أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

تنويع الإمدادات:

لماذا زادت تركيا من شحنات الغاز المسال الفورية؟

10 مايو، 2021


تُشكل شحنات الغاز المسال المستوردة في الوقت الحاضر نسبة لا يستهان بها من واردات تركيا الكلية من الغاز الطبيعي، حيث شهدت في السنوات الأخيرة زيادة ملموسة واكبها اتجاه الحكومة لتطوير محطات لاستيراد واستقبال الغاز المسال. ويأتي نمو الطلب على الغاز المسال في ظل رغبة أنقرة في تنويع مصادر توريد الغاز، والحصول على إمدادات وفيرة ورخيصة لاسيما مع نمو عدد منتجي السائل عالمياً، فضلاً عن تقوية موقفها التفاضي عند التعاقد مع موردي الغاز إليها عبر خطوط الأنابيب. ولمواكبة النمو المحتمل في واردات الغاز المسال، تحتاج تركيا، بحسب المؤسسات الدولية، لمواصلة الاستثمار في البنية التحتية لاستيراد الغاز المسال، وتحرير قواعد السوق.

تطور الحصة:

في السنوات الأخيرة، زادت أهمية الغاز الطبيعي في مزيج الطاقة في تركيا بشكل لافت، وليساهم بحصة تقارب 24% من الاستهلاك الأولي للطاقة في عام 2019 طبقاً لإحصاءات شركة "بي بي" البريطانية. وجاء ذلك في إطار رغبة الحكومة في التحول نحو مصادر الطاقة النظيفة، حيث يعد الغاز الطبيعي أقل تلويثاً من المصادر الأخرى مثل الفحم والنفط، وهذا إلى جانب القرب الجغرافي لتركيا من موردي الغاز على امتداد حدودها الشمالية والشرقية.

وبشكل أساسي، اعتمدت تركيا في الحصول على احتياجاتها من الغاز على خطوط أنابيب تربطها مع روسيا وإيران وأذربيجان، إلى أن تغير هذا الوضع في العامين الأخيرين مع نمو واردات البلاد من شحنات الغاز المسال الفورية من عدة موردين في أفريقيا وأمريكا الجنوبية بجانب الولايات المتحدة الأمريكية.

واستوردت تركيا في عام 2019 كميات من الغاز عبر خطوط الأنابيب بنحو 31.3 مليار متر مكعب، أي ما يمثل نحو 70.9% من إجمالي واردات الغاز، بينما بلغت كميات الغاز المسال المستوردة نحو 12.9 مليار متر مكعب، وبحصة 29.1% من واردات الغاز الكلية، وهى أعلى مستوى لها على الإطلاق، وبنمو بنسبة 65.3% منذ عام 2010.

ورغم جائحة كورونا، واصلت واردات الغاز المسال نموها القوي، وبلغت من حيث النسبة 43% من واردات الغاز الإجمالية في النصف الأول من عام 2020 طبقاً لبيانات شركة "بوتاس" (شركة خطوط أنابيب البترول التركية)، وعلى نحو يؤكد أهمية الغاز الطبيعي المسال في مزيج الطاقة التركي في الوقت الحاضر.

تعديلات موازية:

مع تنامي الواردات المحلية من الغاز المسال، سعت الحكومة لتطوير البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال، وقامت في الفترة الماضية بتدشين عدد من محطات استيراد الغاز المسال والسفن العائمة لتغويز الغاز المُسال وتخزينه، وربطتها بنقاط بشبكة الغاز المحلية.

وحالياً، هناك خمسة محطات لاستيراد الغاز المسال في تركيا بطاقة تسييل تصل إلى 150 مليون متر مكعب يومياً. وكانت سفينة "أرطغرل غازي" لتخزين وتغويز الغاز المسال آخر الوحدات التي أضافتها أنقرة لبنيتها التحتية في إبريل 2021، وتصل طاقتها إلى 28 مليون متر مكعب يومياً، وسوف تعمل في خليج ساروس شمال شبه جزيرة جاليبولي قبل نهاية العام.

فضلاً عن ذلك، أجرت تركيا تعديلات عدة على قانون الغاز الطبيعي لعام 2011، سمحت بموجبها لشركة "بوتاس" بإبرام عقود لاستيراد الغاز، بالإضافة إلى السماح لشركات القطاع الخاص بالمشاركة في استيراد شحنات الغاز المسال وإدارة محطات تسييل الغاز، في خطوة اعتبرتها الترجيحات أنها سوف تدعم من قدرات البلاد لشراء وتخزين المزيد من الغاز المسال، وتجعل سوق الغاز الطبيعي أكثر مرونة.

اعتبارات عديدة:

هناك عدد من الاعتبارات التي دفعت الحكومة للتوسع في استيراد شحنات الغاز المسال، أولها يتعلق برغبة أنقرة في تنويع مصادر توريد الغاز الطبيعي، والاحتياط لأى مشاكل فنية أوجيوسياسية قد تحيط باستيراد الخام عبر خطوط الأنابيب. وثانيها ينصرف إلى انتهاز فرصة انخفاض أسعار الغاز المسال في ظل المنافسة المتزايدة في سوق الغاز المسال العالمية ووفرة الإمدادات من السائل في مواقع مختلفة بما في ذلك روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، وعلى نحو دفع أثمانه إلى أقل من 5 دولارات للمليون وحدة حرراية حتى قبل جائحة كورونا.

ويرتبط ثالثها، بتقوية الموقف التفاوضي لتركيا في استيراد الغاز الطبيعي عبر خطوط الأنابيب، ولاسيما تجاه روسيا التي تزود السوق التركية بقرابة نصف احتياجاتها من الخام. وحالياً ترتبط أنقرة بعقود لتوريد الغاز سوف تنتهي بحلول عام 2025 وبكميات تفوق 35 مليار متر مكعب سنوياً.

وتحاول الأولى استخدام شحنات الغاز المسال، إلى جانب اكتشافاتها الأخيرة من الغاز بمنطقة "تونا-1" بالبحر الأسود، والتي تحتوي على نحو 320 مليار متر مكعب، كورقة للحصول على أفضل شروط التعاقد من حيث مرونة الأسعار والحصول على الكميات عند تجديد هذه العقود.

وفي تصريح سابق، قال نائب وزير الطاقة ألبارسلان بايراكتار: "إن توافر الغاز الطبيعي المسال الفوري الرخيص وانخفاض الطلب على الغاز هو إشارة لموردي خطوط الأنابيب الحاليين بأنهم بحاجة إلى التحلي بالمرونة في العقود"

آفاق المستقبل:

من الوارد أن تزداد مكانة الغاز المسال في مزيج الطاقة التركي ووارداتها الإجمالية من الغاز، خاصة مع النمو المتوقع للطلب المحلي على الغاز والذي قد يصل إلى 81 مليار متر مكعب بحلول عام 2030 ومن حوالي 45 مليار متر مكعب حالياً طبقاً لتقديرات شركة "بوتاس" التركية. ويدعم ذلك إمكانية حصولها على السائل بأسعار رخيصة في ظل وفرة المعروض العالمي ونمو عدد المنتجين حول العالم.

ولكى تواكب الزيادة المحتملة في واردات الغاز المسال، تحتاج تركيا، بحسب الوكالة الدولية للطاقة، لمواصلة استثماراتها في البنية التحتية للغاز المسال بما في ذلك زيادة الطاقة الإنتاجية لتسييل الغاز وبناء مزيد من منشآت التخزين. علاوة على ما سبق، تؤكد الوكالة الدولية للطاقة على أهمية قيام الحكومة بتحرير قطاع الغاز من خلال كبح هيمنة الشركات الحكومية على السوق، بالإضافة إلى تحفيز مشاركة القطاع الخاص، ودعم توافر البيانات بشكل يومي حول إمدادات الغاز من أجل تأسيس سوق أكثر شفافية ومرونة.