أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

رؤى مختلفة:

فرص نجاح الرئيس التونسي في تمرير الدستور الجديد

28 يونيو، 2022


تسلم الرئيس التونسي، قيس سعيد، مسودة الدستور الجديد في 20 يونيو 2022، وذلك بعد أن قام العميد صادق بلعيد، رئيس الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة بالإعلان عن الانتهاء من مشروع صياغة دستور جديد للبلاد، مع الإشارة إلى أن هذا المشروع ليس نهائياً حيث توجد بعض الفصول القابلة للمراجعة والتعديل، وذلك قبل أن يتم نشره في الجريدة الرسمية، في 30 يونيو الجاري، وعرضه على الاستفتاء الشعبي المقرر في 25 يوليو القادم.

سياق داخلي مضطرب:

تسلم قيس سعيد مسودة الدستور الجديد، في سياق ما تشهده البلاد من بعض التطورات السياسية والاقتصادية المهمة، ومن أهمها ما يلي:

1- فشل تظاهرات المعارضة: استبقت الأحزاب والتجمعات المعارضة، وعلى رأسها حركة النهضة وجبهة الخلاص الوطني تسلم الرئيس سعيد مسودة الدستور الجديد، بالحشد والتعبئة وتنظيم مسيرات احتجاجة في 19 يونيو الجاري، في محاولة منها لتأليب الرأي العام التونسي ضد مساعي سعيد لصياغة دستور جديد وعرضه على الاستفتاء، وفقاً للموعد المقرر له في 25 يوليو القادم. 

وكشفت التظاهرات التي شهدتها العاصمة تونس عن افتقاد حركة النهضة، ومعها جبهة الخلاص الوطني القدرة على الحشد والتعبئة بالشكل الذي كانوا يحاولون العمل عليه، بهدف عرقلة الإصلاحات السياسية والدستورية التي يقوم بها رئيس الدولة التونسية، حيث شارك فيها بضع مئات من المواطنين تلبية لدعوة النهضة للتعبير عن رفضهم الدستور الجديد والدعوة لمقاطعة المشاركة في الاستفتاء القادم على الدستور. وعلى عكس ما كانت ترغب المعارضة في تحقيقه، فقد أوضحت تظاهراتهم غياب القواعد الشعبية المؤيدة لهم وتراجع مكانتهم في المشهد السياسي الراهن. 

2- تمديد إضراب القضاة: أعلنت تنسيقية الهياكل النقابية القضائية المعارضة لقرارات وإجراءات قيس سعيد مواصلة إضرابهم عن العمل للأسبوع الثالث على التوالي، والدخول في إضراب عن الطعام والإعداد لمسيرة في الشارع التونسي تعبيراً عن رفضهم لممارسات رئيس الدولة ضدهم، وذلك رداً على قرار سعيد بعزل 57 قاضياً في مطلع يونيو الجاري، بسبب تورطهم في الفساد والتستر على قضايا إرهابية والتحرش الجنسي والموالاة لأحزاب سياسية. 

وأثار ذلك حفيظة القضاة المعارضون، وتحديداً الأعضاء السابقون في المجلس الأعلى للقضاء الذي تم حله وتشكيل مجلس أعلى مؤقت بدلاً منه. وأثار إضراب القضاة ردة فعل سعيد، الذي أشار في تصريحاته الأخيرة إلى أن قرار عزل القضاة جاء في إطار عملية تطهير القضاء، مستشهداً في ذلك بعزل أحد القضاة الذي امتنع عن النظر في 6452 قضية طوال عشر سنوات. وفي ذلك مؤشر هام على تستره على المتهمين في تلك القضايا وعدم إنجازه للعدالة، وفقاً لسعيد. 

3- النظر في الإصلاحات الاقتصادية: جاء تسلم الرئيس سعيد لمسودة الدستور كذلك في ظل ما تشهده البلاد من أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، وهو ما دفعه رئيسة الحكومة، نجلاء بودن، للالتقاء بممثلي صندوق النقد الدولي في محاولة للحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار لإنعاش الاقتصاد الوطني الهش. 

فرص متاحة:

في ضوء ما سبق فإن هناك عدداً من الفرص المتاحة أمام تمرير الدستور الجديد وطرحه على الاستفتاء الشعبي في الموعد المقرر له، ومن أبرزها ما يلي:

1- تمسك سعيد بنهجه: يتمسك الرئيس قيس سعيد برؤيته الخاصة بضرورة إجراء الإصلاحات السياسية والدستورية، التي سبق وضتمنها خارطة الطريق، التي أعلنها في 13 ديسمبر الماضي، وإصراره على المضي قدماً نحو تنفيذ بنود هذه الخريطة، بما في ذلك تطهير مؤسسات الدولة كما حدث في القضاء، وإعلان الرئيس سعيد في أكثر من مناسبة على ضرورة استكمال مسار التصحيح والتغيير الجذري للحياة السياسية التونسية.

2- ضعف قدرة المعارضة على الحشد: حشدت الأحزاب السياسية المعارضة للرئيس سعيد عدة تظاهرات ضده، إلا أن السمة الغالبة عليها أنها متفرقة وغير موحدة، بمعنى تنظيم كل حزب معارض للمسيرات الاحتجاجية بمعزل عن باقي المعارضين. وخير دليل على ذلك تنظيم حركة النهضة وجبهة الخلاص تظاهرات احتجاجية ضد الرئيس والاستفتاء على الدستور من جهة، وتنظيم حزب الدستوري الحر منفرداً مسيرات احتجاجية على الاستفتاء وقرارات الرئيس سعيد من جهة أخرى، فضلاً عن تنظيم اتحاد الشغل إضرابات عامة من جهة ثالثة. 

وعلى الرغم مما يبدو من اشتراك هذه التظاهرات في رفض خطوات سعيد، فإن الانقسامات الأيديولوجية، وتباين المصالح، جعلت هذه الأطراف عاجزة عن التعاون معاً في وجه سعيد. وعلى سبيل المثال، تعارض النهضة حل سعيد البرلمان وإقصائها من الحوار، في حين يعارض الاتحاد العام للشغل أسس وآليات الحوار الوطني وعدم الاستجابة لمطالبه الاقتصادية والاجتماعية، ويعارض حزب الدستوري الحر بسبب إقصائه من الحوار ومحاولته الحفاظ على دور البرلمان في الحياة السياسية، رغبة منه في تحقيق نتائج جيدة في الانتخابات البرلمانية القادمة كبديل لحركة النهضة وحلفائها، ويظهر ذلك في نتائج استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة سيجما كونساي التونسية والتي تشير إلى تصدر حزب الدستور الحر نوايا التصويت بنسبة 29.9%. 

ومع ذلك، فإن الاتحاد والدستوري يعارضان مطالب النهضة بعودة البرلمان المنحل، كما يتفقان مع سعيد على ضرورة محاكمة العناصر الفاسدة من النهضة. 

3- تأييد شعبي لقرارات سعيد: توجد قطاعات واسعة من الشعب التونسي وبعض الأحزاب السياسية الناشئة، مثل حركة الجمهورية الجديدة، التي تؤيد قرارات الرئيس سعيد ومنها تغيير الدستور وإقامة نظام سياسي جديد وإقصاء الإخوان من المشهد السياسي، ويعبر عن ذلك استطلاعات الرأي العام التي أجرتها "مؤسسة إمرود كونسيلتينج" في مطلع شهر يونيو الجاري، بشأن نوايا التصويت والتي تظهر تصدر الرئيس "قيس سعيد" بنسبة 70%، وفي ذلك مؤشر مهم على وجود دعم شعبي واسع لقرارات وإجراءات الرئيس سعيد.

عقبات قائمة:

في المقابل توجد عدد من العقبات المحتملة التي قد تقف في طريق نجاح الاستفتاء على الدستور الجديد للبلاد، ومن ذلك ما يلي:

1- خلافات دستورية: تثور حالة من الشد والجذب حول بعض القضايا الواردة في الدستور الجديد، خاصة مسألة عدم نص الدستور الجديد على أن الإسلام هو دين الدولة. فقد قامت حركة النهضة بتوظيف ذلك الأمر في محاولة لدعم حملتها الخاصة بمقاطعة الاستفتاء على الدستور الجديد مبررة ذلك بأنه سيتم طمس الهوية الإسلامية للدولة التونسية. 

ورد سعيد على ذلك عبر التأكيد بأن الدستور الجديد لن يتحدث عن دولة دينها الإسلام، بل عن أمة دينها الإسلام، مسترشداً بالآية القرآنية "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ"، وليس "كنتم خير دولة أخرجت للناس"، وذلك في إشارة إلى أن الدين الإسلامي هو دين الدولة التونسية وأنه ليست هناك حاجة للنص على ذلك في الدستور الجديد.

كما يوجد خلاف رئيسي بين سعيد ومعارضيه، حول تغيير النظام السياسي القائم حالياً إلى نظام رئاسي بدلاً من برلماني، ومرجع هذا الاختلاف أن الرئيس سعيد يعتمد في هذا التغيير على مخرجات ونتائج الاستشارة الإلكترونية، التي اختار 86.4% من المشاركين فيها تغيير النظام السياسي إلى رئاسي، وهو ما ترفضه الأحزاب السياسية واتحاد الشغل المعارضين لمسألة الاعتماد على نتائج هذه الاستشارة باعتبارها حوار غير حقيقي لم يشارك فيه سوى 500 ألف مواطن فقط، كما أن هذا التغيير سيكون مشابهاً لما نص عليه دستور 1959 مما سيعطي رئيس الدولة صلاحيات أوسع مقارنة بدستور 2014، والذي أرسى النظام البرلماني. 

2- مقاطعة حزبية: أعلنت بعض الأحزاب السياسية مقاطعتها للمشاركة في الاستفتاء على الدستور الجديد، وعلى رأسهم حركة النهضة والحزب الدستوري الحر، نظراً لرفضهم تغيير النظام السياسي إلى نظام رئلسي، بما يستتبعه ذلك من تعزيز قبضة الرئيس على السلطة التنفيذية، وفقاً لهم، وهو ما يعني أن البرلمان الجديد سوف تتراجع قدرته على اختيار رئيس الحكومة من بين صفوفه، وهو ما يجعل دور البرلمان ينحصر في الدور التشريعي فقط.

3- ضبابية موقف اتحاد الشغل: على الرغم من الخطاب التصعيدي الذي أصبح يتبناه الاتحاد التونسي العام للشغل ضد قرارات سعيد وتنظيمه إضراباً عاماً في كافة أنحاء البلاد في 16 يونيو الجاري، فإن الاتحاد لم يحدد موقفه بعد من المشاركة في الاستفتاء القادم على الدستور الجديد، وهو ما أكدته تصريحات، نورالدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد، والتي أشار فيها إلى بأن موقف الاتحاد من الاستفتاء سيتحدد خلال اجتماع الهيئة الادارية الوطنية الذي سينعقد يومي 26 و27 يونيو الجاري. 

وتذهب المؤشرات الحالية في اتجاه ترجيح مقاطعة الاتحاد للمشاركة في هذا الاستفتاء، خاصة بعد إعلانه فشل لغة التفاوض مع الحكومة الحالية وعدم الاستجابة لمطالب الاتحاد المعلنة، وكذلك رفض الاتحاد للمشاركة في الحوار الوطني، وفي حالة عدم مشاركة الاتحاد في الاستفتاء فسوف يؤثر ذلك سلباً بطبيعة الحال على نسبة المشاركة في الاستفتاء القادم، نظراً لأن الاتحاد يمثل قوة اجتماعية كبيرة ذات ثقل وتأثير سياسي كبير في الحياة السياسية التونسية.

وفي الختام، فإن المعطيات الراهنة ترجح استكمال صياغة الدستور التونسي الجديد وطرحه للاستفتاء الشعبي في موعده المقرر 25 يوليو القادم، وفقاً للجداول الزمنية الخاصة بالإصلاحات السياسية والدستورية في البلاد، ويعزز من ذلك إصرار الرئيس التونسي على الإصلاح من جهة، وانقسام وتشتت المعارضة من جهة أخرى.