أخبار المركز
  • يشارك مركز "المستقبل" في الدورة الـ33 لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب في الفترة (29 إبريل - 5 مايو 2024)، وجناحه رقم C39 في القاعة 9
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد 36 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • صدور العدد السادس من "التقرير الاستراتيجي" بعنوان "حالة الإقليم: التفاعلات الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط 2024"
  • محمد خلفان الصوافي يكتب: (منتدى الخليج وأوروبا.. دبلوماسية جماعية للتهدئة الإقليمية)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (تأملات حول فشل جهود السلام الفلسطينية الإسرائيلية)

الرئيس 47:

هل تُسفر انتخابات 2024 عن رئيس أمريكي جديد؟

02 أكتوبر، 2023


أشارت وسائل إعلام أمريكية، خلال سبتمبر 2023، إلى أن استطلاعات الرأي الأمريكية تظهر أن الرئيس جو بايدن، متساوٍ أو مُتخلف عن العديد من المرشحين الجمهوريين في سباق الانتخابات الرئاسية، وأن ذلك يُثير مخاوف الديمقراطيين بشأن احتمال أن يكون هناك مرشح ثالث يفتت الأصوات المُحتملة لهم خلال الانتخابات المُقررة في نوفمبر 2024. 

سياقات دافعة: 

في ضوء تصاعد الحديث عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية، مع اقتراب موعدها، فإن هناك مجموعة من الدوافع التي قد تسفر عن دخول مرشح ثالث إلى حلبة السباق الانتخابي الأمريكي، ويمكن الوقوف على أبرزها على النحو التالي:

1. تراجع تأييد المُقاربة السياسية للحزبيْن: ربما لأول مرة منذ استقلال الولايات المتحدة، لا تحظى المقاربات السياسية التي يطرحها كلا الحزبيْن الجمهوري والديمقراطي بالرضا والقبول من غالبية المواطنين الأمريكيين. فمن وجهة نظر الكثيرين بما فيهم النخبة السياسية، تم دفع الحزب الديمقراطي كثيراً ناحية اليسار، وهو ما أفقده مساحة الوسط التي كان يمثلها في السابق، ويعود ذلك لتوجهات الكتلة الليبرالية المُسيطرة داخل الحزب بقيادة السيناتور بيرني ساندرز والسيناتورة المُخضرمة إليزابيث وارن، كما أن الحزب الجمهوري ذهب إلى اليمين أكثر مما ينبغي بفعل الخطاب الشعبوي للرئيس السابق دونالد ترامب، وحاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس.

2. تأييد شعبي لاختيار "المرشح الثالث": في ضوء رفض قطاع من الناخبين الأمريكيين لعودة ثنائية "بايدن- ترامب"، فقد دفع ذلك القاعدة الانتخابية للبحث عن "مرشح ثالث"، وبات هناك تيار صاعد يؤيد فكرة "المرشح المستقل" و"الطريق الثالث"، والذي يعبر عن "مساحة الوسط" التي تركها الحزبان الجمهوري والديمقراطي، وهي المساحة التي تجمع يسار الوسط واليمين المعتدل. وقبل نحو 13 شهراً من الانتخابات، تؤكد استطلاعات الرأي أن هناك أغلبية واضحة تريد مُرشحاً يمثل "الطريق الثالث"، فقد دعم 58% من الناخبين الأمريكيين اختيار شخصية معتدلة بعيداً عن الاستقطاب الحزبي؛ حيث أيّد 60% من الديمقراطيين مُرشح "الطريق الثالث" بينما دعم هذا التوجه 47% من الجمهوريين، و71% من المُستقلين، وهو ما يُؤشر على وجود رغبة شعبية واسعة لاختيار مرشح ثالث بعيداً عن الحزبيْن الرئيسييْن.

3. سوابق تاريخية: منذ استقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا لم يدخل البيت الأبيض "مُرشح مُستقل" أو مُرشح من خارج الديمقراطيين والجمهوريين، لكن على مدار التاريخ الأمريكي كان هناك محاولات من أحزاب ومرشحين مستقلين للوصول إلى البيت الأبيض، ونجحت بعض تلك المحاولات في ترك علامة في التاريخ الانتخابي الأمريكي، منها على سبيل المثال، حصول المرشح المستقل والمنشق عن الحزب الجمهوري تيدي روزفلت على المرتبة الثانية في انتخابات نوفمبر 1912، وكان تيدي روزفلت قبل ذلك نائباً للرئيس الجمهوري وليام ماكينلي الذي اغتيل في 1901، وبموجب الدستور الأمريكي أصبح تيدي رئيساً خلفاً لماكينلي، ثم جرت إعادة انتخاب تيدي روزفلت عام 1904، لكنه لم يترشح لولاية ثالثة في انتخابات عام 1908 والتي فاز فيها زميله الجمهوري وليام هوارد تافت، وأرادت مؤسسة الحزب الجمهوري أن تُعيد انتخاب الرئيس تافت لولاية ثانية عام 1912، كما جرت العادة أن أي رئيس في البيت الأبيض هو مُرشح لولاية ثانية ما لم يكن هناك عوامل غير طبيعية مثل المرض الشديد أو العجز، لكن تيدي روزفلت رفض هذا الرأي، وأصرّ على الترشح بدلاً من الرئيس تافت، وعندما اختار الحزب الجمهوري ترشيح تافت قام تيدي روزفلت بترشيح نفسه "كجمهوري مستقل"، وهو ما أدى في النهاية إلى تفتيت أصوات الجمهوريين حيث فاز تيدي بالمركز الثاني بـ27.4% من الأصوات، بينما حصل الرئيس تافت على 23.2% فقط، وخسر كل من تيدي وتافت لصالح المرشح الديمقراطي وودرو ويلسون، بنسبة 41.8%. كما حصل مرشح "الحزب الأمريكي" ميلارد فيلمور عام 1865 على 21.5% من الأصوات، وكان هذا أول ظهور لمرشح ثالث بهذه القوة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. 

رفض ديمقراطي:

يرفض الديمقراطيون في الولايات المتحدة، دخول مرشح ثالث إلى حلبة السباق الانتخابي، ويرجع ذلك إلى عدد من الأسباب والسوابق التي يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

1. الخصم من رصيد الأصوات: يرى الديمقراطيون أن مرشحاً ثالثاً في الانتخابات، سوف يخصم من رصيد الديمقراطيين ويأخذ من الأصوات المُحتملة لبايدن في الانتخابات القادمة، لصالح الجمهوريين والذين يمثلهم الرئيس السابق دونالد ترامب، إذ تستند هذه الرؤية إلى عدد من السوابق التاريخية، أبرزها؛ اعتقاد الديمقراطيين بأن مُرشح حزب الخضر رالف نادر في انتخابات عام 2000 أسهم في خسارة الديمقراطي آل غور أمام الجمهوري جورج بوش الابن، ويقول الديمقراطيون إن النتائج أثبتت تقارباً شديداً جداً بين بوش الابن الذي كان وقتها حاكماً لولاية فلوريدا مع آل غور في هذه الولاية، وبعد إعادة الفرز فاز بوش الابن بفارق 537 صوتاً فقط، وفي نفس الولاية حصل "المرشح الثالث" رالف نادر الذي ترشح عن حزب الخضر على  97 ألفاً و488 صوتاً، ومُعروف أن برنامج الخضر لا يختلف كثيراً عن نظيره في الحزب الديمقراطي، وهو ما يعني من وجهة نظر الديمقراطيين أن أصوات  نادر كانت ستذهب لآل غور الذي كان يحتاج فقط 538 صوتاً من آلاف الأصوات التي حصل عليها نادر. 

وفي مثال آخر، فإن فوز دونالد ترامب على هيلاري كلينتون في انتخابات 2016 كان بهوامش بسيطة جداً خاصة في ولايات مثل بنسلفانيا التي فاز فيها ترامب بأغلبية 47 ألفاً و292 صوتاً، وفي ميشيغان بأغلبية 10 آلاف و704 أصوات، وفي ويسكونسن بأغلبية 22 ألفاً و748 صوتاً، وكان يمكن لهيلاري كلينتون أن تفوز في هذه الولايات ما لم تكن جيل شتاين مُرشحة حزب الخضر  أو جاري جونسون مرشح الحزب التحرري على ورقة الاقتراع، فقد حصل جونسون في هذه الولايات على ما بين 2.5 و3.6% من الأصوات، وهناك يقين لدى الديمقراطيين أن كل الأصوات التي حصلت عليها جيل شتاين في هذه الولايات وغيرها كانت ستذهب لهيلاري كلينتون، ويستند الديمقراطيون على سلسلة من الحقائق في رفض دخول مرشح ثالث منها أن مجموع ما حصلت عليه هيلاري كلينتون ودونالد ترامب من الأصوات بلغ 129 مليوناً، وهو ما يساوي 94.2% فقط، وذهبت نحو 7 ملايين صوت تشكل 5.8% للمرشحين الآخرين، وهذا يؤكد أن مرشح حزب الأحرار حصل على عدد أصوات بلغت أضعاف الفارق الذي خسرت به كلينتون في عدة ولايات حاسمة، إذ حصد جونسون أصوات 172 ألف ناخب في ولاية ميشيغان، و146 ألف في بنسلفانيا، و106 آلاف في ويسكونسن، وهو ما أثر بصورة مُباشرة في هوية الفائز بالسباق إلى البيت الأبيض. 

2. خطر على الديمقراطية: هناك الكثير من التخوفات التي تتعلق بالأحزاب والحركات السياسية الجديدة التي تعمل على طرح مرشح ثالث، ويقول المعارضون لطرح مرشح ثالث إن الديمقراطية الأمريكية في خطر، ومن أمثال هؤلاء حركة "موف أون"، التي ترى أن وجود ترامب في البيت الأبيض مجدداً سيكون كارثة على الديمقراطية الأمريكية، وأن "المرشح الثالث" ما هو إلا "مُفسد" لتعطيل بايدن والديمقراطيين، ووصل الأمر إلى اتهام بعض تلك الحركات مثل حركة "إلى الإمام" التي كان يمولها المغني كاني ويست بأن هدفها لم يكن مساعدة ويست بل مساعدة ترامب باعتبار ويست من أهم أصدقاء ترامب.  

فرص المُرشح الثالث: 

ثمّة فرص قد تدفع بإمكانية فوز المرشح الثالث في الانتخابات الأمريكية القادمة، ويمكن تسليط الضوء عليها على النحو التالي:

1. تقدم عمر المرشحيْن: ربما لأول مرة في الحياة السياسية الأمريكية، يكون هنالك مُرشح للبيت الأبيض سوف يتجاوز 82 عاماً، وليس هذا فقط فالمشاكل الصحية للرئيس جو بايدن واضحة للجميع، وقال 59% من الأمريكيين، في أحد استطلاعات الرأي، أن صحة بايدن لن تساعده في أداء مهام وظيفته حتى الشهر الأول من عام 2029، وكلما حدثت هفوات ومشاكل صحية للرئيس بايدن زاد الإحساس بضرورة أن يكون هناك "مرشح ثالث"، خاصة أن الرئيس دونالد ترامب سوف يبلغ 78 عاماً العام المقبل، ويرى الداعمون للمرشح الثالث أن انتخاب بايدن أو ترامب سوف يسهم في "شيخوخة" النخبة السياسة الأمريكية، خاصة وأن زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونويل قد تجاوز الثمانين عاماً، ونفس الأمر بالنسبة لنانسي بيلوسي التي تسعى للفوز في الانتخابات القادمة، والعودة لقيادة مجلس النواب رغم أنها تجاوزت 82 عاماً. 

2. المشكلات القانونية لكلا المرشحيْن: يعاني كل من بايدن وترامب من مشكلات قانونية، فالرئيس ترامب مُهدد بدخول السجن قبل نوفمبر 2024 بسبب 4 حزم من التهم وصلت لنحو 75 تهمة؛ منها تُهم جنائية مثل شراء الصمت، ومحاولة قلب نتيجة الانتخابات في ولاية جورجيا عام 2020، والاحتفاظ بوثائق سرية في منزله، بالإضافة إلى مشكلات تتعلق بالاحتيال الضريبي. ونفس الأمر يتعلق بالرئيس جو بايدن، فهو متهم بالفساد، والتستر على فساد ابنه هانتر، وأن بايدن استغل منصبه عندما كان نائباً للرئيس باراك أوباما ليحصل ابنه على ملايين الدولارات من شركات للطاقة في أوكرانيا، وهو ما دفع زعيم الجمهوريين في مجلس النواب الأمريكي كيفن مكارثي للدعوة لإطلاق إجراءات "عزل بايدن"، ورغم أن هذا مُستبعد نظراً لسيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ، وحاجة العزل لموافقة 67 عضواً بمجلس الشيوخ يمثلون نحو "ثلثي" أعضاء المجلس. فإن بعض استطلاعات الرأي الأمريكية أشارت إلى أن هناك نسبة كبيرة من الشعب الأمريكي مُقتنعة بأن بايدن كان على علم بفساد ابنه.

3. ارتفاع شعبية أحزاب التيار الثالث: أدت التغيرات المناخية لزيادة غير مُسبوقة لداعمي "حزب الخضر"، وفي دليل جديد على رفض مرشحي الجمهوريين والديمقراطيين جاءت كل الاستطلاعات خلال عام 2023 تقول بارتفاع شعبية الأحزاب الأخرى مثل حزب "إلى الأمام" وحزب "الأحرار"، و"الحزب الدستوري" و"حزب التحالف" و"الحزب الاشتراكي" و"حزب التضامن الأمريكي". كما شهدت الولايات المتحدة خلال الشهور القليلة الماضية ظهور حركات سياسية جديدة الهدف منها هو الخروج من "عباءة " الحزبيْن الديمقراطي والجمهوري، منها تأسيس السيناتور المُعتدل عن ولاية وست فرجينيا جو مانشين حزب "بلا تسمية" "No Labels". ويعتقد مانشين الذى لديه خلافات كبيرة مع الديمقراطيين والرئيس جو بايدن أن الولايات المتحدة تحتاج لــ"خيارات جديدة"، كما تحتاج لقادة "متحررون من الغضب"، ويرفض مانشين أن يكون هدف الحزب الجديد أخذ أصوات من الديمقراطيين فقط، ويعمل مانشين وعدد كبير من الجمهوريين والديمقراطيين الذين انضموا إليه لإحداث تغيير حقيقي في المزاج السياسي الأمريكي عبر التركيز على قضايا مثل تعديل الميزانية، وخفض الديون الفدرالية، وإصلاح المعاشات، وتشريعات تغير المناخ، والسلامة المدرسية، والصحة العقلية، ومكافحة الاستقطاب السياسي.

4. الاندماج الحزبي: تشهد الساحة الحزبية الأمريكية ظاهرة جديدة تقوم على "اندماج الأحزاب والحركات السياسية"، حيث يعمل المرشح الديمقراطي السابق للرئاسة أندرو يانغ، والحاكمة الجمهورية السابقة لولاية نيوجيرزي كريستين تود ويتمان، على بناء تحالف سياسي "وسط" عبر دمج مجموعة من الحركات السياسية الأمريكية؛ مثل حركة "رينيو أمريكا"، والتي تأسست عام 2021 وتضم كبار المسؤولين من إدارات جمهورية وديمقراطية مختلفة، وحزب "إلى الأمام" الذي انشق غالبية أعضائه عن الحزب الديمقراطي، وحركة "سيرف أمريكا" التي أسسها عضو الكونغرس الجمهوري ديفيد جولي، وتضم ديمقراطيين وجمهوريين ومستقلين، ويعمل هذا التحالف لوضع "رؤية جديدة" تعمل على الاقتصاد العادل والمزدهر لتحقيق مزيد من الثقة في الحكومة الفدرالية. 

5. التصويت الاحتجاجي: هناك يقين لدى الداعمين لفكرة المرشح الثالث، أنه بداية من عام 2016، زادت أعداد "الأصوات الاحتجاجية"، ويُشيرون في هذا الأمر لملايين الأصوات التي دعمت السيناتور بيرني ساندرز في الانتخابات التمهيدية لعام 2016، ويعتقدون أن إصرار الحزب الديمقراطي على ترشيح هيلاري كلينتون بدلاً من بيرني ساندرز أهدر ملايين الأصوات، كما يعتقدون أن ترشيح ترامب من جديد سوف يؤدي لعزوف الملايين أيضاً عن الإدلاء بأصواتهم، وأن وجود "المرشح الثالث" سيُكون بمثابة "تنويع للخيارات" أمام الناخب الرافض لخيارات الحزبيْن الجمهوري والديمقراطي. 

وفي التقدير، يمكن القول إنه في ظل حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي الأمريكي، ونتيجة لوجود الكثير من المحفّزات وأيضاً الكوابح حول المرشح الثالث، فإن مُرشح الخيار الثالث سيكون له تأثير واضح في نتائج الانتخابات، فحتى في حال نجاح الآلة الإعلامية والمالية والسياسية للحزبيْن الجمهوري والديمقراطي من حرمان مرشح "الطريق الثالث" من الوصول إلى البيت الأبيض، فمن المُؤكد أن "المرشح الثالث" سيكون "الحصان الأسود" و"صانع الملوك" الذي يحدد من سيفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2024.