أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

تراجع غربي:

تأثير تحولات النظام العالمي في الشرق الأوسط

30 أغسطس، 2014

تراجع غربي:

نظم مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة يوم الخميس الموافق 28 أغسطس 2014، لقاءً عاماً قدمت خلاله الأستاذة كارن أبوالخير، المستشار الأكاديمي لشؤون العلاقات الدولية بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، تحت عنوان "تحولات النظام العالمي وتأثيرها على منطقة الشرق الأوسط".

أكدت أبوالخير أن النظام الدولي يشهد حالة من التحولات واسعة النطاق تؤثر على تفاعلات وتوازنات القوى في النظام الدولي، فقد مثلت الأزمة المالية العالمية منذ عام 2008 ما يمكن أن يسمى نقطة التحول Tipping point، لأنها أظهرت بوضوح تحول مقدرات القوة المالية على الأقل، إلى مجموعة من القوى المتوسطة التي تجمعت في إطار مجموعة العشرين للتكاتف مع الدول الصناعية الكبرى في منع النظام المالي العالمي من الانهيار.

وأصافت المحاضرة أن "الأزمة الاقتصادية التي عانت منها الدول الصناعية الكبرى، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان في أعقاب الأزمة المالية، أكدت على هذا التحول، إذ تعافت القوى الصاعدة سريعاً، بينما ظلت الدول الكبرى تعاني، بل إنها سعت لإقناع الدول ذات الفوائض المالية الكبيرة بالاستثمار فيها ودعمها. وبالمقابل سعت الدول الصاعدة لتحويل سطوتها المالية إلى نفوذ سياسي على الساحة العالمية، في ظل حالة السيولة وعدم الاستقرار التي تواكب هذه المرحلة من تحولات القوة.

وقد رصدت أبوالخير بعض الملامح الأساسية التي سيكون لها تأثير على مستقبل الشرق الأوسط، ومن أبرزها: ـ

1 ـ تحول النظام العالمي من الأحادية القطبية إلى تعدد المراكز

أدت تحولات القوة في النظام العالمي بعد الأزمة المالية العالمية إلى تراجع واضح في قدرة الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة، فالنظام الدولي يتجه حالياً إلى حالة من "تعدد المراكز"، حيث ظهرت العديد من الدول ذات مستوى متقارب من القوة، وإن كانت هذه القوة تتجلى بشكل أكبر - حتى الآن - على المستويات الإقليمية منها على المستوى العالمي. فبالإضافة إلى القوى "التقليدية"، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يشهد النظام الدولي صعود عدة قوى آسيوية في وقت واحد لأول مرة في التاريخ: الصين والهند واليابان. كما تسعى روسيا بقوة لاستعادة مكانتها السابقة كقطب دولي، بينما تسعى ألمانيا لإيجاد صيغة جديدة للتفاعل بوصفها القوة الأولى على الساحة الأوروبية.

وتسعى هذه القوى الصاعدة لأسباب متعددة لإيجاد موطأ قدم لها في منطقة الشرق الأوسط، عبر وسائل ومداخل مختلفة، لاسيما مع بداية تراجع الهيمنة الأمريكية أمام مزاحمة دول من داخل الإقليم ومن خارجه، أضحت تلعب أدواراً أكثر نشاطاً في الإقليم.

2 ـ التنافس الدولي المفتوح في بيئة صراعية

يعد إقليم الشرق الأوسط تاريخياً من أكثر المناطق تأثراً بتفاعلات التنافس الدولي، ويتضح ذلك حالياً في الانخراط الروسي الصريح في قضايا المنطقة، واستعداد الصين لانتهاج سياسة خارجية أكثر نشاطاً فيها، بالإضافة إلى إعادة تقييم الولايات المتحدة لمواقفها، واتجاهها لتسوية القضايا الساخنة في المنطقة، خاصة الملف الإيراني، لتقليل العبء الذي تضعه على الإدارات الأمريكية.

ويغيب عن هذا التنافس منطق الحرب الباردة، حيث كان كل من القطبين على استعداد لتحمل تكلفة اقتصادية أو عسكرية لاجتذاب دول تنتمي إلى المعسكر الآخر، أو منعها من الانضمام إليه، فالتنافس الدولي الراهن يقوم على تحقيق المكاسب المباشرة التي تصب في صالح تعظيم القوة.

3- تغيرات خريطة الطاقة العالمية:

تقع قضية تأمين موارد الطاقة في قلب حالة التنافس المتصاعد التي يشهدها النظام العالمي. يدعم هذا التنافس الاتجاه لتنمية مصادر متنوعة لموارد الطاقة، وتأمين نقلها إلى الدول المستهلكة عبر مسارات مختلفة بعيدة عن مناطق التوتر والصراع. ومن المنتظر أن يؤثر السعي لتطوير مصادر جديدة للطاقة بدرجة أو بأخرى على الدور المحوري لإقليم الشرق الأوسط، خاصة في ظل الاتجاه لتطوير إنتاج الطاقة من مناطق جديدة، ومن أهمها: الاكتشافات النفطية شرق المتوسط، وموارد منطقة بحر قزوين، علاوة على منطقة وسط آسيا التي أصبحت مصدراً أساسياً لتوريد الطاقة للصين عبر خطوط الأنابيب الأرضية.

4 ـ الأهمية المتزايدة للمنظمات والتكتلات الإقليمية:

برزت ظاهرة اكتساب المنظمات الإقليمية أدواراً جديدة ظهرت على المستوى العالمي في عدة حالات، منها "منظمة شنغهاي للتعاون" التي تضم روسيا والصين ودول وسط آسيا، والتي كان التعاون الأمني بين أعضائها هدفاً رئيسياً وراء قيامها، ثم امتد نشاطها ليشمل التعاون في مجال الطاقة وتنشيط التجارة بين الدول الأعضاء. وأصبحت المنظمة تمثل تكتلاً سياسياً يستطيع الوقوف أمام أية تحركات غربية تهدف للتدخل، حتى بغطاء أممي تحت دواع إنسانية أو أمنية، في إقليم وسط آسيا.

ومن أبرز التكتلات الإقليمية المتصاعدة "مجلس القطب الشمالي" التابع للأمم المتحدة، المختص أصلاً بمتابعة التداعيات البيئية لاستغلال موارد القطب الشمالي. حيث ازداد التنافس بين الدول المشاطئة لمياهه المتجمدة، حيث تشير بعض التقديرات إلى أنها قد تحتوي على 30% من موارد العالم غير المكتشفة من الغاز، و15% من الموارد غير المكتشفة من البترول، بالإضافة إلى إمكانية استغلالها كممر للتجارة البحرية بتأثير تغير المناخ وذوبان الثلوج.

الشرق الأوسط والواقع العالمي الجديد

وحول موقع الشرق الأوسط في الواقع العالمي الجديد، أشارت أ. كارن إلى تباين التوقعات حول الأهمية المستقبلية لمنطقة الشرق الأوسط في إطار تحولات النظام العالمي الجديد الذي بدأت ملامحه الأولية تتشكل في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. فالبعض يشير إلى استمرارية الاهتمام الأمريكي بقضايا المنطقة، وتصاعد اهتمام قوى دولية أخرى مثل الصين وروسيا، كدليل على أن المنطقة ستظل تحتل مكانة محورية على الأقل خلال العقدين القادمين.

وعلى الجانب الآخر، يؤشر تصاعد التوترات السياسية والطائفية داخل دول المنطقة وفيما بينها، وغياب القوة الإقليمية أو الدولية التي تستطيع فرض الأمن وإنهاء النزاعات فيها، على أن المنطقة قد تكون على أبواب مرحلة من الاضمحلال والتراجع، تقلل من أهميتها على جميع المستويات.

ويرتبط بما سبق التطورات الحادثة خارج إطار الإقليم. فهناك تصاعد للتنافس الاستراتيجي في آسيا، يتمحور بشكل كبير حول السيطرة على البحار والمحيطات في شرق وجنوب القارة، خاصة فيما يتعلق بالمضايق التي تمر منها حركة التجارة وواردات الطاقة. ويزيد هذا التنافس من مخاطر اعتماد دول آسيوية محورية، مثل الهند والصين، على النقل البحري، لهذا تسعى لتأمين احتياجاتها من الطاقة من مصادر جديدة تسمح بنقلها عبر خطوط أنابيب أرضية، مثل منطقة وسط آسيا. كما تسعى لتدعيم قوتها الاقتصادية عبر إحياء "طريق الحرير القديم"، من خلال شبكة ممتدة بحرياً وبرياً من التبادل التجاري والمشاريع المشتركة.

أخيرا ترى أبو الخير أنه على الرغم من سيطرة الأحداث الإقليمية بشكل كبير على اهتمام قادة المنطقة، فإن التحولات الكبيرة التي يشهدها النظام العالمي تحتم عليهم مواصلة الاهتمام بما يقع خارج الإقليم والتفاعل معه، وتطوير مقاربات جديدة تسمح لدول الإقليم بحماية مصالحها، وتطويع هذه التفاعلات لتحقيق أكبر فائدة ممكنة. وحتى إن لم يكن لبعض القضايا الدولية تأثير مباشر على دول المنطقة في المدى القصير، فإن تأثيراتها ستمتد إلى المنطقة، إن آجلا أو عاجلا، في ظل نظام عالمي يتسم بالتشابك والاعتماد المتبادل لدرجة تكاد تكون غير مسبوقة.