أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)
  • حسين معلوم يكتب: (تفاؤل حذر: هل تشكل الانتخابات المحلية فرصة لحلحلة المسار الليبي؟)
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)

رسائل كاشفة:

دوافع التأييد التركي للسلطة الانتقالية الجديدة في ليبيا

11 فبراير، 2021


نجح ملتقى الحوار السياسي الليبي، في 5 فبراير الجاري، برعاية الأمم المتحدة، في اختيار سلطة تنفيذية جديدة لقيادة البلاد خلال المرحلة الانتقالية حتى موعد إجراء الانتخابات المقرر لها ديسمبر المقبل. وعلى خلاف المتوقع، فازت القائمة الثالثة بــ39 صوتًا، وتضم "عبدالحميد دبيبة" والذي يعتبر ضمن رجال الأعمال الذين لهم مصالح مع أنقرة منذ عهد النظام السابق، وسفير حكومة الوفاق سابقًا لدى اليونان "محمد يونس المنفي"، ومن الجدير بالذكر أن "محمد يونس المنفي" يترأس المجلس الرئاسي في القائمة الثالثة مع عضوية موسى الكوني وعبدالله حسين اللافي للمجلس، ورئاسة عبدالحميد محمد دبيبة للحكومة،  وهنا، يمكن الإشارة إلى بيان الخارجية التركية الصادر بعد ساعات من إعلان النتائج، والذي رحب بفوز قائمة "الدبيبة"، واعتبارها فرصة لإرساء الوحدة السياسية وحماية سيادة ليبيا واستقلالها ووحدة أراضيها.

مواقف كاشفة:

تكشف مواقف الأطراف الليبية الجديدة، وحسابات القوى الداخلية في القائمة الثالثة التي فازت بإدارة المرحلة الانتقالية في ليبيا، عن خلفيات سياسية راسخة تعكس ارتباط الفريق الحكومي الجديد في ليبيا بتركيا، كما تُشير إلى تصاعد احتمال استمرار النفوذ التركي في الداخل الليبي. ففي أول تصريح له عقب انتخابه رئيسًا للحكومة الانتقالية قال "عبدالحميد دبيبة" إنه "سيكون هناك تضامن بين تركيا وليبيا"، وأضاف: "تركيا حليفة وصديقة وشقيقة، وعندها من الإمكانيات الكثير لمساعدة الليبيين في الوصول إلى أهدافهم الحقيقية. وتركيا تعتبر من الشركاء الحقيقيين لنا". كما أن "الدبيبة" يرتبط بمصالح اقتصادية كبيرة مع تركيا، فالمجموعات التجارية والمالية التابعة له في مصراتة لها فروع في أنحاء العالم بما فيها تركيا.

وفي السياق ذاته، كان "رجب طيب أردوغان" أول رئيس يبادر بالاتصال بالفائزين بإدارة الحكومة الانتقالية، في مشهد يعكس حجم الارتياح التركي تجاه السلطة الليبية الجديدة، وأعرب في 6 فبراير عن تمنياته بالنجاح لكل من "المنفي" و"دبيبة" في مهامهما الجديدة. كما أكد "ياسين أقطاي" -مستشار الرئيس التركي- أن بلاده ترحب باختيار الحكومة الجديدة، وتراه "أمرًا إيجابيا نظرًا لاقتراب الشعب الليبي من الاستقرار وتعزيز الحوار الداخلي في البلاد". وأشار إلى أن الحكومة الليبية الجديدة "لا تعارض الاتفاقية الموقّعة بين تركيا و"فائز السراج" في نوفمبر 2019 لتعيين الحدود البحرية وتعزيز التعاون العسكري، ولا الوجود التركي في طرابلس، بل على العكس تدعم الدور التركي هناك".

وعلى صعيد ذي شأن، كانت صحيفة “the investigative journal” البريطانية، قد كشفت في تقرير منشور لها في يناير الماضي أن عائلة "دبيبة" التي تنشط في مجالات البناء، وتتولى إدارة مرافق حيوية في غرب ليبيا، منحت نحو 19 مليار دولار من عقود البناء الليبية لشركات تركية.

دلالات عديدة:

في الواقع، فإن دعم تركيا للحكومة الانتقالية الجديدة في ليبيا، يطرح ثلاث دلالات رئيسية: أولها أن تركيا ترى أن فوز قائمة "الدبيبة" و"المنفي" ساهمت في تقليص دور الشخصيات التي تعارض التدخل التركي بشكل صريح وحاسم في الداخل الليبي، وهو ما يمثل خطوة نحو تهميش خصوم أنقرة في الداخل الليبي، خاصة أن تركيا ترى أن أحد التحديات الرئيسية أمام استمرار تغلغلها في ليبيا لا يرتبط فقط بمعارضة إقليمية ودولية، قدر ما يرتبط بتصاعد حالة رفض قطاعات ليبية شعبية وسياسية واسعة ضد الانخراط التركي في الداخل الليبي. 

وثانيها أن ثمة تفاهمًا واسعًا بين تركيا والقائمة الفائزة برئاسة المرحلة الانتقالية، حيث لا تحمل القائمة أية توجهات سلبية تجاه تركيا، فقد كان لافتًا غياب أي تصريحات مباشرة مناهضة لتركيا على لسان رئيس المجلس الرئاسي الليبي الجديد "محمد يونس المنفي"، كما كان لافتًا أيضًا إجراء رئيس الوزراء "عبدالحميد دبيبة" أول لقاءاته الصحفية مع وكالة "الأناضول" التركية، وتأكيده صراحة على أهمية الدور التركي في ليبيا.

ويرتبط ثالثها بالارتياح التركي للسلطة التنفيذية الجديدة، التي تبدو توجهاتها ضامنة للمصالح التركية في ليبيا. فعلى سبيل المثال، في تقييمه للعلاقات التجارية بين ليبيا وتركيا، قال رئيس الحكومة الليبية الجديد إن "تركيا فرضت وضعها ووجودها في العالم وليس في ليبيا فقط، وهي الدولة الوحيدة التي استطاع الليبيون الذهاب إليها بحرية خلال فترة الحرب.. تركيا فتحت مطاراتها ولم تغلق سفارتها في طرابلس". وأضاف قائلاً: "أعتقد أن حرية التنقل سوف تنعكس على التعاون بين الشعبين في مجال الاقتصاد. ونأمل أن ننمي هذا التعاون ونرفع حجم التبادل التجاري إلى أعلى المستويات". ومن المؤكد أن تصريحات "الدبيبة" تعطي مؤشرات على أن النفوذ التركي -بشقيه العسكري والاقتصادي- في ليبيا لن يواجه تحديات سلبية في المرحلة الحالية؛ بل يبقى مرشحًا للتوسع في ظل الارتباطات المالية والتجارية التي تجمع "الدبيبة" وتركيا.

مصالح متنوعة:

تعكس التحركات والتصريحات التركية تجاه السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا رغبتها في تحقيق جملة من الأهداف والمصالح، يمكن بيانها على النحو التالي:

1- تعزيز دور أنقرة: ترى تركيا أن فوز قائمة "الدبيبة" و"المنفي" يُعزز من مركزية الدور التركي في ليبيا، خاصة أن السلطة التنفيذية الجديدة يُتوقع أن تكون سياستها تجاه تركيا نسخة جديدة من سياسات حكومة الوفاق التي تحالفت بشكل وثيق مع الحكومة التركية، ويكشف عن ذلك إعلان حكومة "الدبيبة" رغبتها في الحفاظ على التحالفات التي أنشأتها حكومة "السراج" مع تركيا وقطر. 

2- دعم المصالح الاقتصادية: ينطلق الموقف التركي الداعم للسلطة الليبية الجديدة من منطلق الحرص على المصالح الاقتصادية التركية، فرئيس الوزراء "عبدالحميد الدبيبة" يعد واحدًا من أهم رجال الأعمال في ليبيا، وترأس منذ عام 2006 وحتى عام 2011 شركة ليبيا للاستثمار والتنمية التي تعتبر واحدة من أكبر شركات البناء في ليبيا، ولديه أنشطة تجارية عديدة مع الشركات التركية، فضلًا عن الحضور اللافت للشركات التابعة لرئيس الوزراء الليبي الجديد في تركيا، وهو الأمر الذي قد يعزز من تصاعد فرص رفع معدلات التبادل التجاري بين تركيا وليبيا. وتمثل ليبيا أولوية اقتصادية لتركيا من جوانب عدة، أولها يرتبط بتباطؤ الاقتصاد التركي، وتراجع حضور الصادرات التركية في الأسواق الأوروبية والعربية في الفترة الماضية، كما تشكل السوق الليبية السوق الثانية للمتعاقدين الأتراك في الخارج بعد روسيا، ويوجد في ليبيا نحو 120 شركة تركية.

3- استيعاب الضغوط: لا ينفصل الحرص التركي على دعم السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا عن رغبة تركيا في توظيف الورقة الليبية لاستيعاب الضغوط الدولية التي تُمارس على تركيا، خاصة من قبل إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، التي أعلنت عن توجهات مغايرة لسياستها الخارجية تجاه تركيا بسبب إصرار تركيا على منظومة الدفاع الصاروخية الروسية S400، وتراجع الأوضاع الحقوقية في الداخل التركي.

في هذا السياق، ومع إدراك أنقرة مساعي واشنطن لدعم جهود الأمم المتحدة لتسوية الأزمة الليبية، ناهيك عن مساعيها لإبعاد موسكو عن مراكز التحكم والسيطرة في ليبيا؛ تراهن تركيا في دعمها للسلطة الليبية الجديدة على ترسيخ مكانتها كقوة إقليمية ذات ثقل في ليبيا، ومن ثمّ التأثير على السياسات الأمريكية المتوقعة تجاه ليبيا، ناهيك عن استخدام نفوذها في ليبيا كورقة ضاغطة لحلحلة الملفات الشائكة مع واشنطن.

ختامًا، يمكن القول إن السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا، التي أفرزتها العملية الانتخابية التي جرت في 5 فبراير الماضي برعاية أممية قد تقوم بالحفاظ على النفوذ التركي في ليبيا. وقد توفر من الفرص ما يضمن الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والعسكرية في ليبيا، ناهيك عن أهمية توظيف العلاقة مع السلطة الليبية الجديدة كورقة يمكن استثمارها في استيعاب ضغوط واشنطن التي تتجه نحو التفاعل من جديد مع القضية الليبية.