عرض: منى أسامة محمد، باحثة دكتواره بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة
تمكن النظام الإيراني خلال الأعوام الماضية من تطوير أدوات إعلامية متعددة، بهدف تحسين صورة إيران خارجيًّا، وتعزيز الدعم الشعبي للنظام في الداخل، خاصة بين قطاعات الشباب الذين يميلون للتمرد على السلطة، ومحاولة تغيير الثقافة المجتمعية السائدة، نتيجة التأثير الطاغي للعولمة وثورة المعلومات والاحتكاك المتزايد بالثقافة الغربية.
وفي هذا الإطار، ركزت الدراسة المعنونة "المنبوذون: بداية "الترفيه الجديد" في صناعة الأفلام المؤيِّدة لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران"، والتي قامت بإعدادها نرجس باجوفلي (باحثة مشاركة بمعهد واتسون، جامعة براون بالولايات المتحدة)، على توظيف النظام الإيراني ومؤيديه للأفلام السينمائية للدفاع عن القيم والمواقف السياسية للنظام الإيراني في مواجهة الانتقادات المتصاعدة.
سينما "الدفاع المقدس":
اتجه النظام الإيراني منذ عام 2005 إلى تبني ما يُعرف بثقافة "الترفيه الجديد" التي تعني الإعلام الإيراني الترفيهي الذي يهدف لاستعادة الجماهير إلى مبادئ الثورة الإيرانية، ويتولى كل من الحرس الثوري وتنظيم الباسيج دعم وتمويل هذا النوع من الإعلام الذي تشرف عليه هذه المؤسسات لضمان بث الرسائل الداعمة للنظام ونشرها بين قطاعات الشباب.
واستعان هذا النوع من الإعلام بمواد فنية كانت محظورة منذ الثورة الإيرانية عام 1979، مثل: أغاني البوب، والاستعانة بشخصيات درامية تجسد أدوار المجرمين والفاسدين مع التأكيد على الإيمان بالنموذج الثوري الذي يمثله الحرس الثوري وفق الأفلام الإيرانية ذات الهدف الدعائي.
ولا يمكن القول إن اعتماد النظام الإيراني على الإعلام لبث الرسائل الأيديولوجية أمر جديد. فمنذ قيام ما يُسمى "الثورة الإسلامية" في إيران عام 1979، وهناك اهتمام باستخدام الأشرطة المسجلة والملصقات الثورية وملصقات قتلى الحرب العراقية الإيرانية، والأفلام الحربية أو ما يُطلق عليها "سينما الدفاع المقدس" لدعم أهداف الثورة. فالنظام الإيراني يدرك منذ البداية أهمية دور الإعلام في عملية بناء الدولة، ومناهضة القوة الناعمة الأمريكية، وهو ما أطلق عليه النظام "حرب الأفكار".
وقد تزايد الاهتمام بهذا الدور خلال فترة الحرب العراقية-الإيرانية، إذ تم إنتاج أفلام حربية تسجيلية من قبل الإذاعة الرسمية الإيرانية، إلى جانب إنشاء مكتب متخصص في أفلام الحرب بمؤسسة الفارابي للسينما. وتُلاحظ الدراسة أن الأعمال الفنية الخاصة بالحرب ركزت على الربط بين الحرب والأحداث الدينية من خلال استدعاء أحداث كربلاء ومقتل الإمام الحسين بن علي وقيم التضحية والفداء.
دعم القيم الإيرانية:
يروي فيلم "المنبوذين" بأجزائه الثلاثة والذي عرض الجزء الأول منه في عام 2009، قصة مجموعة من الشباب المجرمين قرروا الذهاب إلى الجبهة خلال الحرب العراقية-الإيرانية لعدة أسباب، منها رغبتهم في التقاط الصور وليس القتال، ولكنهم يتعرفون على أحد أفراد قوات الباسيج الأتقياء المتطوعين، فتتغير أفكارهم ليصبحوا جديرين بالمشاركة في الحرب تحت لواء إيران، ومن ثمّ يلقون حتفهم في الحرب في نهاية الفيلم.
وتُشير الباحثة إلى أنها قامت باختيار هذا الفيلم بسبب النجاح الجماهيري، ووصول الفيلم إلى قطاع كبير من الشبان، كما أنه على الرغم من أن هذا الفيلم يُصنف كفيلم حربي إلا أنه استطاع أن يحقق انتشارًا حتى بين المعارضين للنظام الإيراني.
وتُشير الدراسة إلى أن الفيلم أراد الابتعاد عن الصورة التقليدية للجندي الإيراني المثالي الذي لا يرتكب أي أخطاء، والتي سادت في أفلام الثمانينيات والتسعينيات. وتضيف أن الهدف من الاعتماد على شخصيات من هذا النوع أن يصبح الفيلم أكثر تأثيرًا في الأوساط الشبابية، مؤكدًا إمكانية التحول بسهولة إلى شخصيات جديرة بالانضمام للباسيج.
كما حاول الفيلم تحسين صورة "الباسيج"؛ حيث قامت الشخصية التي تلعب دور فرد الباسيج بالتقرب إلى مجموعة المجرمين، وسعت إلى تعلم لغتهم وألعابهم لكسب ثقتهم، ثم جذبهم بعد ذلك إلى الصلاة والإيمان. وهذه الطريقة في التواصل تختلف عن طريقة "اللجوء إلى القوة" التي اعتاد أفراد الحرس الثوري والباسيج اتباعها ضد أي سلوك غير إسلامي، بحسب وجهة نظرهم.
وعلى الرغم من أن الفيلم يدعم النظام ويروج لمبادئه، إلا أنه قام بالاستعانة بأغانٍ شعبية إيرانية، منها أغانٍ ممنوعة لمطربين إيرانيين يعيشون في لوس أنجلوس، بل واستخدم الفيلم لحن إحدى أغنيات المعارضة المعروفة في نهاية الفيلم مع تغيير الكلمات لتتحدث عن تمجيد الحرب بدلا من رفض الظلم، وهو ما اعتبرته الدراسة بمثابة رسالة ضمنية حول إمكانية إصلاح الشباب المعارضين للنظام من خلال الباسيج، كما فعل الأخير بإصلاح المجرمين في الفيلم.
وتضيف الدراسة أنه حتى وإن كان الفيلم ضعيفًا فنيًّا، إلا أنه يعرض مبادئ الثورة الإيرانية بطريقة قريبة إلى العامة، مما يساهم في دعم قيم الولاء لدى الشباب، كما يعكس الفيلم تصاعد دور الحرس الثوري وتنظيم الباسيج في السياسة الرسمية وغير الرسمية.
ويرى مسعود دهنمكي، مخرج الفيلم والرئيس السابق لأنصار حزب الله في إيران، أن "طرق خدمة الثورة ومبادئها تتطور مع الزمن، فكانت في البداية القتال على الجبهة، ثم بعد ذلك نشر المبادئ في الكتب والمجلات، أما في الوقت الحالي فتعتبر السينما هي الطريقة المثلى لاستدعاء قيم الثورة".
معضلة المصداقية:
على الرغم من أن فيلم "المذنبين" حقق نجاحًا شعبيًا كبيرًا، إلا أنه تعرض لانتقادات واسعة من قبل الصحف الإيرانية التي رأت أنه خالف التعاليم الإسلامية، وخالف تعاليم الثورة الإسلامية الإيرانية، خاصة وأن الفيلم استعان بشخصيات إجرامية كان قد تم منع تناولها في السينما بعد الثورة لسلوكها السيئ، ومن ثم قد يكون إعجاب الجمهور بالفيلم نابعًا من الحنين إلى الماضي وسينما ما قبل الثورة.
فيما ترى الدراسة أن الفيلم قد نجح في تحقيق هدفه من دعم النظام، حيث إنه موجه في الأساس إلى نوعين من الجمهور: الأول هم الشباب أو أجيال ما بعد الحرب العراقية-الإيرانية، للتأكيد على أنهم بإمكانهم الدفاع عن الوطن. أما الجمهور الثاني فهم الباسيج وأنصار حزب الله، حيث يحثهم على ضرورة تغيير أسلوب تواصلهم مع العامة؛ حيث إن القوة ليست دائمًا هي الخيار الأمثل.
وتخلص الدراسة إلى أن هذا النوع من الأفلام غير التقليدية التي باتت تستخدم رموزًا أقرب للمعارضة تهدف إلى الحفاظ على القيم الثورية، واستدعاء الشعور القومي، وتوحيد صفوف العامة وقوات الحرس الثوري الإيراني والباسيج، وأن هذا التوظيف للسينما في دعم النظام الإيراني قد اجتذب اهتمام قطاعات واسعة في المجتمع الإيراني، وعدد كبير من المتابعين للسينما الإيرانية في الخارج، وإن كانت الرسائل الدعائية المتضمنة في الأفلام تؤثر -إلى حدٍّ كبير- على مصداقيتها، وإمكانية توظيفها لتعزيز الصورة الخارجية للنظام الإيراني.
المصدر:
Narges Bajoghli (2016): The Outcasts: The Start of ‘New Entertainment’ in Pro-Regime Filmmaking in the Islamic Republic of Iran, Middle East Critique, DOI: 10.1080/19436149.2016.1245529