أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

معضلة الاستقرار:

الأدوار الإقليمية والدولية في الساحل الأفريقي

19 فبراير، 2015


إعداد/ عبدالغفار الديواني


أصبحت منطقة الساحل الأفريقي محط اهتمام القوى الإقليمية والدولية، حيث إن هذه المنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي غرباً إلى البحر الأحمر شرقاً يمكن أن تشكل مكاناً للإرهابيين الفارين من الدول الأخرى، وهو ما مكَّن التنظيمات المتطرفة من الاستفادة من انعدام الأمن فيها.

وتضم هذه المنطقة دول (السنغال، موريتانيا، مالي، النيجر، بوركينافاسو، تشاد، السودان، ونيجيريا)، كما أنها أخذت معنى جيوسياسياً بإضافة دول شمال أفريقيا إليها.

وقد كشفت الأزمة في مالي بعد انقلاب الجيش على نظام الرئيس المالي "أمادو توماني" في عام 2012، عن عدم نجاح الآليات المحلية والبرامج الدولية في معالجة تحديات الأمن والتنمية في منطقة الساحل الأفريقي، حيث تعاني ضعف التنسيق بين الفاعلين، بما لا يضمن الأمن في هذه المنطقة.

وفي هذا الإطار، تأتي الدراسة الصادرة عن المعهد الهولندي للعلاقات الدولية بعنوان: "التعامل مع الأزمة وعدم الاستقرار الكامل: كيف يتم تحقيق مزيد من الاستقرار في منطقة الساحل؟"، حيث أوضح خلالها Grégory Chauzal، باحث في المعهد الهولندي للعلاقات الدولية، أهم المشكلات التي تواجه منطقة الساحل الأفريقي، كما عرض رؤية نقدية للاستراتيجيات والمبادرات القائمة في المنطقة، من خلال التعرف على إشكاليات هذه الاستراتيجيات، مع تحديد توصيات لزيادة فعَّالية وتأثير تلك الاستراتيجيات.

تحديات داخلية في دول الساحل الأفريقي

يشير الباحث إلى أن برامج التنمية والأمن في منطقة الساحل، كانت مُحاطة بالكثير من التحديات والإشكاليات، بعضها كان نتيجة ضعف التنسيق بين الفاعلين الدوليين أنفسهم من ناحية، وبين الفاعلين الدوليين والشركاء المحليين من ناحية أخرى. وعلى المستوى المحلي، ثمة عراقيل من شأنها أن تؤثر على فعالية هذه البرامج، ومنها ما يلي: 

1- ضعف المؤسسات السياسية: إذ تعاني المجتمعات في دول الساحل (مثل موريتانيا ومالي) غياب التوافق، وضعف الآليات المتبعة لمأسسة عملية الحوار السياسي أو منع الانهيار الأمني. وهناك برلمانات ضعيفة، وهيئات قضائية متنازعة، ما يؤدي إلى عدم وجود فاعلين بالداخل تعتمد عليهم المنظمات والقوى الدولية من أجل تنفيذ البرامج التنموية والأمنية.

2- فشل اللامركزية: حيث تعمل الحكومات المركزية في منطقة الساحل على تهميش المناطق النائية، سواء سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً، ما يؤدى إلى تنامي الشعور بعدم الثقة والإحباط تجاه الحكومة المركزية، وبالتالي يفقدها جزءاً من نفوذها في هذه المناطق، كما يؤثر بالسلب على شرعيتها كفاعل موثوق به في عيون المجتمع الدولي.

3- ضعف دور الدولة: ففي بعض المناطق مثل شمال مالي والنيجر، فرضت الجماعات المسلحة نفسها كمقدم للخدمات الاجتماعية والمساعدات الاقتصادية. وتظل الدولة المركزية ضعيفة في مواجهة هذه "الدويلات المتصارعة" التي تمتلك القدرات المالية والقوة لجذب الأفراد إليها خاصةً الشباب.

4- الفساد: في ظل اختلاس الأموال العامة والمساعدات الخارجية من قِبل الحكومات المركزية والمحلية على حد سواء بمنطقة الساحل، فإن الفساد يؤدي إلى إضعاف الإجراءات المتخذة من قِبل الشركاء والفاعليين الخارجيين في مكافحة التطرف، كما أنه يعمق الفجوة في العلاقة بين الدولة والمجتمع.

5- انتشار الأنشطة غير المشروعة نتيجة عدم الاستقرار: يُقدر حجم هذه الأنشطة غير المشروعة بنحو 3.8 مليار دولار سنوياً في منطقة الساحل، وتتمثل أبرزها في الإتجار بالبشر، كما يمكن أن يحصل الفرد على 750 جنيه إسترليني مقابل الإدلاء بمعلومات ضد بعثات المنظمات الدولية، وأيضاً 1500 جنيه إسترليني مقابل القيام بتفجير لغم وغيرها.

6- عدم فعَّالية التعليم والديموغرافيا كمفتاح لقضايا الاستقرار: تعاني دول منطقة الساحل من فكرة تقليل دور التعليم والديموغرافيا كأدوات فاعلة في تحقيق التنمية والأمن. وهكذا تظل هذه الدول غير قادرة على أداء مهامها الرئيسية، ومن ثم يستمر ضعفها، وتقل شرعيتها، وهو ما يؤدي إلى عدم الاستقرار بها.

إشكاليات الجهود الإقليمية

يشير الكاتب إلى أن الأزمة في مالي أسفرت عن تدهور الأوضاع في منطقة الساحل الأفريقي، خاصةً نمو الجماعات المسلحة. ومن ثم حاولت دول هذه المنطقة اعتماد مواقف مشتركة لمواجهة التهديد الذي تشكله القاعدة وحلفاؤها في بلاد المغرب العربي، ومن أهم تلك الجهود الآتي:

1- في أكتوبر 2011، أطلقت حكومة النيجر استراتيجيتها للتنمية والأمن في مناطق الساحل والصحراء، وتضمنت خمسة مجالات للتدخل هي: تعزيز أمن الأفراد والبضائع، وخلق الفرص الاقتصادية للسكان، وتحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية، وتعزيز الحكم المحلي، وإعادة إدماج العائدين من ليبيا ونيجيريا وكوت ديفوار.

2- منذ بداية 2014، شاركت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) والاتحاد الأفريقي، وتجمع دول الساحل والصحراء، ومجموعة G5 Sahel (تأسست في يناير 2015 وتضم النيجر ومالي وموريتانيا وبوركينا فاسو وتشاد)، في وضع مبادرات وبرامج لمعالجة القضايا المرتبطة باستقرار المنطقة على المدى الطويل.

وتعاني هذه الجهود بعض الإشكاليات، ويتمثل أبرزها في الآتي:

1- الاعتماد المستمر على المساعدات الدولية من خلال الدعم المالي والتعاون المعلوماتي والاستخباراتي. فعلى سبيل المثال، أعلنت (إيكواس) أنها لن تستطيع تنفيذ استراتيجيتها من دون الدعم الخارجي. وبالتالي ثمة قيود على قدرة دول الساحل في تنفيذ استراتيجياتها الخاصة. كما أدى ذلك أيضاً إلى التنافس بين هذه الدول لتأمين مواردها الدولية، والتي تعتبر ضرورية لتعزيز النفوذ السياسي والقيادة الإقليمية.

2- الفصل المستمر بين الأجندة الدولية والأولويات الأفريقية: على الرغم من الجهود الدولية لمعالجة أسباب ونتائج الاضطرابات الأمنية وعدم الاستقرار، فإن عدم ثقة القوى المحلية في الفاعلين الدوليين، يعيق هذه الجهود. وفي حين تظل قضايا مواجهة الإرهاب ذات أولوية واهتمام الشركاء الدوليين نظراً لتأثيرها على مصالحهم، إلا أن هذه القضايا لا تأتي في أولويات دول الساحل.

إشكاليات البرامج الدولية

طرحت القوى الدولية العديد من الاستراتيجيات التي تركز على البرامج الأمنية والتنموية لمعالجة عدم الاستقرار في منطقة الساحل الأفريقي، غير أنه لا توجد استراتيجية واحدة شاملة وفعَّالة، ويتضح ذلك فيما يلي:

1- استراتيجية الاتحاد الأوروبي: بدأت في مارس 2011، وتم تأكيدها في عام 2013، حيث تأسست على العنصر السياسي (التنمية والحوكمة) والجوانب الأمنية للاستقرار (الأمن وحل الصراعات الداخلية ومواجهة التطرف). وعلى الرغم من ذلك فقد تم انتقاد هذه الاستراتيجية بعدما فشلت في منع حدوث أزمة مالي في عام 2012، ومعالجة "أقلمة" regionalisation الصراعات في المنطقة. ويرجع ذلك إلى فقدان الاستراتيجية إلى النظرة الوقائية، بالإضافة إلى عدم تركيزها في مواجهة التطرف على جهود الحد من الفقر والتهميش الاجتماعي والاحتياجات الاقتصادية.

2- استراتيجية الأمم المتحدة: قررت الأمم المتحدة، في أكتوبر 2012، تعيين مبعوث خاص لمنطقة الساحل الأفريقي، لوضع استراتيجية متكاملة تشمل الأمن والحكم والتنمية وحقوق الإنسان والقضايا الإنسانية. وتمثلت أهداف الاستراتيجية في تعزيز الحكم الرشيد، وتقوية قدرة آليات الأمن الوطني والإقليمي لمعالجة التهديدات العابرة للحدود، والربط بين التنمية والتدخلات الإنسانية. وعلى عكس استراتيجية الاتحاد الأوروبي، أضافت استراتيجية الأمم المتحدة عنصر تنسيق الجهود الإقليمية والدولية في المنطقة. ومع ذلك، فإن قلة الموارد، واعتماد الأمم المتحدة بشكل كبير على مدى استعداد الدول الأعضاء للعمل معها، قيَّد من قدرة المنظمة الدولية على أن تلعب دوراً قيادياً.

3- استراتيجية البنك الدولي: بدأت في نوفمبر 2013 من أجل التصدي لنقاط الضعف السياسية والاقتصادية، والثغرات الأمنية، مع دعم نهج إقليمي لتعزيز الفرص الاقتصادية للأسر والمجتمعات المحلية في منطقة الساحل. ولكن الاستراتيجية لم تتعامل مع العنصر الأمني كأولوية وسبب لعدم الاستقرار الإقليمي، كما لم تنجح في تنسيق تدخلاتها مع القوى الدولية الأخرى الفاعلة في هذه المنطقة، ما قلل من فعالية برامجها.

استراتيجية شاملة

تشير الدراسة إلى عدد من العناصر الأساسية من أجل التحرك في اتجاه دعم استراتيجيات شاملة وأكثر فعَالية في منطقة الساحل الأفريقي، ومنها الآتي:

1- تحديد منطقة الساحل واختيار الدول "المؤهلة": يجب أن تشمل الاستراتيجيات المستقبلية النطاق الجغرافي للتهديد الأمني من موريتانيا إلى ليبيا، ومن الجزائر في الشمال إلى شواطئ خليج غينيا في الجنوب. وفي الوقت نفسه التعامل مع قضايا متعددة الأوجه ومتنوعة مثل الأمن والتنمية الاقتصادية والتعليم والديموغرافيا.

2- التنسيق بين الجهود الدولية: فعلى الرغم من تأسيس آلية للتنسيق في عام 2013 كأول خطوة ملموسة من أجل تنسيق المساعدات الدولية لمنطقة الساحل الأفريقي، فإنها واجهت إشكالية نتيجة اتجاه حكومات المنطقة لعدم التعاطي معها بدعوى "سيادة الدولة"، وكذلك التخوف من توجيه هذه المساعدات لأجندات سياسية داخلية.

3- توحيد الجهود بين الدول والفاعلين من غير الدول: يبقى تنسيق الجهود مسألة ضرورية، سواء على المستوى الدولي، أو على المستوى المحلي في الساحل الأفريقي، فكل فاعل داخلي له دور في أي استراتيجية، سواء فاعلاً حكومياً أو منظمات المجتمع المدني. ولكن تظل الإشكالية المتعلقة بتنوع الأهداف والأولويات واحدة من أهم الإشكاليات التي تواجه عملية التنسيق.

ختاماً، يؤكد الكاتب أنه في ظل الإشكاليات الداخلية أو الإقليمية والدولية في منطقة الساحل الأفريقي، لن يتحقق الاستقرار بها على المدى الطويل إلا في الدول التي تمتلك فهماً حقيقياً للتحديات الأمنية والتنموية الداخلية. لذا، فإنه من الأفضل أن يقوم الفاعلون المحليون في دول الساحل بتصميم استراتيجيتهم التي تعالج أسباب عدم الاستقرار، وتحديد أولوياتهم، ومن ثم يستطيع الشركاء الإقليميون والدوليون دعم هذه الأولويات من خلال التنسيق المشترك.


* عرض مُوجز لدراسة بعنوان: "التعامل مع الأزمة وعدم الاستقرار الكامل: كيف يتم تحقيق مزيد من الاستقرار في منطقة الساحل؟"، والصادرة في ديسمبر 2015 عن المعهد الهولندي للعلاقات الدولية.

المصدر:

Grégory Chauzal ,Fix the unfixable, Dealing with full-blown crisis and instability: How to bring greater stability to the Sahel? (Netherlands: The Netherlands Institute of International Relations "Clingendael",  December 2015).