أخبار المركز
  • إصدارات جديدة لمركز "المستقبل" في معرض الشارقة الدولي للكتاب خلال الفترة من 6-17 نوفمبر 2024
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

"كوب28":

فرصة إماراتية لتعزيز الجهود العربية في مكافحة تغير المناخ

17 أغسطس، 2023


من "كوب27" الذي استضافت مصر فعالياته في مدينة شرم الشيخ عام 2022، إلى "كوب28" الذي تنظمه دولة الإمارات في الفترة من 30 نوفمبر وحتى 12 ديسمبر 2023، لا يتوقف كوكب الأرض عن إرسال المزيد من رسائل الاستغاثة إلى ساكنيه وصُناع القرار فيه ومختلف المؤسسات والمنظمات الدولية والنشطاء في المجال البيئي؛ ما بين حرائق مشتعلة في اليونان والجزائر وغيرها من الدول، وارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق في شهر يوليو الماضي، إلى الحد الذي اضطر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى التصريح يوم 27 يوليو الماضي بأن "عصر الاحتباس الحراري انتهى، وبدأ عهد الغليان الحراري العالمي"، داعياً إلى اتخاذ إجراءات جذرية فورية تتعلق بالتغير المناخي.

وهذه الاستغاثات التي يرسلها كوكب الأرض ليست بالضرورة جديدة، فمنذ عدة عقود تتوالى هذه الرسائل التي تُظهر بوضوح المخاطر التي يتعرض لها سكان الكرة الأرضية في مختلف الأنحاء، متمثلة في الاحتباس الحراري حول الغلاف الجوي للكرة الأرضية بمليارات الأطنان من الغازات الدفيئة ومن بينها ثاني أوكسيد الكربون، وكذلك مظاهر التصحر واحتراق غابات الأمازون التي تمثل رئة العالم، فضلاً عن الفيضانات والتسونامي ومخاطر الغرق التي تهدد بعض الجزر والموانئ والدول على البحار.

بيد أن الرسائل الأخيرة التي بثها كوكب الأرض في يوليو الماضي والمتمثلة في الارتفاع غير المسبوق لدرجة الحرارة، والحرائق التي اشتعلت في عدد من الدول؛ تمثل خطراً على الجميع، يستوجب البحث عن حلول لمواجهة تغير المناخ.

الاختلال البيئي:

إن تشخيص حالة الكوكب والمخاطر البيئية المحيطة به ورصد مظاهر التغير المناخي الحاد المُشار إليها، هو محصلة جهود علماء وخبراء البيئة الدوليين في المنظمات الدولية، والمنظمات المدنية المهتمة بتغير المناخ وطبيعته وآثاره على كوكب الأرض. ولم يكتف العلماء والخبراء بالوقوف عند الرصد والتشخيص فقط، بل صاغوا أجندة دولية للعلاج وخفض الانبعاثات واستهداف عدم زيادة حرارة الأرض بأكثر من 1.5 درجة مئوية.

ولا شك أن الاختلالات الهيكلية في النظام العالمي لا تقتصر فقط على الاختلالات المناخية واختلالات النظم البيئية الطبيعية، فثمة اختلالات تتعلق بتوزيع الثروات وتركيزها في أيدي القلة من أثرياء العالم، وانخفاض دخول غالبية الطبقات وزيادة الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية، والتهميش المتزايد للأخيرة في صُنع القرار الدولي، وحاجتها لمزيد المساعدات. وأيضاً الاختلالات على الصعيد الوطني بين الأغنياء والفقراء، وغير ذلك الكثير من مظاهر الخلل. ومع ذلك، فإن الخلل الحادث في المناخ والنظم البيئية في مختلف أنحاء الأرض، يمثل بلا شك أخطر هذه الاختلالات وأكثرها تأثيراً وإضراراً، لأنه يهدد الحياة على وجه الكوكب، ومن ثم مستقبل الإنسان ووجوده على ظهر الأرض، لتعلقه بالعناصر الأساسية للحياة والوجود؛ أي الماء والهواء والمساحات الخضراء، والحق في بيئة نظيفة. كما يمثل هذا الخلل تهديداً للمستقبل، ويستوي في هذا التهديد الأغنياء والفقراء، حتى بافتراض أن الأولين يملكون وسائل وإمكانات قد تحد من تأثير ذلك فيهم، إلا أن الخطر يحدق بالجميع.

وقد تم تشخيص حالة الأرض في تقرير للأمم المتحدة صدر عام 2019، يرصد ظواهر التصحر وحرائق الغابات وانبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون الناجمة عن الاستخدام الكثيف للطاقة الأحفورية، وارتباط هذه الانبعاثات بشبكات الإنتاج الغذائي وشبكات النقل والتوزيع والزراعات التي تعتمد على هذه الشبكات. كما أشار التقرير إلى الضغوط البشرية على الأرض وارتفاع عدد السكان ونسبة الاستهلاك من السلع وكذلك عناصر أخرى تتعلق بالطاقة والمياه.

وقدّم التقرير الأممي مقترحات لحلول وتصورات في المدى المنظور والمتوسط والطويل، حيث تمحورت جميعها حول ضرورة خفض الانبعاثات والغازات بشكل مُلح، واعتبار ذلك حجر الزاوية في أية استراتيجية لمكافحة التغير المناخي. وأوصى التقرير بتغيير النمط الغذائي واتباع نمط جديد يعتمد على الحبوب والخضراوات والفاكهة، والجمع بين الزراعة والأشجار "L'aqroforesterie" لدعم قدرة الأرض على امتصاص الغازات وتخزينها، وكذلك تقليص الاعتماد على الطاقة الأحفورية والاتجاه صوب استخدام الطاقة النظيفة أو ما يُسمى "Bioenergie". 


حدود المسؤولية:

على الرغم من شمول المخاطر البيئية والمناخية لعموم الأرض، فإن ذلك لا ينفي بطبيعة الحال المسؤولية التي تتحملها بعض الأطراف. فالتقارير الدولية تشير إلى أن نصيب الدول الكبرى في الوصول بالكوكب إلى هذه الحالة من تزايد الانبعاثات والاحتراق والتصحر والتلوث، كبير إلى حد اعتبار هذه القوى المسؤول الأول عن هذه الظاهرة، وهي تشمل الولايات المتحدة الأمريكية والصين ودول الاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا واليابان. إذ توضح هذه التقارير أن نصيب الدول الإفريقية يتراوح بين 3 و4% من هذه الانبعاثات، الأمر الذي يعني أن الدول الرأسمالية هي المسؤول الأول عن تلك الظاهرة؛ لأنها تعاملت مع الطبيعة كسلعة تجارية تجلب الربح دون اعتبار لعدم الإخلال بالنظم الطبيعية والبيئية.

وخلال قمة باريس التي عقُدت يومي 22 و23 من يونيو 2023، تحت عنوان "ميثاق مالي جديد" لتمويل مكافحة التغير المناخي والفقر وانعدام المساواة، اعترفت الأطراف بعجز النظام المالي الحالي الناجم عن اتفاقية "بريتون وودز" بعد الحرب العالمية الثانية، عن توفير التمويل لتحقيق هذه الأهداف من خلال المؤسسات الدولية المنبثقة عنه؛ البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وقُدرت الاحتياجات المالية للدول النامية - ماعدا الصين التي تُفضل وصف نفسها بالنامية في المحافل الدولية - بنحو 2.4 تريليون دولار سنوياً حتى عام 2030، كذلك قدرت الوكالة الدولية للطاقة احتياجات هذه الدول للإنفاق على مصادر الطاقة النظيفة بحوالي 1.6 تريليون دولار سنوياً على مدار عقد من الزمن، فضلاً عن الأزمات المتلاحقة في السنوات الثلاث الأخيرة الناجمة عن جائحة "كورونا" والحرب الروسية الأوكرانية وتفاقم مديونية هذه الدول ورفع أسعار الفائدة ومستحقات الديون. فيما لا يزال التزام الدول الغنية بتقديم 100 مليار دولار سنوياً لمساعدة الدول النامية لمواجهة التغير المناخي والاحتباس الحراري، رهن التنفيذ خلال هذا العام.

وفي هذا السياق من المديونية العالمية الفائقة، وقصور النظام المالي العالمي عن الوفاء بهذه الاحتياجات المُلحة؛ تواجه الدول النامية مواقف عصيبة على صعيد التنمية ومواجهة التغير المناخي والتكيف مع متطلباته. فثمة نوع من عدم التناسب بين التحدي المناخي المطروح وبين القدرات الدولية على مواجهته؛ بسبب الانقسام بين الدول الغنية والفقيرة، وتراجع مؤشرات التنمية المُستدامة فى أغلب الدول.

مساهمة عربية وإماراتية:

على الصعيد العربي، ثمة ضرورة لتبني مشروع متكامل لحماية الدول العربية من التغير المناخي، لأنه مرشح بقوة للتفاقم في السنوات المقبلة، خاصة في العراق الذي يُعد خامس دولة في العالم تضرراً بدرجات الحرارة المرتفعة والتصحر وشح المياه.

ولا تحول الجهود الدولية لتصحيح آثار التغير المناخي على الصعيد العالمي، دون صياغة خطط محلية لتخفيف آثار هذه الظاهرة؛ مثل العودة إلى النمط العمراني التقليدي المستوحى من قدماء المصريين، أي المنزل الملائم لدرجات الحرارة المرتفعة والمبني من حوائط سميكة بالطوب اللبن ذو السقف العالي، وفتحات التهوية والأفنية الواسعة لالتقاط الهواء. ويُعد استلهام هذا النمط المعماري وتطويره موفراً للطاقة ومقللاً للانبعاثات الدفيئة.

وأيضاً في إطار تكامل الجهود العربية مع المجتمع الدولي، فقد تمكنت مصر في مؤتمر "كوب27" من إقرار إنشاء صندوق للتعويضات لمساعدة البلدان النامية على مواجهة آثار التغير المناخي وإقامة المشروعات التي تساعد في هذا السياق على خفض الانبعاثات، وحيازة التكنولوجيا الحديثة اللازمة لذلك. وعُد إنشاء هذا الصندوق إنجازاً مهماً، بدلاً من الالتزام الطوعي الذي كان قائماً قبل ذلك. وبصرف النظر عن حصيلة هذا الصندوق غير المعروفة حتى الآن، فإن إقرار مشروعه من حيث المبدأ والموافقة عليه تُعد خطوة مهمة على هذا الطريق الطويل.

والمأمول من "كوب28" في دولة الإمارات أن يستكمل ما أنجزته مصر، سواءً تعلق الأمر بصندوق التعويضات أم بغيره من الإنجازات. ولدى دولة الإمارات فرصة لوضع بصمتها على مسار العمل المناخي، لأنها تمتلك أجندة ومقاربة متعددة المستويات لمكافحة هذه الظاهرة؛ تتضمن تيسير التمويلات للاقتصادات النامية، وتقديم التقنيات اللازمة والضرورية لخفض الانبعاثات الكربونية من الأنشطة كثيفة الاستهلاك للطاقة وفي مقدمتها تقنية احتجاز والتقاط الكربون، خاصة من صناعات الحديد والإسمنت والتكرير والمنتجات البتروكيماوية. وقد بدأت الدولة بالفعل في استخدام هذه التقنية بمشروع "الريادة" الإماراتي لالتقاط 800 ألف طن من الكربون، وسعيها لزيادة احتجاز الكربون إلى 5 ملايين طن عام 2030. ولا شك أن التعاون الإماراتي مع المجتمع الدولي في هذا المجال، قد يساعد في الوصول إلى مرحلة الحياد الكربوني، وهو الهدف المنشود تحقيقه بحلول عام 2050.

وفي ذات السياق أيضاً، تبنت شركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك" عدة مشروعات تستهدف احتجاز الكربون، ورصدت لهذا الهدف موارد مالية مهمة بلغت 15 مليار دولار للحد من الانبعاثات. وبالإضافة إلى ذلك، فإن احتجاز الكربون والتقاطه يرتبط بإمكانية تعدين ثاني أوكسيد الكربون وتحويله إلى صخور بشكل دائم. ويمكن للتعاون الإماراتي الدولي في هذا الصدد المساهمة، من خلال تبادل المعارف والبيانات الجيولوجية والتكنولوجيات الحديثة، في إحداث نقلة نوعية في الجهود الدولية والإقليمية للحد من انبعاث الغازات الدفيئة.

الخلاصة أن مواجهة التغيرات المناخية تحتاج تضافر الجهود الوطنية والإقليمية والدولية كافة، لأنها ظاهرة عابرة للحدود، وتتجاوز إمكانات أية دولة منفردة، وتتطلب مواجهة جماعية من المجتمع الدولي ومؤسساته المختلفة والمتخصصة، والتزام القوى الكبرى بمسؤولياتها الدولية إزاء مصير الكرة الأرضية والوجود الإنساني عليها، وهو هدف نبيل وقيمة عظمى تستحق الأولوية على ما عداها من قيم التفوق والهيمنة والسيطرة.