أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

مراجعة متأخرة:

تحديات استراتيجية واشنطن الجديدة في سوريا

12 أكتوبر، 2015


تواجه الاستراتيجية التي تتبعها الإدارة الأمريكية حيال الأزمة السورية انتقادات شديدة داخل الولايات المتحدة، خاصة من جانب الكونجرس، بسبب التخبط العام الذي تعاني منه هذه الاستراتيجية بعد فشلها في تحقيق أهدافها، وهو ما دفع الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" للعمل على مراجعتها لملاءمة التطورات المستجدة في الملف السوري، وتحديداً ما يخص الواقع العسكري الجديد الذي فرضته روسيا في سوريا، وتمكن موسكو من أخذ زمام المبادرة من واشنطن في الملف السوري.

مظاهر قصور استراتيجية واشنطن في سوريا

جاء فشل البرنامج الأمريكى لتدريب مقاتلي المعارضة السورية الذى كان قد انطلق في مطلع مايو الماضى في قاعدتين فى الأردن وتركيا تحت إشراف وزارة الدفاع الأمريكية، كأبرز مؤشر على التخبط الذي تعاني منه الاستراتيجية التي تتبعها الإدارة الأمريكية الحالية تجاه التعامل مع الأزمة السورية.

وكان هذا البرنامج يستهدف تدريب حوالى 5 آلاف مقاتل سنوياً لمدة ثلاث سنوات، و3 آلاف مقاتل بنهاية العام الجاري، على أساسيات القتال وإرشاد طائرات التحالف الدولي لتحديد أماكن أهداف تنظيم "داعش" من خلال تزويدهم بمعدات لاسلكية للاتصال ومتعقبات بنظام تحديد المواقع "جي بي اس"، وهو ما وافق الكونجرس وأقر له ميزانية تبلغ 500 مليون دولار في العام الأول.

وقد جاء الإقرار الضمني بفشل البرنامج يوم 1 أكتوبر الجاري بعدما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أنها ستعلق البرنامج لفترة لحين تعديله، وإعلان قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال "لويد أوستن"، أمام الكونجرس مؤخراً أن أربعة أو خمسة فقط من المعارضين السوريين الذين دربتهم بلاده يقاتلون في سوريا.

أما القصور الآخر فيرتبط بالاستراتيجية التي يتبعها التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد "داعش" والذي يضم حوالي 60 دولة أجنبية وعربية، حيث لم تؤدِ الضربات الجوية إلى إضعاف وتقويض قدرات التنظيم لمدة تقارب العام، ولا يزال التنظيم يمتلك القدرة على المبادأة والتحرك، ويمارس نشاطه في عدد من المناطق في سوريا، ويزيد من ربط مناطق سيطرته في العراق بسوريا.

ولا ينفصل عن ما سبق، نجاح الفصائل المتطرفة في تصفية الفصائل المدعومة من الولايات المتحدة، وأبرز مثال على ذلك قيام جبهة النصرة بتصفية كلٍ من "حركة حزم" و"جبهة ثوار سوريا" والاستيلاء على مقراتهم وعلى الأسلحة الأمريكية المتطورة التي كانت بحوزتهم.

وكذلك قامت الولايات المتحدة مع الأردن بتعطيل "غرفة عمليات الموك" في عمان، والتي كانت واشنطن تقودها وتتواصل من خلالها بشكل مباشر مع فصائل الجيش الحر لدعم الجبهات الجنوبية، بالإضافة لتنسيقهم مع الائتلاف الوطني، وهو ما أدى إلى فشل عملية عاصفة الجنوب مؤخراً.

وعلاوة على ذلك، لم تتأسس المنطقة الآمنة التي كانت قد اتفقت واشنطن على إنشائها مع تركيا مؤخراً في الشمال السوري في ضوء العقبات التي حالت دون ذلك، وأبرزها الخلاف الأمريكي ـ التركي حول الموقف من جبهة النصرة.

ولعل المؤشر الأبرز على فقدان الولايات المتحدة زمام المبادرة فى الملف السوري، يرتبط بتمكن روسيا من فرض أمر واقع جديد بعد قيامها بحشود عسكرية ضخمة في منطقة الساحل السوري، وصولاً إلى قيامها بضربات جوية مكثفة في سوريا، وقيام الكونجرس على خلفية ذلك الأمر بإجراء تحقيق موسع في أسباب فشل وكالة المخابرات الأمريكية "سي آي إيه " في توقع التدخل العسكري الروسي في سوريا بهذا الشكل.

محددات الاستراتيجية الامريكية في سوريا

يتمثل المبدأ الحاكم للسياسة الخارجية للرئيس الأمريكي" باراك أوباما" في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وفي القلب منها سوريا في "الانخراط Engagement مع الحفاظ على القدرات الأخرى"، والانخراط هنا يعني الدبلوماسية، أي أن الولايات المتحدة تعطي الأولوية للأداة الدبلوماسية في التعامل مع الدول الأخرى، مع الاحتفاظ بحق استخدام الأدوات الأخرى الاقتصادية والعسكرية في حالة فشل الخيار الدبلوماسي.

ويقوم هذا المبدأ على محورين، الأول: تخفيض التواجد والارتباط الأمريكي بالشرق الأوسط، والثاني: إنشاء نظام لتوازن القوى بالمنطقة يقوم على قوتين هما إيران من ناحية والدول السنية بالمنطقة من ناحية أخرى (دول الخليج العربية بالأساس، ويمكن إضافة مصر وتركيا إليها)، وسيؤدي هذا التوازن في القوى إلى منع هيمنة دولة إقليمية واحدة على منطقة الخليج، واستمرار تدفق البترول، واحتفاظ الولايات المتحدة بعلاقة طيبة بطرفي توازن القوى.

وارتباطاً بالمبدأ السابق، يلاحظ أن أهم محددات السياسة الأمريكية تجاه الأزمة السورية تنحصر في أن الولايات المتحدة تمارس سياسة الحد الأدنى تجاه الأزمة، حيث تكتفي الإدارة الأمريكية بخطابات وتصريحات على حساب التدخل الفعلي لحل الأزمة. ويأتي تدخل الإدارة الأمريكية في بعض الأحيان في محاولة منها لتجنب الانتقادات الداخلية الحادة ومحاولة تقليل الضغوط عليها للتدخل.

ووفقاً لذلك فإن التفضيلات الاستراتيجية للسياسة الأمريكية تجاه سوريا تتمثل في أن الطريق الوحيد للخروج من هذا الصراع هو مفاوضات بين المعارضة والنظام، والحرص على عدم تبني خيار التدخل العسكري في سوريا بسبب التجربة الفاشلة في كل من أفغانستان والعراق واعتراض الرأي العام الأمريكي، وعدم استعجال إسقاط الأسد لأنها ترى في استنزاف كل من النظام والفصائل المتطرفة الجهادية هدفاً استراتيجياً لها يخدم الأمن القومي الإسرائيلي والمصالح الأمريكية في المنطقة، والعمل على تحجيم التنظيمات السلفية الجهادية العابرة للحدود ضمن سوريا، خصوصاً "داعش" الذي تولي الولايات المتحدة أهمية في مواجهته دون الفصائل الأخرى.

مراجعة الاستراتيجية الأمريكية

سعت الولايات المتحدة خلال الفترة الأخيرة لصياغة استراتيجية جديدة لمعالجة التخبط في تعاملها مع الأزمة السورية، وذلك بقيامها بعده أمور، من أبرزها:ـ

أولاً: أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية يوم 9 أكتوبر الجاري عزمها تقليص برنامج تدريب المعارضة السورية، على أن يشمل تغيير النموذج السابق الذي كان يقوم على تدريب وحدات من المشاة، إلى نموذج من شأنه أن يؤدي إلى إمكانات قتالية وعسكرية أكبر، والتوقف عن تدريب قوات معارضة سورية جديدة، والاتجاه لتسليح القوى الموجودة فعلياً على الأرض وتجهيزها، خاصة في مناطق التماس مع تنظيم داعش، من خلال تقديم أسلحة ومعدات أساسية يمكن للولايات المتحدة مراقبتها مستقبلاً لمجموعة مختارة من القادة الذين عملوا سابقاً مع وكالة الاستخبارات الأمريكية، والذين تم فحصهم ووحداتهم في أجزاء مختلفة من سوريا، على غرار الجهد الأمريكي الناجح في مساعدة المقاتلين الأكراد في شمال سوريا.

كما تفكر واشنطن في تقديم دعم جوي لحماية مقاتلي المعارضة السورية ضد تنظيم "داعش"، وتأسيس مركز تدريبي صغير في تركيا، يتعلم فيه قادة المعارضة بعض المناورات، مثل طرق الاتصال أثناء القصف الجوي.

ثانياً: الدفع بتشكيل "الجيش السوري الديمقراطي" الذي يضم حوالي 50 ألف مقاتل كردي -عربي نصفهم من وحدات حماية الشعب الكردي، استعداداً لاقتحام مدينة الرقة عاصمة تنظيم "داعش"، بالتنسيق مع غارات التحالف الدولي، وقيام طائرات شحن أمريكية بإلقاء آلاف الأطنان من الذخيرة لأطراف هذا التشكيل الجديد.

ثالثاً: تقوم واشنطن حالياً بضم برنامج تدريب المعارضة التابع لوزارة الدفاع (البرنامج العلني) في شمال سوريا إلى برنامج وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" الذي يتركز في جنوب سوريا قرب حدود الأردن (البرنامج السري).

رابعاً: تدرس واشنطن تفعيل عمل "غرفة عمليات ألموك" مجدداً بعد قيام بعض فصائل الجيش الحر بتقديم طلب من أجل إعادة تفعيل نشاطها، في ضوء المستجدات المتمثلة في التدخل الروسي وضرورة مواجهة أخطاره.

خامساً: أشارت تقارير أمريكية عديدة خلال الفترة الأخيرة إلى أن الولايات المتحدة تفكر بجدية في التعاطي والتواصل مباشرة مع حركة "أحرار الشام الإسلامية"، بشرط قطع علاقتها الوثيقة بجبهة النصرة المدرجة على لائحة الإرهاب لارتباطاتها بتنظيم القاعدة.

وتزامنت تلك التقارير مع نفي حركة أحرار الشام مؤخراً أي علاقة لها بتنظيم القاعدة، وتأكيدها على أن هدفها الرئيسي هو إسقاط النظام السوري، بالإضافة إلى استجابة الحركة لكل المتطلبات التركية والغربية في موضوع تغيير سلوكها نحو الاعتدال واستبدال قياداتها المتشددة بقيادات أكثر اعتدالاً.

ولعل الرغبة الأمريكية – إن صحت هذه التقارير - في التواصل مع حركة أحرار الشام تأتي في ضوء الضغوط التركية على الولايات المتحدة لتلميع صورة الحركة وتسويقها كقوة أساسية يمكن الاعتماد عليها، على اعتبار أن القوة البشرية التي تتمتع بها الحركة على الأرض سوف تساعد طائرات التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش".

تحديات تواجه واشنطن في سوريا

تواجه واشنطن تحديات عديدة أمام تعديل الوضع الاستراتيجي في سوريا رغم هذه الخطوات التي قد تبدأ بها إدارة أوباما على الفور، إذ يصعب التأكد من اعتماد واشنطن على ما تعتبره فصائل معتدلة لها قوة فعلية على الأرض بشك محوري لتجهيزها لمواجهة "داعش"، وربما لا يوجد في نظر الولايات المتحدة قوة عسكرية وخريطة واضحة للثوار المعتدلين، كما لا يمكن الوثوق في تحول من تقوم بتدريبهم لجهات أخرى، وهذا سوف ينعكس بالسلب على استراتيجية التحالف الدولي ضد "داعش" لأن الضربات الجوية ليست كافية لتدمير القدرات البشرية والمادية للتنظيم بدون عمليات تقوم بها قوات على الأرض.

وفى سياق المراجعة التي تقوم بها الولايات المتحدة لبرنامج تدريب المعارضة، من الوارد وصول الأسلحة الأمريكية إلى جماعات متطرفة مجدداً في حال حدثت انشقاقات داخل هذه المجموعات ضد قادتهم، كما أنه من المرجح حدوث تحفظ تركي على السعي الأمريكي للاعتماد على مجموعات كردية في الشمال السوري في مواجهة داعش في ضوء رؤية الولايات المتحدة بأن القوات الكردية هي الشريك الوحيد الناجح على الأرض ضد التنظيم.

من جانب آخر يتمثل الهدف الرئيسي للولايات المتحدة حالياً في سوريا في السيطرة على الرقة وطرد "داعش" منها، بحيث يُقدم هذا كنصر رمزي كبير لإدارة أوباما بعد تدخل روسيا عسكرياً في سوريا؛ وهو ما يصعب كذلك تحقيقه بشكل سريع، لاسيما في ضوء محاولة تشكيل قوة تتكون من 50 ألف مقاتل قد يكون التنسيق في إدارة عملياتهم القتالية على الأرض متعسراً، وربما لن تستطع طائرات التحالف العمل بحرية إلا بالتنسيق مع روسيا.

أخيراً، هناك بعض القوى الإقليمية والدولية التي لجأت إلى تغيير موقفها من النظام السوري مؤخراً وقبول مشاركته في ترتيبات الحل السياسي والمرحلة الانتقالية واقتناع بعضها بأن النظام يمكن أن يكون شريكاً فعالاً في مواجهة "داعش"، وذلك على خلفية كل من الإحباط من فشل الاستراتيجية التي يتبعها التحالف الدولي التي تقوده الولايات المتحدة ضد "داعش" حتى الآن، والتدخل الروسي المباشر الذي يطيل بلا شك أمد المعارك ويغلق الأبواب مؤقتاً أمام التسويات السياسية.