أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

استثمار بشري:

فرص واعدة للتعليم الإلكتروني في الإمارات

30 يونيو، 2014


تعد التنمية المستدامة تحدياً كبيراً يواجه العالم في القرن الحادي والعشرين، حيث تقتضي العدالة أن تتمكن المجتمعات من تحقيق التنمية لشعوبها الحاضرة دون التضحية بفرص الأجيال المستقبلية في تحقيق التنمية أيضاً. فالتعلم هو وسيلة الاستثمار الأساسية في رأس المال البشري الذي هو غاية التنمية، وكذلك هو الشرط الضروري لضمان تحقيق استدامتها.

ومع التقدم التكنولوجي المتسارع أصبح التعليم - كغيره من القطاعات الخدمية - مطالباً بمواكبة هذا التطور والاستفادة منه وتطويعه لخدمة العملية التعليمية على نحو يحقق المزيد من الكفاءة والاستخدام الأمثل للموارد لدعم التنمية المستدامة بشكل أكبر وأوسع نطاقاً.

وفي هذا الإطار تسعى دولة الإمارات إلى تفعيل التعلم الإلكتروني من أجل إنفاذ رؤية الدولة 2021 من خلال توفير نظام تعليمي يستخدم أدوات التكنولوجيا الحديثة للارتقاء بجودة التعليم وكفاءة مخرجاته على نحو مستدام.

تطور التعلم الإلكتروني

ظهرت بدايات التعلم الإلكتروني في ستينيات القرن العشرين في بعض الجامعات الغربية، التي استعانت بأجهزة التسجيل الصوتي والمرئي في العملية التعليمية. أعقب ذلك خلال السبعينيات والثمانينيات قيام بعض الجامعات بتقديم مقررات دراسية عن بُعْد من خلال Computer-based learning، وبنهاية الثمانينيات أصبح النفاذ الإلكتروني إلى المحتوى الدراسي أمراً شائعاً في الجامعات الغربية.

أما الانطلاقة الكبرى للتعلم الإلكتروني فكانت في حقبة التسعينيات مع تطوير الشبكة العنكبوتية العالمية world wide web وما تبعها من انتشار سريع للإنترنت في المنازل والشركات والمؤسسات التعليمية، وقيام موراي جولدبيرج Murray Goldberg بتطوير حزمة برامج WebCET التي تمكن من طرح مقررات دراسية عبر شبكة الإنترنت. ومع استمرار التقدم التكنولوجي المتلاحق وظهور Webcams اتسع التعلم الإلكتروني في مجالات تعليمية عديدة منها التعليم المدرسي والجامعي، والتدريب في المؤسسات والهيئات، وحملات التوعية الموجهة.

ويعد التعلم الإلكتروني الآن صناعة عالمية يبلغ حجمها 56.2 مليار دولار أمريكي، خاصة أن المؤسسات تحقق وفراً مالياً يبلغ 50٪، ووفراً في الوقت بنسبة 60٪ حال استخدامها التعلم الإلكتروني في برامجها التدريبية.

ومع أنه لا يوجد تعريف متفق عليه للتعلم الإلكتروني بسبب التطور السريع والتطبيقات المتعددة له، إلا أن معظم تعريفاته تدور حول أربعة محاور رئيسية هي: استخدام التكنولوجيا، والتواصل بين المعلم والمتعلم، وتضمين المعلومات والتدريب، واستهداف جودة التعليم. وعلى ذلك يمكن جمع المحاور الأربعة في التعريف التالي للتعلم الإلكتروني، والذي هو (منهج للتعليم والتعلم، يمثل كلاً أو جزءاً من نموذج تطبيقي يقوم على استخدام الوسائط الإلكترونية كأدوات لتمكين الأفراد من الحصول على التدريب والتواصل والتفاعل من أجل تسهيل تبني طرق جديدة للفهم والتعلم).

دعم التنمية المستدامة

ويتوقع أن يتفوق التعليم الإلكتروني على التعليم التقليدي في دعم التنمية المستدامة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على النحو الذي لا ينتقص من فرص الأجيال القادمة، خصوصاً أن التعليم التقليدي يواجه عدة تحديات منها: عدم توفر مصادر التمويل بشكل متوازن ومستدام، وطبيعة التوزيع الديموغرافي غير المتوازن للسكان، وصعوبة التكيف ومواكبة الثورة التكنولوجية والمعلوماتية، والتسرب من التعليم الناتج عن ثقافة بعض المجتمعات أو بسبب الظروف الاقتصادية، وعدم توفر الكادر البشري المؤهل تماماً للعملية التعليمية. وبالطبع تتضخم حدة هذه التحديات في الدول النامية منخفضة الدخل؛ الأمر الذي يحول دون تحقيق التنمية المستدامة في هذه الدول بشكل خاص.

ونظراً لما سبق يتوقع أن يحظى التعلم الإلكتروني بقدر أكبر من الإقبال وعلى إيلاء مزيد من الجهود لتطوير كفاءة العملية التعليمية، حيث إن الآلية التكنولوجية الحديثة التي يقوم عليها التعلم الإلكتروني هي الأكثر ملاءمة لروح العصر الذي يتجاوب معه الشباب بشكل ملحوظ، وهو ما يتوقع أن يجعلهم أفضل تحصيلاً. كما أن سهولة التواصل تعمل على تحفيز المتعلمين على المشاركة والتفاعل من خلال العصف الذهني الذي يولد ويظهر الطاقات الإبداعية، وتمكن المعلم كذلك من مقارنة ومتابعة التطور الدراسي للمتعلمين، إضافة إلى كون التعلم الإلكتروني يتيح المجال لتنويع منهجية التعليم وطرق الإيضاح حسب نوعية وخصائص المتعلمين، حيث يتمكن المتعلمون من خلال المقررات الإلكترونية من النفاذ المستمر للمحتوى الدراسي، مما يرفع إجمالاً من مستويات التحصيل الدراسي.

وعلى صعيد آخر يتوقع أن يقدم التعلم الإلكتروني دعماً أكبر لتحقيق التنمية المستدامة مقارنة بالدور الذي يمكن أن يقوم به التعليم التقليدي. فعلى الجانب الاقتصادي تتركز تكلفة تدشين التعلم الإلكتروني في التكاليف الثابتة والمتمثلة في البنية التحتية، والأجهزة، وتصميم البرامج والمقررات، بينما تعد التكلفة المتغيرة زهيدة جداً مقارنة بالتعليم التقليدي، وبذلك يحقق التعلم الإلكتروني وفورات تتعلق بتكاليف نفقات السفر والإقامة للمعلمين والمتعلمين والتكاليف الإدارية، وكذا كلفة الأبنية والفصول والمعامل والموارد الخاصة واستبدالها بالبيئة الافتراضية التفاعلية للتعلم.

وقد ثبت أن الشركات التي تستخدم التعلم الإلكتروني في أغراض التدريب قد تحقق لها وفورات في حدود 50٪ مقارنة بالطرق التقليدية للتدريب، مع إمكانية زيادة الإنتاجية بالنسبة نفسها، وفقاً لدراسة Bersin & Associates التي أكدت أن التعلم الإلكتروني ساعد 72٪ من الشركات التي تضمنتها الدراسة في مواكبة التغيرات والتطورات على نحو يحافظ على تنافسيتها في السوق.

وفيما يتعلق بتأثير التعلم الإلكتروني على المحور الاجتماعي للتنمية المستدامة؛ فإنه يساعد على نفاذ التعليم إلى كافة المناطق حتى النائية منها، كما أنه يساعد على تمكين المرأة وذوي الاحتياجات الخاصة من فرص التعليم. ويعد التعلم الإلكتروني كذلك صديقاً للبيئة، حيث أثبتت الدراسات التي أجرتها Britain's Open University أنه يستهلك 90٪ أقل من الطاقة التي تستخدمها نظم التعليم التقليدية، إضافة إلى انخفاض حجم انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 85٪ لكل طالب من خلال ترشيد استخدام وسائل الانتقال والسفر ومتطلبات البناء والتشغيل للأبنية التعليمية وتقنين استخدام الأوراق والمطبوعات. ويحد التعلم الإلكتروني من جهة أخرى من تبعات انتشار العدوى في الفصول الدراسية المكدسة وقت الأزمات والأوبئة.

التعلم الإلكتروني في دولة الإمارات

يعد السوق الآسيوي الأسرع عالمياً في معدل نمو التعلم الإلكتروني بنسبة تصل 17.3٪ سنوياً، في حين ينمو هذا السوق في منطقة الشرق الأوسط بمعدل 8.2٪ في عام 2011 حين وصلت عائداته نحو 478 مليون دولار (يتوقع أن تزيد هذه العائدات لأكثر من مليار دولار بحلول عام 2016 وفقاً لشركة أمبينت إنسايت المتخصصة في قطاع تكنولوجيا المعلومات).

ويظهر التعلم الإلكتروني على رأس أولويات المرحلة الحالية لدولة الإمارات، فثمة فرص متاحة لنمو هذا القطاع في المستقبل نظراً لمجموعة من الأسباب، على رأسها توفر الإرادة السياسية؛ خصوصاً أن تعليم تكنولوجيا المعلومات يتصدر أولويات الأهداف التعليمية في الدولة. ويذكر أنه في عام 1995 أعلن معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، والذي كان في ذلك الوقت وزيراً للتربية والتعليم، خلال افتتاحه المؤتمر السنوي الرابع للتعلم الإلكتروني أن من أهداف دولة الإمارات أن تصبح مركزاً للتعلم الإلكتروني في المنطقة.

وفي عام 2000 أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي مشروع تعليم تكنولوجيا المعلومات في مدارس دبي، والذي عمم بعد ذلك على مدارس أبوظبي ضمن خطة شاملة تهدف إلى نشره في جميع مدارس الدولة. ثم جاء تدشين مشروع الحكومة الإلكترونية بدبي عام 2001 ليحدث تقدماً ملحوظاً على درب التوجه نحو التعلم الإلكتروني. وفي عام 2007 أصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وثيقة المعايير الخاصة بالتعلم الإلكتروني من أجل الترخيص والاعتماد. وكذلك تم إطلاق مجلة تكنولوجيا التعليم والتعلم الإلكتروني لدولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2009، بهدف تطوير كفاءات الاختصاصيين عن طريق توفير منبر إلكتروني مفتوح لتبادل الخبرات والاستراتيجيات ونتائج الأبحاث في مجالات تكنولوجيا التدريس والتعلم الإلكتروني.

أما الجانب الأبرز فكان إطلاق مبادرة التعلم الذكي في عام 2012 بالتعاون بين وزارة التربية والتعليم وهيئة تنظيم الاتصالات، وبالتنسيق مع مكتب رئاسة مجلس الوزراء، من أجل تأمين جودة التعليم على نحو مستدام، وبفرص متكافئة للجميع لتحقيق التنمية المستدامة والعادلة. ومن المقرر أن تشمل المبادرة جميع مدارس الدولة بحلول العام 2017، وتحمل هذه المبادرة انعكاسات إيجابية على كل من التعليم المدرسي والجامعي وأصحاب العمل، فمبادرة التعلم الذكي تنطوي على إيجاد جيل جديد تكنولوجياً، ومبدع فكرياً، وقادر على مواكبة متطلبات سوق العمل.

والجدير بالذكر أنه في مطلع عام 2008 كانت هناك 27 مدرسة قننت التعلم الإلكتروني ضمن مقرراتها التعليمية. وقام سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي بافتتاح جامعة حمدان لتكون أول جامعة إلكترونية على مستوى منطقة الخليج.

 يضاف إلى ذلك تقديم العديد من الجامعات في الإمارات مقررات إلكترونية مثل جامعة ماست، ستافورد Stafford Associates، وجامعة ميدلسيكس بدبي Middlesex University Dubai التي تقدم مقررات إلكترونية للتطوير المهني، كما تستخدم أغلب الجامعات برامج البلاك بورد أو النماذج الإلكترونية في المقررات الدراسية.

وعلى صعيد آخر تشكل التنافسية الإقليمية والدولية لدولة الإمارات فرصاً لاستمرار نمو هذا القطاع، حيث استطاعت الخطوط الجوية الإماراتية الفوز بالجائزة العالمية لمشروعات التعلم الإلكتروني، واحتلت الإمارات في عام 2011 المركز 26 عالمياً لمؤشر كثافة استخدام الإنترنت لمجموعة بوسطن للاستشارات الذي يقيس مستوى البنية التحتية للإنترنت وحجم الطلب والاستخدام على خدماته. كما تبوأت الإمارات المركز الأول خليجياً عام 2013 في التعامل الحكومي إلكترونياً والسادس عالمياً في مؤشر المشاركة الإلكترونية في استبيان الحكومات الإلكترونية الصادر من الأمم المتحدة؛ وهو ما يثبت تمتع الإمارات بمتطلبات البنية التحتية اللازمة؛ الأمر الذي يبشر بمزيد من إمكانيات النمو والتوسع للتعلم الإلكتروني في المستقبل.

ويمكن القول إن مستقبل التعلم الإلكتروني يبدو واعداً وكذلك داعما للتنمية المستدامة في دولة الإمارات استناداً لما تتمتع به الدولة من مقومات الإرادة السياسية والبنية التحتية والقبول المجتمعي، إلى جانب وضعها التنافسي الدولي والإقليمي. وبناء على هذا التطور المرتقب للتعلم الإلكتروني في الساحتين المحلية والعالمية يتوقع تغير دور المعلم في العملية التعليمية، وتغير مفهوم وآلية البحث العلمي، بالإضافة إلى سرعة تأثير المعلومات على البشر في بقاع العالم المتناثرة.

لكن يظل حجم وشكل الطلب على البنية التحتية للتكنولوجيا الخاصة بالتعلم الإلكتروني محكومين بأربع قوى رئيسية هي المعلومات، وحرية الانتقال mobile، والجانب الاجتماعي، إضافة إلى ما يسمى السحب الحاملة للمعلومات. وعلى ذلك يتوقع أن تتنوع الأشكال التكنولوجية المستقبلية لتشمل التعلم الجوال mlearning  والتعلم القائم على السحب الحاملة للمعلومات cloud-based learning والتعلم بواسطة الألعاب game_play mechanics learning.

وتجدر الاشارة هنا إلى أن ضمان الدور الإيجابي للتعلم الإلكتروني على التنمية المستدامة يظل محكوماً بوجود خطط واضحة لمنظومة التعلم الإلكتروني وتوفر شروط ومعايير محلية ودولية لضمان المصداقية والجودة، وكذا التدريب المستمر للعنصر البشري على التكنولوجيات المستحدثة بشكل سريع، علاوة على وجود خطط معدة للصيانة الدورية للبنية التحتية من أجل مواكبة التقدم التكنولوجي المطرد.