهاب مع عدد من شركائه، ومنهم: المغرب وقطر والعراق والكويت وكولومبيا.

دوافع مُحددة:

أثار الحديث عن الشراكة القائمة بين حلف شمال الأطلسي والمملكة المغربية التساؤلات حول الدوافع التي استند إليها الحلف لمواصلة مشاوراته معها على وجه التحديد في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا باعتبارها شريكاً موثوقاً فيه ولا يمكن الحياد عنه، فمن الملاحظ أن تلك المشاورات لم تشمل دولاً أخرى من نفس المنطقة مثل الجزائر، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1. الموقع الاستراتيجي للمغرب: تتمتع المغرب بموقع جيوستراتيجي مهم، وذلك بوقوعها جنوب القارة الأوروبية وإطلالتها على المحيط الأطلسي، فالمغرب هي الأقرب للقارة الأوروبية عبر مضيق جبل طارق، وفي نفس الوقت ترتبط المغرب بالقارة الإفريقية، وخاصة بمنطقة الساحل والصحراء والغرب الإفريقي، وهي منطقة مصالح استراتيجية للدول الأوروبية والولايات المتحدة؛ الأمر الذي يدفع حلف "الناتو" لتعزيز شراكته الأمنية مع المغرب، وخاصة فيما يتعلق بمجال مكافحة الإرهاب؛ نظراً لقربها من مناطق تصاعد الأنشطة الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء من جهة، كما أن المغرب تُعد بوابة رئيسية للهجرة غير الشرعية إلى الدول الغربية من جهة أخرى. 

2. الخبرة المغربية في مجال مكافحة الإرهاب: تتمتع المغرب بخبرات أمنية ومخابراتية كبيرة في مجال مكافحة الإرهاب، وذلك من خلال اعتمادها على استراتيجية "الضربات الاستباقية" التي نجحت إلى حد كبير خلال السنوات الأخيرة في تحييد قدرات التنظيمات الإرهابية ومنعها من تنفيذ عمليات إرهابية في الداخل المغربي، وقد نجحت هذه الاستراتيجية في الحفاظ على الأمن القومي للمغرب؛ الأمر الذي دفع حلف شمال الأطلسي لتعزيز اتصالاته وعلاقاته مع المغرب نظراً لما تمتلكه من خبرات في هذا المجال، وأيضاً في مجال مواجهة تدفقات الهجرة غير الشرعية إلى الدول الأوروبية.

3. الثقل السياسي للمغرب: نجحت المغرب خلال الفترة الأخيرة في تحقيق نجاحات دبلوماسية على صعيد تطوير نمط علاقاتها الثنائية مع العديد من الدول، ولاسيما الدول الأوروبية، ونجحت السياسة الخارجية المغربية في الحصول على اعترافات دولية بسيادتها على إقليم الصحراء المتنازع عليه، ولاسيما من قبل القوى الكبرى مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، وإسبانيا، هذا بالإضافة إلى التحول النوعي الملاحظ في الموقف الفرنسي تجاه هذه القضية خلال الفترة الأخيرة، هذا بالإضافة إلى نجاحها في تغيير مواقف العديد من الدول الإفريقية في هذا الخصوص؛ مما أثبت قدرة مغربية على التأثير في هذه الدول، وهو ما يمكن توظيفه لتحقيق أهداف حلف "الناتو" داخل إفريقيا خلال الفترة المقبلة.

4. "ناتو إفريقي": إذ سبق للمغرب أن ساعدت الحلف على تنفيذ رؤيته بفاعلية، فعلى سبيل المثال، أسست المغرب نواة لتحالف يضم الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي "ناتو إفريقي" عام 2022، وذلك بالتماشي مع توجهات حلف شمال الأطلسي لتوسيع عضويته لتضم دولاً جديدة من خارجه، وخاصة في الدول الإفريقية، ومن شأن "الناتو الإفريقي" تنفيذ توجهات وسياسات حلف شمال الأطلسي، وخاصة فيما يتعلق بحصار النفوذ الروسي في القارة الإفريقية، والعمل على الحد من مزيد من التمدد الروسي على حساب النفوذ الغربي.

استعادة الدور:

تكشف إشارة التقرير السنوي الصادر عن حلف شمال الأطلسي إلى مواصلة المشاورات مع المغرب باعتبارها شريكاً رئيسياً في مجال مكافحة الإرهاب؛ عن سعي الحلف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسية، ومن أبرزها ما يلي:

1. تطوير الشراكة الأمنية مع المغرب: يتبنى حلف شمال الأطلسي سياسة تهدف لإقامة شراكات أمنية لدعم المهام الأساسية التي يقوم بها، وخاصة فيما يتعلق بمجال مكافحة الإرهاب في القارة الإفريقية، وفي ظل المشهد الأمني الذي يتسم بقدر كبير من الفوضى والاضطراب بالمنطقة، رأى قادة الحلف أهمية تطوير الشراكات الأمنية الموجودة بالفعل، ومنها الشراكة الأمنية مع المغرب، بما يعزز قدرات الحلف على مواجهة التحديات الأمنية المشتركة، فالحلف له شراكات مع 35 دولة حول العالم والعديد من المنظمات الدولية، والتي يقوم بتوظيفها للحصول على مختلف أنواع الدعم سواء أكان دعماً عينياً من خلال مراكز التدريب والتعليم الخاصة بالشراكة التابعة للحلف، أم من خلال المساهمات المالية في الصناديق الائتمانية للحلف. 

وهو ما يُفسر مُشاركة المغرب في بعض التدريبات العسكرية المشتركة تحت إشراف "الناتو" خلال عام 2023، ومنها التدريبات العسكرية (STEADFAST JACKAL 23) التي أجريت في إسبانيا والنرويج، في شهر ديسمبر 2023، كما شاركت المغرب في مناورات "حراسة البحر 2023" غرب البحر المتوسط وبالقرب من مضيق جبل طارق، وذلك في إطار العملية المشتركة المسماة (FOCOPS 23-6)، والتي شاركت فيها فرقاطة "مولاي إسماعيل"، وهي من طراز "سيجما 9813"، كما شاركت القوات المسلحة المغربية في دورات التعليم العسكري التي أعدّها الحلف لتطوير مؤسسات التعليم العسكرية المهنية في عدد من الدول ومنها المغرب، وذلك في إطار الدعم الثقافي العسكري لرفع قدرات الضباط غير المعينين بالقوات المسلحة المغربية.

2. مُواجهة الدور الروسي المتنامي: يأتي الحديث عن تعزيز شراكة حلف "الناتو" بالمغرب في سياق تصاعد التوترات الأمنية في منطقة الساحل والصحراء التي تشهد صعوداً متسارعاً للنفوذ الروسي، فخلال السنوات الثلاث الأخيرة؛ نجحت موسكو في تمديد نفوذها وتعزيز دورها في دول منطقة الساحل والصحراء، ولاسيما في كل من بوركينا فاسو ومالي والنيجر، وهو ما ترتب عليه بشكل مباشر تراجع النفوذ الغربي بشكل كبير في تلك المنطقة التي لا تزال تشهد اضطرابات سياسية وأمنية متزايدة، وهو ما دفع حلف "الناتو" للتفكير في ضرورة احتواء المغرب وتعزيز علاقة الشراكة القائمة معها للحيلولة دون امتداد النفوذ الروسي إليها من جهة، ومحاولة توظيف هذه الشراكة لتعزيز دور "الناتو" في منطقة الساحل والصحراء من جهة أخرى، وهنا قد يستفيد حلف "الناتو" من المبادرة المغربية الخاصة بتسهيل وصول دول هذه المنطقة إلى المحيط الأطلسي والمعروفة بمبادرة الأطلسي؛ التي طرحها الملك المغربي محمد السادس، ورحبت بها دول بوركينا فاسو والنيجر ومالي، وأبدت تلك الدول استعدادها للتعاون مع المغرب؛ لتعظيم مكاسبها السياسية والاقتصادية من هذه المبادرة.

وفي المقابل يساعد ذلك الأمر المغرب على تعزيز نفوذها في تلك الدول، وهنا يمكن لحلف "الناتو" أن يستخدم شراكته مع المغرب باعتبارها شريكاً متميزاً مع موريتانيا؛ لبناء كتلة موالية فاعلة للحلف في منطقة الساحل والصحراء والغرب الإفريقي؛ لملء الفراغ الأمني الذي نتج عن خروج فرنسا من تلك المنطقة. 

3. مُواجهة التهديدات الإرهابية المتصاعدة: يسعى حلف "الناتو" لتعزيز شراكته الأمنية مع المغرب؛ من أجل تعزيز القدرات العسكرية والأمنية الخاصة بمواجهة خطر الإرهاب المتنامي في القارة الإفريقية، خاصة وأن الحلف قام بتبني عدد من الآليات مثل: برنامج العمل للدفاع ضد الإرهاب، وإنشاء خلية استخبارات إرهابية في مقر "الناتو"، وإجراء بحوث تكنولوجية بشأن جهود مكافحة الإرهاب، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة للتصدي للهجمات الإرهابية السيبرانية وحماية البنية التحتية كحماية الموانئ، وخلال السنوات الأخيرة تراجع الدور الأمني الأوروبي في منطقة الساحل والصحراء وخاصة بعد الانقلابات العسكرية التي شهدتها دول المنطقة؛ الأمر الذي تبرز معه أهمية تعزيز التعاون الأمني مع المغرب لحماية الحدود الجنوبية لحلف "الناتو"، وتحديداً في منطقة شمال إفريقيا والساحل والصحراء، وقد يكون ذلك بدعم الحلف لمشروع حلف "الناتو الإفريقي" الذي يضم الدول المطلة على المحيط الأطلسي مع التركيز على المغرب وموريتانيا باعتبارهما من الحلفاء.

4. تأمين إمدادات الطاقة: يسعى قادة حلف "الناتو" لتعزيز علاقة الحلف وأعضائه بالمغرب ليس فقط على المستوى الأمني، وإنما يمتد ذلك لتأمين الحصول على إمدادات الطاقة، وخاصة مع استمرار تداعيات امتداد الأزمة الأوكرانية على إمدادات الدول الأوروبية من الغاز الطبيعي، وفي هذا السياق فإن تطوير الشراكة القائمة مع المغرب يضمن لدول حلف "الناتو" الحصول على الغاز الطبيعي عبر مشروع نقل الغاز من نيجيريا إلى المغرب، غير أن التحديات الأمنية في منطقة الساحل والصحراء تُعد من أبرز عقبات تنفيذ هذا المشروع، إضافة إلى التكلفة المالية العالية للمشروع، وهو ما يدفع حلف "الناتو" للتفكير في تحقيق الاستقرار الأمني في تلك المنطقة لضمان تنفيذه والاستفادة المستقبلية منه في حال تنفيذه بالفعل.

فرص الرباط:

على الجانب الآخر، يحقق هذا التقارب بين حلف شمال الأطلسي والمغرب عدداً من الأهداف للأخيرة، يمكن إبرازها على النحو التالي:

1. رفع القدرات العسكرية للمغرب: تشمل الشراكة الأمنية والعسكرية مع حلف "الناتو"؛ رفع جاهزية القوات المسلحة المغربية وتطوير قدراتها العسكرية، وخاصة فيما يتعلق بالمواجهات العسكرية والعمليات الخاصة بمجال مكافحة الإرهاب، وذلك عبر المشاركة في المناورات العسكرية المشتركة، والحصول على دورات تدريبية للضباط بما في ذلك استخدام الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية الحديثة، كما أن الشراكة القائمة بين المغرب وحلف "الناتو" تشمل استخدام الأسلحة الخفيفة والصغيرة، بالإضافة إلى أن استضافة المغرب لمناورات الأسد الإفريقي في نسختها الجديدة والمقرر إجراؤها في مايو 2024؛ من شأنه تحقيق المزيد من تطوير القدرات العسكرية للمغرب، وتأكيد قوة العلاقات المغربية الأمريكية على الصعيد العسكري ومع حلف "الناتو".

2. المساهمة في الحفاظ على الأمن القومي للمغرب: وذلك من خلال استخدام المغرب للشراكة الأمنية والعسكرية القائمة مع حلف "الناتو" في مواجهة تهديدات أمنية محتملة، وخاصة في ظل توتر العلاقات السياسية والأمنية مع الجزائر، فقد تحاول المغرب توظيف شراكتها مع حلف "الناتو" كرسالة ردع لجارتها الجزائر التي قطعت علاقاتها مع المغرب وتتهمها بزعزعة استقرارها الأمني، وأيضاً ضد جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر عسكرياً ومادياً.

3. تعزيز المكانة السياسية للمغرب: وذلك من خلال اعتبار حلف "الناتو" للمغرب شريكاً رئيسياً له من خارج الحلف في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا؛ الأمر الذي توظفه المغرب لتعزيز دورها ونفوذها السياسي والأمني في القارة الإفريقية بصفة عامة؛ إذ ستقوم المغرب بتوظيف هذه الشراكة لتعزيز نفوذها بشكل أكبر، وذلك انطلاقاً من اعتماد حلف "الناتو" عليها كشريك رئيسي في تحقيق السلم والأمن على مستوى القارة الإفريقية وحماية الشعوب الإفريقية ضد المخاطر والتهديدات الأمنية المتزايدة، وهو ما يساعد المغرب على تنفيذ مقاربتها الاقتصادية والتنموية لمساعدة شعوب الدول الإفريقية على تحقيق التنمية الاقتصادية وتوسيع النفوذ المغربي في تلك الدول.

وفي الختام، فإن إعلان حلف شمال الأطلسي مواصلة مشاوراته مع المغرب في مجال مكافحة الإرهاب؛ بصفتها شريكاً رئيسياً في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا؛ يؤكد أهمية الدور المغربي في هذا المجال من جهة، كما يشير إلى حرص "الناتو" على تعزيز حضوره الأمني في القارة الإفريقية من جهة أخرى، وهو ما يرجح أن تشهد الفترة المقبلة تدخلاً مباشراً من قبل حلف "الناتو" في بعض الأزمات المثارة داخل القارة الإفريقية؛ في محاولة لتأمين مصالح الحلف من جهة، ومواجهة النفوذين الروسي والصيني المتصاعدين في إفريقيا من جهة أخرى.