أخبار المركز
  • أحمد نظيف يكتب: (بين داعش والغرب: هجوم موسكو الإرهابي.. دلالات التوقيت والتنفيذ والمصلحة)
  • د. محمد بوشيخي يكتب: (بعد قيادة "العولقي": مستقبل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بين التشرذم والتبعية)
  • د. هايدي عصمت كارس تكتب: (الطريق الثالث: ماذا لو خرج بايدن أو ترامب من السباق الانتخابي 2024؟)
  • يوسف ورداني يكتب: (هشاشة عالمية: خارطة التهديدات والتوقعات من منظور الاستخبارات الأمريكية 2024)
  • د. أيمن سمير يكتب: (فرصة أمريكية: هل تستهدف "عسكرة" البحر الأحمر النفوذ الصيني في المنطقة؟)

تفاهمات أردوغان والسرّاج

03 ديسمبر، 2019


توصل الرئيس التركي وفايز السراج مؤخراً إلى اتفاقيتين إحداهما لتوسيع نطاق التعاون الأمني والعسكري بما يساهم، حسب زعمهما، في تحسين الأمن الليبي، والثانية تتعلق بالسيادة على المناطق البحرية. وهما اتفاقيتان بالغتا الدلالة على طبيعة المشروع التركي في المنطقة، والذي يمثل تهديداً حقيقياً للأمن العربي. فالاتفاقية الأولى تصب في دعم ما يُسمى حركات الإسلام السياسي ذات النزوع الإرهابي كأدوات لتجسيد أوهام استعادة النفوذ العثماني الضائع. أما الاتفاقية الثانية فتمثل أعلى مستويات الأطماع التركية في ثروات المنطقة. فتركيا الفقيرة في مجال الطاقة، يسيل لعابها لثروات الغاز والنفط الواعدة في شرق المتوسط. وإذا كانت تدعي أن أعمالها العدوانية تجاه سوريا والعراق ترتبط بالدفاع عن أمنها، فإن أطماعها في ثروات شرق المتوسط تعبّر عن أعلى مراحل «البلطجة». وليست هذه السياسة بجديدة، فدعمها فصائل الإرهاب في ليبيا قائم منذ بداية الصراع هناك، وكذلك أطماعها في الثروات الليبية. وليس ببعيد تنقيب تركيا عن الثروات الطبيعية في المياه القبرصية بدعوى الحقوق القانونية لجمهورية شمال قبرص التركية التي لا يعترف بها سوى تركيا.

ويلاحظ أن المضمون التفصيلي للاتفاقيتين لم يُعلن عنه تفادياً للزوابع التي يمكن أن تثيرها تفاصيل الاعتداء على حقوق دول شرق المتوسط، وكذلك فحوى الدعم الأمني والعسكري لفصائل الإرهاب في طرابلس.

ليس هناك ما هو أوضح من العوار القانوني لهاتين الاتفاقيتين، وقد قيل إن حكومة السراج باتت منقوصة التكوين على نحو بين، غير أن هذا ليس الاعتبار الأهم، فهي بنص اتفاق الصخيرات الذي أنشأها لم تعد موجودة، فمدة ولايتها بموجب الاتفاق عام واحد يبدأ من تاريخ نيلها ثقة مجلس النواب، وفي حالة عدم الانتهاء من إصدار الدستور خلال ولايتها يتم تجديد تلك الولاية تلقائياً لعام إضافي فقط. وبعيداً عن كل ما سبق فإن اتفاقية الصخيرات تنص على ضرورة المصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية من مجلس النواب الذي أعلنت اللجنة المختصة فيه اعتراضها المطلق على الاتفاقيتين. وإذا كانت الأسانيد السابقة تهدم الأساس القانوني لعقد الاتفاقيتين، فإن مضمونهما بحد ذاته باطل قانوناً، أولاً لأن عقد اتفاق لدعم أحد أطراف الصراع في ليبيا يتناقض مع جوهر قرارات مجلس الأمن في هذا الصدد، وثانياً لأن الحديث عن ترسيم حدود بحرية بين تركيا وليبيا ليس سوى فصل جديد من فصول الإمعان في الاستخفاف بمبادئ القانون الدولي، فالحديث عن السيادة على المناطق البحرية يتجاهل تماماً وجود جزيرة «كريت» التابعة لليونان ويفترض خطأً أن ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا لا يتضمن أطرافاً أخرى. والحقيقة أن هذا النهج ليس بجديد على السياسة التركية صاحبة مدرسة الخروج على ما هو مستقر في قواعد القانون الدولي، فهي لا تعترف بمبدأ الأنهار الدولية وتعتبر مياه نهري دجلة والفرات مياهاً «عابرة للحدود» ليس لسوريا والعراق حق قانوني فيها، وهي ترتب لنفسها حقوقاً في المياه القبرصية ناجمة عن الغزو التركي لقبرص عام 1974، ناهيك بتلميحها من حين لآخر لحقوق إقليمية في سوريا والعراق.

ليست هناك ذرة من الشك في بطلان تفاهمات أردوغان والسراج، لكن ذلك لا يحل المشكلة، لأن السياسة التركية عودتنا على الإمعان في انتهاك قواعد القانون الدولى، وهي لا تواجه في هذا الصدد سوى بعبارات الإدانة والتنديد. صحيح أن الاتحاد الأوروبي فرض عليها عقوبات اقتصادية بسبب عمليات التنقيب قبالة ساحل قبرص في المنطقة البحرية الخالصة القبرصية، لكن من الواضح أن هذه العقوبات غير رادعة حتى الآن، كما أن المواقف الأميركية والروسية الملتبسة من السياسة التركية غير رادعة بالتأكيد، لذا فلا غنى عن تحرك عربي تقوده الجامعة العربية بحكم أن ثمة شبه إجماع عربي على رفض السياسات التركية التي طالت مخاطرها أرجاء العالم العربي، ويمكن لهذا التحرك أن يبادر بحوار مع الاتحاد الأوروبي للنظر في التعاون من أجل مواجهة الخروقات التركية، كذلك يمكن المبادرة بحوار مع روسيا لتحسين موقفها مما يجري، خاصة أن سياستها في ليبيا تتناقض مع السياسة التركية. وأخيراً يمكن لمنظمات المجتمع المدني العربي الفاعلة أن تُؤسس لحوار مع المعارضة التركية التي يشتد عودها يوماً بعد آخر فيما تتراجع شعبية أردوغان.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد