أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

اعتبارات متداخلة:

هل تتوافر الضمانات الكافية لنجاح خط غاز "السيل التركي"؟

28 فبراير، 2017


قطعت تركيا وروسيا شوطًا رئيسيًّا في تنفيذ خط "السيل التركي" Turk Stream لنقل الغاز الروسي إلى الأسواق الأوروبية عبر تركيا. ففي 21 فبراير 2017، وقّعت شركة "غازبروم" الروسية اتفاقًا مع شركة "ألسياس" السويسرية يقضي بإنشاء الخط الثاني من المشروع. وفي الأشهر الماضية، حصلت الحكومتان على موافقات الجهات التشريعية والتنفيذية من أجل تنفيذ المشروع، وذلك في أعقاب تقليص حدة التوتر بين الدولتين بعدما أعادت روسيا تطبيع علاقتها الاقتصادية مع تركيا في أكتوبر 2016.

وواقع الأمر إن مشروع "السيل التركي" هو أحد أطر التعاون الاستراتيجي الرئيسية بين الدولتين، والذي لا يزال يمثل، من دون شك، أحد محفزات التقارب بينهما. ويعود الاهتمام المشترك من جانب الدولتين لتنفيذ المشروع إلى أسباب عديدة. فمن ناحية تركيا، يبدو المشروع ذا ضرورة ملحة في توفير إمدادات الطاقة للبلاد، فضلا عن أنه يمنح تركيا أهمية استراتيجية كبيرة في مسارات نقل الطاقة عالميًّا.

أما من ناحية روسيا، فيُعتبر المشروع أحد الخيارات الرئيسية لتسويق الغاز الطبيعي لأوروبا بدلا من مسارات نقل الغاز الأخرى الأقل جدوى اقتصاديًّا أو ذات المخاطر الجيوسياسية العالية. وبالرغم من إصرار الطرفين على تنفيذ المشروع، لا تزال هناك بعض الصعوبات التي قد تواجه نجاح المشروع، والتي تتمثل بالأساس في عدم توافر الضمانات الأوروبية لتسويق الغاز الروسي إليها عبر تركيا. 

تقدم ملحوظ:

في 21 فبراير 2017، أبرمت شركة "غازبروم" الروسية مع شركة "ألسياس" السويسرية اتفاقًا يقضي بإنشاء الخط الثاني من مشروع "السيل التركي" الخاص بنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي التركية. وبموجب اتفاق في ديسمبر 2016، ستنفذ الشركة السويسرية أيضًا إنشاء الخط الأول من مشروع خط الأنابيب الذي سينقل الغاز الروسي للأراضي التركية عبر البحر الأسود بطول 900 كلم. 

وبعدما أعادت روسيا تطبيع علاقاتها الاقتصادية مع تركيا في يونيو 2016، اتخذت الدولتان خطوات جدية نحو تنفيذ مشروع "السيل التركي". وفي أكتوبر 2016، وقعت الحكومتان التركية والروسية على الاتفاق الخاص بمد خط أنابيب لنقل الغاز من روسيا إلى تركيا عبر البحر الأسود، والذي من المقرر أن تصل طاقته الاستيعابية إلى 31.5 مليار متر مكعب سنويًّا.

وفي ظل الإصرار المشترك نحو تنفيذ المشروع، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 7 فبراير 2017، قانونًا يقضي بالمصادقة على الاتفاق، ويأتي ذلك بعدما صادق مجلس النواب الروسي، في يناير 2017، على اتفاقية المشروع، بينما صادق البرلمان التركي، في ديسمبر 2016، على الاتفاقية نفسها.

محفزات عديدة:

ربما تساهم بعض المحفزات في إنجاز مشروع "السيل التركي" بوتيرة سريعة، ويتمثل أبرزها في:

1- مركز للطاقة: بالإضافة إلى كون مضيق البوسفور في تركيا أحد الممرات الرئيسية لنقل النفط عبر العالم، حيث ينقل قرابة 2.9 مليون برميل يوميًّا إلى بحر قزوين ثم إلى أوروبا، فإن تركيا ترغب في مررو عدد من خطوط أنابيب النفط أو الغاز الطبيعي عبر أراضيها من أجل تعزيز مكانتها كمركز عالمي لنقل الطاقة على مستوى العالم. 

وتتوقع وزارة الخارجية التركية أن تصبح البلاد ممرًّا لأكثر من ثمانية خطوط لنقل الطاقة بحلول عام 2025. ومن دون شك فإن "السيل التركي" هو أحد أهم المشروعات الرئيسية في سبيل تحقيق طموحها نحو كونها مقصدًا إقليميًّا لإعادة تصدير الطاقة إلى العالم، لا سيما القارة الأوروبية.

2- شريك موثوق: يأتي تنفيذ مشروع "السيل التركي" كبديل مناسب لمشروع إنشاء خط أنابيب "ساوث ستريم" الذي تم إلغاؤه من قبل شركة "غازبروم" الروسية في ديسمبر 2014، وذلك على خلفية عدم استعداد المفوضية الأوروبية لتنفيذ المشروع عقب اندلاع الأزمة الأوكرانية في عام 2014. وكان من المقرر أن يمر الخط عبر البحر الأسود إلى جنوب أوروبا مرورًا ببلغاريا بتكلفة تبلغ 40 مليار دولار. 

وفي مقابل ما سبق، تبدو أطر التقارب بين تركيا وروسيا وثيقة على مختلف المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، على الرغم من الخلافات التي نشبت بين الطرفين في نوفمبر 2015 عقب إسقاط تركيا طائرة حربية روسية على الحدود التركية- السورية. وأغلب الظن أنه ليس بإمكان تركيا أن تُخلَّ باتفاقها التجاري مع روسيا في هذا الصدد، ليس فقط في ضوء التقارب بين الدولتين، وإنما أيضًا في ظل التأثيرات التي فرضتها الضغوط الروسية على تركيا على مدار الأشهر الماضية.

3- مواجهة المنافسة: تضع العديد من دول الشرق الأوسط والبلقان خططًا مماثلة لتركيا وروسيا نحو تصدير الغاز الطبيعي للأسواق الأوروبية عبر خطوط أنابيب تمر بالأراضي التركية. وفي هذا السياق، أبدت إيران منذ سنوات عديدة طموحًا لتصدير الغاز الطبيعي إلى السوق الأوروبية، وقد تزايدت إمكانية تحقيق هذا الطموح، لا سيما مع رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران في يناير 2016. وبحسب المخططات الإيرانية، فهي تنوي تصدير 35 مليار متر مكعب من الغاز سنويًّا من حقل "بارس الجنوبي" إلى أوروبا عبر تركيا. في الوقت ذاته، تم تدشين خط "تاناب" لنقل الغاز من أذربيجان لأوروبا عبر تركيا في عام 2014، والذي سيبدأ في ضخ الغاز بداية من عام 2018 بمعدل 16 مليار متر مكعب سنويًّا، ومن المقرر أن يزيد إلى 31 مليار متر مكعب بحلول 2026.

تحديات محتملة:

ومع ذلك، فإن هناك العديد من التحديات المحتملة التي ربما تضع عراقيل أمام نجاح مشروع "السيل التركي"، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- ضمانات محدودة: مع أن روسيا أحد الموردين الرئيسيين للطاقة إلى أوروبا حاليًّا؛ إلا أنها قد تجد صعوبة في تصدير الغاز الطبيعي إلى أسواق جنوب شرق أوروبا بسبب عدم وجود اتفاقيات لبيع الغاز من خط أنابيب "السيل التركي" إلى الدول الأوروبية حتى الآن. وفي فبراير 2017، قال ألكسندر بوتسان هارتشينكو المسئول بوزارة الخارجية الروسية: "لن نقوم ببناء الخط الثاني في مشروع السيل التركي دون أخذ ضمانة من المفوضية الأوروبية". ويتزامن ذلك مع لجوء كثير من الدول الأوروبية للحد من الاعتماد على "غازبروم" في توريد الغاز الطبيعي إليها، بالإضافة إلى توتر العلاقة بين روسيا والاتحاد الأوروبي بسبب الأزمة الأوكرانية في عام 2014.

2- فرص التمويل: إضافةً إلى المشكلة السابقة، قد تواجه شركة "غازبروم" صعوبات محتملة في عملية تمويل خط الأنابيب الذي تبلغ تكلفته قرابة 12 مليار دولار، على الرغم من اتفاق الطرفين -التركي والروسي- على اقتسام تكاليف إنشاء الخطين. ومنذ سبتمبر 2014، يفرض الاتحاد الأوروبي عددًا من العقوبات على الشركات الروسية ومن بينها "غازبروم".

وتشمل هذه العقوبات وضع قيود أمام حصول الشركة على التكنولوجيا الجديدة وفرص التمويل من السوق الأمريكية والأوروبية أيضًا، وكذلك حظر التعاون مع الشركة في مجالات الاستكشافات والتنقيب في مناطق عديدة حول العالم. وعلى الرغم من المساعدات المالية المقدمة من الحكومة الروسية للشركة، إلا أن هذه العقوبات سيكون لها تأثير سلبي على قدرات الإنتاج والتمويل في المدى المتوسط والطويل.

3- طلب ضعيف: تُشير التقديرات إلى أن الطلب على الغاز الطبيعي في الدول الأوروبية سينمو بوتيرة بطيئة. وفي ضوء دراسة لمعهد أكسفورد لدراسات الطاقة صادرة عام 2014، فمن المحتمل أن ينمو الطلب على الغاز الطبيعي في 35 دولة بالقارة الأوروبية من نحو 564 مليار متر مكعب في 2010 إلى 594 مليار متر مكعب في عام 2020، ثم يرتفع إلى 618 مليار متر مكعب في عام 2030، أى بزيادة فقط في حدود 24 مليار متر مكعب في عقدين من الزمن، وهى زيادة محدودة قد تقل كثيرًا مع زيادة الإنتاج من موردي الغاز الطبيعي الرئيسيين لأوروبا، ومن ثم قد يؤدي ذلك بطبيعة الحال إلى تصاعد حدة التنافس لتسويق الغاز الطبيعي للأسواق الأوروبية.

وختامًا، يمكن القول إن نجاح خط أنابيب "السيل التركي" سيظل مرهونًا باعتبارات كثيرة، أهمها جيوسياسية تنصرف إلى مدى قدرة روسيا على إنهاء الجمود والتوتر الذي يشوب علاقاتها مع الدول الأوروبية في الوقت الراهن.