أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

تعزيز الحضور:

أهداف طهران من تأسيس مصرف مشترك مع سوريا

22 يناير، 2022


قام وزير الطرق وبناء المدن الإيراني، رستم قاسمي، برئاسة وفد إيراني خلال زيارة إلى سوريا، في 12 يناير الجاري، والتي استمرت لمدة يومين، حيث التقى خلالها بالرئيس السوري بشار الأسد ووزير الاقتصاد سامر الخليل ورئيس الوزراء حسين عرنوس، ووزير الخارجية فيصل مقداد ورئيس البنك المركزي عصام هزيم ووزيري النقل والسكن. وأعلن في ختام الزيارة عن سلسلة من الاتفاقات أبرزها إنشاء "مصرف مشترك"، فضلاً عن إنشاء مناطق تجارة حرة مشتركة.

مشاريع إيرانية:

جاءت زيارة الوفد الإيراني الأخير إلى دمشق عقب تصريحات لمسؤولين إيرانيين خلال الأسابيع الأخيرة عبروا فيها عن قلقهم نتيجة ضعف الاستثمارات الإيرانية في سوريا، قياساً بالاستثمارات الروسية. وفي هذا الإطار، تمثلت أبرز المشاريع التي تم الاتفاق عليها بين الجانبين في التالي:

1- إنشاء مصرف مشترك: لا يعد الحديث عن إنشاء "المصرف المشترك" بين إيران وسوريا أمراً جديداً، حيث سبق وأن تم طرح الفكرة في 2019. ويبدو أن إيران تسعى من وراء إنشاء هذا البنك إلى إيجاد قناة لتحويل الأموال بشكل مباشر إلى سوريا لتعزيز استثماراتها هناك، وتجنب العقوبات الأمريكية، خاصة أن المصارف الإيرانية تخضع لعقوبات أمريكية تمنع المصارف في الخارج من التعامل معها، كما يخضع مصرف سوريا المركزي لعقوبات من وزارة الخزانة الأمريكية، منذ نهاية 2020.

2- الربط السككي بين البلدين: تناولت الزيارة بحث تنفيذ مشروع الربط السككي بين إيران وسوريا مروراً بالعراق، وذلك لنقل الركاب والبضائع بين الدول الثلاث. ويبدأ خطط سكك الحديد من مدينة شلمجة الإيرانية باتجاه البصرة العراقية ومنها إلى سوريا. 

وتم الاتفاق على تأسيس شركة مشتركة لتنفيذ المشروع. وسبق وأن اتفقت إيران مع العراق على تنفيذ خط السكك الحديدية شلمجة – البصرة في ديسمبر 2021، على أن يبدأ تنفيذه خلال شهرين. وتتوقع إيران أن يتم الانتهاء من المشروع في غضون عامين بتكلفة تبلغ حوالي 120 مليون دولار بالتناصف بين إيران والعراق، وهو ما يرجح أن يأخذ الربط بين العراق وسوريا فترة أطول، وهو ما يعني أن هذا المشروع لن يرى النور قبل عدة سنوات. 

ويتيح المشروع، وفقاً للمأمول إيرانياً، إمكانية نقل البضائع من باكستان، أو ميناء تشابهار الإيراني، والبضائع التي تصل من الصين وآسيا الوسطى عبر القطار إلى منطقة سرخس الإيرانية، ومنها إلى الموانئ السورية على البحر الأبيض عبر شبكة سكك حديد عراقية. 

3- مشاريع اخرى متعددة: أعلن الجانب الإيراني عن الاتفاق على عدد من المشروعات الاستثمارية بمختلف المواضيع، والتي كان من أهمها إنشاء مناطق تجارية حرة مشتركة، على أن يتم الاتفاق على تفاصيلها لاحقاً، فضلاً عن تطوير التعاون الاستثماري، وتسهيل دخول البضائع إلى كل منهما.

كما ناقش الطرفان فرص وإمكانيات تصنيع المنتجات الإيرانية في سوريا، مثل الجرارات والمعدات الزراعية. ومن جانبه، أكد وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري محمد خليل، العمل على تفعيل بنود اتفاق التعاون الاستراتيجي مع إيران.

أهداف طهران:

على الرغم من تكرار إعلان إيران عن مشاريع استثمارية لها في سوريا في مجالات مختلفة، علاوة على ترويج وسائل الإعلام السورية لتلك المشاريع، فإن أغلب هذه الاستثمارات لم تدخل حيز التنفيذ. وفي ضوء ذلك يمكن القول إن الدافع وراء تكثيف إيران علاقاتها الاقتصادية بسوريا، في هذا التوقيت، يتمثل في التالي: 

1- القلق من الاستثمارات العربية: يمكن النظر إلى الاتفاقات الاقتصادية الأخيرة على أنها تعكس قلقاً إيرانياً متنامياً من استعادة سوريا علاقاتها بالدول العربية، وما يستتبعه ذلك من تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، بل ومشاركة عربية في جهود إعادة الإعمار بعد الحرب. 

ونتيجة لهذا الإدراك، تعمل إيران منذ مجيء الحكومة الإيرانية الجديدة في أغسطس الماضي إلى تكرار الزيارات المتبادلة مع سوريا، وكذلك عقد الاتفاقيات الاقتصادية في مجالات عدة لتعزيز وتثبيت حضورها في الداخل السوري، خاصة من باب تعزيز النفوذ الاقتصادي تحسباً لأي رجوع سوري للحاضنة العربية.

2- تعزيز التبادل التجاري: تسعى طهران لرفع معدلات التبادل التجاري مع سوريا إلى 1.5 مليار دولار في غضون السنوات الثلاث المقبلة، وفقاً لتصريحات مدير الشؤون العربية والأفريقية في منظمة التنمية التجارية الإيرانية، فرزاد بيلتن، في مارس 2021، كما أكد بيلتن حينها أن المنظمة وضعت خطة لتصدير 400 مليون دولار من السلع إلى سوريا، مقابل 100 مليون دولار واردات في سنة 2023. ولا شك أن حجم العلاقات التجارية بين طهران ودمشق يعتبر متواضعاً، وذلك مقارنة، على سبيل المثال، بحجم التبادل التجاري بين العراق وإيران، والتي تقدر بنحو 10 مليارات دولار خلال 2020. 

3- الانضمام لطريق الحرير: تزامن الإعلان عن المصرف المشترك مع توقيع سوريا والصين على مشروع طريق الحرير. ويبدو أن طهران تسعى إلى دمج خط سكك الحديد المزمع إنشاؤه بينها وبين سوريا ضمن أحد ممرات المشروع الصيني. وعلى الرغم من الفوائد التي سوف تجنيها إيران من الانضمام إلى هذا المشروع، فإن هناك عوائق تحد من ذلك، وهي أن بنيتها التحتية للنقل متهالكة، كما أن اتجاه بكين لتعزيز علاقاتها الاقتصادية بسوريا سوف يعني دخول الاستثمارات الصينية إلى هناك، بما يعد خصماً من نظيرتها الإيرانية. 

4- استيعاب الانتقادات الداخلية: تأتي التحركات الإيرانية الأخيرة للرد على الانتقادات الداخلية الموجهة للسياسة الاقتصادية الإيرانية، التي تتهمها بعدم امتلاك رؤية استراتيجية للعلاقات الاقتصادية مع سوريا، سواء في السياحة، أو في القطاعات الأخرى، لاسيما في ظل ضعف حصة إيران في السوق السورية التي لا تتجاوز 3% من التجارة الخارجية السورية المقدرة بنحو 64 مليار دولار، علاوة على محدودية نصيبها في سوق مواد البناء والتشييد.

تحديات متعددة:

تواجه الخطط الاقتصادية الإيرانية في سوريا العديد من التحديات لعل من أهمها:

1- وعود سورية دون تنفيذ فعلي: على الرغم من تعدد زيارات الوفود الإيرانية لدمشق، فإنها لم تترجم على أرض الواقع، إذ لم تقدم سوريا إلا المزيد من الوعود، وتسهيلات محدودة في بعض القطاعات، مثل شراء العقارات. كما أن الاستثمارات الإيرانية المعلنة في سوريا، مثل السوق المشتركة في المنطقة الحرة الأردنية السورية لا تزال غير فعالة، حتى الآن.

2- العزوف عن المنتجات الايرانية: لا تلقى البضائع الإيرانية رواجاً في الأسواق السورية، حيث سبق أن كشفت بعض المصادر عن قيام شركة إيرانية بتصدير مواد غير صالحة للاستخدام الآدمي في بعض المنتجات، مما أدى لعزوف المستهلكين عن البضائع الإيرانية.

3- المنافس الروسي: حصلت إيران على استثمارات في بعض القطاعات الحيوية في سوريا، غير أنها وجدت منافسة شديدة من جانب روسيا، وهو الأمر الذي تسبب في خسارة طهران لبعض هذه الاستثمارات لصالح الشركات الروسية. 

وفي المقابل، تمكنت روسيا من القيام باستثمارات في قطاع الموانئ والغاز والفوسفات، كما وقعت موسكو في 2018 عقداً لمشروع توليد الطاقة في حمص، وخط سكة حديد يربط مطار دمشق الدولي بوسط المدينة، وإنشاء عدد من المعامل الصناعية، وأعلن وزير الطاقة الروسي وضع خريطة طريق بين روسيا وسوريا لإعادة إعمار وتطوير حقول النفط السورية، وفي المقابل حصلت إيران على بعض المشاريع الصناعية والتنظيمية والعقارية المحدودة.

4- العقوبات الأمريكية: لا يتوقع أن تنجح إيران في تعزيز استثماراتها في سوريا ما لم يتم رفع العقوبات الأمريكية عن إيران، إذ تعاني طهران من عجز في ميزانيتها للعام الجديد يقدر بحوالي 50٪، كما أن إصرار طهران على تعزيز تدخلها العسكري في مناطق الصراعات، ودعمها لوكلائها المسلحين في سوريا والعراق واليمن، إلى جانب حزب الله اللبناني، أمر يكلفها مليارات الدولار سنوياً. ولا شك أنه في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية المتردية، فإن إيران لن تستطيع تعزيز استثماراتها في سوريا، ما لم يتم رفع العقوبات عنها.   

وفي التقدير، يمكن القول إن اهتمام إيران بتعزيز علاقاتها بسوريا في هذا التوقيت يأتي انعكاساً لادراكها باتجاه الدول العربية والصين لتعزيز علاقاتها الاقتصادية بدمشق على نحو يجعلها طرفاً أساسياً في جهود إعادة الإعمار هناك. ولا شك أن طهران، على الرغم من محاولتها تعزيز علاقاتها الاقتصادية بسوريا، تواجه تحديات غير هينة، ليس أقلها العقوبات الأمريكية عليها.