أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

إنقاذ وطن:

رهان الصدر على المستقلين لتمرير حكومة الأغلبية في العراق

26 مارس، 2022


دعا زعيم التيار الصدري مقتدي الصدر في بيان أصدره، في 21 مارس الجاري، النواب المستقلون في البرلمان لحضور جلسة البرلمان المقررة في 26 مارس 2022 من أجل إتمام نصاب الجلسة البرلمانية المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية، حيث طالب الصدر النواب المستقلين بأن "يقفوا وقفة عز وشرف وكرامة من أجل إنقاذ الوطن وتخليصه من بقايا الفساد والإرهاب والاحتلال والتطبيع والانحلال" في إشارة ضمنية إلى الإطار التنسيقي المرتبط بإيران، وذلك من خلال مشاركة المستقلين في الجلسة البرلمانية الخاصة بالتصويت على رئيس الجمهورية، وعدم تعطيله بالثلث المعطل.

الصراع على اختيار الرئيس:

دخل الصراع بين مقتدى الصدر وحلفائه في الاتفاق الثلاثي من جانب، والإطار التنسيقي الموالي لإيران، من جانب آخر، لمرحلة جديدة، وذلك مع إصرار الصدر على تشكيل حكومة أغلبية، ومحاولة التنسيقي منع ذلك، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي: 

1- إصرار الصدر على حكومة الأغلبية: أعلن الصدر مضيه قدماً في مخططه لتأسيس حكومة أغلبية، خاصة بعدما فشلت تفاهماته مع الإطار التنسيقي للاتفاق على مرشح تسوية، ممثلاً في جعفر محمد باقر الصدر، فقد أعلن الصدر رسمياً تأسيس تحالف "إنقاذ وطن"، والذي يضم أحزاب الاتفاق الثلاثي، ممثلاً في التيار الصدري، والحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف السيادة السني، كما أعلن مرشحه لرئاسة الجمهورية، ممثلاً في ريبر أحمد، ومرشحه لرئاسة الوزراء، ممثلاً في جعفر محمد باقر الصدر. 

ويقدر عدد مقاعد إنقاذ وطن بما يتراوح بين 180 و190، أي أنه يقل عن النصاب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية، والتي تحتاج إلى أغلبية الثلثين، والمقدرة بحوالي 220 مقعد، أي أن الصدر سوف يكون في حاجة إلى حضور ما بين 40 و30 نائباً إضافياً لتحقيق النصاب القانوني لجلسة انتخاب الرئيس، والذي يحتاج تمريره إلى أغلبية ثلثي الحضور، أي 165 نائباً. 

ويلاحظ أن هذه الخطوة، وإن حملت تصعيداً من جانب الصدر ضد الإطار التنسيقي، نظراً لرفض الأول التحالف مع الثاني لتكوين أغلبية شيعية خالصة، فإنه في الوقت ذاته، قدم الصدر مرشح بديلاً لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، والذي كان الإطار التنسيقي يرفضه تماماً. 

2- نداء الصدر للمستقلين: حصل المستقلون، وفقاً لبعض التقديرات على 48 مقعداً في البرلمان الحالي، وتصاعد وزنهم وأهميتهم بسبب الانقسام بين "إنفاذ وطن" والتنسيقي، وباتوا لاعباً حاسماً في تحديد شكل الحكومة القادمة. 

وسعى مقتدي الصدر خلال الفترة الماضية للتواصل مع قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة، لدفعهم للتحرك تجاه نواب مستقلين وأيضاً ممثلين عن كتل الأقليات الدينية لإقناعهم بضرورة المشاركة في الجلسة البرلمانية القادمة باعتبار أن التحالف الثلاثي صاحب توجهات وطنية ويضم أطيافاً عراقية متنوعة، ولا يرغب في إعادة التحالفات الطائفية مجدداً.

وأعلن النائب المستقل حسين عرب أن نواباً مستقلين سيعقدون لقاءً للاتفاق على حضور جلسة البرلمان المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية، كما أعلن النائب حميد الشبلاوي، عضو تحالف "من أجل الشعب" المدني الذي يضم حركتي "امتداد" و"جيل جديد"، حضور أعضاء التحالف البالغ عددهم نحو 30 نائباً جلسة البرلمان القادمة. 

ويلاحظ أن هذا التكتل يقترب في توجهه من التيار الصدري، إذ يدعم تشكيل حكومة أغلبية بعيداً عن المحاصصة الطائفية، كما انهم أعلنوا عدم مشاركتهم في الحكومة المقبلة والاكتفاء بدعم تشكيل حكومة قوية قادرة على مواجهة مختلف الأزمات التي تمر بها الدولة منذ عدة سنوات.

3- إصرار التنسيقي على "أغلبية شيعية": يلاحظ أنه في حالة نجاح الصدر في إقرار حكومة أغلبية، فإنه سوف يكون المرة الأولى في تاريخ العملية السياسية للعراق، منذ الاحتلال الأمريكي في العراق في عام 2003، الذي يتم فيه تشكيل حكومة أغلبية، إذ كانت الممارسات السابقة لتشكيل الحكومة تقضي بأن تتحالف الأحزاب الشيعية الفائزة في الانتخابات معاً لتشكيل الكتلة ذات الأغلبية، والتي تتوافق على شخص رئيس الوزراء، ثم تقوم بعد ذلك بالتفاوض مع السنة والأكراد.

ويلاحظ أن الإطار التنسيقي (54 مقعداً) لايزال يضغط للعودة إلى هذه الصيغة، وهو ما يرفضه الصدر. وقد أعلن التنسيقي عن مقاطعته جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، والمقرر لها 26 مارس، وأكد الأمين العام لعصائب أهل الحق على تويتر "أن الثلث الضامن مضمون" في إشارة إلى ادعاء التنسيقي امتلاكه الثلث المعطل، أي حوالي 110 مقاعد. 

4- غموض موقف الاتحاد الوطني: كشف القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني (19 مقعداً)، غياث السورجي، في 24 مارس أنه لم يصدر قرار من الاتحاد الوطني الكردستاني بالمشاركة أو عدمها في جلسة 26 مارس، لترشيح رئيس الجمهورية، وإن أكد أن الاتحاد سيتجه إلى مقاطعة الجلسة، والانضمام إلى الثلث المعطل مع الإطار التنسيقي والنواب المستقلين، زاعماً بأنهم يمتلكون حالياً أكثر من 110 نواب.

ويلاحظ أن عدم مشاركة الاتحاد سوف تعني إخفاقه في التوصل لتفاهمات مع الحزب الديمقراطي الكردستاني على منصب رئيس الدولة، وعن استمرار إصراره على دعم برهم صالح، الرئيس الحالي، كمرشحه لرئاسة الدولة، وهو ما يعني أن الاتحاد في حالة رفضه الحصول على مناصب وزارية أخرى، والتخلي عن منصب الرئيس سوف يكون طرفاً في المعارضة، خاصة إذا ما توفر النصاب القانوني لجلسة انتخاب الرئيس. 

سيناريوهات جلسة 26 مارس:

تتمثل سيناريوهات جلسة انتخاب الرئيس الجديد للعراق في التالي:

1- تمرير حكومة "إنقاذ وطن": يقوم هذا السيناريو على نجاح تكتل "إنقاذ وطن" (حوالي 180 – 190 نائباً من أصل 329 نائباً) في إقناع حوالي 30 – 40 نائباً مستقلاً على حضور جلسة انتخاب الرئيس، لتحقيق النصاب القانوني لانعقاد الجلسة، والتي تقدر بأغلبية الثلثين، مع إخفاق الإطار التنسيقي في جمع الثلث المعطل والمقدر بحوالي 110 مقاعد. ويلاحظ أن هناك عدداً من المؤشرات تدعم ذلك، أبرزها تأييد "تحالف من أجل الشعب" المستقل لانتخاب حكومة أغلبية. 

2- جمود سياسي: يتمثل هذا السيناريو في إخفاق الصدر في توفير النصاب القانوني لانعقاد جلسة انتخاب الرئيس، نتيجة قيام الإطار التنسيقي بالحصول على دعم بعض المستقلين له، سواء عبر الضغط عليهم، أو شراء أصواتهم، وهو الأمر الذي سيترتب عليه تأجيل جلسة البرلمان إلى 6 أبريل المقبل، وهو ما قد يفتح الباب أمام المساومات بين الكتل السياسية، وإمكانية محاولة إقناع الاتحاد الوطني الكردستاني بالانضمام إلى حكومة أغلبية، أو الإطار التنسيقي، وإن كان الخيار الأخير يعد مستبعداً.

وفي حالة إخفاق المحاولات السابقة، واستمرار عجز البرلمان عن اختيار الرئيس فانه يمكن أن يتم حل البرلمان بطلب من ثلث الأعضاء وموافقة الأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء، وفق المادة 64 من الدستور أو بقرار من المحكمة الاتحادية العليا إذا تم الرجوع إليها.

3- سيناريو التصعيد العسكري: يقوم هذا السيناريو على اتجاه الإطار التنسيقي في التشكيك في صحة انعقاد جلسة انتخاب الرئيس في حالة نجاح إجرائها، ومن ثم محاولة عرقلتها عبر اللجوء إلى المحكمة الاتحادية، أو من خلال توجيه الميليشيات المسلحة الموالية له، مثل عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله العراقي للدخول في مواجهات مسلحة مع القوى السياسية المرتبطة بإنقاذ وطن، أو مع القوات الحكومية العراقية. 

ولعل ما يعزز احتمالية ذلك، قيام الحرس الثوري بمهاجمة مدينة أربيل، مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني، بالصواريخ الباليستية بشكل مباشر، في شهر مارس الحالي، والتي كانت بمنزلة تهديد واضح للحزب لاشتراكه في حكومة الصدر. 

وفي الختام، يمكن القول إنه من المرجح استجابة النواب المستقلين لدعوات الصدر ومشاركتهم في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، وهو ما سيفتح الباب أمام خيار المواجهات المسلحة، وإن كان الصدر من الممكن أن يناور لمنع ذلك عبر دعوة الإطار التنسيقي، أو بعض قواه في المشاركة في حكومة الصدر، ومن ثم تقليص الحوافز لهم للذهاب لخيار المواجهات المسلحة.