أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

مسارات محتملة:

ملامح الفوضى القادمة في غرب إفريقيا

31 أكتوبر، 2020


استطاعت منطقة غرب إفريقيا منذ القدوم الثاني لإفريقيا في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي أن تقود تحول القارة نحو الديمقراطية، وترسم ملامح ما بات يعرف بالربيع الإفريقي أو التحرر الثاني. ومع ذلك، فإن انقلاب مالي الذي أطاح بالرئيس "إبراهيم كيتا"، وأزمة الانتخابات الرئاسية في كلٍّ من غينيا وكوت ديفوار، وتصاعد حدة المواجهات الشبابية مع قوات الشرطة في نيجيريا؛ قد تفضي جميعها إلى تراجع المكاسب الديمقراطية، وإضعاف الاستقرار والأمن في المنطقة. 

لقد استطاعت الجهود الدولية من خلال بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في كوت ديفوار وجمهورية الكونغو الديمقراطية وليبيريا وسيراليون، المساعدة في إنهاء الصراعات العنيفة التي ارتبطت أساسًا بفساد النخب الحاكمة. كانت الانتخابات أداة أساسية لجهود بناء السلام، والتحول نحو التعددية والانفتاح السياسي، وهو ما أدى إلى وجود قصص نجاح مثل غانا ونيجيريا. بيد أن الانتخابات -بالطبع- ليست سوى بداية لعملية ديمقراطية. ما يحدث بعدها هو الجزء الصعب. يجب حماية الفضاء السياسي والاستماع لكافة الآراء المختلفة كجزء من خطاب عام يُعلي من قيم التوافق والمساءلة. فما الذي حدث خطأ؟ ولماذا تُكرر غرب إفريقيا نفس البدايات الخاطئة؟.

بدايات خاطئة:

لا شك أن آفة الحكم في إفريقيا بعد الاستقلال هي البدايات الخاطئة، وعدم تعلم دروس التاريخ. كان الحلم الذي تصوره "كوامي نكروما" يتمثل في تحقيق المملكة السياسية، وأن يؤدي الاستقلال إلى فترة من التطور الاقتصادي السريع. توقعت النخب الإفريقية أنه مع فك قيود الإمبريالية، سوف يستطيع عملاق إفريقيا النائم توظيف إمكاناته الهائلة التي تم قمعها طيلة سنوات الحكم الاستعماري. على أن هذه الآمال لم تتحقق. انقسمت النخب المثقفة الإفريقية بين تيارات أيديولوجية وافدة لا تعبر عن الأصالة الحضارية الإفريقية. على سبيل المثال، كان "علي مزروعي" في كتاباته المبكرة مناهضًا للإمبريالية ومعاديًا للاستعمار بشدة؛ إلا أن رفضه للرأسمالية لم يكن حاسمًا، فقد صورها -وإن كانت أم الإمبريالية- على أنها أساس الديمقراطية الليبرالية، بمعنى التعددية والمجتمع المنفتح والحريات المدنية. كانت لدى "مزروعي" مشاعر مختلطة حول الديمقراطية الليبرالية. كما رأى "مزروعي" كذلك أن الماركسية في إفريقيا تشكل تهديدًا للأصالة الفكرية لإفريقيا. وبما أن المادية التاريخية هي نظام فكري كامل وليست مجرد دليل للسياسات الاجتماعية، فإن الماركسية نفسها، من وجهة نظر "مزروعي"، كانت شكلًا من أشكال التبعية الفكرية بين الأفارقة المتغربين. لم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث جادل "مزروعي" بأن الماركسية الإفريقية تمثل "تغريبًا مزدوجًا"، وأنه كان من المستحيل أن يكون الإفريقي ماركسيًّا متطورًا دون أن يكون -في الوقت نفسه- شديد التغريب. وخلاصة الأمر بالنسبة لـ"مزروعي"، فإن الماركسي الإفريقي ليس متمردًا ضد الهيمنة الفكرية الغربية، بل هو ضحية لتلك الهيمنة. 

يتكرر الجدل الإفريقي اليوم في ظل جائحة (كوفيد-19) حول جدوى الإصلاح السياسي والسياسات النيوليبرالية التي تم تبنيها في أعقاب مرحلة القدوم الثاني لإفريقيا. ثمة حركات احتجاجات جماهرية يقودها الشباب في مالي وغينيا وكوت ديفوار ونيجيريا. وحتى لو لم تكن هناك ثورات وشيكة في المنطقة، فستكون هناك بالتأكيد عواقب انتخابية. على سبيل المثال، تنخرط كتلة جديدة من الشباب في عالم السياسة النيجيرية بشكل متزايد. لقد كان الرئيس "محمد بوهاري"، البالغ من العمر 77 عامًا والذي يحكم بلدًا نصف سكانه دون سن 19، المستفيد الأكبر من دعم ‏الشباب في فوزه الانتخابي الأول حينما اجتمع تحالف النشطاء الشباب معًا للمساعدة في هزيمة الرئيس السابق "جودلاك جوناثان".‏ فهل ينقلب السحر على الساحر هذه المرة لتكون الانتفاضات التي يقودها الشباب في غرب إفريقيا بداية لميلاد فجر جديد لم تتحدد ملامحه بعد؟. نستطيع الحديث عن أربعة اتجاهات رئيسية من المرجح أن تعيد الصياغة الجيوستراتيجية لمنطقة غرب إفريقيا.

وهْم الديمقراطية المستعارة:

أضحى التلاعب بنتائج الانتخابات وعدم احترام القيود الدستورية التي تحدد ولاية الرئيس بفترتين أحد مظاهر التراجع الديمقراطي في غرب إفريقيا. لقد سعى رئيسا كوت ديفوار "الحسن وتارا" (78 عامًا)، وغينيا "ألفا كوندي" (82 عاما)، لولاية ثالثة بعد تمكنهما من تعديل الدستور في استفتاء شعبي. وعلى الرغم من أن الانتخابات تُجرى بشكل ثابت في جميع أنحاء المنطقة، فإن مثل هذه التحركات والمناورات السياسية، إلى جانب محاولات الحكومات لخنق المعارضة السياسية، تجعل العديد من مواطني غرب إفريقيا يفقدون الثقة في صندوق الاقتراع كوسيلة لمحاسبة القادة وربما يلجؤون للعنف. يؤدي ذلك يقينًا إلى عدم الاستقرار السياسي وتقويض الأمن بشكل أكبر في منطقة تعاني من مخاطر تمدد الجماعات السلفية الجهادية العنيفة.

ولا يخفى أن الشكاوى من افتقار الانتخابات التشريعية في مالي في مارس 2020 إلى المصداقية كان أحد العوامل وراء الانقلاب الذي أطاح بحكم الرئيس "إبراهيم كيتا"، كما أن العبث بقيود الفترة الزمنية الخاصة بالولاية الرئاسية يمكن أن يؤدي أيضًا إلى عدم الاستقرار. لقد أظهرت منطقة غرب إفريقيا بالفعل في عام 2019 أكبر انخفاض في معدلات الحقوق السياسية والحريات المدنية على مستوى العالم، وفقًا لمنظمة الرقابة الأمريكية "فريدوم هاوس"، التي استشهدت بالانتخابات المعيبة في السنغال ونيجيريا والقمع السياسي في بنين.

ويُعد الافتقار إلى العناصر الثقافية الحضارية سببًا قويًّا في أن الديمقراطية على النمط الغربي أدت إلى تشوهات في إفريقيا بدلًا من تحقيق التقدم الموعود. وبدلًا من تكرار تجارب الديمقراطيات الليبرالية الغربية وإصلاحاتها النيوليبرالية، فإن إفريقيا لديها الكثير لتتعلمه من ثقافتها الذاتية. إن خطر الديمقراطية المستعارة أو المستوردة هو أنها قد تحتوي بالإضافة إلى صفاتها المثيرة للإعجاب على عناصر أخرى غير ملائمة قد تكون ضارة بالمجتمع المحلي. وبالتالي، فإن التحدي الذي يواجه النخب الحاكمة في إفريقيا هو كيفية الدراسة الواعية والمستمرة لمختلف المجتمعات الإفريقية للتوصل إلى مبادئ وممارسات ديمقراطية قيّمة يمكن تكييفها لتعكس الأوضاع الإفريقية المعاصرة من أجل حكم وتنمية مستدامة بشكل أفضل.

ثنائية "داعش" و"القاعدة":

يبدو أن تنظيم "داعش" أو ما يعرف باسم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى يخسر لصالح جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بـ"القاعدة"، حيث يخوض كلا الطرفين معركة تكسير عظام من أجل الهيمنة في منطقة الساحل وغرب إفريقيا. ظهر الانقسام والاحتراب العنيف بين تنظيمي "داعش" و"القاعدة" في أواخر عام 2019، وذلك بعد سنوات من التعايش وربما التنسيق المشترك في مسرح العمليات الإرهابية. وقد اشتد القتال منذ ذلك الحين وأوقعت كل مجموعة إصابات وخسائر جسيمة لدى الطرف الآخر. أصدرت ولاية غرب إفريقيا -التابعة لتنظيم "داعش"- في أواخر سبتمبر الماضي مقطع فيديو يشجع مقاتلي جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على الانشقاق والانضمام إلى صفوفها. كما صعدت ولاية غرب إفريقيا من حملتها الإعلامية لتقديم نفسها على أنها قد كسبت المعركة لصالحها على حساب تنظيم "القاعدة". ومع ذلك فإن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تحتفظ بمعاقل لها على الأرض، ولا يتعرض وجودها في مالي لخطر ملموس.

ثمة حالة من الانشقاقات الداخلية داخل التنظيمين عادة ما تحركها دوافع محلية أكثر منها أيديولوجية. فقد شهد فصيل بوكو حرام الذي يتزعمه "أبو بكر شيكاو" انشقاقات لصالح ولاية غرب إفريقيا الداعشية في نيجيريا (عادة ما يطلق "داعش" اسم ولاية غرب إفريقيا على كل من جماعة حوض بحيرة تشاد، والفرع الآخر في الساحل، الذي يحمل كذلك اسم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى). ومن المعروف أن زعيم بوكو حرام "أبو بكر شيكاو" حصل على اعتراف من الدولة الإسلامية في عام 2015، وأعاد تسمية مجموعته لتصبح ولاية غرب إفريقيا. بعد ذلك بعام واحد فقط انفصلت جماعة من بوكو حرام بقيادة "أبو مصعب البرناوي" آنذاك عن جماعة "شيكاو"، وحافظ على لقب ولاية غرب إفريقيا واكتسب اعتراف الدولة الإسلامية، وقد أصبح الفصيل الأكثر قوة. ونظرًا لوحشية هجمات "داعش" واستهدافها الوجود الغربي في المنطقة بكافة أشكاله فمن المرجّح أن تُركز جهود محاربة الإرهاب الدولية عليها مقارنة بجماعة نصرة الإسلام والمسلمين.

ويبدو كذلك أن فصيلَيْ "داعش" (في غرب إفريقيا والصحراء الكبرى) سوف يعززان من قوتهما في العام المقبل، سواء من خلال التنسيق أو تشكيل منطقة عمليات مشتركة عبر جنوب النيجر. ولكن وحشية هجمات "داعش" قد تُفضي إلى تآكل سيطرتها الإقليمية في بحيرة تشاد بسبب ابتعادها عن جهود كسب الشعبي. ومن جهة أخرى، سوف تحتفظ جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بمعقلها في منطقة الساحل على الرغم من الخسائر التي تكبدتها. وسوف تستفيد من تراجع الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب والأزمة السياسية التي تعصف بدول غرب إفريقيا (مالي - غينيا كوت ديفوار)، وهو ما يعني توجيه قوات الأمن نحو العارضة السياسية. ومن المرجّح في ظل هذه الأوضاع السياسية المضطربة وتراجع الجهود الدولية بسبب جائحة (كوفيد-19)، أن تسعى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إلى ترسيخ أقدامها في مجتمعات شمال ووسط مالي، ومن المرجح أن تبدأ في إنشاء مؤسسات للحكم، مثل: المحاكم الشرعية، وديوان الحسبة، في الفترة القصيرة المقبلة.

 تداعيات (كوفيد-19):

طبقًا لتقرير "محمد بن شمباس"، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في منطقة غرب إفريقيا ومنطقة الساحل فإن جائحة (كوفيد-19) سوف تؤدي إلى تفاقم دوافع الصراع الموجودة مسبقًا مع إمكانيات حدوث تداعيات خطيرة على السلام والأمن في غرب إفريقيا والساحل. يقول التقرير: "إن للوباء تأثيرًا سلبيًّا على حقوق الإنسان وسيادة القانون، ويؤثر بشكل غير متناسب على النساء والفتيات، بما في ذلك ما يتعلق بدورهن في التجارة غير الرسمية. كما يلاحظ أيضًا تأثير الوباء على هياكل وأنظمة الحكم، وعمليات الحوار الانتخابي والسياسي، والحالة الإنسانية، والوضع الاجتماعي-الاقتصادي، والالتزامات الإقليمية والمتعددة الأطراف". ومن المعروف أن المنطقة تعاني من عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي والأمني. كما يظل النسيج الاجتماعي في غرب إفريقيا أشبه بالقنبلة الموقوتة التي تنفجر كلما حدثت أزمات بين مجموعات عرقية متصارعة تتقاتل على السلطة.

المشهد السياسي بالغ التعقيد والتشابك، حيث إن الدول ضعيفة، وهناك فجوة عميقة بين المجتمعات الإفريقية وأنظمتها السياسية. ليس من المهم أن تكون الأنظمة السياسية بقيادة مدنية أو عسكرية لأن كل طرف يحاول تطبيق أجندات إصلاحية نيوليبرالية تلبي المطالب الغربية. لقد أدت الجائحة إلى تفاقم الاضطرابات في غرب إفريقيا، حيث خفضت المنظمات الدولية مساعداتها. كما أن الضغوط الاقتصادية التي عانت منها الدول المانحة جعلتها غير قادرة على مساعدة المنطقة مع استمرار الخلاف بين القوى العالمية الكبرى على القيادة المستقبلية. وبسبب هذه العوامل، من المرجح أن تصبح غرب إفريقيا واحدة من أكثر المناطق تضررًا في العالم. حتى في أفضل السيناريوهات، فإن المنطقة تنتظر فترات صعبة.

وسيؤدي تأثير (كوفيد-19) على القوى الخارجية الفاعلة في المنطقة (فرنسا، والدول الأوروبية، والولايات المتحدة) إلى صعود الحركات الاجتماعية المناهضة للغرب، والتي تطالب بتغييرات جذرية من جهة، وعودة ظهور الجماعات المسلحة وانهيار الأنظمة الحاكمة من جهة أخرى. كما أنّ خطة تقليص الوجود العسكري الأمريكي في إفريقيا سوف تؤدي إلى تقويض قدرة السيطرة الفرنسية في المنطقة.

وهذا ما يدفع بالمنطقة إلى حالة من الفوضى العارمة. لقد شهدت المنطقة حركة شعبية متنامية ضد الوجود الغربي في السنوات الأخيرة، حيث تم النظر إلى النخب الحاكمة بحسبانهم عملاء للأنظمة الأجنبية. على سبيل المثال، أدت حركة 5 يونيو ضد حكم الرئيس المخلوع "إبراهيم بوبكر كيتا" في مالي إلى زيادة حدة التوترات بين الجماهير والنظام السياسي، مما أدى إلى تدخل العسكريين والاستيلاء على السلطة. ومن المحتمل انتقال عدوى هذه الحركة إلى مناطق أخرى وسط الأزمة الاقتصادية التي خلفها فيروس (كوفيد-19)، بالإضافة إلى ضعف الأنظمة السياسية. ومن جهة أخرى، من المرجح أن تستغل الجماعات المسلحة هذا الوضع لتعاود الظهور. إذ على الرغم من كونها حركة اجتماعية تطالب بتغيير سياسي في مالي؛ إلا أن حركة 5 يونيو كانت مدفوعة بالمشاعر الدينية وارتضت لنفسها أن تكون تحت قيادة الزعامات الروحية في مشهد يعبر عن موت السياسة في تجلياتها التقليدية. وسوف تنتهز الجماعات السلفية العنيفة الفرصة للوقوف ضد النظام السياسي "العلماني" الذي فشل في حكم البلاد. وهكذا، مع الترويج لهذه الرواية والفراغ الذي خلفه غياب الدولة، ستصبح الجماعات المسلحة أكثر نشاطًا وتأثيرًا في غرب إفريقيا.

زيادة الكوارث الطبيعية:

لعل أبرز الاتجاهات العامة تتمثل في أن الكوارث الناجمة عن المخاطر الطبيعية قد ازدادت حدتها في منطقة غرب إفريقيا، ولا سيما في منطقة الساحل، على مدى العقود الثلاثة الماضية. إن الأزمة الإنسانية في منطقة الساحل، الناجمة عن تغير المناخ والتصحر، وانعدام الأمن الغذائي، وانتشار الأمراض مثل الملاريا والتهاب السحايا والحصبة؛ تؤثر الآن بشدة على أجزاء من بوركينافاسو، وتشاد، ومالي، وموريتانيا، والنيجر، ونيجيريا، والسنغال. وعلى الرغم من تسجيل 154 كارثة في السنوات الخمس الأولى من هذا العقد مقارنة بـ136 كارثة خلال العقدين الماضيين، فإن هذه الزيادة يمكن أن تُعزى إلى عاملين رئيسيين، هما: 1- الاتجاه السلبي لتغير المناخ الذي يؤدي إلى زيادة مدة الجفاف، والفيضانات والمجاعة وغزو الجراد وفشل المحاصيل والأعاصير المدارية وفيضان الشواطئ في المناطق الساحلية بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر.

2- مطالب النمو السكاني والتحضر السريع الذي يؤدي إلى استنزاف الموارد الطبيعية وتدهور البيئة (إزالة الغابات، والرعي الجائر، والتلوث)، وبالتالي خلق مساحة لتآكل التربة والتصحر والأمراض الوبائية. ومما لا شك فيه أن الآثار البشرية والبيئية والمادية لهذه الكوارث قد ازدادت بشكل كبير، مما يشير إلى زيادة مقابلة في ضعف الأمن الإنساني في المنطقة. من اللافت على سبيل المثال، أن لاغوس، التي تحتضن نحو 60٪ من الصناعات في نيجيريا، مصنفة كواحدة من أكثر 20 مدينة عرضة للخطر في العالم.

الطريق إلى المستقبل:

تؤكد الخبرة التاريخية أن عمليات الاحتجاج الشعبي العنيفة تحول بالتأكيد مسارات المد السياسي في أي منطقة. ومع ذلك يكون من الصعب التنبؤ بوجهة المسار الذي يسلكه هذا المد الشعبي. لقد دفعت حركة الاحتجاج وما ترتب عليها من مذبحة شاربفيل في جنوب إفريقيا عام 1960 إلى تكريس سياسات الفصل العنصري، وفرض ما يشبه العزلة الدولية عليها، في حين شكلت ثورة سويتو في 16 يونيو عام 1976 التي استمرت نحو ستة أشهر بداية النهاية لنظام الفصل العنصري. ربما يتطلع البعض إلى الدروس الأخيرة من تجارب زيمبابوي الجزائر والسودان، حيث بلغت الاحتجاجات التي تصاعدت ببطء ذروتها خلال أسابيع في ظل تحالف مجتمعي عريض.

مما أدى -في النهاية- إلى إحداث تغيير في قمة الهرم السياسي. هل ما تشهده غرب إفريقيا يمثّل نقطة تحول سياسي فارقة؟ من الصعب -يقينًا- تجاوز تصاعد الغضب الشعبي، وتزايد عجز الدولة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي التي تساعد على نقل الصورة مرارًا وتكرارًا للجماهير التواقة للتغيير. وفي ظل تصاعد حدة عمليات العنف الهجين، وتزايد مخاطر الكوارث الطبيعية والصحية؛ يصبح مستقبل المنطقة -ولا سيما الساحل الإفريقي- محفوفًا بالمخاطر.