أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

مسار محتمل:

هل تتجه العلاقات الأوروبية- التركية إلى التهدئة؟

06 أبريل، 2021


خرج اجتماع قادة الاتحاد الأوروبي في 25 مارس الفائت، بعدد من القرارات حول كيفية التعامل مع تركيا خلال الفترة المقبلة، وذلك بالاعتماد على نهج "المسار المزدوج" الذي تمت مناقشته في اجتماعات أكتوبر وديسمبر 2020، وانعكس في تقرير "وضع العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية بين تركيا والاتحاد الأوروبي" الذي أعده نائب رئيس المفوضية الأوروبية، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، وتضمن ما يلي:

1- أدوات عقابية: دعا الاتحاد تركيا إلى الامتناع عن تجديد الاستفزازات في شرق المتوسط، محذراً من أنه إذا اختارت أنقرة خلاف ذلك، فإن التكتل سوف يستخدم الأدوات والخيارات المتاحة له للحفاظ على مصالحه ومصالح أعضاءه، والحفاظ على استقرار المنطقة، على أن يتم وضع أنقرة تحت "المجهر" الأوروبي حتى اجتماع القادة القادم في يونيو المقبل.

2- حوافز اقتصادية: أشار القادة الأوروبيون إلى استعداد الاتحاد لتعميق التعاون الاقتصادي مع تركيا، وذلك من خلال زيادة التجارة البينية، ومناقشة تحديث الاتحاد الجمركي التركي (بدأ العمل به منذ عام 1995)، إضافة إلى التعاون في مجالات أخرى مثل الصحة العامة، وحرية انتقال الأفراد بين تركيا ودول الاتحاد، والمناخ ومكافحة الإرهاب.

3- تعزيز التعاون في مجال الهجرة غير الشرعية: تم تكليف المفوضية الأوروبية بتقديم اقتراح بإطار مالي يسمح بعرض مستمر للمساعدات المالية من الاتحاد الأوروبي للاجئين السوريين في تركيا والأردن ولبنان، مع تكثيف التعاون في الحد من الهجرة غير الشرعية.

موقف أنقرة:

كان لافتاً عدم صدور مواقف تركية حادة تجاه قرارات الاتحاد الأوروبي على عكس ما كان يحدث في السنوات الأخيرة، في إشارة واضحة على تقبل الأولى الصيغة التي اعتمدها الاتحاد، وذلك في إطار السياسة الجديدة الرامية لتقليص حدة التوتر مع العالم الخارجي. ويُشار في هذا الصدد إلى أنه صُدر بيان عن وزارة الخارجية التركية رداً على القرارات الأوروبية، ركز على المحددات التالية:

1- مهاجمة "خصوم تركيا" في الاتحاد: تمت الإشارة إلى أهمية عدم انصياع قادة الاتحاد الأوروبي إلى بعض الدول التي تتسم علاقاتها مع تركيا بالتوتر، وعلى رأسها فرنسا (لم يتم ذكر دول بعينها)، وهو ما انعكس في البيان الذي جاء فيه أن "العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي (الواردة في تقرير جوزيب بوريل) قد تم تناولها وصياغتها من خلال وجهة نظر أحادية الجانب، تأثراً بمزاعم ضيقة الأفق لعدد من الدول الأعضاء".

2- التركيز على العلاقات الاستراتيجية: أكد البيان على أهمية تطوير علاقات تركيا مع التكتل الأوروبي على أساس التعاون والمصالح المتبادلة وذلك في ضوء العضوية الأوروبية، وتأمل أنقرة في أن لا يتسبب ربط خطوات الحد من التوتر وفتح قنوات حوار، بالظروف الواردة ببيان القمة، أو تطرقها لمجالات معينة فقط، الأمر الذي يشير إلى أن تركيا ترفض تدخل الاتحاد في شئونها الداخلية، فيما يتعلق بمجالى حقوق الإنسان والديمقراطية، فضلاً عن انتقاد تواجدها في عدد من الملفات الإقليمية (سواء منطقة الشرق الأوسط، أو شرق المتوسط، أو القوقاز)، وهى رسالة تستهدف توجيه الاتحاد لعدم الاعتماد على تلك الملفات للفصل في شكل العلاقات بين الجانبين.

3- مواصلة التدخلات الخارجية: أشار البيان إلى أن "أنقرة ستواصل جهودها الرامية لحل الأزمات الإقليمية مثل ليبيا وسوريا وجنوب القوقاز"، ولفت في هذا الصدد إلى إمكانية التعاون مع الاتحاد الأوروبي في مثل هذه الملفات، مما سيسهم في تعزيز السلام والاستقرار الإقليميين، وهى مزاعم لا تتوافق مع المعطيات الموجودة على الأرض التي تشير إلى أن تدخلات أنقرة كانت سبباً رئيسياً في تأجيج تلك الأزمات وعرقلة جهود تسويتها.

متغيرات عديدة:

في إطار تقييم ما سبق، يمكن الإشارة إلى أهم المتغيرات التي قد تحكم العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي خلال الفترة المقبلة، وذلك على النحو التالي:

1- الدفع نحو التهدئة: يتضح من توجهات الاتحاد الأوروبي وتركيا سعيهما للتهدئة والاعتماد على نمط التعاون بدلاً من النزاع، وهو ما تمت الإشارة إليه في البيان التركي بـ"الأجندة الإيجابية"، والتي تتضمن التعاون في العديد من المجالات وليس الاقتصادية فحسب، وذلك لاعتبارات متعددة تتعلق بالعلاقات التاريخية بين الجانبين، وأهمية تركيا لاقتصادات دول الاتحاد، فضلاً عن اعتبارات استراتيجية ترتبط بمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، إضافة إلى كون أنقرة دولة صاعدة في مجالات النقل بأنواعه (بضائع- طاقة..) سواء عبر البر أو البحر، مما يعزز من سلاسل الإمداد لأوروبا، خاصة وأن البديل هو ممارسة ضغوط من كلا الجانبين، وهى التي لن تسفر، وفقاً لمزاعم اتجاهات في أنقرة، عن تغيير ملموس في سياسات تركيا.

2- تقليص حدة التصعيد: يعكس بيان قمة قادة الاتحاد الأوروبي تلافيه بعض العبارات مثل كلمة "عقوبات"، حيث تم استخدام صيغة أخرى هى "الأدوات والخيارات المتاحة للحفاظ على مصالحه ومصالح أعضاءه"، الأمر الذي يبرز اتجاه الطرفين إلى تخفيف نبرة التجاذب بينهما، بهدف تجنب حدوث تصعيد إعلامي واحتواء تبني أى خطابات شعبوية تؤثر على العلاقات بين تركيا والاتحاد، وذلك مع استثناء أى تصعيد في العلاقات الثنائية، خاصة مع فرنسا.

3- عدم حسم الملفات الشائكة: خاصة النزاع مع قبرص واليونان، حيث يرجح أن تسعى أنقرة لإطالة فترة المفاوضات معهما بقدر الإمكان، دون التوصل لحلول نهائية لإنهاء النزاع فيما بينها، وفي هذا السياق يُشار إلى دعوة تركيا الاتحاد الأوروبي إلى تفعيل دورها كشريك في بعض الملفات الإقليمية، الأمر الذي تأمل منه أنقرة غض الطرف الأوروبي عن تحركاتها في تلك الملفات، أو عدم ربطها بمستوى العلاقات بين الطرفين، وهو الذي سيؤدي بدوره لعدم حسم أى من تلك الملفات.

ويتوازى ذلك مع محاولة تغليب المصالح المتبادلة في بعض الملفات باعتبار أنها تمثل الحافز الرئيسي لاستمرار العلاقات الإيجابية والحد من التوتر، وبالتالي لا يستبعد أن تتراجع أهمية الملفات الخلافية في قائمة أولويات علاقات الاتحاد وتركيا بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة.

4- دعم أمريكي: بالنظر إلى علاقات الولايات المتحدة وتركيا خلال الفترة الأخيرة، والإشارات الإيجابية بين الجانبين، منها اتصال بين وزيري دفاع البلدين، ولقاء وزيرى خارجيتهما، والتشديد الأمريكي على أهمية وجود تركيا في حلف الناتو، فإن ذلك سيكون له تأثير ملموس في العلاقات الأوروبية- التركية، خاصة وأن واشنطن وبروكسل تسعيان لاستعادة تحالفهما التقليدي بعد تأثر العلاقات بينهما في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.  

ختاماً، تكشف العديد من المؤشرات عن اعتماد الاتحاد الأوروبي وتركيا مسار التهدئة خلال الفترة المقبلة، وذلك من خلال تغليب لغة المصالح لمواجهة التحديات الناجمة عن التطورات العالمية، إلا أن ذلك يرتهن بمدى تقبل تركيا للشروط الأوروبية، واتجاه الشريك الأوروبي إلى غض الطرف عن بعض الملفات التي تتدخل فيها أنقرة، وذلك لتجاوز أي خلاف ينشأ بينهما، ولكن هذا لا يعني انتهاء التجاذب بين الطرفين في بعض الملفات، وإنما يعني أن مسار التهدئة سيضع سقفاً لأى تصعيد محتمل بينهما، خاصة مع وجود متغير جديد هو تعزيز مسارات الحركة الأمريكية- الأوروبية تجاه بعض الملفات الحيوية، بما يدفع أنقرة لأن تصبح قريبة من ذلك الحلف بدلاً من معاداته.