أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

اللعبة المزدوجة:

معاقبة نواب بحزب الله.. هل تنهي واشنطن فصل السياسي عن العسكري؟

26 يوليو، 2019


جاء قرار وزارة الخزانة الأمريكية، في 9 يوليو 2019، بإدراج 3 قيادات جديدة من "حزب الله" اللبناني على قائمة العقوبات لافتًا، نظرًا لأنه يمثل السابقة الأولى لفرض عقوبات على الصف الأول من "حزب الله"، من بينهم نائبان في البرلمان اللبناني هما: النائب "محمد رعد" رئيس الكتلة النيابية، والنائب "أمين شري". فيما يشغل الشخص الثالث وهو "وفيق صفا" موقع رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في "حزب الله"، وهو ما يؤكد أنّ انعكاسات التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران قد أصبحت تُلقي بظلالها على "حزب الله"، في إطار سعي واشنطن لتحجيم أذرع طهران في منطقة الشرق الأوسط.

دلالات عقوبات "حزب الله":

استفاد "حزب الله" من الطبيعة المزدوجة لأنشطته، وتقبل المجتمع الدولي الفصل بين جناحيه العسكري والسياسي. وفي هذا الإطار، تأتي العقوبات الجديدة لتكشف عن مجموعة من الدلالات التي يمكن توضيحها فيما يلي: 

1- عزل "حزب الله": أتت العقوبات الجديدة لتؤكد إصرار الإدارة الأمريكية على أن استمرار "حزب الله" في تأدية دوره كذراع لإيران لزعزعة استقرار المنطقة انطلاقًا من لبنان ستتم مواجهته بخطوات تصعيدية، وضمن سياق متدرج. حيث اعتبر وزير الخارجية الأمريكية أن الأشخاص المستهدفين بالعقوبات "استغلوا مناصبهم لتسهيل الجهود الحثيثة التي يمارسها حزب الله والإيرانيون لتقويض سيادة لبنان".

وتزامن هذا مع دعوة مساعد وزير الخزانة الأمريكية لشئون تمويل الإرهاب "مارشال بيلينجسلي"، في 9 يوليو 2019، لتجميد أصول هذه الشخصيات وممتلكاتها وإقفال حساباتها البنكية، وهو ما يدل على محاولات تطويق وعزل "حزب الله"، في حين حذر بعض نواب "حزب الله" من هذه الإجراءات، مثل "إسماعيل سكرية" الذي صرح قائلًا: "أي إجراء للحكومة اللبنانية تجاه أحد نواب أو وزراء الحزب سيؤدي إلى انهيار الدولة". 

2- شبكات الاقتصاد السري: أشارت العديد من التقارير إلى تضخّم شبكات الاقتصاد السري لـ"حزب الله" والتي يعمل على إدارتها رجال أعمال مقربون من "حزب الله". فعلى سبيل المثال، أشار تقرير منشور في "ذا ناشيونال إنترست"، في يناير 2019، تحت عنوان "تمويل حزب الله هو كعب أخيل"، إلى أن "حزب الله" قام بإنشاء شركات وهمية في مناطق تواجده في العراق وسوريا من أجل استقبال الأموال، ولذلك فإن محاولات تضييق الخناق عليه تبدأ بتجفيف مصادر تمويله، ومن ثم سعت الإدارة الأمريكية إلى فرض عقوبات على الشخصيات غير الأمنية المنخرطة في أنشطة الحزب الاقتصادية.

3- حشد الحلفاء: أكدت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" أن أي تمييز بين الجناحين السياسي والعسكري لـ"حزب الله" مصطنع تمامًا، ودعا حلفاء الولايات المتحدة إلى إدراج "حزب الله" ككل كمنظمة إرهابية، وذلك في إشارة إلى كلٍّ من فرنسا وألمانيا اللتين لا تزالان تميزان بين جناحي "حزب الله" العسكري والسياسي، فقد سبق وأن صرح الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" في فبراير 2019، بأن فرنسا تتحاور مع الجناح السياسي لـ"حزب الله"، فيما رفض البرلمان الألماني في يونيو 2019 المقترح المقدم بتصنيف "حزب الله" كمنظمة إرهابية. 

سياقات إقليمية معقدة:

تأتي هذه العقوبات في ظل التصعيد بين إيران والولايات المتحدة، وإعلان طهران في مطلع يوليو 2019 أن مخزونها من اليورانيوم المخصب سيتجاوز نسبة 3.6% التي يسمح بها الاتفاق النووي. ومن ثم يرى بعض المحللين أن هذه العقوبات ترتبط بالسياقات المعقدة في الإقليم، وهو ما أكده أمين عام حزب الله "حسن نصر الله" في 12 يوليو في حديثه التليفزيوني، حيث أشار إلى أن "فرض عقوبات على الأخوين النائبين يُعتبر إساءة للمجلس النيابي، والدولة أهينت بفرض العقوبات، فلتدافع عن نفسها"، كما أنه أكد وجود مساعٍ أمريكية لفتح قنوات اتصال مع "حزب الله"، ورأى أن إيران لن تفاوض تحت الضغط، وأن الإدارة الأمريكية لم تمتنع عن مهاجمة إيران إلا بعد إسقاط الدرون الأمريكية، وشعور واشنطن بأن هناك تهديدًا إيرانيًّا للمصالح الأمريكية في المنطقة، مستبعدًا رغبة إيران في الحرب.

ويُمكن القول إن العقوبات الأمريكية على "حزب الله" جاءت في إطار رغبة واشنطن في ممارسة أقصى قدر من الضغوط على طهران. فعلى سبيل المثال، أشار الدبلوماسي الأمريكي السابق "وليام بيرنز" في حديث أدلى به لوكالة "رويترز" في يونيو 2019 إلى أن كل طرف يسعى لممارسة أقصى أنواع الضغط، ولكن مع غياب أهداف واضحة أو واقعية، مشبهًا الوضع بجولة ملاكمة قاسية مع اتفاق مسبق بين الطرفين على إبقاء الآخر على قيد الحياة.

وفي هذا السياق، تم إيقاف سفينة إيرانية محملة بالنفط متجهة إلى سوريا في مضيق جبل طارق، مما أكد وجود محاولات إيرانية للالتفاف على العقوبات، وتعتبر الحدود البرية السورية-اللبنانية من الوجهات المحتملة لإيران لخرق العقوبات، حيث تنشط عمليات التهريب، وتنتشر المعابر غير الشرعية التي يُقدر عددها بحوالي 136 معبرًا تتواجد بشكل خاص في الأماكن التي يسيطر عليها "حزب الله"، وهو ما دفع رئيس حزب القوات اللبنانية "سمير جعجع"، في يونيو 2019، إلى وصفها بأنها "مثلث برمودا"، مطالبًا وزيري الدفاع والداخلية بالعمل على إغلاقها. كما أشارت بعض التقارير الصحفية في شهري مارس وأبريل 2019 إلى إغراق السوق المحلية اللبنانية بكميات كبيرة من الحديد الإيراني الذي يتم شحنه إلى مرفأ اللاذقية في سوريا، ومن ثم يتم نقله برًّا إلى الأراضي اللبنانية كوسيلة لخرق العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران. 

التداعيات على الداخل اللبناني:

أثارت العقوبات الجديدة قدرًا كبيرًا من الجدل، فهي مفروضة على عدد من الشخصيات المنخرطة في المؤسسات الرسمية للدولة اللبنانية. وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى أبرز تداعيات العقوبات الجديدة على الداخل اللبناني فيما يلي:

1- انقسام الحكومة اللبنانية: صرح رئيس الحكومة اللبنانية "سعد الحريري" بأن هذه الخطوة "لن تؤثر على عمل الحكومة اللبنانية والبرلمان اللبناني"، ولم تجتمع الحكومة اللبنانية حتى الآن، مما أدى إلى تأخير النقاش حول الموقف الموحد من العقوبات الجديدة التي طالت أعضاء في البرلمان اللبناني، حيث إن على الحكومة الموازنة بين رغبة "حزب الله" في إدانة هذه العقوبات التي اعتبرها رئيس مجلس النواب اللبناني "نبيه بري" "بأنها عدوان على لبنان"، وبين عدم تحمل تبعات دعم "حزب الله" في مواجهة الخارج، ولا سيما أن العقوبات توحي بوجود احتمالات للتصعيد تجاه مؤسسات الدولة اللبنانية، وبتصاعد محتمل للعقوبات قد يشمل حلفاء الحزب (مثل: حركة أمل، والتيار الوطني الحر). وفي هذا السياق، كشفت صحيفة "الأخبار" المقربة من "حزب الله" أن هناك حزمة جديدة من العقوبات تشمل عددًا من رجال الأعمال، وادّعت الصحيفة أن واشنطن في انتظار التوقيت المناسب للإعلان عن شمولهم في العقوبات.

2- انخفاض الثقة الدولية: صرحت مصادر مقربة من جمعية المصارف اللبنانية مرارًا بأنها ستلتزم بتنفيذ العقوبات الدولية، والتقيد بالتعليمات التي يُصدرها مصرف لبنان في هذا المجال الذي يصر على تطبيق الأنظمة واللوائح الأمريكية بالكامل، ولا يُرجَّح أن يكون للعقوبات تأثير مباشر على المصارف، لأن هناك اتفاقًا ضمنيًّا بين المصارف و"حزب الله" على عدم فتح حسابات مصرفية لقياداته، كما أن رواتب نواب "حزب الله" تُدفع نقدًا وبشكل مباشر دون مرورها بالشبكات البنكية، إلا أن هذه العقوبات قد تؤثر على الثقة الدولية في وضع لبنان المالي، مما قد يؤدي إلى تخفيض تصنيفه الاقتصادي في ظل أن لبنان يستعد لاستقبال مساعدات مؤتمر سيدر.

3- تراجع المساعدات الأمريكية: شهد الدعم المالي الأمريكي للبنان تراجعًا ملحوظًا في مجالات: مكافحة المخدرات، ومكافحة الإرهاب، ودعم الأمن الداخلي، وشراء الأسلحة، بالإضافة إلى تراجعها فيما يتعلق بالمساعدات الاقتصادية، ومنح التعليم؛ في رسالة من واشنطن إلى أن استمرار سلوك "حزب الله" غير المنضبط، وعدم التزام لبنان بسياسة النأي بالنفس، ستكون له آثار سلبية على لبنان، وهناك توقعات بمزيدٍ من تراجع هذه المساعدات في المرحلة المقبلة، خاصة أن وزير الخارجية الأمريكي "بومبيو" في زيارته إلى بيروت، في مارس 2019، أشار إلى مطالب واشنطن بشكل واضح التي تتمثل في انسحاب "حزب الله" من سوريا واليمن.