أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (زلزال انتخاب فاي.. اتجاهات التغيير القادم في السنغال)

رؤية إسرائيلية:

التوظيفات الإيرانية المتعددة للميليشيات المسلحة في سوريا

18 نوفمبر، 2019


عرض: ياسمين أيمن - باحثة في العلوم السياسية

منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، والقوى الأجنبية تسعى لتوسيع نفوذها بمنطقة الشرق الأوسط، وقد كانت إيران إحدى تلك القوى الفاعلة في المعادلة السورية، حيث عملت على تغيير موازين القوى بدمشق بطرق مختلفة لصالحها، مستندة إلى قوتها الناعمة والخشنة لدعم نظام الرئيس السوري "بشار الأسد" من جهة، وتوسيع نفوذها الجيوسياسي من جهةٍ أخرى. ولم يكن ذلك وليد اللحظة الراهنة، ولكنه يرتكز إلى أيديولوجيات سياسية ودينية تتبعها طهران منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979.

في ضوء ما سبق، يحاول المحلل الاستخباراتي الإسرائيلي "إيلان زيلياط" في دراسة بعنوان "الواقعية السياسية والجهاد: الاستخدام الإيراني للميليشيات الشيعية في سوريا"، تحليل السياسة الإيرانية الخارجية بالتطبيق على سوريا كحالة دراسة. وقد اعتمد الباحث في دراسته على مفهومي الواقعية السياسية والقوة الناعمة. 

السياسة التدخلية الإيرانية

يوضّح "زيلياط" أنه وفقًا لـ"كينث والتز" صاحب نظرية الواقعية الجديدة، تسعى الدول لفرض الفوضوية العالمية محققةً المعادلة الصفرية، حيث قوة الدولة تُقاس بقوة الدول الأخرى والبقاء للأقوى. أما بالنسبة لنظرية الواقعية الهجومية، فالدول تسعى لاكتساب أكبر قدر من القوة للدفاع عن نفسها من المخاطر المحيطة، ومهاجمة الدول الأخرى والسيطرة عليها لتحقيق الهيمنة، ولذلك فالسلام لا يُعد هدفًا من قبل الجهات الدولية، فهي بحاجة لخلق صراع دائم، واكتساب فرصة لمزيد من التدخل والهيمنة.

وفي ضوء ذلك، يوضّح الباحث أن السياسة الإيرانية ترتكز على أن إيران قوة إقليمية ودولة ذات حضارة عريقة، محاطة بالمخاطر، وتستند في تفسير ذلك إلى التاريخ الإيراني الذي يعكس استعمارها والسيطرة عليها من قبل قوى أجنبية، فضلًا عن التدخل الأمريكي في شئونها. ولعل ما سبق كان محفزًا لقيام الثورة الإسلامية في عام 1979، ووصول "الخميني" للسلطة، حيث عمل على الحدّ من تلك التدخلات الخارجية.

ويُشير الباحث إلى أن إيران تنظر إلى نفسها على أنها دولة محاطة بمجموعة من الأعداء. فمن جهة، هنالك دول تمتلك قدرات نووية مثل إسرائيل وباكستان، ومن جهة أخرى، هناك التواجد الأمريكي بمنطقة الخليج العربي، وهو الأمر الذي دعم ذريعة طهران بالحفاظ على الهوية الإيرانية، والتطوير العسكري المتواصل لإيران، وتوسيع نفوذها الإقليمي ليس بشكل مباشر فقط ولكن عبر دعم أنظمة مجاورة تتماشى مع النظام الإيراني، وهو ما سيُسهم في إنشاء مناطق عازلة خارج حدود إيران، وبذلك تُطبق إيران النظرية الواقعية التي تتمحور حول البقاء عبر زيادة قوة الدولة ونفوذها الخارجي.

تصدير الثورة 

يوضّح "زيلياط" أنه وفقًا لـ"جوزيف ناي" فإن تصدير القوة الناعمة للدولة يتم عبر مشاركة القيم السياسية والثقافية بالسياسة الخارجية للدولة. ويشير الباحث إلى أن الدين يُعتبر أحد مصادر القوة الناعمة الأساسية في النظام الدولي المعاصر. ويسترسل الباحث موضحًا أن استخدام القوة الناعمة يتم عبر نشر أشكال الثقافة الدينية والتعليمية الخاصة بالدولة في الدول الأخرى.

وفي حالة إيران، جاءت الثورة الإسلامية عام 1979، وَسَعَت لتطبيق ولاية الفقيه كما ينص المذهب الشيعي الاثني عشري، واضعة "الخميني" على رأس السلطة، كما أنها شرعت في نشر الأيديولوجيا الدينية الخاصة خارج حدودها. وقد لاقت رواجًا داخل بعض الدول، خصوصًا العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن.

ومع ذلك، وكأي حركة دينية تتطلع لتحقيق مكاسب ونفوذ؛ قامت إيران بتطوير خطابها لكسب مزيدٍ من التأييد الدولي في نهاية حقبة الثمانينيات، واضعةً المصالح الوطنية على رأس الأجندة الرسمية، وإن بقي تصدير الثورة الإسلامية رغبة كامنة يمكن ترجمتها في السياسات الإيرانية.

التغلغل الإيراني في سوريا

يوضح "زيلياط" التخوف الإيراني عقب قيام الأزمة السورية من احتمالية سيطرة الجماعات المدعومة من الغرب على المشهد السوري، وتهديد استمرار المحور الإيراني، ولذلك فقد سارعت بإرسال ميليشيات شيعية يتراوح عدد مقاتليها ما بين 20 إلى 40 ألف مقاتل، تحت قيادة "قاسم سليماني" (قائد قوات القدس بالحرس الثوري الإيراني) بهدف دعم نظام الرئيس السوري "بشار الأسد" ضد المحتجين، والحفاظ على سوريا كمنفذ إيراني للعراق ولبنان. وقد جاء ذلك مخالفًا للاستراتيجية الإيرانية التي تعتمد بالأساس على الشيعة المحليين بالدولة. 

وجدير بالذكر أن تلك الميليشيات المرسلة قد تكونت من مستشارين عسكريين ينتمون لقوات الحرس الثوري الإيراني، وعناصر شيعية تم تجنيدها من العراق، وأخرى من أفغانستان وباكستان مقيمين بصورة لاجئين في إيران، تم إغراؤهم بمنحهم إقامة دائمة بإيران. ويسترسل "زيلياط" شارحًا استغلال إيران الحدود اللبنانية السورية لتعزيز نفوذها في سوريا، حيث تم إرسال عناصر من "حزب الله" بين عامي 2013 و2014 لردع جبهة النُّصرة بسوريا، وبالفعل نجحوا في ردعها. وحتى عام 2017 استطاع "حزب الله" السيطرة على الحدود السورية اللبنانية بصورة كاملة، بعيدًا عن سيطرة الجيش اللبناني، ومثّل ذلك تغلغلًا إيرانيًّا جديدًا بالمنطقة، وتهديدًا لأمن إسرائيل.

ومع سيطرة تنظيم "داعش"على الحدود العراقية السورية في عام 2014 نتيجة سوء الأوضاع الأمنية وهشاشة الجيش العراقي، تم إنشاء "وحدات التعبئة الشعبية" التي ضمت أكثر من 50 ميليشيا عراقية، أغلبها من الشيعة بدعم دولي أمريكي وإيراني، ونجحت تلك الميليشيات في السيطرة على الحدود وهزيمة "داعش" في عام 2017. 

 ووفقًا لـ"زيلياط" فقد أنشأت إيران مرتكزات استخباراتية بسوريا في المناطق التي يسيطر عليها النظام، وعملت على تزويد النظام بالسلاح والجنود والمعلومات، وتم تخزين صواريخ قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى بالمدن السورية، بل ورصدت الأقمار الصناعية الإسرائيلية في عام 2018 مصانع لصواريخ باليستية بشمال غرب سوريا تشبه ما يتم تصنيعها في إيران.

وتعمل إيران حاليًّا على رفع كفاءة "حزب الله" في استخدام الصواريخ، ولعل ذلك ما يجعل طهران مهدِّدًا قويًّا لإسرائيل، حتى إن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" عقب وعده بعدم الدخول في حروب طويلة الأمد بالشرق الأوسط، أرسل قوة أمريكية قوامها 2000 جندي لمواجهة الإرهاب الإيراني الذي يتم عبر سوريا، حيث تسعى إيران لتسخير سوريا كجبهة عسكرية مباشرة لها، على عكس منطق استخدام الوكلاء بالعراق ولبنان. 

ووفقًا لتقرير استخباراتي إسرائيلي، تسعى إيران بالتعاون مع "بشار الأسد" لإنشاء جبهة مقاومة ضد إسرائيل تقوم بتنفيذ عمليات سرية في منطقة هضبة الجولان التي منها تتسلل القوات للمستوطنات الإسرائيلية المدنية والعسكرية وتنفذ عمليات اغتيال.

معوقات عدة 

يُشير "زيلياط" إلى المحاولات الإيرانية لإحداث تغيير ديموغرافي في سوريا، يخدم مصالحها ونفوذها بالدولة، حيث باتت المعالم العسكرية والثقافة الدينية الإيرانية تتجلى في سوريا. لكنه يرى أن هناك بعض المعوقات التي تقوض التغلغل الإيراني في سوريا، ومنها اعتياد السوريين لعقود طويلة على نظام الدولة الوطنية، وصعوبة تقبلهم قيام نظام ديني شيعي، بالإضافة إلى انتماء الأغلبية الشيعية في سوريا للمذهب الإسماعيلي وليس الاثني عشري كما في إيران.

ولكن بخلاف تلك المعوقات، يشير "زيلياط" إلى وجود ظواهر كثيرة تؤكد تجلي الثقافة الإيرانية في سوريا. فمثلًا بعد عام 2012، ووصول الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، باتت الاحتفالات بعاشوراء تتم بصورة أكثر وضوحًا، مصحوبةً بمواكب احتفال واسعة. علاوةً على أنه قد تم إنشاء مراكز ثقافية إيرانية تعلم اللغة الفارسية والمذهب الشيعي والبرامج التعليمية المختلفة للأطفال بمنطقة دير الزور عقب تخليصها من تنظيم "داعش" في عام 2017. 

وختامًا، يؤكد "زيلياط" أن إيران تتبع سلوكًا واقعيًّا هجوميًّا في سياستها الخارجية الإقليمية، وفي سبيل ذلك تسعى لفرض قوتها الناعمة على الدول الإقليمية. أما عن سياستها العسكرية، فيستنتج الكاتب أن محور المقاومة الإيراني الذي سيمتد من طهران حتى البحر الأبيض المتوسط، وتعد سوريا طريقًا رئيسيًّا له، يمثل تهديدًا كبيرًا لدول المنطقة، فضلًا عن كونه يرجح ميزان القوة لإيران ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، ويجعل أي حرب مستقبلية لصالح إيران، خصوصًا مع وجود الميليشيات الشيعية التي تلعب دورًا إرهابيًّا رادعًا بالمنطقة.

المصدر:

Ilan Zalayat, "Realpolitik and Jihad: The Iranian Use of Shiite Militias in Syria", Digest of Middle East Studies, Volume 28, Number 2, Fall 2019, Pp. 296–328.