أصدر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قراراً في 30 يونيو 2021، بتعيين أيمن بن عبدالرحمن (60 عاماً) وزيراً أول خلفاً لوزير الحكومة المستقيل عبدالعزيز جراد، والذي قدم استقالته في 24 يونيو الماضي عقب إعلان النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية الأخيرة، وتم تكليف عبدالرحمن بالتشاور مع الأحزاب السياسية الفائزة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لتشكيل الحكومة الجديدة في أقرب وقت ممكن.
وتم تكليف أيمن بن عبدالرحمن لتولي مهام الوزير الأول في البلاد، وفقاً لأحكام الفقرتين الخامسة والسابعة من المادة "91" من الدستور الجزائري، والتي تتيح للرئيس الجزائري تكليف أحد الشخصيات لتشكيل حكومة وطنية لإدارة شؤون البلاد.
خبرات اقتصادية:
جاء تكليف الرئيس تبون لأيمن بن عبدالرحمن ليشغل منصب الوزير الأول، نظراً لعدد من الاعتبارات والعوامل التي يمكن توضيحها في التالي:
1- شخصية مستقلة: ينظر رئيس الدولة تبون للوزير الأول المكلف أيمن بن عبدالرحمن باعتباره شخصية تكنوقراط ذات كفاءة علمية ورجلاً ثقة، كما أنه غير محسوب على أي تيار سياسي أو أيديولوجي.
2- خبرات متراكمة: شغل أيمن بن عبدالرحمن منصب وزير المالية في حكومة جراد لمدة عام تقريباً (يونيو 2020 – يونيو 2021)، كما سبق له تولي منصب محافظ البنك المركزي عام 2000 ليصبح وقتها رابع محافظ للبنك المركزي، وهو ما أتاح له اكتساب خبرات مالية واقتصادية تؤهله لمواجهة التحديات والمشكلات المالية والاقتصادية التي تواجهها البلاد خلال الوقت الراهن.
كما أنه معروف باسم رجل الإصلاحات المالية، حيث قام خلال توليه منصب وزير المالية بصياغة عدد من القوانين الهادفة لإصلاح الاقتصاد، كما قام عبدالرحمن بإبراز نمط الصرافة الإسلامية في القطاع البنكي أو المصرفي، وهو ما يتماشى مع البرنامج الإصلاحي الذي يسعى تبون لتنفيذه على المستوى الاقتصادي.
3- أغلبية موالية: جاء تكليف أيمن بن عبدالرحمن بعد إعلان الأحزاب السياسية الموالية للحكومة والمستقلين الفائزين في الانتخابات، تأييدهم لتشكيل حكومة أغلبية رئاسية؛ أي موالية لرئيس الجمهورية. وتتمثل هذه الأحزاب في جبهة التحرير الوطني (98 مقعد) والمستقلين (84 مقعداً)، وحركة مجتمع السلم (65 مقعداً)، والتجمع الوطني الديمقراطي (58 مقعداً)، وجبهة المستقبل (48 مقعداً) وحركة البناء الوطني (40 مقعداً). ويلاحظ أن الحزب الأخير هو أحد الأحزاب المنشقة عن حركة مجتمع السلم، الذراع السياسية للإخوان المسلمين في الجزائر.
تحديات منتظرة:
تنتظر الحكومة الجديدة برئاسة أيمن بن عبدالرحمن جملة من التحديات الداخلية، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
1- الأزمة الاقتصادية المتفاقمة: تعاني البلاد مشكلات اقتصادية حادة ازدادت خلال العامين الأخيرين بسبب تداعيات جائحة كورونا، والتي ترتب عليها انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.5% خلال عام 2020، ومن المؤشرات السلبية الأخرى ما يلي:
• تراجع أسعار النفط العالمية: يعتمد الاقتصاد الجزائري على عائدات تصدير النفط، والتي تمثل حوالي 60% من ميزانية الدولة، و94% من إجمالي إيرادات التصدير. وخلال عام 2020، بلغت هذه الإيرادات حوالي 24 مليار دولار، مما زاد من حدة المشكلات الاقتصادية في البلاد.
وعلى الرغم من هذه الظروف السلبية، فإنه من المتوقع أن تتغير سريعاً، إذ من المتوقع أن يصل سعر البرميل إلى حوالي 100 دولار بحلول عام 2022، إلى جانب عودة تصدير الغاز الطبيعي لإسبانيا منذ العام الماضي، وهو ما يصب في مصلحة الاقتصاد الجزائري بشكل كبير والذي حقق تحسناً ملحوظاً خلال الربع الأول من العام الجاري، حيث بلغ معدل النمو الاقتصادي حوالي 4.2%.
• تراجع الاحتياطي النقدي: اتجهت الحكومة للسحب من الاحتياطي النقدي الأجنبي؛ وهو ما تسبب في تراجعه بشكل ملحوظ، حيث انخفض احتياطي النقد الأجنبي من 60 مليار دولار خلال الربع الأول من عام 2020، إلى حوالي 44.2 مليار دولار خلال عام 2020، ووصل خلال 2021 إلى حوالي 42 مليار دولار، كما ارتفع التضخم وتراجعت القدرة الشرائية للمواطنين في ظل تراجع قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار (134 ديناراً لدى البنك المركزي و180 ديناراً في السوق السوداء).
• ارتفاع معدلات البطالة: يتوقع أن ترتفع البطالة من حوالي 11.5% في مارس 2021 إلى حوالي 17 - 20% بحلول أواخر هذا العام، حيث فقد 500 ألف شخص وظائفهم بسبب كورونا، وفي الوقت نفسه انخفاض الحد الأدنى لأجور العاملين بمؤسسات الدولة (حوالي 20 ألف دينار أو 125 يورو)، وهو ما لا يكفي سد احتياجاتهم المعيشية.
ولعل التصريحات الأولى التي أطلقها الوزير الأول أيمن بن عبدالرحمن عقب تكليفه بمهام منصبه حول التزامه بتنفيذ برنامج الرئيس تبون الانتخابي، خاصة فيما يتعلق بتحقيق التنمية الاقتصادية، وتقليص الواردات بشكل كبير، وتخفيض ميزانية إدارة الدولة.
2- رفض "حمس" المشاركة: عرض الرئيس تبون على حركة مجتمع السلم "حمس" المشاركة في الحكومة الجديدة، غير أنها رفضت المشاركة في الحكومة، وتسمية مرشحيها لتولي الحقائب الوزارية الخمس (لم تحدد) التي عرضت عليها. ويرجع سبب رفض المشاركة إلى عرض حقائب وزارية هامشية عليها، وهو ما أكده رئيس الحركة عبدالرزاق مقري، حيث أكد رفض المشاركة في الحكومة من دون شراكة حقيقية في الحكم.
3- التعامل مع الحراك الشعبي: ينتظر أيمن بن عبدالرحمن تحدٍ من نوع خاص، وهو التعامل مع قوى الحراك الشعبي التي توترت علاقاتها برئيس الدولة خلال الفترة الأخيرة، خاصة مع رفض الحراك المشاركة في هذه الانتخابات، ودعوتها لمقاطعتها. وانخفضت نسبة المشاركة في التصويت إلى حوالي 23% فقط.
كما عبّرت قوى الحراك الشعبي عن رفضها عودة "جبهة التحرير الوطني" التي كانت موالية للرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة مرة أخرى إلى صدارة المشهد السياسي، بعد أن حلت في المرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ومن ثم فإن مسألة التعامل مع الحراك الشعبي سوف تحتل أهمية خاصة على جدول أعمال الحكومة الجديدة.
ومن المتوقع أن تستمر سياسات تضييق الخناق على قوى الحراك، ومنعها من تنظيم المسيرات الأسبوعية تحت مسمى الحفاظ على الأمن القومي للبلاد.
4- استيعاب جائحة كورونا: تعاني البلاد ارتفاعاً غير مسبوق في أعداد المصابين بوباء كورونا خلال الفترة الأخيرة ليصل إلى حوالي 140 ألف حالة خلال يونيو الماضي. وعلى الرغم من حصول الدولة على اللقاحات الخاصة بكورونا وبدء حملات تطعيم المواطنين باللقاح، فإن ذلك غير كافٍ، حتى الآن، في ظل ما تعانيه البلاد بالأساس من تدهور واضح في القطاع الطبي والصحي بشكل عام، ولذا يتوقع أن يضع أيمن بن عبدالرحمن الأوضاع الصحية المتدهورة على رأس أولوياته خلال الفترة القادمة.
5- مكافحة الإرهاب والتحديات الانفصالية: تمثل مواجهة الإرهاب والحركات الانفصالية أبرز التحديات الأمنية التي تواجه الحكومة الجديدة، خاصة بعد أن صنفت السلطات حركتي "رشاد" و"الحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبائل" (الماك) ضمن التنظيمات الإرهابية. ووجهت الحكومة اتهامات لكلا الحركتين بالتخطيط لارتكاب أعمال إرهابية وسط تجمعات الحراك الشعبي الأسبوعية.
كما تخشى الجزائر من انتقال التنظيمات الإرهابية من داخل ليبيا إليها. وقد عبر عن ذلك الفريق السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الجزائري، والذي أكد في أواخر يونيو 2021، في بيان رسمي ضرورة إدراك ما يحيط بالجزائر، من مخاطر وتهديدات، والتي نتجت عن الوضع الأمني الهش والمزمن، الذي تفاقم أكثر فأكثر بسبب التنافس الدولي على النفوذ، والتدخلات العسكرية الخارجية عن المنطقة، وهو ما أزم الوضع الأمني الإقليمي المتدهور أصلاً، وبالتالي نجمت عنها أوضاع مؤثرة على أمن لبلاد، لاسيما من خلال رعاية وتوفير الظروف الملائمة التي يتغذى منها الإرهاب، والجريمة المنظمة العابرة للحدود.
وفي الختام، تذهب المعطيات الراهنة في اتجاه تشكيل حكومة ذات أغلبية رئاسية موالية لسياسات وتوجهات الرئيس تبون، والتي سيكون على رأس أولوياتها النهوض بالأوضاع الاقتصادية، والتعامل مع الحراك الشعبي والحركات الإرهابية والانفصالية. ولا يتوقع أن تواجه الحكومة الجديدة تحديات كبيرة في سبيل تحقيق ذلك.