أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

السيادة السيبرانية:

عناصر الاستراتيجية الصينية للأمن الإلكتروني

05 فبراير، 2015


إعداد: إسراء أحمد إسماعيل

كثر الحديث خلال الفترات الأخيرة عن تطوير القدرات العسكرية للصين، ومن ضمنها ما يتعلق بالفضاء الإلكتروني، وما ترتب عليه من ظهور ما يسمى بـ"التهديد الشبكي" الذي تمثّله بكين لواشنطن وبعض دول العالم، في ظل اتهامات مُوجهة للحكومة الصينية برعاية "هجمات شبكية" على مواقع إلكترونية هامة تعود إلى شركات عملاقة ومؤسسات حكومية وجامعات في الولايات المتحدة.

وفي هذا الصدد، نشر مركز الأمن الأمريكي الجديد Center for a New American Security، دراسة بعنوان: "الدولة المقاتلة.. الاستراتيجية الصينية للأمن الإلكتروني"، والتي أعدتها "آمي تشانج Amy Chang"، الباحث المشارك في برنامج التكنولوجيا والأمن الوطني بمركز الأمن الأمريكي الجديد.

وقد تناولت الدراسة رؤية الصين لمفهوم الأمن الإلكتروني، والدوافع الصينية الاقتصادية والسياسية والعسكرية للاهتمام بالفضاء الإلكتروني، وكذلك تفسير الصين للنشاط الأمريكي في هذا المجال، وذلك في محاولة لفهم استراتيجية الأمن الإلكتروني الصيني، خاصةً في ظل الجهود المبذولة في التفاوض بين واشنطن وبكين حول قضايا الفضاء الإلكتروني أو السيبراني.

فهم استراتيجية الأمن الإلكتروني الصينية

بذل الرئيس الصيني "شي جين بينغ" والحكومة المركزية جهداً كبيراً منذ عام 2012 للتوصل إلى نهج شامل وإعداد هيكل تنظيمي لأمن الشبكات. وفي هذا الإطار تم مؤخراً إنشاء لجنة الأمن القومي، ومجموعة قيادية مركزية لأمن ومعلومات الإنترنت يترأسها الرئيس الصيني.

وعلى الرغم من جهود بكين الجارية لتنظيم ودعم البنية التحتية لأمن الشبكات والمعلومات، فإن هذه الجهود لاتزال مشتتة، ويرجع ذلك إلى تعدد القطاعات والهيئات الإدارية المسؤولة مثل: (مكتب إدارة التشفير لأمن الدولة، ولجنة الأمن القومي، وجيش التحرير الشعبي.. وغيرها من الجهات)، فضلاً عن وجود تداخل وتضارب في المصالح بين بعضها البعض في كثير من الأحيان.

ويشير مصطلح "المعلوماتية" Informatization أو informationization إلى إطار عمل شامل يهدف إلى تحديث وتحويل المجتمع الصناعي إلى مجتمع معلوماتي، من خلال تطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) والصناعات والتطبيقات، وموارد المعلومات، والبنية التحتية، وتنمية القدرات، والمتطلبات اللازمة لضمان الأمن المعلوماتي، والعناصر القانونية المتعلقة بالأمن المعلوماتي.

وتوضح الدراسة وجود اختلاف بين واشنطن وبكين في تعريف عدد من المصطلحات المعنية بموضوع الفضاء والأمن الإلكتروني، الأمر الذي يتسبب في وجود فجوة إدراكية، خاصةً فيما يتعلق بتحديد معنى الأمن الإلكتروني (السيبراني)، وأمن الشبكات والمصطلحات الأخرى ذات الصلة. وتضيف الدراسة أن الاستراتيجية الصينية لأمن الشبكات تتضمن استخدام المعلومات للتأثير أو السيطرة على عملية صنع القرار لدى الأعداء وما يترتب عليها من أنشطة، وذلك لخدمة الأهداف الصينية الهجومية والدفاعية. وهذه التفسيرات - من وجهة نظر الكاتبة - تعد أوسع نطاقاً من الرؤية الأمريكية في مجال الأمن الإلكتروني، حيث تعتبر المبادرة الأمريكية الوطنية الشاملة للأمن الإلكتروني، والتي انطلقت في يناير عام 2008، أكثر محدودية في نطاقها، إذ تركز على تعزيز القدرات الدفاعية التكنولوجية والبشرية.

دوافع الاهتمام الصيني بالفضاء الإلكتروني

تُفسر الدراسة السياسة الخارجية للصين، بما في ذلك نشاطها الإلكتروني (السيبراني)، في ضوء سياستها الداخلية التي تهدف إلى حماية واستمرار قوة الحزب الشيوعي الصيني (CCP). وفي هذا الإطار فإن ضمان استقرار الصين الداخلي وسلامة أراضيها وتحقيق التحديث والنمو الاقتصادي والحد من الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية، والاستعداد في نفس الوقت لاحتمال نشوب نزاع عسكري إلكتروني في المستقبل، كلها تمثل أهدافاً تدعم بشكل مباشر أو غير مباشر استمرار حكم الحزب الشيوعي الصيني. ومن ثم، تتمثل المحفزات الصينية في مجال الفضاء الإلكتروني، في الآتي:

1- اقتصادياً: القرصنة والجرائم الإلكترونية:

تشمل الدوافع الاقتصادية للاستراتيجية الصينية لأمن الشبكات هدفين رئيسيين، هما: ضمان استمرار النمو الاقتصادي، وردع الجرائم الإلكترونية المحلية. وفيما يتعلق بالتجسس الإلكتروني الصناعي والذي يرتبط بالحصول على المعلومات الاقتصادية الصناعية بما في ذلك الأسرار التجارية الخاصة بالبحث والتطوير والإنتاج، فقد أشارت الدراسة إلى أن ذلك يحدث على نطاق واسع من قِبَل الصين، وأنه يكلف الولايات المتحدة خسائر تُقدر بالمليارات. وقد وصف مكتب الولايات المتحدة لمكافحة التجسس (NCIX) في تقرير صادر حول التجسس الإلكتروني الخارجي، القائمين على الجهات الإلكترونية الصينية، بـ"الجناة الأكثر نشاطاً واستمرارية في مجال التجسس الاقتصادي".

ونظراً لصعوبة قياس الآثار المترتبة على هذه الجرائم، فمن الصعب معرفة المدى الحقيقي للجريمة الإلكترونية والتجسس الإلكتروني الصيني. ومن ناحيتها، تستمر الصين في دحض هذه الاتهامات، مُصرةً على أن الدولة لا تدعم أي نشاط متعلق بالقرصنة.

2- سياسياً: السيادة الصينية في مجال الفضاء الإلكتروني:

فيما يتعلق بالدوافع السياسية، تؤكد الكاتبة أن الحكومة الصينية تخشى من إتاحة استخدام الإنترنت دون قيود، ومن عدم السيطرة على عملية تدفق وانتشار المعلومات خاصةً من قِبَل المعارضة، الأمر الذي قد يشكل خطراً كبيراً على استقرار النظام الشيوعي الصيني وعلى السلطة الحاكمة، لذلك قامت الصين بتطبيق تدابير وقائية في إطار تبني مفهوم "احترام السيادة الصينية في مجال الفضاء الإلكتروني"، والذي من شأنه أن يسمح لبكين بالسيطرة على الإنترنت داخل حدود الدولة، في حين أن المفهوم الغربي للفضاء الإلكتروني يتبنى نهجاً مُنفتحاً من خلال التدفق الحر للمعلومات عبر الحدود.

وفيما يتعلق بالشؤون الخارجية، تقوم الحكومة الصينية بتوظيف جهات غير حكومية - أو على الأقل لا تمنعها - للقيام بأنشطة إلكترونية ضد الخصوم، تشمل التجسس الإلكتروني في المجالات المختلفة الاقتصادية والصناعية والعسكرية. ونظراً لعدم إمكانية إثبات وجود علاقة بين المؤسسات الحكومية والجهات الفاعلة التي ترعاها الدولة في هذا المجال، لذلك فمن الصعب إلقاء اللوم على الحكومة الصينية ومقاضاتها وفقاً للقانون الدولي في هذا الشأن.

3- عسكرياً: التطبيقات الإلكترونية في مجال الدفاع الوطني:

تذكر الدراسة أن الصين قامت باستخدام شبكة الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات في المجال العسكري منذ عدة عقود، ولكن نقطة التحول الرئيسية في النهج الصيني حدثت بعد استخدام الولايات المتحدة للتكنولوجيا العسكرية المتقدمة في حرب الخليج، فمنذ ذلك الحين ركزت بكين على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أجل توظيفها في الحروب المستقبلية، وتطمح في احتلال موقع متقدم في هذا المجال بحلول عام 2050.

وتضيف الدراسة أن الصين قد عملت على ترسيخ أُسس استراتيجية الأمن الإلكتروني في العلوم والأدبيات العسكرية الصينية، مثل: المبادئ التوجيهية للاستراتيجية العسكرية The Military Strategic Guidelines ، وعلم الاستراتيجية العسكرية The Science of Military Strategy، فضلاً عن المبادرات الحكومية، مثل مبادرة "المهام التاريخية الجديدة" لـ"هو جين تاو" Hu Jintao’s New Historic Missions، والأوراق البيضاء للدفاع الوطني The National Defense White Papers.

ومن خلال هذه العلوم والأدبيات العسكرية، بحث العسكريون في استراتيجيات تُمكنهم من استغلال المجال الإلكتروني في مختلف السيناريوهات الهجومية والدفاعية. وتشير الكاتبة إلى أنه بسبب اختلاف الثقافات الاستراتيجية، فإن العلوم والأدبيات العسكرية لا تميز بوضوح في هذا المجال بين التدابير الدفاعية والهجومية، وبالتالي فإن ما قد تعتبره الصين آليات دفاعية، قد يتم تأويله على أنه آليات هجومية في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية.

وتتوقع الكاتبة أن تلعب العمليات العسكرية الإلكترونية دوراً هاماً في السيناريوهات العسكرية المتعلقة بتايوان، والنزاعات الإقليمية والبحرية الأخرى، وكذلك ضد الولايات المتحدة. وقد أشارت العديد من التقارير الخاصة بالتهديدات المتقدمة المستمرة Advanced persistent threat (APT) الصادرة عن شركات الأمن الإلكتروني الأمريكية إلى تطور مستوى الهجمات الإلكترونية الصينية ضد الحكومة والمؤسسات الصناعية والتجارية الأمريكية، على الرغم من استمرار نفي الصين لهذه الاتهامات.

رؤية الصين للنشاط الأمريكي في مجال الفضاء الإلكتروني

تعتبر الصين استراتيجية الأمن الإلكتروني الأمريكية بمثابة تهديد للمصالح الصينية، حيث يبرز العديد من المحللين الصينيين كيفية استخدام واشنطن لتكنولوجيا الشبكات والمعلومات للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وكيف تهدد الهيمنة الأمريكية الإلكترونية الأمن الصيني في المجالات المختلفة.

ومن المؤشرات التي تستدل بها الصين على ذلك، إعلان الولايات المتحدة في يوليو 2011 أن الفضاء الإلكتروني أصبح مجالاً جديداً للحرب، فضلاً عن تسريبات "سنودن" الاستخباراتية في مايو ويونيو 2013، علاوة على اتهام وزارة العدل الأمريكية خمسة من ضباط "جيش التحرير الشعبي الصيني" بتهمة التجسس الاقتصادي في مايو 2014.

لذا وضعت الصين في مقابل هذه التحديات أهدافاً رئيسية لتعبئة الحرب الإلكترونية في بكين، من أبرزها تدريب الموظفين العسكريين والمدنيين على الحروب الإلكترونية، وتشكيل وحدات حربية ووحدات احتياط متخصصة في مجال الفضاء والأمن السيبراني.

موقف الصين من الأمن الإلكتروني في المؤسسات الدولية

قامت الصين مؤخراً بتعديل رؤيتها التي وضعتها في وقت سابق، والتي تمثلت في أن قوانين النزاع المسلح لا تنطبق على عالم الفضاء الإلكتروني (الإنترنت). وكعضو في مجموعة الخبراء الحكوميين التابعة للأمم المتحدة – المختصة بدراسة وبناء قواعد الفضاء المعلوماتي – وافقت بكين على الالتزام بالقانون الدولي في مجال الفضاء الإلكتروني (وفقاً لتقرير يونيو 2013 الصادر عن فريق الخبراء الحكوميين).

وعلى الرغم من أن ذلك أُعتبر مؤشراً على حدوث تغير في الموقف الصيني، وقبول بكين وتوافق رؤيتها مع المعايير الغربية، فإن تقرير الخبراء الحكوميين عاد وأكد في أجزاء أخرى منه تشبث الصين بمبدأ سيادة الدولة على الأنشطة المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهو ما أكدته الصين في اجتماع الدائرة المستديرة مع كوريا الجنوبية حول الفضاء المعلوماتي والإنترنت في شهر ديسمبر من نفس العام.

وحالياً، ترى الكاتبة أن الصين تمكنت إلى حد كبير من كسب القبول الدولي لرؤيتها واستراتيجيتها في مجال الفضاء الإلكتروني خاصةً مع الدول التي تشاطرها نفس الآراء، مع تفضيل الحكومة الصينية تجنب التعاون مع واشنطن، وذلك يرجع لثلاثة أسباب رئيسية، وهي:

1- تصور بكين بأن السعي لإقامة علاقات تعاونية تتمتع بالشفافية مع الولايات المتحدة، يتعارض مع أولويات الحكومة الصينية.

2- لاحظت الصين استمرار حرص الولايات المتحدة على التعاون وتبادل المعلومات حول استراتيجية الصين السيبرانية، دون ضمان المعاملة بالمثل.

3- خسارة الولايات المتحدة لمكانتها القيمية، بعد واقعة تسريبات "سنودن" الاستخباراتية، الأمر الذي أعطى الصين المبرر لتأخير أو رفض أي طلبات متعلقة بتعديل توجهاتها في مجال الفضاء الإلكتروني.

أبرز توصيات الدراسة

ختاماً، توضح الكاتبة أنه على الرغم من اهتمام واشنطن وبكين بقضايا الأمن الإلكتروني، إلا أنهما مازالا يواجهان عقبات كبيرة في سبيل تطوير الجهود التعاونية، وتحسين التفاهم المتبادل بشأن هذه المسألة. واستبعدت الكاتبة تغيير السلوك الصيني في المستقبل المنظور، ما لم تحدث تغييرات سياسية، مثل تغيير سياسة واشنطن تجاه بكين أو العكس.

ولتحقيق ذلك، يجب على صُناع السياسة الأمريكيين صياغة سياسات تسهم في تشكيل التوجه الصيني المرغوب فيه تجاه الفضاء الإلكتروني، وتشجع على تغيير التوجه الحالي استناداً إلى فهم أفضل للأهداف وللرؤية الصينية في مجال الأمن السيبراني. كما يتعين على واشنطن العمل على الحد من الأنشطة الإلكترونية التخريبية للصين (أعمال التجسس الاقتصادي)، وتوصيل رسالة قوية إلى المستويات الحكومية الصينية العليا، تحثهم فيها على أهمية تغيير السياسات الصينية في مجال الفضاء الإلكتروني، وإذا تم ذلك فإنه من المرجح أن تكون هذه التغييرات جزئية وليست كلية، لأن تعديل الموقف الصيني حتماً سيستغرق وقتاً طويلاً.

* عرض موجز لدراسة بعنوان: "الدولة المقاتلة.. الاستراتيجية الصينية للأمن الإلكتروني"، والصادرة في ديسمبر 2014 عن مركز الأمن الأمريكي الجديد (CNAS)، وهو مؤسسة بحثية مستقلة تأسست عام 2007 بهدف تطوير سياسات قوية وعملية في مجال الدفاع والأمن القومي، كما يُعد من من المراكز البحثية القريبة لإدارة أوباما، وقد عمل عدد من خبراء المركز وباحثيه مع الرئيس الأمريكي.

المصدر:

Amy Chang, Warring State: China’s Cybersecurity Strategy (Washington, Center for a New American Security, December 2014).