أصدر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، ضمن إصداراته سلسلة "كتب المستقبل"، كتاباً جديداً بعنوان "الشعبوية الاقتصادية: مستقبل العولمة في عصر الجيل الثاني من الحروب التجارية"، وهو من تأليف علي صلاح رئيس وحدة الدراسات الاقتصادية بالمركز.
ولصدور هذا الكتاب في هذا التوقيت أهمية كبيرة في ظل عدة معطيات، أهمها موضوع الكتاب، الذي يعالج مصطلحاً جديداً لم يأخذ حظه في الأدبيات الاقتصادية العربية، ألا وهو "الشعبوية الاقتصادية"، والتطورات التي شهدتها العقود الأخيرة من تنامي الحالة النزاعية والنبرة الحمائية في السياسات التجارية للدول. كما أن توقيت صدور الكتاب يضفي على موضوعه أيضاً أهمية كبيرة، لاسيما أنه يصدر في الوقت الذي يمر فيه العالم بظروف استثنائية بسبب جائحة كورونا، والتي انعكست بدورها على السياسات الاقتصادية للدول تجاه بعضها البعض.
وينصب تركيز هذا الكتاب على التطورات التي شهدها النظام الاقتصاد العالمي في العقود الماضية، لاسيما منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين، الذي شهد تغيرات عميقة وجوهرية، جعلت الاقتصاد العالمي أكثر انفتاحاً عن ذي قبل، حيث تم تحرير التجارة في السلع والخدمات، وأصبحت حركة البشر بين الدول أكثر يسراً وسهولة، وباتت حركة رؤوس الأموال، ونقل التكنولوجيا، أكثر نشاطاً وسيولة. وشهد العالم ولادة نماذج نجاح للتكتلات الاقتصادية الكبرى، كالاتحاد الأوروبي، الذي تمكن من إزالة الحدود المادية بين دوله، وضمان الحرية التامة لحركة سكانه، ولربما لم يكن الاتحاد لينجح بهذه الشكل لولا أنه وجد مناخاً عالمياً مواتياً.
ويتناول الكتاب مظاهر الانتكاس التي شهدها النظام الاقتصاد العالمي في السنوات الأخيرة، بعد أن دخل في معتركٍ جديدٍ، وشهد تطورات سلبية عديدة تهدد مستقبله بشكل عام، بعد أن شهد نزعة دولية غير مسبوقة من "الحمائية التجارية"، حيث تبارت الدول في فرض رسوم جمركية على منتجات بعضها البعض، وعمت مظاهر الاحتكار وتقييد حرية دخول الأسواق، وتزايدت ممارسة الدول لحروب العملات، من أجل دعم تنافسية الصادرات في الأسواق الدولية، وغير ذلك من ممارسات تجتمع كلها تحت مسمى واحد وهو "الحروب الاقتصادية".
ويستعرض الكتاب مراحل تطور الحروب الاقتصادية، التي تعتبر من أقدم أنواع الحروب التي عرفتها البشرية، والتي بدأت مع بداية وجود البشر على وجه الأرض، في شكل صراعات محدودة على الموارد بين الجماعات والقبائل، ثم أخذت منحى أكثر صخباً، مع اكتشاف الذهب والمعادن، وكان الأمر يصل بالدول القوية عسكرياً إلى احتلال الدول الضعيفة واستعمارها من أجل الاستحواذ على ذهبها ومعادنها. ثم تبدلت الحروب من حيث الشكل والمضمون عبر العصور، في ظل ما حققه العالم من تقدم تكنولوجي كبير.
وقد تزامن اتساع الحروب الاقتصادية مع صعود قادة وأحزاب سياسية ذوي توجهات شعبوية في العديد من البلدان، فباتت السياسات الشعبوية مسيطرة على التوجهات الاقتصادية للدول، وانعكس ذلك على توجهات الشعوب، الذين باتوا ينبذون العولمة ويحاربونها، وهو ما أصبح تحدياً جديداً للاقتصاد "المعولم". وازدادت مخاطر هذا التوجه بشكل كبير في ظل جائحة فيروس كورونا المستجد “COVID-19”، التي أصبحت تمثل أحد المخاطر الجوهرية الموجهة للنظام الاقتصادي العالمي، لاسيما بعد أن أجبرت الدول على تبني سياسات "الإغلاق العام"، من أجل وقف انتشار الوباء، لكنها ولدت عن غير قصد تهديدات كبيرة للعولمة الاقتصادية، كونها قيدت حركة البشر وسفرهم، وأضرت بحركة البضائع، ووضعت سلسلة الإمدادات الدولية أمام مخاطر غير مسبوقة.