أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

توريث الحكم:

مستقبل تشاد بعد تمديد الفترة الانتقالية لمدة عامين

24 أكتوبر، 2022


أعلن الحوار الوطني التشادي، في 8 أكتوبر 2022، تسمية الجنرال، محمد إدريس ديبي أتنو، رئيساً للمرحلة الانتقالية التي ستستمر لمدة عامين، وذلك بعد نحو 18 شهراً من تسلم ديبي الابن للسلطة على رأس مجلس عسكري انتقالي بعد مقتل والده الرئيس السابق، إدريس ديبي، خلال المواجهات العسكرية مع إحدى جماعات المعارضة المسلحة. 

وأدت خطوة تمديد المرحلة الانتقالية، وتعيين محمد ديبي رئيساً إلى تصاعد حدة الرفض من قبل قوى المعارضة المدنية والمسلحة، والذين اعتبروا أن هذه الخطوة بمنزلة توريث للحكم.

نهاية الحوار الشامل:

اختتم الحوار الوطني التشادي، في 8 أكتوبر 2022، وذلك بعد نحو شهرين منذ انطلاقه في 20 أغسطس الماضي، حيث تم الإعلان عن جملة من المخرجات، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تعيين ديبي رئيساً: انتهت المرحلة الانتقالية التي كان المجلس العسكري الحاكم في نجامينا قد أعلن عنها في 20 أبريل 2021، وذلك بعد مقتل الرئيس السابق، إدريس ديبي، حيث كان يفترض أن تستمر المرحلة الانتقالية لمدة 18 شهراً قابلة للتمديد مرة واحدة، يعقبها إجراء انتخابات رئاسية. وقد توصل المشاركون في جلسات الحوار الشامل إلى تمديد الفترة الانتقالية لمدة عامين إضافيين، على أن يتولى ديبي الابن منصب الرئيس الانتقالي للبلاد.

2- ترشح ديبي للانتخابات المقبلة: كان المجلس العسكري الحاكم في تشاد قد تعهد بعدم ترشح أعضائه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لكن أحد أبرز بنود الحوار الشامل تمثلت في السماح لأعضائه بالترشح للرئاسيات المقبلة، بما في ذلك الجنرال محمد إدريس ديبي.

3- تشكيل حكومة جديدة: تعهد محمد ديبي بتعيين حكومة وحدة وطنية تتولي إدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية المقبلة. وفي هذا السياق، استقال رئيس الوزراء التشادي، ألبرت باهيمي باداك، في 11 أكتوبر 2022، للتمهيد لتشكيل حكومة جديدة، قبل أن يصدر ديبي الابن لاحقاً قراراً يقضي بتعيين المعارض السابق ورئيس حزب "الاتحاد الوطني من أجل التنمية والتجديد"، صالح كبزابو، رئيساً للحكومة الانتقالية الجديدة.

وجاء اختيار كبزابو رئيساً للحكومة الجديدة في محاولة لتهدئة تصعيد المعارضة، في ظل امتلاكه علاقات بمختلف قوى المعارضة المدنية والمسلحة، وكذا تخفيف الغضب الخارجي، كون صالح كبزابو يتمتع بعلاقات خارجية واسعة، اكتسبها خلال عمله كصحفي خلال السنوات الماضية، فضلاً عن سنوات عمله السياسي، حيث خاض كبزابو الانتخابات قبل ذلك أربع مرات ضد الرئيس السابق إدريس ديبي.

دلالات مهمة:

هناك جملة من الدلالات المهمة التي عكستها هذه المتغيرات، والتي يمكن عرضها على النحو التالي: 

1- تنديد داخلي لتوريث السلطة: قاطع جزء كبير من قوى المعارضة السياسية والمسلحة جلسات الحوار الشامل، بما في ذلك "الإطار الدائم للتشاور"، والذي يشكل تحالفاً لنحو 20 جماعة من قوى المعارضة، وكذلك ائتلاف "واكيت تاما" المعارض، حيث نددت المعارضة بمخرجات هذا الحوار الذي اعتبروه محاولة لإضفاء الشرعية على النظام الحاكم، فضلاً عن تلويحهم برفض ترسيخ هيمنة "آل ديبي" في السلطة.

2- محاولة ديبي تغيير صورته العسكرية: عمل ديبي الابن على تغيير زيه العسكري المعتاد خلال مراسم تسلمه السلطة كرئيس انتقالي للبلاد، واستبداله بالزي التشادي التقليدي، في محاولة لتغيير الصورة النمطية باعتباره جنرالاً عسكرياً، وتخفيف حدة الانتقادات الداخلية.

3- ترسيخ حكم نظام آل ديبي: اعتبرت العديد من قوى المعارضة أن قرارات الحوار الشامل رسخت هيمنة نظام "آل ديبي" على الحكم، بما يتضمن استمرار سيطرة عرقية "الزغاوة" على المناصب العليا وقيادة الجيش، كما تعد هذه النخبة الحاكمة هي المستفيد الرئيسي من عائدات الثروة النفطية التي تمتلكها نجامينا.

4- مقاطعة الاتحاد الأفريقي: قاطع الاتحاد الأفريقي مؤتمر تنصيب محمد ديبي رئيساً انتقالياً للبلاد، نظراً لعدم التزام المجلس العسكري بالوعود التي قطعها سابقاً بشأن مدة المرحلة الانتقالية وعدم الترشح للرئاسيات المقبلة. 

ووجهت انتقادات في السابق للاتحاد لعدم فرض عقوبات على نجامينا بعد سيطرة المجلس العسكري على الحكم بعد مقتل رئيسها السابق إدريس ديبي، مما عكس حالة من الازدواجية في التعاطي مع التغيرات غير الدستورية في الدول الأفريقية، خاصة أن الاتحاد قد سبق وفرض عقوبات على حالات أخرى، على غرار مالي وبوركينا فاسو، بعد الانقلابات العسكرية هناك.

وكان الاتحاد الأفريقي قد وجه دعوة إلى السلطات التشادية، في 19 سبتمبر الماضي، حث خلالها المجلس العسكري الحاكم على عدم تمديد المرحلة الانتقالية والالتزام بعدم ترشح أعضاء المجلس في الانتخابات المقبلة.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك بعض التقديرات ربطت بين موقف الاتحاد الأفريقي وطموحات رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، السياسي التشادي، موسى فقي محمد، حيث ألمحت هذه التقديرات إلى أن الأخير، والذي يعد حليفاً قوياً للرئيس السابق إدريس ديبي، وهو ينتمي أيضاً لعرقية "الزغاوة"، لديه طموحات واسعة للترشح للانتخابات المقبلة.

5- إحراج القوى الغربية: شهد المؤتمر الختامي للحوار الوطني الشامل حضور كل من الرئيس النيجيري، محمد بخاري، ووزراء عن النيجر وجمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو الديموقراطية، فضلاً عن سفيري الاتحاد الأوروبي وفرنسا، وهو ما عكس موافقة ضمنية من بروكسل وفرنسا على هذه القرارات، وذلك على الرغم من إصدار الاتحاد الأوروبي لاحقاً بياناً أعرب فيه عن أسفه إزاء عدم التزام المجلس العسكري التشادي بالمدة الزمنية المحددة سلفاً للفترة الانتقالية، فضلاً عن عدم الالتزام بعدم ترشح أعضاء المجلس للانتخابات المقبلة. 

ولا يختلف كثيراً بالنسبة للولايات المتحدة، فقد أصدرت الخارجية الأمريكية مطلع أكتوبر الجاري بياناً عبرت خلاله عن قلقها العميق إزاء الحديث عن سماح أعضاء المجلس العسكري الحاكم في نجامينا بالترشح للانتخابات المقبلة وتمديد المرحلة الانتقالية، داعيةً المجلس العسكري إلى ضرورة الالتزام بعدم الترشح للانتخابات المقبلة، بيد أن واشنطن لم تعلق، حتى الآن، على قرار تمديد المرحلة الانتقالية وتعيين ديبي رئيساً انتقالياً في تشاد، مما عكس تأييداً ضمنياً من قبل واشنطن لهذه الخطوة.

وتعكس المواقف الغربية السابقة وجود ازدواجية واضحة في تعاطي الغرب مع التغيرات غير الدستورية في أفريقيا، ففي حين شهدت الفترة الماضية انتقادات حادة للانقلابات العسكرية التي شهدتها مالي وبوركينا فاسو وغينيا، لم تبد واشنطن والقوى الأوروبية، خاصةً فرنسا، الموقف نفسه إزاء التطورات الراهنة في تشاد، على الرغم من سيطرة الجيش على السلطة هناك.

انعكاسات محتملة:

هناك جملة من الانعكاسات المحتملة التي يرجح أن تتمخض عن مخرجات الحوار الشامل في نجامينا، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- توسيع سلطات ديبي الابن: سيترتب على مخرجات الحوار الوطني الشامل توسيع كبير في سلطات الجنرال محمد ديبي، خاصةً أن تعيين الأخير رئيساً انتقالياً للبلاد سيعني ضمنياً حل المجلس العسكري الحاكم، ومن ثم ترسيخ السلطة في يد ديبي الابن كرئيس انتقالي، وبموجبها أصبح الأخير يمتلك السلطة منفرداً في تعيين وإقالة الوزراء، وأعضاء ورئيس البرلمان.

وأشارت تقارير غربية إلى أنه على الرغم من تحديد المرحلة الانتقالية الجديدة في تشاد بمدة عامين قادمين، فإنه من المرجح حال نجاح محمد ديبي في استيعاب المعارضة الداخلية وتجاوز تصعيدها المحتمل خلال الفترة المقبلة أن يتم تمديد المرحلة الانتقالية مجدداً.

2- تزايد الاحتقان الداخلي: ترفض قوى المعارضة مخرجات الحوار الشامل، والذي كان قد شهد مقاطعة وانسحاباً من جانب العديد من قوى المعارضة السياسية والمسلحة، ولذلك قد تشهد الفترة المقبلة تصعيداً من قبل المعارضة ضد نظام ديبي، الأمر الذي قد تتمخض عنه توترات سياسية تهدد حالة الاستقرار الهش في البلاد.

وربما يدعم هذا الطرح دعوة مجموعات من المعارضة السياسية، بما في ذلك ائتلاف "واكيت تاما"، للعصيان المدني وتنظيم تظاهرات واسعة في 20 أكتوبر الجاري. وربطت بعض التقارير بين احتمالات تأجيج المشهد السياسي في البلاد بالأوضاع المأزومة التي تشهدها تشاد والمتعلقة بمخاطر الأمن الغذائي، في ظل التغيرات المناخية التي تعانيها البلاد، حيث بات نحو 2.1 مليون نسمة تعانون تداعيات موجات الجفاف الحادة والفيضانات الواسعة النطاق.

3- احتمالية حدوث انقلاب عسكري: قد تشهد نجامينا خلال الفترة المقبلة انقلاباً عسكرياً، في ظل تعدد تجارب الانقلابات العسكرية في غرب أفريقيا خلال الأشهر الأخيرة، وربما تزداد هذه الاحتمالية في ظل الانقسامات القائمة داخل المؤسسة العسكرية في تشاد.

4- احتمالية تجدد الهجمات المسلحة: أصدرت نحو 18 جماعة من قوى المعارضة المسلحة بياناً مشتركاً حذرت فيه النظام الحاكم في نجامينا من العواقب التي ستترتب على سياسته الخادعة التي تبناها خلال الفترة الماضية، وربما يزيد من خطورة هذا البيان أنه تضمن "جبهة الوفاق من أجل التغيير" (فاكت)، والتي كانت قد قادت الهجمات التي أدت إلى مقتل إدريس ديبي في أبريل 2021.

وفي الختام، تعكس المرحلة الراهنة في تشاد نقطة فاصلة، إذ تشهد هيمنة نظام ديبي الابن على السلطة، وإعادة إفراز نموذج مماثل لنظام حكم والده الذي استمر قرابة الثلاثة عقود، غير أنها قد تتسبب في تأجيج الأوضاع السياسية والأمنية مرة أخرى، سواء من خلال تصعيد المعارضة السياسية والمسلحة، أو من خلال انعكاس التنافس الروسي – الفرنسي على المشهد السياسي في تشاد.