أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

العام الأول لبايدن.. إنجاز محدود وتراجع شرق أوسطي

31 يناير، 2022


وصل الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض في يناير 2021، حاملاً معه أجندة تركز على قضايا الداخل، وعلى رأسها مواجهة جائحة كورونا، وتحقيق انتعاش اقتصادي، والتعامل مع حالة الاستقطاب السياسي في المجتمع الأمريكي؛ والتي تعمقت بشكل كبير في عهد سلفه دونالد ترامب. وبالنسبة لقضايا السياسة الخارجية، فقد وعد بايدن باستعادة الدور الأمريكي على المسرح العالمي، وتوثيق العلاقة مع الحلفاء، والتأكيد على دور القيم في السياسة الخارجية، ومواجهة صعود الصين، والتي اعتبرها المنافس الاستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة. 

وبخصوص منطقة الشرق الأوسط، فلم تحظ باهتمام في قائمة أولويات بايدن أثناء حملته الانتخابية، وتم الإشارة إلى بعض قضاياها بشكل عابر في أحاديثه مثل التعهد بالعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران والذي انسحبت منه إدارة سلفه ترامب، والإشارة الى العلاقات الأمريكية مع بعض دول المنطقة، وأهمية أن تكون قضايا الديمقراطية وحقوق الانسان جزءاً من هذه العلاقات.

تحديات مستمرة:

بعد مرور عام على وصوله للبيت الأبيض، يمكن القول إن إدارة بايدن التزمت بشكل كبير بالأولويات السابقة، ولكن قدرتها على تحقيق إنجاز بشأنها كانت محدودة. فالإدارة الأمريكية الحالية لا تزال تواجه تحدياً كبيراً فيما يتعلق بجائحة كورونا، وبالرغم من النجاح في زيادة أعداد الحاصلين على التطعيم، وعودة الحياة بشكل شبه طبيعي للعديد من القطاعات، والموافقة على اعتماد دواء لعلاج كورونا؛ فسرعان ما انتشر متحور "دلتا"، ثم متحور "أوميكرون"، وارتفعت مرة أخرى معدلات الإصابة بالفيروس ودخول المستشفيات وكذلك حالات الوفاة.

وفي الملف الاقتصادي، وعلى الرغم من الإنجازات التي تحققت في العام الأول لإدارة بايدن مثل ارتفاع معدلات فرص العمل وانخفاض البطالة، وموافقة الكونجرس على مشروع قانون البنية التحتية والذي سيضخ ما يقرب من تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي؛ بيد أن المشكلة الاقتصادية الأساسية التي لا يزال يعانيها المواطن الأمريكي تتمثل في ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير، بالإضافة إلى نقص بعض السلع في الأسواق الأمريكية نتيجة للمشاكل المتعلقة بسلاسل التوريد من الخارج.

وفيما يتعلق بقضايا الاستقطاب السياسي، استطاعت إدارة بايدن في الشهور الأولى لها تحقيق قدر من التوافق السياسي تمثل في موافقة الكونجرس على قانون مساعدات كورونا لمساندة القطاعات المتضررة من الجائحة، وقانون البنية التحتية. إلا أن الانقسامات السياسية عادت مرة أخرى بشأن قانون الإصلاح الانتخابي، وتصاعد خطاب الاتهامات المتبادلة بين الديمقراطيين والجمهوريين استعداداً لانتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر القادم.

وعلى صعيد السياسة الخارجية، بدأت الإدارة الأمريكية الحالية في العودة للمؤسسات والاتفاقيات الدولية التي انسحب منها ترامب، مثل منظمة الصحة العالمية، وبروتوكول باريس للمناخ. وبالرغم من عودة التنسيق مع الحلفاء، فإن القرار الأمريكي بالانسحاب من أفغانستان، وصفقة الغواصات النووية الأمريكية لأستراليا كبديل لغواصات أخرى فرنسية والتي تمت من دون التشاور مع الحلفاء؛ أثّر ذلك على مصداقية تعهد إدارة بايدن بالابتعاد عن النهج الانفرادي، والتنسيق بشكل أكبر مع الحلفاء. 

واستمرت لهجة التصعيد مع الصين وبشكل لا يختلف كثيراً عن النغمة التي كانت سائدة في ظل إدارة ترامب السابقة، وأضاف إليها بايدن موضوع القيم وحقوق الإنسان؛ والذي ظهر بشكل واضح فيما عُرف بـ "قمة الديمقراطية" التي نظمتها الإدارة الأمريكية في ديسمبر 2021، واستهدفت الهجوم على النموذج السياسي الصيني. ولكن استمرت واشنطن في الحديث أيضاً عن وجود مساحات للتعاون مع بكين، لاسيما في القضايا المتعلقة بالمناخ.

كما شهد العام الأول لبايدن في البيت الأبيض فتح جبهة جديدة للخلافات والتهديدات المتبادلة بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن احتمالات انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، وتوسع الأخير في المناطق التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي سابقاً، والتي ترى موسكو أن وجود "الناتو" فيها يمثل تهديداً لأمن روسيا، وخرقاً للاتفاق الشفوي بين الولايات المتحدة وروسيا في نهاية الحرب الباردة بعدم التوسع في هذه المناطق؛ وهو الاتفاق الذى تؤكد الإدارة الأمريكية أنه لم يحدث، وأن موسكو لا يجب أن يكون لها حق "الفيتو" بشأن انضمام الجمهوريات السوفييتية السابقة لحلف "الناتو".

بايدن والشرق الأوسط:

يتضح من سجل إدارة بايدن تجاه الشرق الأوسط في عامها الأول، سعيها لتجنب الارتباط الزائد بهذه المنطقة، والابتعاد عن الأفكار والمبادرات الكبيرة، وتبني أهداف محدودة، وأسلوب واقعي في تعاملها مع قضايا ودول الإقليم. كما شهد العام الأول عودة الإطار المؤسسي لعملية صُنع القرار الأمريكي بشأن قضايا الشرق الأوسط، حيث تزايد دور المؤسسات التنفيذية، خاصة الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي، وانكمش الدور الذي يقوم به الرئيس بايدن، والذي أولى اهتمامه وجهده لقضايا أخرى، وهذا عكس ما كان سائداً في ظل إدارة الرئيس السابق ترامب.

وفيما يتعلق بمضمون السياسة الأمريكية، فقد أوضح بريت ماكغورك، المسؤول عن الشرق الأوسط بمجلس الأمن القومي الأمريكي، أن واشنطن لا تستهدف تبني عملية تحويل كبرى في الشرق الأوسط كما فعلت إدارات سابقة منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، وهي المحاولات التي باءت بالفشل. ولكن إدارة الرئيس بايدن تتبنى مجموعة من الأهداف المحدودة في المنطقة، لخصها ماكغورك في (منع إيران من امتلاك سلاح نووي، والحفاظ على أمن الممرات الملاحية بالمنطقة، وتحقيق الاستقرار من خلال تجنب تصعيد أزمات المنطقة). وأشار إلى أن الولايات المتحدة تتبنى أسلوب "الردع"، خاصة في مواجهة الإرهاب بالإقليم، وأسلوب "الدمج" بمعنى تشجيع الحوار بين دول المنطقة؛ مثل الحوار الخليجي – الإيراني، والحوار مع تركيا، ومع إسرائيل.

وانطلاقاً مما سبق، فقد أيدت إدارة بايدن اتفاقيات السلام الإبراهيمي، ولكنها رفضت الدخول في عملية سلام بين إسرائيل والفلسطينيين في ظل الاعتقاد بأن الظروف غير مهيأة، ولابد أولاً من خلق مناخ يساعد على ذلك. وركزت الإدارة الحالية على عودة المساعدات الإنسانية الأمريكية للفلسطينيين، ولكنها تتمهل في إعادة افتتاح القنصلية الأمريكية بالقدس والتي كانت قناة الحوار مع الفلسطينيين، وأغلقها الرئيس السابق ترامب. وعندما اندلعت أزمة التصعيد مع قطاع غزة في مايو 2021، استهدفت إدارة بايدن إعادة التهدئة للقطاع، ودون تقديم أي حل سياسي طويل الأمد.

وفيما يتعلق بإيران، بدأت إدارة بايدن في تنفيذ وعدها بالعودة للاتفاق النووي، والذي انسحب منه ترامب، ولكن لم تحقق المحادثات بشأن هذا الاتفاق أي نتائج حتى الآن، وبدأت إدارة بايدن تتحدث عن استعدادها أيضاً لخيار فشل هذه المفاوضات.

وفي إطار تبني النهج الواقعي في التعامل مع حلفاء الولايات المتحدة بالشرق الأوسط، فقد تعاملت إدارة بايدن مع موضوع "القيم" مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان على أساس أنه أحد موضوعات الحوار مع دول المنطقة، ولكنه ليس الموضوع الوحيد المحدد لعلاقات الولايات المتحدة معها، ويدخل في الحوار مواضيع أخرى ترتبط بالمصالح الاستراتيجية الأمريكية مثل حماية الممرات الملاحية، ومكافحة الإرهاب، وغيرها.

وبالنسبة للأوضاع في اليمن، وعلى الرغم من قيام إدارة بايدن برفع ميليشيا الحوثيين من قوائم التنظيمات الإرهابية في فبراير 2021، فإنها وجهت انتقادات لاذعة للحوثيين، وخاصة بشأن رفضهم لجهود الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في اليمن، وهجومهم على محافظة مأرب الاستراتيجية التي تضم أعداداً ضخمة من اللاجئين، فضلاً عن قيام الميليشيا بإطلاق صواريخ وطائرات من دون طيار "درونز" على الأراضي السعودية والإماراتية. وساندت الولايات المتحدة حق الدولتين في الدفاع عن حدودهما وسيادتهما.

وعلى صعيد التطورات في سوريا، ركزت إدارة بايدن على البُعد الإنساني لهذه الأزمة، وعلى مواجهة تنظيم داعش، والذي تعتبر أن وجوده في الأراضي السورية يمثل خطراً كبيراً، وتبرر تواجد قوات أمريكية في سوريا بأن هدفه هو مواجهة هذا التنظيم الإرهابي. كما ترفض إدارة بايدن أي تواجد إيراني على الأراضي السورية، وتساند حق إسرائيل في التعامل مع أي تمدد للنفوذ الإيراني في سوريا. 

وأخيراً بالنسبة لدور القوى الكبرى الأخرى في الشرق الأوسط، فيبدو أن إدارة بايدن لا تنزعج كثيراً من الدور الروسي في سوريا، وترى أنه ليس بجديد، ويعود بجذوره إلى مرحلة الحرب الباردة، وأن ثمة تنسيقاً مع موسكو في بعض قضايا هذا الملف. وفيما يتعلق بالصين، فإن الولايات المتحدة لا تنزعج أيضاً من تنامي العلاقات الاقتصادية بين بكين ودول المنطقة، ولكنها تنبه حلفاءها بأن بعض المشاريع الاقتصادية الصينية قد يكون لها أهداف أخرى. وفي نفس الوقت، تضع إدارة بايدن "خطوطاً حمراء" بشأن تعاون حلفائها مع الصين في الجوانب العسكرية، وبعض مجالات التكنولوجيا مثل "الجيل الخامس" للاتصالات. وتعتقد إدارة بايدن أن الولايات المتحدة ما تزال هي الحليف الاستراتيجي والأمني المُفضل لدول المنطقة.

ختاماً، يمكن الوصول إلى نتيجة مفادها أن الشرق الأوسط لم يكن ضمن قائمة أولويات الرئيس الأمريكي بايدن في عامه الأول بالبيت الأبيض، وأن سياسات إدارته تجاه المنطقة لم تستند لرؤية واسعة أو أفكار كبيرة، أو قيم مطلقة؛ بل تعاملت معها بـ "القطعة" وبهدف التهدئة وليس التغيير، وبالواقعية في الأهداف والأدوات.