أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

هيكلة محتملة:

حدود تأثير توجهات ترامب على اقتصادات الشرق الأوسط

29 نوفمبر، 2016


  أثارت توجهات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إزاء منطقة الشرق الأوسط، والتي عبر عنها في تصريحاته خلال الفترة الماضية، تساؤلات عديدة حول مدى جديتها ومدى قدرة الإدارة الأمريكية الجديدة على الالتزام بها مستقبلا. فخلال حملته الانتخابية، تفادى ترامب طرح أجندة متكاملة واضحة المعالم لسياسته تجاه المنطقة، بيد أن خطاباته المتكررة كشفت بعض ملامح توجهاته الرئيسية المحتملة، ويتمثل أبرزها في سعيه إلى تجنب رفع مستوى الانخراط الأمريكي في المنطقة، وإلغاء أو إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي مع إيران، بالإضافة إلى استمرار الحرب على التنظيمات الإرهابية، ولا سيما تنظيم "داعش"، وذلك بالتوازي مع دعم صناعة النفط الأمريكية، وخاصة الصخري، بما قد يعزز اتجاهًا طويل الأمد لانخفاض أسعار النفط بالأسواق العالمية. 

  ويمكن القول إنه إذا ما التزم ترامب بالفعل بتنفيذ هذه التوجهات، فإن ذلك سيفرض تداعيات متفاوتة الأثر على اقتصادات الشرق الأوسط. فمن جهة، من المتوقع أن يؤدي إلغاء الاتفاق النووي أو على أقل تقدير فرض مزيد من القيود على المعاملات الاقتصادية لإيران مع العالم الخارجي، إلى ضعف الثقة بالاقتصاد الإيراني. فيما سيؤدي دعم الصناعة النفطية الأمريكية إلى كبح آمال انتعاش الأسعار العالمية للنفط وبما قد يؤثر على الدول المصدرة للنفط. وفي المقابل، قد يعزز استمرار الحرب على الإرهاب في العراق وسوريا من فرص المنطقة في استعادة استقرارها الأمني والسياسي وبما يحد من التكلفة المرتفعة لمواجهة الإرهاب. 

  لكن هذه النتائج، على أية حال، ما زالت مجرد توقعات لا يمكن التكهن بمدى إمكانية تحققها، طالما أن إدارة ترامب ما زال لديها وقت لمراجعة بعض مواقفها السابقة كما ترجح بعض الاتجاهات، بيد أنه من المؤكد أن الحضور الاقتصادي الأمريكي بالمنطقة سوف يشهد تراجعًا أكبر مما كان عليه خلال الأعوام الثمانية الماضية، في ظل توجه عام للولايات المتحدة الأمريكية بتفادي الانخراط في المنطقة.   

محددات رئيسية:

  رغم غموض وربما تناقض توجهات ترامب إزاء منطقة الشرق الأوسط، إلا أن ذلك لا ينفي أن الملامح الرئيسية لسياسته في المنطقة خلال الفترة المقبلة ربما تعتمد على مجموعة من المحددات الرئيسية التي تتمثل في:

1- محاربة الإرهاب: تعد مكافحة التنظيمات الإرهايبة، ولا سيما تنظيم "داعش"، أحد المحددات الرئيسية التي أعلن عنها ترامب في سياسته تجاه المنطقة، حيث أكد على ضرورة تجفيف منابع تمويل التنظيم، وتشديد الرقابة بهدف منع تسلل شبكة "داعش" المالية وغيرها من الشبكات التابعة للتنظيمات الإرهابية إلي النظام المالي العالمي. 

2- إضعاف إيران: يرى ترامب أن الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه بين إيران ومجموعة "5+1" في يوليو 2015 غير مجدٍ بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، حيث حصلت الأخيرة على تنازلات قليلة من جانب إيران كجزء من الصفقة، وفي مقابل ذلك سمحت لإيران، وفقًا لرؤيته، بالوصول إلى 150 مليار دولار من الأموال التي كانت مجمدة، بالإضافة إلى 400 مليون دولار أخرى قامت إدارة أوباما بنقلها إلى إيران. 

  وبناءً على هذه المعادلة الخاسرة، يرجح ترامب أن إدارته سوف تسعى إلى رفع سقف العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، وهو ما يحظى بتأييد من جانب الكونجرس الأمريكي الذي أكد على ضرورة فرض حصار على إيران على الأقل اقتصاديًا، كما حدث مؤخرًا عندما رفض صفقة بيع طائرات "بوينج" الأمريكية للأخيرة، وعندما قرر مجلس النواب تمديد قانون العقوبات الأمريكية على إيران الذي صدر في عام 1996 لمدة عشرة أعوام أخرى. 

3- ممارسات حمائية: حدد ترامب بعض الملامح الرئيسية لأجندته الاقتصادية الداخلية، والتي من المحتمل أن تفرض تداعيات مؤثرة على الاقتصادات العالمية ومن بينها اقتصادات منطقة الشرق الأوسط. ويتعلق أحد أهم هذه التوجهات بتأكيده سابقًا على ضرورة دعم صناعة النفط الأمريكية، وتقديم العديد من الحوافز والتسهيلات اللازمة لمضاعفة الإنتاج من النفط والغاز الطبيعي، وهي خطوة من شأنها، في حالة تنفيذها، أن تؤثر على الدول المصدرة للنفط. 

  وعلى ما يبدو، فإن إدارة ترامب سوف تكبح جماح التجارة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية وكذلك الاستثمارات الأمريكية بالخارج، وقد اتضح ذلك بعدما أشار ترامب إلى إمكانية الانسحاب من اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإستراتيجية عبر المحيط الهادئ، وأكد على ضرورة إبقاء الشركات الأمريكية على أنشطتها بالداخل دون التوسع خارج السوق الأمريكي، وهذه خطوات سوف تسبب، في حالة تحققها، أضرارًا لنمو الاقتصادات العالمية ومن بينها اقتصادات المنطقة. 

شكل (1): التبادل التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والشرق الأوسط وشمال أفريقيا (بالمليار دولار)


المصدر: صندوق النقد الدولي 

تداعيات مختلفة:

  وفقًا للتوجهات السابقة، يمكن رصد مجموعة من التداعيات الاقتصادية المحتملة على منطقة الشرق الأوسط، وذلك على النحو التالي:

1- أوضاع سوق النفط: تعهد ترامب بتقديم الحوافز لصناعة النفط والفحم بهدف دعم إنتاج النفط والغاز الطبيعي وتحقيق الاستقلال المطلوب في قطاع الطاقة، بما يشير إلى اتجاه إدارة ترامب، على الأرجح، نحو خفض الاعتماد على واردات الطاقة من الخارج، وهو ما سوف يؤدي مستقبلا إلى انخفاض الواردات الأمريكية من النفط من الأسواق العالمية المختلفة ومن بينها أسواق الشرق الأوسط، والتي تشكل أكثر من نصف صادرات المنطقة للولايات المتحدة الأمريكية. 

  ومن ناحية أخرى، فإن نجاح إدارة ترامب في دعم صناعة النفط، ولا سيما الصخري، من شأنه أن يزيد من التخمة النفطية بالعالم، في وقت تصاعدت فيه المخاوف من انكماش الاقتصاد العالمي في الأجل القصير جراء عدم اليقين الناجم عن السياسات غير الواضحة لترامب، بجانب تعثر منظمة "الأوبك" حتى الآن في الوصول إلى اتفاق يقضي بتخفيص الحصص الإنتاجية للدول الأعضاء. ومن دون شك، فإن هذه الاعتبارات ستؤدي في النهاية إلى مزيد من تراجع أسعار النفط بالأسواق العالمية في الأجلين القصير والمتوسط.

  ولكن في الوقت نفسه، يبدو أن إدارة ترامب سوف تبدي اهتمامًا، على غرار إدارة أوباما، بالحفاظ على حرية الملاحة في مضيق باب المندب، وبما يعزز من سهولة انسياب تدفقات النفط للأسواق العالمية، ومن ثم دعم أمن الطاقة العالمي.   

 2- الحضور الاستثماري: شهد حضور الشركات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط تراجعًا ملحوظًا منذ عام 2011، وذلك بالرغم من إطلاق الرئيس باراك أوباما مبادرة شاملة للشراكة في التجارة والاستثمار بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مايو 2011. وباستثناء إسرائيل والدول المصدرة للنفط بالمنطقة، أدى توتر الأوضاع الأمنية والسياسية بالمنطقة إلى اتجاه الشركات الأمريكة نحو أسواق أخرى أكثر أمانًا مثل الأسواق الآسيوية والأوروبية. 

  وعلاوة على ما سبق، فإن توجهات ترامب الجديدة التي تثير كثيرًا من الشكوك حول التزام الولايات المتحدة الأمريكية بتنفيذ الاتفاق النووي مع إيران، سوف تجعل الشركات الأمريكية أكثر حذرًا في ضخ رؤوس أموال بالسوق الإيرانية على أقل تقدير في المدى القصير، خشية التعرض للعقوبات الأمريكية. 

  وعلى ما يبدو، فإن الشركات الأمريكية سوف تتجنب دخول الأسواق الأخرى بالمنطقة انتظارًا لتبلور معالم السياسة الأمريكية تجاه المنطقة سواء بالانخراط أو الانسحاب التدريجي، وهو ما سيكبح التدفقات الاستثمارية الأمريكية في المنطقة في الشهور المقبلة. وفي مقابل ذلك، سيتحين الشركاء الدوليون مثل روسيا والصين والاتحاد الأوروبي هذه الفرصة لتعزيز التعاون الاستثماري في العموم مع دول المنطقة. 

  لكن من المرجح، في إطار استراتيجية مكافحة الإرهاب في المنطقة، أن تكون إدارة ترامب أكثر اهتمامًا بجهود بناء الدولة العراقية والمساعدة في إعادة إعمار العراق بعد تحرير المدن العراقية من تنظيم "داعش".

شكل (2): رصيد الاستثمارات الأمريكية حول العالم جغرافيًا 2015 (بالمليار دولار)


المصدر: وزارة التجارة الأمريكية

3- هيكلة المعونات: مع تزايد احتمالات اتجاه الإدارة الجديدة إلى تفادي التكلفة المرتفعة للانخراط في المنطقة، من المتوقع أن تخضع المساعدات الرسمية الموجهة لحلفاء واشنطن في المنطقة للمراجعة، مع الالتزام بتنفيذها، على غرار مذكرة التفاهم التي وقعت بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية في سبتمبر 2016، وتقضي بمنح إسرائيل مساعدات عسكرية بقيمة 38 مليار دولار خلال الفترة من عام 2019 وحتى عام 2028. لكن ذلك لا ينفي أن الإدارة الجديدة ربما تسعى إلى إعادة توجيه جزء من هذه المساعدات إلى عمليات مكافحة الإرهاب ودعم السلام بالمنطقة بدلا من التركيز على المساعدات الاقتصادية كما كان عليه الحال سابقًا. 

   وختامًا، يمكن القول بأنه رغم صعوبة التكهن بمدى تأثير توجهات ترامب على اقتصادات الشرق الأوسط في المرحلة الحالية، بيد أن النتيجة النهائية المتوقعة قبل تولي ترامب مقاليد منصبه تتمثل في تراجع الانخراط السياسي والحضور الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، بشكل ربما يفسح المجال أمام قوى اقتصادية أخرى، لا سيما الصين، للبحث عن مزيد من الفرص في الشرق الأوسط.