أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

مأزق ماكرون:

خيارات التعامل مع تجدد المظاهرات ضد قانون "الأمن الشامل"

07 فبراير، 2021


يواجه ماكرون مأزقًا سياسيًا صعبًا في أعقاب تجدد الاحتجاجات الرافضة لمشروع قانون الأمن الشامل الذي يُجرِّم ويضع غرامات على تصوير قوات الأمن في الاحتجاجات، ويسمح باستخدام الطائرات المسيَّرة والكاميرات بغرض الرقابة أثناء التظاهرات. ففي حين تؤكد الحكومة ضرورة هذا القانون لحماية عناصر الشرطة أثناء تأدية عملها؛ يصف المعارضون القانون بأنه ينتهك حريات المواطنين، ويؤسس لرقابة جماعية، الأمر الذي يضع ماكرون أمام خيارات محدودة وصعبة في التعامل مع هذه الأزمة. 

دوافع تجدد الاحتجاجات: 

بدأت الاحتجاجات الفرنسية ضد قانون الأمن الشامل منذ 17 نوفمبر 2020، وانضم إليها غالبًا ناشطون في "السترات الصفراء"، وتخللتها صدامات مع الشرطة، خصوصًا في باريس. وجرى أكبرها في 28 نوفمبر؛ إذ ضمت 500 ألف شخص بحسب المنظمين، و133 ألفًا وفق الحكومة. وفي 30 يناير 2021 تجددت المظاهرات مرة أخرى برغم الإجراءات الاحترازية المفروضة ضد فيروس (كوفيد-19)، بدعوة من مجموعة منظمات مثل: الرابطة من أجل حقوق الإنسان، ومنظمة العفو الدولية، فضلًا عن نقابات ومنظمات وصحفيين ومخرجين وغيرهم.

وتُثار غالبية الاعتراضات على المادة 24 من القانون، وكذلك على المادتين 21 و22؛ إذ تنص المادة 24 على "منع وتجريم التقاط صور وفيديوهات لقوات الأمن وهي تؤدي عملها، بنية فضح تجاوزاتها والتشهير بها في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، مثلما جرت العادة خلال قمع الاحتجاجات". كما يبيح القانون في مادتيه 21 و22 "استخدام الطائرات المسيرة والكاميرات في الفضاء العام من قبل الشرطة بغرض المراقبة". في هذا الإطار يُمكن الإشارة إلى عدة دوافع وراء تجدد المظاهرات، لعلَّ أبرزها:

1- تأكيد الرفض المجتمعي: حيث يثير القانون، الذي تبنَّته الجمعية الوطنية "الغرفة السفلى للبرلمان الفرنسي"، انتقادات حادة من التيار اليساري والصحفيين والمنظمات الحقوقية غير الحكومية، فضلًا عن آلاف المواطنين الذين أبدوا انتقادهم لمحاولة الحكومة حماية الشرطة على حساب دولة القانون؛ إذ ينص القانون على عقوبة بالحبس سنة وبغرامة قدرها 45 ألف يورو لبث صور لعناصر من الشرطة والدرك بدافع "سوء النية".

2- حماية الحريات الأساسية: إذ يعتبر المعارضون أن القانون يحد من حرية الصحافة، ومن حرية التعبير والتظاهر، بل إنه يؤسس لنوع من الرقابة الجماعية على المواطنين، وهو ما تَعزز بعد نشر تسجيل يُظهر تعرّض "شرطي أبيض" لمؤلف موسيقي أسود بالضرب والاعتداء في الاستديو الخاص في 21 نوفمبر 2020، وهو ما كان دافعًا لاستمرار الاحتجاجات.

3- تراجع الثقة في ماكرون: فقد أعلنت الحكومة الفرنسية في 30 نوفمبر الماضي، على لسان رئيسها جان كاستيكس، استعدادها لمراجعة صياغة المادة 24 من القانون، وتركت هذه المسؤولية للبرلمان. ومن ناحية أخرى، سعى ماكرون إلى تهدئة الرأي العام في ديسمبر الماضي عبر التنديد بالعنف الممارس من قبل بعض عناصر الشرطة، لكنّ ذلك لم يُثنِ المواطنين عن استمرار التظاهر، وهو ما يعبِّر عن تراجع ثقتهم بشكل كبير في ماكرون وقراراته السياسية.

أهداف حكومية:

تؤكد الحكومة الفرنسية أنه تمت إساءة فهم نص القانون من جانب الصحفيين والجمهور، وهو ما كان دافعًا لهذه الاحتجاجات، كما تشير إلى أن القانون المقترح ضروري لأن عناصر الشرطة أصبحوا أهدافًا للهجمات وحملات الكراهية والدعوات إلى العنف ضدهم على وسائل التواصل الاجتماعي مع كشف تفاصيل من حياتهم الخاصة، وهو ما يُقيِّد عملهم، خاصة ضد العناصر المخربة التي تندس وسط المظاهرات. بيد أن الأهداف الحكومية من مشروع القانون تظل موضع شك وتحفظ كبيرين، خاصة أنه ربما يستهدف هذا القانون تحقيق أهداف أخرى غير معلنة، يمكن إبرازها في النقاط التالية:

1- تحجيم التظاهرات: حيث أضحت المظاهرات في فرنسا مشهدًا معتادًا ومتكررًا منذ نوفمبر 2018 حينما بدأت احتجاجات "السترات الصفراء" ضد سياسات الحكومة فيما يخص الوقود. وخلال يناير 2021، كان مقررًا حوالي 80 مظاهرة في البلاد لأسباب مختلفة منها: الحق في الحصول على المعلومات، وضد عنف الشرطة، ومن أجل حرية التظاهر وضد الرقابة الجماعية.

ومن ثم فإن تطبيق هذا القانون من شأنه أن يُقوِّض مساحة الفوضى التي تنتج عن هذه المظاهرات والتي يتخلل أغلبها اشتباكات مع قوات الأمن الفرنسية، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تعطيل الحياة العامة، والتأثير السلبي على الأوضاع الاقتصادية للبلاد.

2- منع صعود الحركات الاحتجاجية: إذ يبدو أن الخبرة السلبية لدى ماكرون وحكومته في إدارة أزمة مظاهرات "السترات الصفراء"، كان لها دور في السعي لتطبيق مشروع قانون الأمن الشامل؛ وهو ما يعني أن الحكومة تسعى لتجنب ظهور حركات احتجاجية جديدة على غرار حركة "السترات الصفراء"، بهدف توسيع مساحة حريتها (أي الحكومة) في تمرير القرارات والقوانين التي تراها في مصلحة الدولة دون اعتراضات شعبية، واستعادة سيطرتها على الشارع الفرنسي.

3- تحسين صورة "ماكرون": فإذا ساهم تمرير هذا القانون في الحد من التظاهرات المتكررة في الشوارع اعتراضًا على سياسات الحكومة، فسيكون لذلك صدى إيجابي على المستوى الداخلي؛ حيث سيرضي أنصار اليمين الذين استفاد منهم ماكرون في الوصول للسلطة عام 2017، وكذلك على المستوى الخارجي أمام قادة الدول الأخرى بما يُقوِّض الدور الفرنسي عالميًا، مثلما حدث بين بوتين وماكرون في أغسطس 2019 حينما سُئل بوتين عن قمع السلطات الروسية المظاهرات المطالبة بالديمقراطية، ورد بأن ما جرى في بلاده "لا يختلف كثيرًا عن أعمال العنف التي رافقت احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا".

خيارات ماكرون:

إذا كان ماكرون يريد تحسين صورته الداخلية والخارجية واستعادة سيطرته عبر قانون الأمن الشامل، فيبدو أن الأمر انقلب عليه؛ إذ إنه يواجه حاليًا مأزقًا سياسيًا حرجًا قد يؤثر على حظوظه في الحصول على فترة ثانية في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

فنتيجة لهذه الاحتجاجات المتجددة ضد القانون، يجد الرئيس الفرنسي ماكرون نفسه أمام خيار صعب وحساس للتفاوض على مخرج من الأزمة؛ إذ إنه محاصر من قاعدتين انتخابيتين أوصلته لكرسي الرئاسة في فرنسا: قاعدة احتجاجية يسارية ترفض القانون، وأخرى يمينية تدعمه بقوة. 

ففي اليسار، يتفق الحزب الاشتراكي والخضر واليسار المتطرف على التنديد بتشديد الحكومة قبضتها الأمنية، وتطالب تلك التيارات بسحب مشروع قانون "الأمن الشامل". وفي تيار اليمين المتطرف، نددت مارين لوبن "بالفوضى المتكررة" في فرنسا، ووصفت الحكومة بأنها "فقدت السيطرة"، وأثبتت أنها "متهاونة" مع ناشطي اليسار المتطرف.

ومع اقتراب موعد نظر مجلس الشيوخ في قانون الأمن المقترح في مارس المقبل، وبالتزامن مع استمرار المظاهرات الرافضة للقانون؛ لم يعد أمام ماكرون سوى إعادة النظر في القانون المقترح عبر خياريْن أساسيَّيْن، وهما كالتالي:

1- إلغاء مشروع القانون أو عدم تنفيذه: وهو ما يطالب به النشطاء والمتظاهرون، نظرًا لكون القانون ينتقص من الحريات الأساسية للمواطنين. ويتم ذلك عن طريق إعلان الحكومة رفضها لمشروع القانون، وعدم تنفيذه، وهو ما سيدفع إلى إيقاف المناقشات الجارية حوله، ووقف التصديق عليه في مجلس الشيوخ.

وبرغم مطالبة المتظاهرين بهذا الأمر، إلا أنه من غير المرجح أن تتراجع الحكومة عن تنفيذ القانون برمته لما له من تداعيات سلبية على استمراريتها، لكونه سيؤدي إلى إضعاف الثقة بها، كما سيؤدي إلى اهتزاز شرعيتها وقدرتها على اتخاذ القرارات. 

2- تعديل القانون دون إلغائه: وذلك عبر حث الأغلبية البرلمانية التابعة لحزب ماكرون "الجمهورية للأمام" على تشكيل لجنة لإعادة صياغة المواد الخلافية في القانون وخاصة المواد (21 -22) بحيث تضع شروطا أكثر، سواء لاستخدام الطائرات المسيَّرة في مراقبة المظاهرات، وأن تضع لها حدودًا واضحة ترضي الرأي العام، فضلًا عن تعديل المادة (24) الخاصة بتصوير عناصر الشرطة أثناء تأدية عملها بما يضمن عدم تجاوز عناصر الشرطة في عنفها ضد المتظاهرين.

ويعني ذلك التعديل العودة إلى النص الأساسي لمشروع القانون في بدايته؛ حيث كان ينص على فرض عقوبات على من تصفهم الحكومة بـ"مفتعلي الشغب"، قبل أن تُلحق به الحكومة فقرة تتعلق "بحماية مسؤولي الشرطة والجيش والأمن" في إطار مشروع قانون "الأمن الشامل".

وبرغم أن هذا الخيار لن يُرضِي التيارات اليمينية المتطرفة بشكل كامل لكونها ستعتبره تراجعًا من الحكومة تحت ضغط الشارع، وعلى حساب الأمن القومي للدولة، وفي الوقت ذاته ستعطي استجابة الحكومة لمطالب المعارضين فرصة لممارسة المزيد من الضغط لإلغاء القانون تمامًا؛ إلا أنه سيظل أنسب الخيارات في هذا الوضع المتأزم، تجنبًا لتفاقم الأمر في الأيام المقبلة مع اقتراب موعد تصديق مجلس الشيوخ على مشروع القانون.

وفي جميع الحالات، ليس من شك أن الخياريْن كلاهما مُرّ بالنسبة لماكرون، وأن أي مسار سيسلكه سواء بتعديل القانون أو الاستمرار فيه كما هو سيؤدي بالتبعية إلى إضعاف فرصه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، خاصة في ظل تزايد الأوضاع الداخلية اضطرابًا، واتساع فجوة الثقة بين الأجهزة الأمنية والمواطنين مع تزايد وتنوع المظاهرات في فرنسا في السنوات الأخيرة.