أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

حسم عسكري!

فرص نجاح الوساطة الأمريكية في تسوية الصراع في تيجراي

25 سبتمبر، 2022


شهدت الفترة الأخيرة مساعي أمريكية مكثفة للتوصل إلى تسوية للصراع الراهن في منطقة تيجراي الإثيوبية، وذلك من خلال تحركات مبعوثها الخاص إلى منطقة القرن الأفريقي، مايك هامر، بيد أن التصعيد العسكري، الإثيوبي والإريتري، أثار شكوكاً بشأن فرص نجاح الوساطة الأمريكية الراهنة.

انخراط أمريكي:

شهدت الأسابيع الأخيرة تحركات دبلوماسية مكثفة من قبل الولايات المتحدة لإيجاد تسوية للصراع في تيجراي الإثيوبية، وهو ما يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تحركات مايك هامر: أعلنت المتحدثة الرسمية للبيت الأبيض، كارين جاي بيار، بعد تجدد الاشتباكات بين تيجراي وأديس أبابا، في 24 أغسطس الماضي، أن هامر، سيعود إلى إثيوبيا لحث الأطراف كافة على وقف القتال واستئناف التفاوض، حيث عقد لقاءات مكثفة مع ممثلين عن الحكومة الإثيوبية، وكذا جبهة تيجراي، بالإضافة إلى عدد من الدبلوماسيين الأمميين ومن الاتحاد الأفريقي. 

وعلى الرغم من نجاح جهود المبعوث الأمريكي في دفع جبهة تيجراي للدخول في مفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي، فإن الفترة الأخيرة شهدت تزايداً ملفتاً في وتيرة النشاط العسكري في شمال إثيوبيا.

وأشارت عدة تقارير إلى أن هامر لا يزال يواصل مساعيه لدفع أطراف الصراع للجلوس على طاولة المفاوضات، حيث التقى، في 5 سبتمبر، برئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، ووزير الخارجية، ديميكي ميكونين، في الوقت الذي لا يزال مبعوث الاتحاد الأفريقي الخاص، أولوسيغون أوباسانجو، يلتزم الصمت منذ تجدد الاشتباكات في منطقة التيجراي نهاية أغسطس الماضي، فيما رجحت بعض التقديرات وجود تنسيق بين التحركات التي يقودها المبعوث الأمريكي وجهود الاتحاد الأفريقي.

2- اجتماعات جديدة في جيبوتي: أشارت تقارير إلى أن هامر عقد خلال الفترة الأخيرة عدة اجتماعات غير معلنة مع ممثلين من الحكومة الإثيوبية وجبهة تيجراي في جيبوتي، وهو ما تمخض عنه إعلان الجبهة عن استعدادها للمشاركة في عملية سلام برعاية الاتحاد الأفريقي، في تحول مفاجئ لموقفها، إذ كانت ترفض سابقاً وساطة الاتحاد، وهو ما يرجع إلى حصول الجبهة على ضمانات من هامر بشأن حيادية دور الاتحاد، كما أعلنت أديس أبابا لاحقاً التزامها بالتوصل إلى تسوية سلمية من خلال هذه الوساطة.

3- تعيين كينياتا مبعوثاً للسلام: أعلن الرئيس الكيني الجديد، ويليام روتو، عن تعيين، سلفه، أوهورو كينياتا، مبعوثاً خاصاً للسلام في إثيوبيا والكونغو الديمقراطية، وهو ما يعزز من الحل الدبلوماسي للصراع الراهن في منطقة تيجراي، لاسيما أن كينياتا سبق أن توسط بين أديس أبابا وجبهة تيجراي، كما كان دوره حاسماً في التفاهمات التي حققها طرفا الصراع في الأشهر السابقة على تجدد الاشتباكات مرة أخرى، في إطار تنسيق ووساطة مشتركة بين الولايات المتحدة وكينيا.

مشهد مأزوم:

على الرغم من تحركات هامر للضغط على طرفي الصراع في إثيوبيا للتهدئة، فإن الأيام الأخيرة شهدت تصعيداً عسكرياً إثيوبياً، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- فرض أديس أبابا واقع جديد: أعلنت جبهة تحرير تيجراي، في 11 سبتمبر 2022، قبولها وساطة الاتحاد الأفريقي لتسوية الصراع، كما انسحبت قوات تيجراي من مناطق سيطرت عليها في إقليمي الأمهرة والعفر، غير أن أديس أبابا عمدت إلى تكثيف هجماتها ضد إقليم تيجراي خلال الأيام الأخيرة، حيث شنت الطائرات المسيرة الإثيوبية هجمات عدة على عاصمة تيجراي، ميكيلي، في 14 سبتمبر الجاري. 

وسعت أديس أبابا لتحقيق عدة أهداف رئيسة من وراء هذا الهجوم، وهو فرض واقع ميداني جديد قبل انطلاق عملية التفاوض المرتقبة، لتعزيز موقفها التفاوضي وزيادة الضغط على تيجراي، ناهيك عن التأكيد على تفوق القوات الإثيوبية والإريترية على جبهة تيجراي، خاصة بعد ظهورهما بشكل متواضع أمامها. 

2- تمدد الاشتباكات المسلحة: قامت الحكومة الإثيوبية بتوسيع جبهات القتال خلال الأيام الأخيرة، من خلال استهداف المناطق الحدودية بين تيجراي والعفر، وقامت أديس أبابا بنقل الجنود والأسلحة إلى مدينة لاليبيلا، والتي تشكل مركزاً لوجستياً مهماً للجيش الإثيوبي، لوقوعها بالقرب من مناطق المواجهة مع تيجراي. وبلغ عدد الطائرات التي وصلت المدينة في يوم واحد مطلع سبتمبر الجاري نحو ثماني طائرات من طراز "بوينج 737"، وأربع طائرات من طراز "بومباردييه داش 8".

كذلك، أعلنت القيادة المركزية لجبهة تيجراي قيام الحكومة الإثيوبية بحشد القيادة الشرقية وأجزاء من القيادة الشمالية الغربية وثلاث فرق من الكوماندوز، إلى جانب القوات الإريترية وقوات الأمهرة لشن هجوم بري شامل من عدة جبهات ضد تيجراي. بينما رصدت بعض التقارير تحركات الجبهة في منطقة أدي أركاي بشمال جوندر في إقليم الأمهرة المتاخمة للتيجراي، حيث رصدت تقارير غير مؤكدة سيطرة التيجراي على هذه المنطقة، مقابل تراجع القوات الإثيوبية لنحو 40 كيلومتراً غرب أدي أركاي.

3- تعبئة شاملة للقوات الإريترية: أعلنت الحكومة الإريترية القيام بعملية تعبئة عامة وحشد لجنود الاحتياط، وذلك لإرسال قوات إضافية إلى إثيوبيا، للانخراط في الصراع الراهن ضد تيجراي. 

وأعلن المتحدث باسم جبهة تيجراي، غيتاشيو رضا، أن القوات الإريترية تشن حالياً هجوماً موسعاً ضد إقليم تيجراي، على طول الحدود بين الإقليم وإريتريا، حيث أشارت إلى أن أسمرة باتت تنشر جيشها بالكامل وكذا جنود الاحتياط، فيما أدان هامر تحرك القوات الإريترية على أساس أنها تزيد الموقف تعقيداً. وحثت وزارة الخارجية الأمريكية إريتريا على سحب قواتها من الحدود الإثيوبية.

ويلاحظ أن هذه القوات لم تتمكن من تحقيق أي تقدم ميداني كبير، فقد تكبدت هذه القوات خسائر ميدانية فادحة، مما اضطر أسمرة إلى سحب قواتها من العمق الإثيوبي إلى المناطق الحدودية، بالإضافة إلى انسحاب القوات الإريترية في شيرارو إلى منطقة بادمي. ومن ناحية أخرى، رفض إريتريا دعوات الحكومة الصومالية باستعادة جنودها الموجودين في إريتريا، والتي دفعت بهم الأخيرة للمشاركة في القتال ضد تيجراي، حتى أن الرئيس الصومالي بحث هذا الملف مع الإدارة الأمريكية خلال زيارته الحالية لواشنطن، لتجنب أي عقوبات محتملة من الولايات المتحدة.

ارتدادات محتملة:

في إطار التطورات الأخيرة في إثيوبيا، يمكن رصد جملة من الارتدادات المحتملة خلال الفترة المقبلة، وذلك على النحو التالي:

1- ضغوط دولية على إثيوبيا: يرجح أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من الضغوط الدولية على أديس أبابا لدفعها للانخراط في عملية السلام وتجنب أي تصعيد محتمل. وفي هذا السياق، نشرت لجنة خبراء حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تقريرها الأول، في 19 سبتمبر الجاري، والذي حمل اتهامات صريحة للحكومة الإثيوبية بارتكاب جرائم محتملة ضد الإنسانية في منطقة تيجراي، فضلاً عن استخدامها للتجويع كسلاح ضد الإقليم. 

ورفضت أديس أبابا هذا التقرير، معتبرة أنه ذو دوافع سياسية، وأن استنتاجاتها تتسم بالتحيز والتناقض، وأن المحققين تجاهلوا الانتهاكات التي قامت بها جبهة تيجراي.

ومن جانبها، بدأت الولايات المتحدة في تصعيد خطابها تجاه الصراع، فقد دعت الخارجية الأمريكية الحكومة الإثيوبية وجبهة تيجراي إلى التوقف الفوري عن الهجمات العسكرية، والانخراط في محادثات السلام برعاية الاتحاد الأفريقي لإيجاد تسوية للأزمة. كما أعلنت الولايات المتحدة مطلع سبتمبر الجاري تمديد العقوبات المفروضة على عدد من المسؤولين الإثيوبي، لمدة عام آخر.

2- تراجع تيجراي عن التفاوض: لا يمكن استبعاد أن تعمد جبهة تيجراي إلى الإعلان عن تراجعها عن قبول عملية التفاوض والوساطة الأفريقية بعد التصعيد الأخير من أديس أبابا وأسمرة، واللجوء إلى تطوير عملياتها العسكرية، الأمر الذي قد يزيد حدة القتال، وربما يدفع نحو اتساع رقعة الصراع الداخلي في إثيوبيا، ويدعم هذا الطرح التقدم الذي حققته جبهة التيجراي في منطقة "جوندر".

3- تنامي احتمالات التصعيد العسكري: تشير الكثير من التقديرات إلى احتمالية أن تشهد الأيام المقبلة توسيع العمليات العسكرية من قبل القوات الإثيوبية والإريترية ضد إقليم تيجراي، بالتوازي مع تقارير تشير إلى استعداد هذه القوات لشن هجوم بري شامل لحسم الصراع عسكرياً، وذلك على الرغم من الضغوط الأمريكية المكثفة.

وفي الختام، على الرغم من الجهود الدبلوماسية الراهنة للمبعوث الأمريكي لمحاولة دفع طرفي الصراع لوقف القتال والعودة للمفاوضات، فإن هذه الجهود لاتزال عاجزة عن دفع الحكومة الإثيوبية والقوات الإريترية الداعمة لها لوقف التصعيد العسكري، وهو ما قد يعزى نسبياً إلى تبني الولايات المتحدة استراتيجية النفس الطويل في مباحثاتها مع أديس أبابا، لتجنب أي تصعيد حاد ضد الحكومة الإثيوبية قد يؤدي إلى اتجاه الأخيرة نحو تعزيز تقاربها مع الصين وروسيا.