أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

طرق الأبواب:

أهداف جولة جواد ظريف الآسيوية؟

20 مايو، 2019


 بدأت إيران في التحرك على المستوى الدولي من أجل التواصل مع القوى الدولية المعنية سواء باستمرار العمل بالاتفاق النووي أو بالعلاقات الثنائية معها، وذلك بعد الإجراءات التصعيدية التي اتحذتها للرد على العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية ضدها، وبالتوازي مع الحشد العسكري الأمريكي بالقرب من حدودها. وفي هذا السياق، قام وزير الخارجية محمد جواد ظريف، في الفترة من 12 إلى 17 مايو 2019، بجولة آسيوية شملت كلاً من تركمانستان والهند واليابان والصين، بعد الزيارة التي أجراها إلى روسيا في 8 من الشهر ذاته. لكن هذه التحركات لا يبدو أنها سوف تعزز موقف إيران بشكل كبير في ظل السياسة التصعيدية التي تواصل تبنيها والتي قد لا تتوافق مع مصالح وحسابات تلك القوى ورؤيتها لاتجاهات علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الدولية الأخرى.

اعتبارات عديدة:

يمكن تفسير حرص إيران على التواصل مع تلك القوى في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تجنب التوتر: تحاول إيران عبر تلك الجولة التي قام بها جواد ظريف شرح رؤيتها للإجراءات التي اتخذتها، في 8 مايو الجاري، للرد على العقوبات التي تفرضها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضدها، بالتوازي مع حلول الذكرى الأولى للانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في اليوم نفسه من العام السابق. إذ أعلنت أنها سوف تتوقف عن بيع الفائض من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.67% والماء الثقيل في الأسواق الدولية، حيث يسمح لها الاتفاق بالاحتفاظ بـ300 كيلو جرام من اليورانيوم منخفض التخصيب و130 طنًا من الماء الثقيل. 

وهنا، لا يمكن فصل مسارعة إيران إلى فتح قنوات التواصل مع تلك القوى عن المواقف التي اتحذتها الأخيرة تجاه تلك الإجراءات. إذ كان لافتًا أن الصين حرصت على تأكيد أهمية تنفيذ الاتفاق النووي بشكل كامل باعتبار أن كل الأطراف مسئولة عن تحقيق ذلك. 

 وإذا كان ذلك يعني أن الصين توجه انتقادات مباشرة للولايات المتحدة الأمريكية بسبب انسحابها من الاتفاق النووي وإعادتها فرض عقوبات على إيران، فإنه يعني أيضًا، وربما يكون ذلك هو الأهم، أنها حريصة على تبني موقف حذر تجاه التداعيات التي يمكن أن تنتجها الإجراءات التي اتخذتها إيران، باعتبار أنها لن تعزز احتمالات مواصلة العمل بالاتفاق النووي، خاصة أن إيران تحاول عبر تلك الإجراءات ممارسة ضغوط مضادة عبر التلويح باستئناف أنشطتها النووية الخاصة بتخصيب اليورانيوم وإنتاج الماء الثقيل.

وبمعنى آخر، فإنه رغم أن الصين أعلنت "تفهمها" موقف إيران، ودعمها للأخيرة لـ"حماية حقوقها الشرعية"، خلال اللقاء الذي جمع ظريف ونظيره الصيني وانغ يي في بكين في 17 مايو الجاري، إلا أن هذا الموقف قد يكون مؤقتًا، لحين تبلور معطيات جديدة ربما تدفع الصين إلى إجراء تغييرات فيه باتجاه الابتعاد نسبيًا عن الموقف الإيراني. 

وهنا، فإن المتغير الأهم الذي قد يؤثر على موقف الصين المؤيد للإجراءات الإيرانية يتمثل في الخطوات التصعيدية التالية التي يمكن أن تتحذها طهران في مرحلة ما بعد 8 يوليو القادم، موعد انتهاء مهلة الستين يومًا التي منحتها للقوى الدولية من أجل الاستجابة لمطالبها الخاصة برفع مستوى التعاملات البنكية والتجارية معها للاستمرار في العمل بالاتفاق النووي.

ففي هذه الحالة، سوف توجه تلك الإجراءات ضربة قوية للاتفاق النووي، خاصة أنها ستؤدي إلى إفراغه من مضمونه، باعتبار أن إيران سوف تقدم على رفع مستوى تخصيب اليورانيوم، ربما إلى المستوى السابق الذي وصلت إليه وهو 20%، وإعادة تشغيل مفاعل "آراك" الذي يعمل بالماء الثقيل ويمكن أن ينتج البلوتونيوم. وقد هدد رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيراني علي أكبر صالحي، في 8 مايو الحالي، باستئناف عمليات التخصيب لمستوى 20% في غضون 4 أيام فقط.

2- توسيع نطاق التعاون: ما زالت إيران تُعوِّل على أن العلاقات الثنائية مع بعض الدول، مثل الصين والهند، يمكن أن تساعدها في التعامل مع التداعيات التي تفرضها العقوبات الأمريكية. وبمعنى آخر، فإن إيران تحاول في الوقت الحالي تعزيز فرص استمرار التعاملات التجارية، خاصة في مجال الطاقة، مع تلك الدول، للحيلولة دون نجاح الإجراءات التي تتخذها الإدارة الأمريكية في تحقيق أهدافها، خاصة فيما يرتبط بتقليص مستوى الصادرات النفطية.

ورغم أن طهران تعتبر، فضلاً عن اتجاهات أخرى، أن محاولات واشنطن "تصفير" صادراتها النفطية تواجه عقبات عديدة، لا سيما في ظل الآليات التي تستخدمها للتعامل مع ذلك، والتي اكتسبت خبرة استخدامها خلال مرحلة العقوبات الدولية، خاصة في الفترة ما بين عامى 2012 و2015، فإن أهداف طهران لا تنحصر في ذلك، إذ أن الأهم بالنسبة لها هو ضمان تصدير أكبر قدر ممكن من الصادرات النفطية، باعتبار أن تخفيض مستواها ينتج مشكلة لا تستطيع إيران التعامل مع تداعياتها في المرحلة الحالية، لا سيما أنها تُعوِّل على عوائد تلك الصادرات بشكل كبير، حتى وإن كان حصولها على تلك العوائد يواجه بدوره عقبات عديدة في ظل العقوبات الأمريكية.

ولذا، كان لافتًا أن الجولة الآسيوية التي قام بها ظريف شملت 3 من أكبر 4 مشترين للنفط الإيراني في القارة الآسيوية، وهى الصين والهند واليابان، وأنها توازت أيضًا مع ما كشفت عنه تقارير عديدة، في 16 مايو الجاري، من قيام إيران بمواصلة صادراتها من الطاقة إلى الصين، حيث أشارت إلى أن ناقلة تحمل نحو 130 طنًا من زيت الوقود الإيراني أفرغت حمولتها في صهاريج للتخزين في مدينة تشوشان الصينية، وهو ما دفع وزارة الخارجية الأمريكية إلى تأكيد أن "الولايات المتحدة الأمريكية تأخذ على محمل الجد الانتهاكات المزعومة للعقوبات الإيرانية وستتخذ إجراءات إذا لزم الأمر".

3- ظهير دولي: يبدو أن إيران لا تستبعد أن يتم نقل ملفها النووي من جديد إلى مجلس الأمن، لإعادة استصدار العقوبات الدولية التي تعرضت لها قبل الوصول للاتفاق النووي. وهنا، فإن إيران ربما تسعى إلى الاستناد لظهير دولي يمكن أن يساعدها في تقليص حدة الضغوط التي تتعرض لها على المستوى الدولي. وقد كان لافتًا أيضًا أن الرئيس حسن روحاني حذر، في الرسالة التي وجهها إلى القوى الدولية، في 8 مايو الجاري، من "رد حاسم" في حالة ما إذا تم نقل الملف الإيراني إلى مجلس الأمن. 

ومع ذلك، فإن هذه المحاولة قد لا تعزز موقف إيران كثيرًا، لا سيما أن أى خطوات قد تتخذها دول مثل الصين وروسيا، للحيلولة دون تعرض إيران لمستوى أعلى من الضغوط الدولية سوف تواجه عقبات عديدة، خاصة أن ذلك سيرتبط بحساباتها مع الأطراف الأخرى المعنية بهذا الملف، وبما يمكن أن تؤول إليه النقاشات التي ستجري بينها، وفقًا لما نص عليه الاتفاق النووي، في حالة ما إذا اتخذت إيران إجراءات تصعيدية جديدة خاصة برفع مستوى التخصيب إلى 20% وإعادة تشغيل مفاعل "آراك" على غرار ما كان قائمًا في مرحلة ما قبل الوصول للاتفاق النووي.

من هنا، يمكن القول إن إيران سوف تواصل مساعيها لتعزيز موقفها على الساحة الدولية، استباقًا للإجراءات العقابية الجديدة التي يمكن أن تتخذها الإدارة الأمريكية في المرحلة القادمة، بسبب رفضها الاستجابة لدعوتها بإجراء مفاوضات جديدة ومحاولاتها الالتفاف على تلك الإجراءات.