أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

محددات جديدة:

علاقات الصين وإيران في ظل الصفقة النووية

12 يونيو، 2014


تمتعت إيران بعلاقات تاريخية وثيقة مع الصين في شتى المجالات، حتى إن الصين كانت هي المدافع الأكبر عن طهران في كافة مراحل الصراع الإيراني ـ الغربي بشكل فاق الدعم الروسي لإيران، وبدا ذلك واضحاً في المفاوضات التي تجري بين إيران والقوى الكبرى حول برنامج إيران النووي منذ عام 2004.

بيد أن إمكانية التوصل لصفقة إيرانية مع الولايات المتحدة حيال برنامجها النووي، بما يرتبه ذلك من انفتاح إيراني على الغرب والاستثمارات الغربية، ربما يترك بعض الآثار بالنسبة للعلاقات الصينية ـ الإيرانية التي سوف تتشكل مستقبلا وفق عامل سيزداد أهمية يرتبط بطبيعة مصالح كلتا الدولتين مع الولايات المتحدة والدول الغربية.

مصالح إيرانية:

يكتسب تطوير العلاقات بين إيران والصين أهمية خاصة بالنسبة لإيران، نظراً لمجموعة من الاعتبارات أبرزها:ـ

أولاً: إن الصين تمثل الشريك التجاري الأول بالنسبة لإيران، حيث وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 45 مليار دولار سنوياً، حسبما أشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، خلال مشاركته في مؤتمر "التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا"، الذي عقد في شنغهاي يوم 22 مايو 2014.

ثانياً: إن تفعيل التعاون مع الصين من شأنه توسيع هامش الخيارات وحرية الحركة أمام إيران على المستوى الدولي، بما يحول دون اعتمادها على ظهير دولي واحد مثل روسيا، إذ إن العلاقات الوثيقة التي تربط إيران وروسيا لم تمنع اتساع نطاق الخلافات القائمة بينهما، والتي بدت جلية في عزوف روسيا عن تسليم إيران صفقة صواريخ "إس ـ 300" للدفاع الجوي بعد ضغوط أمريكية وإسرائيلية، فضلاً عن عدم التوافق حول ثروات بحر قزوين.

ثالثاً: إن تحسين العلاقات بين الطرفين يمكن أن يدعم موقع إيران في المستقبل، لاسيما في حالة التوافق على إحياء  "طريق الحرير القديم" الذي كان يربط آسيا بالشرق الأوسط وأوروبا، باعتبار إيران تمثل "همزة وصل محتملة" بين تلك المناطق، وهو ما عبر عنه الرئيس روحاني خلال لقائه الرئيس الصيني جين بينج، بقوله: "إن إيران يمكن أن تشكل جسراً يربط بين الصين والشرق الأوسط".

رابعاً: إن الصين تتبنى سياسة تتوافق مع مصالح إيران في بعض القضايا، على غرار سياستها إزاء الأزمة السورية، حيث حالت أربع مرات دون تعرض نظام بشار الأسد إلى إدانة أو عقوبات دولية من قبل مجلس الأمن الدولي باستخدام حق الفيتو، كان آخرها في 22 مايو 2014، عندما رفضت مشروع قرار قدمته فرنسا لإحالة الجرائم في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية.

خامساً: إن إيران تسعى إلى تأسيس شراكة دولية في مجال مكافحة الإرهاب والجرائم المنظمة، ومن هنا استغلت فرصة انعقاد منتدى "التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا"، لكسب مزيد من الدعم الدولي للاقتراح الذي قدمته في هذا الصدد، وهي خطوة متعمدة تهدف إلى توسيع هامش التوافق مع القوى الكبرى، تمهيداً لمرحلة ما بعد التوصل إلى تسوية محتملة لأزمة الملف النووي الإيراني.

ويمكن القول إن إيران تسعى إلى تحييد الملفات الخلافية لصالح الملفات التوافقية في علاقاتها مع الغرب، استثماراً للنجاح المحتمل الذي يمكن أن يتحقق في الملف النووي، بشكل يمكن أن يفرض تداعيات إيجابية على مصالحها في الإقليم، باعتبارها، وفقاً لهذه الرؤية، شريكاً مهماً للدول الكبرى في مجال مكافحة الإرهاب.

عقبات عديدة:

ومع ذلك، فإن إيران تتعامل بحذر مع الصين، أي أنها لا تعول على ما يمكن تسميته بـ"الخيار الصيني" بشكل كامل لأسباب متعددة أيضاً، منها أن الصين تسعى دوماً لاحتواء أية تداعيات سلبية لتقاربها مع إيران على علاقاتها مع الغرب، وبالتحديد مع الولايات المتحدة، وهو ما بدا جلياً في تعمدها خفض وارداتها من النفط الإيراني، استجابة للضغوط التي تفرضها واشنطن للالتزام بالعقوبات الدولية المفروضة على إيران.

ورغم أن الواردات الصينية من النفط الإيراني قد عاودت ارتفاعها في الأشهر الأخيرة، لتقترب من المستويات التي كانت موجودة قبل العقوبات الدولية، حيث وصلت إلى 552.6 ألف برميل نفط يومياً في فبراير 2014، بالتوازي مع تطبيق اتفاق جنيف النووي، إلا أن ذلك لا ينفي أن إيران أصبحت مدركة أن الأولوية بالنسبة للصين تتمثل في علاقاتها ومصالحها مع الغرب.

ومن هنا، تعمدت إيران توجيه رسالة شديدة اللهجة إلى بكين، عندما قامت بفسخ التعاقد مع مؤسسة النفط الوطنية الصينية (سي.ان.بي.سي)، لتطوير حقل "آزاديجان" النفطي، في 30 أبريل 2014، احتجاجاً على تقاعس المؤسسة عن بدء العمل به رغم المطالبات الإيرانية العديدة في هذا السياق.

ويعود حرص بكين على إبطاء العمل في الحقول النفطية الإيرانية إلى سعيها لتجنب تصعيد التوتر في العلاقات مع الولايات المتحدة، فضلاً عن حرصها على الحصول على فرص استثمارية في مناطق أخرى على غرار الولايات المتحدة نفسها وأستراليا وغيرها.

لكن الملحوظ في هذا السياق، هو أن إيران لم تقدم على تلك الخطوة إلا بعد وصولها إلى اتفاق جنيف النووي، وهو ما يثبت أنها لم تتحرك لفرض تغييرات معينة في مسار علاقاتها مع الصين إلا مع تزايد احتمالات إبرام صفقة نووية نهائية مع الغرب، التي سوف توسع على الأرجح من هامش الخيارات المتاحة أمامها في مجال جذب الاستثمارات لقطاعها النفطي، الذي يتعرض لأزمات عديدة بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليه منذ فترة طويلة.

بعبارة أخرى تحاول إيران من خلال ذلك تشجيع الشركات الكبرى في الغرب على الاستثمار في قطاعها النفطي، من خلال تقليص حصة الشركات الصينية في هذا المجال، وفي الوقت نفسه إجبار الأخيرة على الالتزام بتعاقداتها، تجنباً لخسارة مزيد من الفرص الاستثمارية في السوق الإيرانية، لاسيما في حالة الوصول إلى تسوية نووية.

خيارات صينية:

في مقابل ذلك، فإن الصين لديها خيارات أخرى في المنطقة، وتبدو حريصة على عدم الارتكان إلى "الخيار الإيراني" فقط، فقد دفعتها العقوبات الدولية المفروضة على إيران، فضلاً عن التهديدات المتكررة من جانب الأخيرة بإغلاق مضيق هرمز في حالة نشوب مواجهة عسكرية، ومن ثم التأثير على إمدادات وأسعار الطاقة العالمية، إلى البحث عن شركاء آخرين في المنطقة، وهو ما انعكس في ارتفاع حجم التبادل التجاري بين الصين ودول الخليج العربية من 68 مليار دولار في عام 2009، إلى 165.3 مليار دولار في عام 2013، بما يضع دول الخليج في المرتبة الثامنة ضمن قائمة الشركاء التجاريين للصين، كما استوردت بكين حوالى 99.12 مليون طن من النفط الخام من دول الخليج في العام نفسه.

وأكدت الجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي بين الصين ودول الخليج بالعاصمة بكين في 17 يناير 2014، ضرورة الإسراع في إنشاء منطقة التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون، واستدعت بكين في الاجتماع الوزاري السادس لـ"المنتدى العربي الصيني" في بكين في 5 يونيو 2014 - وهو أحد المنتديات التي تسعى من خلالها الصين إلى زيادة حجم التبادل التجاري من 240 مليار دولار في عام 2013 إلى 600 مليار دولار خلال الأعوام العشرة القادمة - مبادرة "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" التي طرحها الرئيس الصيني جين بينج في عام 2013، لتطوير العلاقات الاقتصادية بين الصين ودول منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا وأوروبا.

كما تبدو روسيا بديلاً آخر مهماً بالنسبة لإمدادات الطاقة للصين، لاسيما بعد وصول صادرات النفط الخام الروسية للصين إلى 713 ألف برميل يومياً، وهو مستوى ربما يكون مرشحاً للارتفاع، خاصة بعد توصل الدولتين في 21 مايو 2014 إلى اتفاق بقيمة 400 مليار دولار، تصدر بمقتضاه روسيا 38 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً إلى الصين لمدة 30 عاماً، في تطور يبدو أنه ستكون له تداعيات مهمة على إيران ودول الخليج خلال المرحلة القادمة.