أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

صفقة المُسيَّرات:

اتفاق أمني بين إيران وبوليفيا.. لماذا يُثير قلق أمريكا اللاتينية؟

07 أغسطس، 2023


أثار تعبير وزير الدفاع البوليفي، إدموندو نوفيلو أغيلار، في شهر يوليو المنقضي، عن رغبة بلاده في الحصول على تكنولوجيا الطائرات المُسيَّرة الإيرانية، بهدف استخدامها في حماية حدودها، ومكافحة تهريب المخدرات؛ جدلاً واسعاً في الداخل البوليفي، وفي دول الجوار، حيث ستكون بوليفيا ثاني دولة في أمريكا اللاتينية تستخدم الطائرات المُسيَّرة الإيرانية، بعد فنزويلا التي حصلت عليها عام 2007. 

وأثارت هذه التطورات مخاوف أمنية بين دول هذه المنطقة، ولاسيما الأرجنتين التي شهدت أراضيها اختراقات أمنية إيرانية في السابق، حيث ترى بوينس آيرس في الطائرات المُسيَّرة الإيرانية خطراً أمنياً على حدودها، وذراعاً لطهران قادرة على اختراق أراضيها مجدداً. 

انقسام بوليفي:

التقى وزير الدفاع البوليفي، إدموندو نوفيلو، في 16 يوليو 2023، نظيره الإيراني، محمد رضا أشتياني، في طهران، حيث وقّع كلاهما مذكرة تفاهم خاصة بالدفاع والأمن بين البلدين، أعقبها إعلان من جانب نوفيلو بأن بلاده مهتمة بالاستعانة بخبرة الطائرات المُسيَّرة الإيرانية لاستخدامها في أغراض حماية الحدود، ومكافحة تجارة المخدرات. 

وعلى الرغم من أن تصريحات وزير الدفاع البوليفي لم تحمل تأكيداً بشأن وجود صفقة لشراء طائرات مُسيَّرة من إيران، أو حتى تلقي بوليفيا منحة من طهران بهذه الطائرات؛ فإن الحديث عن هذه الرغبة في الحصول على المُسيَّرات الإيرانية، عقب توقيع مذكرة التفاهم، قد أعاد إلى الأذهان ما أُعلن عام 2010 من جانب وزير المالية البوليفي آنذاك، لويس أرسي، بشأن نية بلاده شراء طائرات ومروحيات إيرانية الصُنع للتدريب والنقل، وذلك بموجب مذكرة تفاهم وقّعها في هذه الفترة الرئيس البوليفي الأسبق، إيفو موراليس، ونظيره الإيراني الأسبق، محمود أحمدي نجاد، في طهران، خلال زيارة رسمية في أكتوبر 2010. 

وتلك المذكرة انتقدتها المعارضة البوليفية؛ خشية الدور الذي يمكن تؤديه إيران في بوليفيا، ورفضاً لمحاولاتها بسط نفوذها في أمريكا اللاتينية. وهذا ما تكرر أيضاً مع إعلان وزير الدفاع، إدموندو نوفيلو، أخيراً، حيث تقدم نواب من المعارضة البوليفية بطلب لتوضيح معلومات بشأن مذكرة التفاهم الخاصة بالدفاع والأمن المُوقّعة من قِبل وزيري دفاع بوليفيا وإيران، وهو ما عبّر عنه أمين لجنة الدفاع والقوات المسلحة في مجلس النواب البوليفي، غوستافو ألياغا، بقوله: "على وزير الدفاع توضيح وتفسير الاتفاقية، وسبب توقيعها مع دولة لديها تعقيدات على الساحة الدولية، في وقت ينبغي فيه لبوليفيا أن تكون دولة مسالمة بحسب دستورها.. لا أستطيع أن أفهم السبب الذي يدفع بوليفيا إلى الانخراط في مثل هذه العلاقة المعقدة الصعبة".

وجاء الاتفاق البوليفي الإيراني عقب أسابيع قليلة من زيارة الرئيس إبراهيم رئيسي لثلاث دول في أمريكا اللاتينية هي فنزويلا ونيكاراغوا وكوبا، خلال الفترة من 12 وحتى 16 يونيو 2023، فيما يُمثل عودة واضحة للاهتمام الإيراني بالعلاقات مع حلفائها القدامى في هذه القارة، التي تتمتع بأهمية خاصة في السياسة الخارجية والدفاعية الإيرانية. وقد نتج عن تلك الزيارة، العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية والعسكرية، التي من شأنها أن تحافظ على وجود طهران في هذه المنطقة. وتجدر الإشارة إلى أن فترة حكم الرئيس السابق، حسن روحاني، قد شهدت تراجعاً لأولوية أمريكا اللاتينية في الحسابات الخارجية الإيرانية، نظراً لتوجه حكومته آنذاك نحو تحسين علاقاتها مع الغرب، والتركيز على تحقيق اختراق مهم في الملف النووي. 

مخاوف أرجنتينية:

تُمثل العلاقات القوية بين إيران وبوليفيا أحد أسباب توجس الأرجنتين من تحالفات بوليفيا خارج أمريكا اللاتينية، ودائماً ما أدت هذه العلاقات إلى نشوب خلافات دبلوماسية بين بوليفيا وجارتها الأرجنتين، ولاسيما خلال فترة حكم الرئيس الأسبق، إيفو موراليس، الذي كان يُعد من أهم حلفاء إيران في دول "التحالف البوليفاري" (يشمل كلاً من كوبا، وفنزويلا، وبوليفيا، ونيكاراغوا، ودومينيكا، وأنتيغوا وبربودا، وسانت فنسنت وجزر غرينادين، وغرينادا، واتحاد سانت كيتس ونيفيس). فيما تُعد فترة حكم الرئيس الأسبق، أحمدي نجاد، الفترة الذهبية لعلاقات إيران مع دول أمريكا اللاتينية بشكل عام، وبوليفيا بصفة خاصة، حيث زارها نجاد ثلاث مرات خلال ولايتيه الرئاسيتين.

وفي سياق تخوف الأرجنتين من العلاقات المتنامية بين إيران وبوليفيا، طلبت بوينس آيرس، في يونيو 2011، من لاباز عدم الاستمرار في استضافة أحمد وحيدي، وزير الدفاع الإيراني آنذاك، وبالفعل أنهت بوليفيا زيارة وحيدي تجنباً لنزاع دبلوماسي مع الأرجنتين، التي تسعى إلى محاكمته على خلفية اتهامه من قِبل الادعاء العام الأرجنتيني بأنه العقل المدبر لهجوم آميا على مبنى الجمعية التعاضدية اليهودية الأرجنتينية بمقرها في بوينس آيرس في 18 يوليو 1994، والذي أسفر عن مقتل 85 شخصاً وإصابة المئات بجروح. وأوضحت حينها وزيرة الدفاع البوليفية، ماريا سيسيلي، أن دعوة وحيدي لحضور مراسم عسكرية، جاءت دون علم بمذكرة الاعتقال الصادرة من جانب الإنتربول بحق الوزير الإيراني.

كما سارعت الأرجنتين إلى تقديم مذكرة استيفاء معلومات إلى السفارة البوليفية في بوينس آيرس، تطالب فيها بمعلومات عن نطاق المناقشات وأي اتفاقيات تم التوصل إليها خلال زيارة وزير الدفاع البوليفي، إدموندو نوفيلو، لطهران، في يوليو الماضي. وحذر ساسة أرجنتينيون سابقون من وجود عملاء إيرانيين في بوليفيا، بموجب اتفاقيات يتم توقيعها بين لاباز وطهران، بحجة التعاون في مجال مكافحة تهريب المخدرات، بما قد يؤثر في أمن الأرجنتين.

دوافع القلق:

على الرغم من محاولات بوليفيا التقليل من أسباب توجس الأرجنتين من علاقتها المتنامية مع إيران، وتأكيدها أن موقف بوينس آيرس من مذكرة التفاهم المُوقّعة مع طهران نابع من التوظيف السياسي لتيار اليمين الأرجنتيني قُبيل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في أكتوبر المقبل، فإن ثمة أسباب عدة قد تبرر مخاوف الأرجنتين، ومن ورائها دول الجوار البوليفي، التي تتمتع بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة، ومن أهمها ما يلي:

1- التوجس من وجود أذرع إيرانية على حدود الأرجنتين: في ظل اشتراك الأرجنتين مع بوليفيا في حدود مباشرة تزيد عن 700 كيلومتر، تجد الأولى نفسها في مواجهة خطر يتمثل في احتمال وجود إيراني أمني وعسكري، على حدودها مع بوليفيا، ولاسيما مع احتمال إحياء مذكرة التفاهم التي وقّعت بين البلدين عام 2010، وتقضي بتدريب خبراء إيرانيين عسكريين لنظرائهم في بوليفيا على الطائرات الإيرانية التقليدية ومن دون طيار. وهذا يعني أن الوجود الأمني الإيراني في بوليفيا قد يمتد لفترة طويلة، تسمح بوجود أذرع لمؤسسة الحرس الثوري في بوليفيا، ولاسيما أن الأرجنتين قد اختبرت اختراقات أمنية سابقة لأذرع إيرانية، لم يكن أولها هجوم المركز اليهودي عام 1994، بل سبقها هجوم على السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس في 17 مارس 1992، اُتهم فيه حزب الله اللبناني. 

2- التحسب من رد فعل المنظمات اليهودية في أمريكا اللاتينية: دخلت منظمة "DAIA" المدافعة عن اليهود في الأرجنتين، والتي تُمثل الجالية اليهودية الأرجنتينية سياسياً، على خط التحذير من عواقب التفاهم الأمني بين بوليفيا وإيران على الأرجنتين وكذلك أمن أمريكا اللاتينية؛ وذلك من خلال بيان أكدت فيه أن الاتفاق يشكل "مخاطر على أمن الأرجنتين والمنطقة ككل". وحث البيان، الذي أصدرته المنظمة ووقّعه أمينها العام، أليخاندرو زوتشويكي، ورئيسها، خورخي كنوبلوفيتس، الحكومة الأرجنتينية على إدانة الاتفاق المُوقع بين بوليفيا وإيران. واعتمدت المنظمة على تقرير لمعهد دراسات الحرب الأمريكي "ISW"، أشار إلى أن إيران ستعمل على تزويد بوليفيا بطائرات مُسيَّرة مثل تلك التي زودت بها روسيا في حربها الجارية ضد أوكرانيا. وتتمتع تلك المنظمة بنفوذ سياسي واقتصادي في أغلب دول أمريكا اللاتينية، كما أنها على علاقة وطيدة باللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، وهي تحشد جهودها طوال السنوات الـ29 الماضية ضد إيران، منتقدة نهج التهدئة الذي سعت إليه أخيراً الأرجنتين في إدارتها لملف الهجوم الذي شهده مقر المنظمة في بوينس آيرس. 

تهديد أمريكي:

مثلما تتمتع أمريكا اللاتينية بأهمية خاصة لدى إيران، لأنها تضم عدداً مما يمكن تسميتها بـ"الدول الثورية" التي تشترك مع طهران في مُعاداة واشنطن، وتعرضها لعقوبات أمريكية؛ فإن هذه القارة بما تُمثله من تحديات تُعد منطقة مهمة للغاية للولايات المتحدة، وخلال السنوات الماضية استطاعت الأخيرة التوصل لتفاهمات مع أكثر الدول مُعاداة لها، وعلى رأسها فنزويلا. 

وفي هذا السياق، رأت واشنطن أن توقيع اتفاق دفاعي ما مع إيران من قِبل أي دولة في أمريكا اللاتينية، قد يؤدي إلى زعزعة استقرار هذه المنطقة، وهي تراقب مساعي طهران لتوطيد نفوذها في دول القارة اللاتينية. وأكدت الولايات المتحدة أنها فرضت العديد من العقوبات على إيران، بعضها مرتبط بدعمها المباشر لروسيا بالطائرات المُسيَّرة، ملوحة بإمكانية فرض عقوبات على صادرات التكنولوجيا الإيرانية المزعزعة للاستقرار في دول أمريكا اللاتينية.

ختاماً، يمكن القول إن الاتفاق الأمني بين بوليفيا وإيران ربما يُمثل خطوة على طريق توطيد النفوذ الإيراني لدى حلفائها القدامى في أمريكا اللاتينية، والتي تُعد الساحة الخلفية للولايات المتحدة، وهو أمر قد يفرض على دول القارة من ناحية، وعلى إيران من ناحية أخرى، مواءمات لضمان تحقيق كل طرف مصالحه لدى الآخر. ولعل التطمينات التي ساقتها بوليفيا لدول جوارها، محاولة التقليل من مخاوفها بشأن الاتفاق الأمني مع إيران؛ تشير إلى عزم لاباز هذه المرة على إتمام الاتفاق بشأن حصولها على الطائرات المُسيَّرة من طهران دون توتير الأجواء مع دول الجوار المتحفظة في الأساس على مثل هذه الاتفاقات.