أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

رهان الموانئ:

هل تُسهم جهود المجتمع الدولي في احتواء أزمة الغذاء العالمية؟

06 يونيو، 2022


أدت الأزمة الروسية – الأوكرانية إلى تعطيل الإمدادات العالمية من بعض السلع الاستراتيجية كالقمح والذرة، وارتفاع أسعارها إلى مستويات قياسية، كما أدت الظروف المناخية القاسية إلى التأثير سلباً على إنتاجية المحاصيل الزراعية كالحبوب في عدة دول كالهند. 

وأسهمت هذه العوامل مجتمعة في معاناة العالم من أزمة غذاء في الوقت الراهن. وعلى الرغم من جهود العديد من المؤسسات والدول لمواجهة الأزمة، فإن المعطيات الراهنة تشير لاستمرارها خاصةً في العامين الجاري والمقبل. 

ملامح الأزمة:

بدأت أزمة الغذاء العالمية تتشكل في الأشهر الأخيرة على خلفية الحرب الروسية – الأوكرانية، جنباً إلى جنب مع تبعات الظروف المناخية القاسية، وتأثيرها سلباً على إنتاجية الحبوب في مختلف أنحاء العالم، ويُمكن إيضاح أبرز ملامحها على النحو التالي:

1- تعطيل الإمدادات الروسية والأوكرانية: ساهمت كل من روسيا وأوكرانيا بحصة تزيد على 21% من صادرات القمح عالمياً في عام 2021، فيما استحوذت أوكرانيا على أكثر من 11% من إجمالي الصادرات العالمية من الذرة في العام نفسه. ومع اندلاع الحرب، تعطلت إمدادات الدولتين لأسواق الاستهلاك، بسبب العمليات العسكرية وصعوبات نقل شحنات الحبوب. 

2- الصعوبات اللوجستية: تنتج روسيا وأوكرانيا ما يقرب من 105 ملايين طن من السلع سنوياً، وفقاً لتقديرات شركة "ماكينزي" الاستشارية، والتي عادةً ما يتم نقلها عبر الموانئ المطلة على البحر الأسود للدولتين. 

وعلى وجه خاص، تعطلت عمليات شحن الصادرت الأوكرانية عبر موانئ بالبحر الأسود، فيما لا تتمتع البنية التحتية للسكك الحديدية في البلاد بالكفاءة اللازمة لنقل شحنات المحاصيل الزراعية إلى الدول المجاورة، ومنها إلى أسواق التصدير.

3- القيود على تجارة وتصدير المواد الغذائية: بنهاية مارس الماضي، بلغ عدد الدول التي فرضت قيوداً على تصدير المواد الغذائية نحو 35 دولة، والتي تبنت 53 إجراءً متنوعاً تؤثر على تجارة المواد الغذائية، منها 9 تدخلات تتعلق بفرض قيود على صادرات القمح.

وكانت من أبرز تلك الدول الهند، عاشر أكبر دولة مصدرة للقمح عام 2021، والتي حظرت صادراتها من القمح، كما فرضت قيوداً على صادرات السكر، وهي تعتبر من أكبر المنتجين له عالمياً. 

4- الظروف المناخية القاسية: تسببت الظروف المناخية القاسية في التأثير سلباً على إنتاجية القمح في عدد الموردين الرئيسيين وأبرزهم الهند؛ مما دفع الأخيرة لفرض حظر على تصديره، وإعطاء الأولوية للسوق المحلية. 

كما تراجعت احتياطيات القمح في الولايات المتحدة؛ نتيجة للجفاف القياسي الذي شهدته العام الماضي. وتسببت الفيضانات خلال العام الماضي في تأخير زراعة ثلث محصول القمح في الصين.

5- ارتفاع أسعار الغذاء: ارتفع مؤشر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة لأسعار الأغذية وبلغ أعلى مستوى له على الإطلاق مسجلاً 159.7 نقطة في مارس 2022، كما ارتفع مؤشر الأسعار الزراعية، الصادر عن البنك الدولي، بنسبة 11% في الربع الأول من عام 2022 على أساس ربع سنوي، ليصل إلى أعلى مستوى على الإطلاق. وقد شهدت أسعار القمح والذرة ارتفاعات قياسية خلال الأشهر الماضية.


تحركات أممية: 

تعهدت بعض المؤسسات الدولية والإقليمية بتوفير الدعم والتمويل اللازمين للتصدي لانعدام الأمن الغذائي المنتشر حول العالم، وتضمنت جهودها في هذا الشأن ما يلي:

1- تعزيز الإنتاج الزراعي: عمل عدد من المؤسسات الدولية على توفير الغذاء للمناطق المعرضة لأخطار انعداد الأمن الغذائي. وفي هذا الصدد، خصص البنك الدولي، كما أعلن في مايو 2022، مبالغ تقدر بأكثر من 30 مليار دولار للتصدي لانعدام الأمن الغذائي العالمي على مدار الـ 15 شهراً المقبلة، من خلال التركيز على توسيع بعض المشروعات الإنتاجية الزراعية، وتدشين مشروعات جديدة في مجالات عدة، تتضمن: الحماية الاجتماعية، والمياه والري. 

وعلى هذا المنوال أيضاً، سيقدم الاتحاد الأوروبي تمويلات تصل إلى 225 مليون يورو لمساعدة شركائها في الجنوب عبر مبادرة "مرفق الغذاء والقدرة على الصمود". كما وافق بنك التنمية الأفريقي على تسهيلات بقيمة 1.5 مليار دولار، والتي ستساعد 20 مليون مزارع أفريقي على إنتاج 38 مليون طن متري إضافي من الغذاء.

2- توفير الغذاء للدول المتضررة: يركز عدد من المؤسسات والبنوك التنموية الإقليمية الأخرى على توفير الغذاء في المناطق المتأثرة بشدة بسبب الحرب الأوكرانية. وسيقدم بنك التنمية الآسيوي إعانات غذائية لبلدان مثل أفغانستان وسريلانكا لمواجهة تحديات انعدام الأمن الغذائي.

جهود سياسية: 

بذلت جهود دبلوماسية لمحاولة تصدير القمح من أوكرانيا، وذلك على النحو التالي:

1- فتح الموانئ مقابل رفع العقوبات: تحاول القوى الدولية الرئيسية، برعاية الأمم المتحدة، التوصل إلى اتفاق مع روسيا بهدف إعادة تشغيل الموانئ الأوكرانية المطلة على البحر الأسود، والسماح بشحن صادرات الغذاء الأوكرانية إلى الأسواق العالمية، بيد أن موسكو تطالب برفع العقوبات الغربية المفروضة عليها، مقابل السماح بتوفير ممرات آمنة لتصدير الحبوب من موانئ أوكرانيا.

2- تسهيل شروط النقل البري: ستخفف بولندا بعض الضوابط التي كانت تفرضها في السابق على تصدير شحنات الحبوب الأوكرانية عبر أراضيها؛ ومنع تعطيل الشحنات، وذلك بعد توقيع اتفاق بين الدولتين في الفترة الأخيرة. 

3- تخفيف قيود تصدير المنتجات الغذائية: تعهدت مجموعة السبع بعدم فرض حظر على تصدير المواد الغذائية، من أجل دعم الأمن الغذائي العالمي. كما تعهد الأعضاء الـ 51 في منظمة التجارة العالمية بضمان توفير ما يكفي من الغذاء للجميع، والحفاظ على الأسواق مفتوحة، فيما طالب بعض أعضاء مجموعة السبع الحكومة الهندية بإعادة النظر في قرار حظر الصادرات.

مسار الأزمة: 

رغم الجهود السابقة، من المرجح استمرار أزمة الغذاء التي يشهدها العالم، خاصة إذا ما لم يتم التوصل إلى اتفاق مع روسيا بشأن تخفيف قيود الصادرات الزراعية، ويمكن إيضاح ذلك على النحو التالي: 

1- تعطيل الإمدادات الأوكرانية: لم تنجح الجهود الدولية، حتى الآن، في التوصل لاتفاق مع موسكو يسمح بمرور الصادرات الأوكرانية. وبمقدور موسكو تعطيل أي قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، يلزمها بإعادة تشغيل موانئ البحر الأسود، وخروج صادرات الحبوب الأوكرانية إلى الأسواق العالمية.

2- بقاء قيود التصدير: تشمل القيود المفروضة على تصدير واستيراد القمح حالياً نحو 21% من حجم التجارة العالمية للمحصول، ورغم كونها أقل من النسبة البالغة 74% إبان ذروة أزمة الغذاء في الفترة 2008 – 2011، فإنها مرشحة للزيادة خلال الأشهر القادمة، في ظل تقلبات أسعار الغذاء.

ويُلاحظ أن القيود التي فُرِضت في مارس 2022 تمثل ضغف القيود المفروضة خلال الشهرين السابقين عليه. كذلك، فقد أكدت الهند مؤخراً أنها لا تنوى العدول عن قرارها بشأن حظر صادرات القمح.

3- توقعات بتراجع الإنتاج الغذائي: من المرشح تراجع إنتاجية المحاصيل الزراعية بسبب ارتفاع أثمان لوزام الزراعة، خاصة الأسمدة. وبلغ ارتفاع الأسعار العالمية للأسمدة 30% تقريباً منذ بداية عام 2022 وحتى مايو 2022، مما دفع المزارعين إلى استخدام كميات أقل من الأسمدة، والابتعاد عن بعض المحاصيل كثيفة استخدام الأسمدة، مما يهدد الإنتاج العالمي من بعض المحاصيل.

4- توقعات بتراجع الإمدادات الأوكرانية من الغذاء: يجد المزارعون الأوكرانيون مصاعب جمة في حصاد وجمع المحاصيل الحالية أو زراعتها، ينخفض إجمالي النشاط الزراعي بأكثر من الربع. وتشير التقديرات إلى تراجع محصول القمح في أوكرانيا بنسبة 35% على الأقل خلال العام الجاري مقارنة بعام 2021 بسبب ظروف الحرب.

5- توقعات بارتفاع أسعار الغذاء: من المتوقع استمرار ارتفاع أسعار السلع الزراعية والغذائية في الأشهر المقبلة. ويرجح البنك الدولي ارتفاع مؤشر أسعار الحبوب بأكثر من 20% عام 2022 على أن ينخفض عام 2023 مع تخفيف الاضطرابات الخاصة بالإنتاج والتجارة. فيما من المتوقع أن يرتفع القمح بنسبة 43% في عام 2022 وثم ينخفض بنسبة 16% في عام 2023. وأن يرتفع متوسط سعر الذرة بنسبة 20% هذا العام، ثم ينخفض بنسبة 10% في عام 2023.

6- زيادة حدة الانعدام الغذائي: من المرجح أن يشهد الأمن الغذائي العالمي مزيداً من التدهور على خلفية التطورات الأخيرة، حيث من الحتمل تعرض ما بين 7.6 مليون إلى 13.1 مليون شخص إضافي للجوع. 

وووفقاً للبنك الدولي، فإن كل زيادة بمقدار نقطة مئوية واحدة إضافية في أسعار الغذاء، يُدفع في مقابلها ما يقرب من 10 ملايين شخص إلى براثن الفقر المدقع في جميع أنحاء العالم، مما قد يحتمل معه اندلاع موجة من الاضطرابات على خلفية ارتفاع أسعار السلع الغذائية وتكاليف المعيشة، وفق ترجيحات المؤسسات الدولية.

وفي الختام، يمكن القول إن المجتمع الدولي يحاول بذل قصارى جهده لضمان توفير الإمدادات الغذائية للعالم، بيد أن احتواء الأزمة سيتوقف على عاملين حاسمين، وهما تخفيف القيود العالمية لتصدير السلع الرزاعية، إلى جانب موافقة موسكو على اتفاق بشأن عبور الصادرات الأوكرانية إلى الأسواق الدولية.