أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

تطور الاشتباك:

أهداف الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا

25 نوفمبر، 2020


تبنت إسرائيل، بشكل رسمي، الغارات الجوية التي استهدفت مواقع في الجنوب السوري، وكان آخرها في 25 نوفمبر الجاري، في سابقة غير معتادة، حيث أعلنت أنها تضم مستودعات ومراكز قيادة ومجمعات عسكرية وبطاريات صواريخ أرض- جو، مبررة ذلك بأنه يأتي رداً على عملية تم إحباطها للجيش السوري، بتوجيه إيراني، على الحدود بين الطرفين. كما أعلنت تل أبيب عن تشغيل منظومة القبة الحديدية متوقعة هجوماً مضاداً من الجانب السوري. في المقابل، أصدر الجيش السوري بياناً حول الهجمات أشار فيه إلى أن الخسائر التي تعرضت لها المواقع في ريف دمشق والقنيطرة مادية دون إيضاح طبيعتها، فيما كشفت مصادر سورية أخرى عن سقوط قتلى سوريين وإيرانيين في تلك العمليات. 

ومنذ بداية الأزمة السورية عام 2011، استهدفت إسرائيل عشرات المواقع بمئات الضربات الجوية وفقاً لتقارير إسرائيلية، على نحو يشير إلى أنها لا تستهدف أفراد الجيش السوري أو العناصر الإيرانية بشكل مباشر وإنما تستهدف البنية التحتية العسكرية السورية والإيرانية في سوريا، دون الإعلان عن تلك الضربات. 

إلا أن الاعتراف بالضربات الأخيرة وبثها إعلامياً يمثل توجهاً جديداً يتماشى مع الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية ووفق ما أعلن عنه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي قال في 18 نوفمبر الجاري: "لن نسمح لإيران بترسيخ نفسها عسكرياً في سوريا ضدنا، ولن نسمح بأى محاولة لمهاجمتنا من سوريا"، وهى الرسالة نفسها التي كررها الناطق باسم الجيش الإسرائيلي هيداي زيلبرمان في أعقاب الهجمات الأخيرة. 

دوافع متغيرة: 

تكشف تصريحات نتنياهو على هذا النحو مؤشراً جديداً يتعلق بالدوافع. إذ يمكن القول إن إسرائيل في السابق كانت تعتمد استراتيجية "الضربات الاستباقية" التي تستهدف منع ترسيخ الوجود العسكري الإيراني، إلا أن ثمة متغيراً جديداً طرأ على الساحة في المرحلة الحالية، يتعلق بتحول الحدود الإسرائيلية إلى هدف لهجمات مضادة، لاسيما في ضوء العملية التي أعلن عنها الجيش الإسرائيلي، قبل أيام، والخاصة بإزالة ثلاثة ألغام مضادة للأفراد من نوع "كليمور" على الشريط الحدودي في الجولان. فيما أشار زيلبرمان إلى أنها ليست المرة الأولى التي تتم فيها زراعة ألغام من هذا النوع في تلك المواقع بتوجيه من فيلق القدس الإيراني. 

رسائل متبادلة: 

حرصت إسرائيل على أن تُظهِر الدور الإيراني في تلك العمليات، فضلاً عن التعاون المشترك بين إيران والنظام السوري في عمليات زراعة العبوات الناسفة، حيث أكدت أنها قصفت مجمعاً عسكرياً يستخدمه "فيلق القدس"، ومركز قيادة للفرقة السابعة للجيش السوري.

 لكن على الجانب الآخر، تعكس هذه المواجهة التوسع الإسرائيلي في الهجمات التي استهدفت 8 مواقع، بالإضافة إلي بطاريات صواريخ سورية. ففي أغلب العمليات السابقة، كانت إسرائيل تهاجم أهدافاً متحركة لنقل أسلحة أو بنية عسكرية كمخازن أسلحة ومواقع تقول أنها إيرانية غالباً ما كانت تحت الإنشاء، وبالتالي يمكن القول إن الضربة الأخيرة هى الأكبر من نوعها مقارنة بالعمليات السابقة.

 ووفق هذا السياق، يبدو أن الطرفين باتا يعتمدان على تبادل رسائل في الاتجاهين. فبينما ترتكز الأهداف السورية – الإيرانية على نقل التصعيد إلى الجبهة الجنوبية، لأهداف عديدة، ربما منها مد جبهة المواجهة مع إسرائيل على استقامتها من لبنان إلى سوريا، يأتي التصعيد الإسرائيلي المضاد للحيلولة دون تنامي التواجد الإيراني أو تعزيز القدرات السورية على تلك الجبهة، حيث لم تستهدف البنية التحتية فقط وإنما استهدفت منظومة دفاع، في مؤشر لافت على زيادة مستوى التصعيد، الذي لم يعد يقتصر على مجرد الرد، إذ توالت الهجمات الإسرائيلية على سوريا مرتين في غضون أسبوع تقريباً، وهو معدل غير مسبوق. 

معادلة جديدة: 

على الجانب الآخر، يبدو أن هناك توجهاً سورياً مختلفاً في التعامل مع الجانب الإسرائيلي، فلم تكن عمليات زراعة الألغام الأرضية معهودة، على نحو ما يتبعه حزب الله اللبناني والمليشيات العراقية تجاه القوات الأمريكية في العراق. ويشير هذا المتغير أيضاً إلى تكتيك جديد من الواضح أنه يعتمد النمط الإيراني الشائع في العمليات، لكن اعتماده مؤخراً يكشف بالتبعية أنه قد يكون الأسلوب المفضل لدى إيران في المرحلة الحالية تجاه إسرائيل بعد فشل محاولات سابقة سعت فيها الأولى إلى اختبار استخدام سلاح الطائرات المُسيِّرة على تلك الجبهة لتغيير ميزان القوى السائد فيها.

 ففي إبريل 2017، أعلنت وسائل الإعلام الإسرائيلية اعتراض منظومة "باتريوت" على مرتفعات الجولان طائرة من دون طيار سورية، بعد استهداف إسرائيل لموقع عسكري في سوريا قالت أنه مخزن أسلحة تابع لحزب الله. كما اعترفت إسرائيل بإسقاط الدفاعات السورية لطائرةF-16  في فبراير 2018، وقال رئيس الأركان الإسرائيلي آنذاك غادي أيزنكوت أن الإيرانيين لا يملكون الجرأة على الوصول إلى حدود الجولان بفضل الضربات الإسرائيلية.

 لكن المسار التالي للهجمات والهجمات المضادة يكشف عن إصرار النظام السوري وحلفائه على التصعيد في تلك الجبهة، في مقابل تأكيد إسرائيلي على رفض وصول إيران إلى حدودها، وبالتالي تتغير معادلة الاشتباك السائدة خلال الأعوام الأخيرة من استيعاب الجانب السوري للضربات الإسرائيلية في عمقه إلى نقل المعركة لخطوط التماس.  

 السيناريو التالي: 

لا يمكن فصل التصعيد على الساحة السورية عن ما يجرى في المسارح العملياتية الإقليمية التي تشكل إيران قاسماً مشتركاً فيها كما في العراق واليمن. ومن ثم، فعلى الأرجح ستستمر المعارك التبادلية بين الطرفين على المدى القريب، مع ضيق المسافات الزمنية فيما بينها وكثافة الأهداف النوعية. 

ولا يبدو أن إسرائيل سوف تحصر هجماتها في المنطقة الحدودية، من منطلق المبدأ الاستراتيجي المعلن، وهو ملاحقة إيران في سوريا بشكل عام، حتى وإن تغيرت الأولويات في بعض الأحيان بنقل التصعيد إلى الجبهة الجنوبية. 

إجمالاً، من المتصور أن إيران تستثمر حضورها على الساحة السورية لتحقيق غايات متعددة، منها إظهار قدرتها على تهديد إسرائيل، وتوظيف موقف النظام السوري في قضية الجولان لهذا الغرض، حتى وإن لم يكن  الأخير على قناعة بالتصعيد مع إسرائيل في المرحلة الحالية التي يركز فيها على اتجاهات مختلفة، إلا أنه يتحمل جانباً من التكلفة الخاصة بالدور الإيراني في سوريا.

 كذلك، لم تظهر مؤشرات توحي بأن روسيا، التي كانت طرفاً أساسياً في السابق ساهم في خفض التصعيد الإسرائيلي ضد سوريا وترتيب الوضع الأمني على خط التماس المشترك مع إسرائيل، انخرطت في الصراع الحالي. لكن من المرجح أنها بصدد اختيار التوقيت المناسب للتدخل، حيث تفضل دائماً أن تكون الطرف الحاضر في كل ما يتعلق بالشأن السوري.