أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

توسع الهيمنة:

دلالات فوز أردوغان وحزبه في الانتخابات التركية

25 يونيو، 2018


نجح الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" وتحالف الشعب الذي يضم حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، في الفوز بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أُجريت في 24 يونيو 2018، وهي أول انتخابات تجري في ظل النظام الرئاسي الجديد الذي تم إقراره في استفتاء أبريل 2017. فوفقًا للنتائج الأولية، حصل الرئيس التركي "أردوغان"، على نسبة 52.5% من الأصوات ليفوز بولاية رئاسية ثانية، في حين حاز تحالف الشعب على الأغلبية البرلمانية بنحو 343 مقعدًا من أصل 600 مقعد بعد حصوله على نسبة 53.6% من الأصوات. ورغم فوز تحالف الشعب بالأغلبية البرلمانية، إلا أنه بالنظر إلى نتائج حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية المنضويين تحت التحالف بصورة منفصلة، نجد تراجعًا كبيرًا في شعبية حزب العدالة والتنمية بنسبة تصل إلى 7% عن آخر انتخابات برلمانية أُجريت في نوفمبر 2015.

وبصورة عامة، تحمل نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا العديد من الدلالات والتداعيات على مستقبل المشهد السياسي في تركيا التي دخلت من الناحية الفعلية في مرحلة النظام الرئاسي، بعد سنوات من العمل بالنظام البرلماني الذي تم إقراره مع تأسيس الجمهورية التركية على يد "مصطفى كمال أتاتورك" في عام 1923، وهو ما جعل البعض يُطلق على المرحلة التي تشهدها تركيا حاليًّا بأنها بداية عهد الجمهورية الثانية ذات النظام الرئاسي.

نتائج الانتخابات:

بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية نحو 87% من أصل نحو 59.354 مليون ناخب تركي، وقد جاءت نتائج الانتخابات على النحو التالي:

1- الانتخابات الرئاسية: فاز مرشح تحالف الشعب (حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية) الرئيس التركي "أردوغان" بولاية رئاسية ثانية بحصوله على 52.5% من أصوات الناخبين، بنحو 26 مليون صوت، وتمكن "أردوغان" من حصد الأغلبية في نحو 63 ولاية تركية من أصل 81 ولاية، وقد جاء مرشح حزب الشعب الجمهوري -أكبر أحزاب المعارضة- "محرّم إنجه" في المرتبة الثانية بنسبة 30.7%، بنحو 15.2 مليون صوت، ونجح في حصد الأغلبية في نحو 8 ولايات تركية من أصل 81 ولاية، تقع غالبيتها في القسم الأوروبي غرب تركيا.

في حين حل مرشح حزب الشعوب الديمقراطية الكردي "صلاح الدين ديمرتاش" في المرتبة الثالثة بنسبة 8.3%، بنحو 4 ملايين صوت، ونجح في حصد الأغلبية في نحو 10 ولايات تركية، وهي في غالبيتها الولايات ذات الغالبية الكردية الواقعة جنوب شرق تركيا، وقد جاءت مرشحة حزب الخير "إيي"، "ميرال أكشينار"، في المرتبة الرابعة بنسبة 7.3%، بنحو 3.6 ملايين صوت، ولم تنجح في تحقيق الأغلبية في أي ولاية تركية. وحل مرشح حزب السعادة الإسلامي المحافظ "كرم ملا أوغلو"، في المرتبة قبل الأخيرة بنحو 439 ألف صوت. وجاء مرشح حزب الوطن اليساري "دوغو بارينجاك"، في المرتبة الأخيرة بنحو 97 ألف صوت.

2-الانتخابات البرلمانية: استحوذ تحالف الشعب الذي يضم حزبي العدالة والتنمية الحاكم (محافظ) والحركة القومية (قومي - يميني) على الأغلبية البرلمانية بنحو 343 مقعدًا من أصل 600 مقعد، بحصوله على نسبة 53.6% من أصوات الناخبين. وقد جاءت نسبة حزب العدالة والتنمية بنحو 42.49% و293 نائبًا، في حين جاءت نسبة حزب الحركة القومية بنحو 11.13% و50 نائبًا.

وحل تحالف الأمة الذي يضم أحزاب الشعب الجمهوري (علماني – يساري) والخير (قومي – يميني منشق عن حزب الحركة القومية) والسعادة (إسلامي – محافظ)، في المرتبة الثانية بنسبة 34.1% من الأصوات و190 مقعدًا. وقد جاءت نسبة حزب الشعب الجمهوري 22.7% و146 مقعدًا، وجاءت نسبة حزب الخير 10.01% و44 مقعدًا، بينما لم يتمكن حزب السعادة من الحصول على أية مقاعد بعدما حل في المرتبة الأخيرة بنسبة 1.35%، وقد حصل حزب الشعوب الديمقراطية الكردي الذي يخوض الانتخابات منفردًا دون الدخول في أية تحالفات انتخابية، على نسبة 11.6% من الأصوات و67 مقعدًا، ليحتل المرتبة الثالثة في الانتخابات بصفة عامة بعد حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري.

دلالات أساسية:

تشير نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا إلى مجموعة من الدلالات، يأتي على رأسها ما يلي:

1-تمتع الرئيس التركي "أردوغان" بشعبية في الشارع التركي، انعكست في نجاحه في حصد الأغلبية في نحو 63 ولاية تركية من أصل 81 ولاية، وذلك رغم الانتقادات المتكررة لسياساته على الصعيدين الداخلي والخارجي، خاصة منذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في يوليو 2016، وربما يرجع ذلك إلى ارتباط العديد من الإنجازات التي شهدتها تركيا -خاصة على الصعيد الاقتصادي- بشخص "أردوغان" الذي يحكم تركيا منذ عام 2003.

2-تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية في الشارع التركي بنسبة 7% وخسارته للأغلبية البرلمانية، فقد كانت نسبة الأصوات التي حصل عليها الحزب في الانتخابات السابقة نوفمبر 2015 حوالي 49.9%، بينما بلغت نسبة الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات الأخيرة 42.4%. كما تراجع عدد مقاعده في البرلمان من 316 إلى 293 مقعدًا، رغم زيادة عدد المقاعد من 550 مقعدًا في البرلمان السابق إلى 600 مقعد في البرلمان الحالي.

ورغم خسارة حزب العدالة والتنمية للأغلبية البرلمانية فإن ذلك لن يكون له تأثير على تركيبة وشكل الحكومة المقبلة، فوفقًا للنظام الرئاسي الجديد يحق لرئيس الجمهورية وحده اختيار الوزراء وعزلهم دون التقيد بالحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية، كما أن الحكومة لا تحصل على ثقة البرلمان باعتبار أنها حصلت على الثقة بشكل تلقائي من الرئيس الذي نال ثقة الشعب بشكل مباشر في الانتخابات.

3-تراجع شعبية حزب الشعب الجمهوري بنحو 2.5%، حيث حصل في الانتخابات السابقة على 25.3% من الأصوات، في حين بلغت نسبته في الانتخابات الأخيرة 22.7% من الأصوات، في حين تمكن الحزب من زيادة عدد مقاعده إلى 146 مقعدًا بعد أن كانت في البرلمان السابق 131 مقعدًا، مستفيدًا من نظام التمثيل النسبي وزيادة عدد مقاعد البرلمان.

4-محافظة حزب الحركة القومية على كتلته التصويتية، بحصوله على نسبة 11.15% وهي نسبة متقاربة مع تلك التي حصل عليها في انتخابات نوفمبر 2015 والتي بلغت 11.9%، وهو ما خالف كثيرًا من التوقعات التي رأت أن الحزب قد يفشل في تخطي العتبة الانتخابية المحددة بنسبة 10%، بعد انشقاق عدد من أعضائه مشكلين حزب الخير بقيادة "ميرال أكشينار"، وهو ما دفعه للدخول في تحالف انتخابي مع حزب العدالة والتنمية خوفًا من الفشل في دخول البرلمان. بل إن حزب الحركة القومية قد نجح في زيادة عدد مقاعده إلى 49 مقعدًا بعد أن كانت 35 مقعدًا في البرلمان السابق.

5- تمكن حزب الخير "إيي"، بزعامة "ميرال أكشينار"، من تخطي حاجز العتبة الانتخابية بحصوله على نسبة 10.01% و44 مقعدًا رغم حداثة نشأته، ويلاحظ أن أصوات حزب الخير جاءت استقطاعًا من أصوات حزبي العدالة والتنمية الذي فقد 7% من أصواته مقارنة بالانتخابات السابقة، والشعب الجمهوري الذي تراجعت أصواته أيضًا بنسبة 2.5%.

6- نجاح حزب الشعوب الديمقراطية الكردي في زيادة نسبة أصواته إلى 11.5% بعد أن كانت في الانتخابات السابقة 10.7%، وزيادة عدد مقاعده إلى 67 مقعدًا بعد أن كانت في البرلمان السابق 59 مقعدًا، وذلك رغم الضربات التي تعرض لها من قبل حكومة حزب العدالة والتنمية أملًا في إضعافه، حيث إن رئيسه "صلاح الدين ديمرتاش" المرشح للانتخابات الرئاسية معتقل منذ عام ونصف بتهمة دعم الإرهاب، وكان يخوض حملته الانتخابية من السجن عبر رسائله الصوتية، فضلًا عن اعتقال نحو 13 من نواب الحزب، وتأثر الحزب بالمواجهات الدائرة بين قوى الأمن التركية والمسلحين الأكراد. 

7- إخفاق حزب السعادة الإسلامي المحافظ في تحقيق أي إنجاز يُذكر في الانتخابات الأخيرة، رغم مراهنته قبل الانتخابات على الخصم من أصوات حزب العدالة والتنمية ومرشحه "أردوغان"، مستغلًا العامل الأيديولوجي المشترك، وأنه يمثل امتدادًا للزعيم الروحي لحركة الإسلام السياسي في تركيا "نجم الدين أربكان". لكن يبدو أن الناخب التركي المحافظ بات يفضل النسخة الحديثة من الإسلام السياسي الممثلة في حزب العدالة والتنمية وزعيمه "أردوغان" صاحب الإنجازات الكبيرة في تركيا.

دوافع فوز "أردوغان":

يرجع نجاح "أردوغان" في الفوز بولاية رئاسية جديدة، وتمكن تحالف الشعب الذي يقوده حزب العدلة والتنمية من الأغلبية البرلمانية، إلى مجموعة من العوامل، يأتي على رأسها ما يلي:

1-فشل أحزاب المعارضة التركية في التوافق حول مرشح رئاسي واحد لمواجهة "أردوغان"، وهو ما أدى في النهاية إلى تفتيت أصوات المعارضة بين المرشحين الإسلاميين والقوميين والعلمانيين والأكراد، وتمكين "أردوغان" من الفوز بمقعد الرئاسة من الجولة الأولى.

2-عدم التجانس الأيديولوجي لأحزاب المعارضة المنضوية تحت تحالف الأمة، مما أفقدها المصداقية لدى عدد من الناخبين الأتراك، فحزب الشعب الجمهوري العلماني تحالف مع حزب السعادة الإسلامي المحافظ، وفي الوقت الذي يتبنى فيه حزب الشعب توجهات يسارية ويدافع عن حقوق الأكراد، يتبنى حزب الخير توجهات يمينية وقومية معادية للأكراد.

3-نجاح "أردوغان" وحزب العدالة والتنمية في تأمين أكبر قدر من الأصوات القومية واليمينية والإسلامية المحافظة خاصة الكردية منها، وذلك بعد أن نجح "أردوغان" في نيل تأييد حزب الاتحاد الكبير الذي ترشح 18 من أعضائه على قوائم حزب العدالة والتنمية، وعلى رأسهم رئيس الحزب "مصطفى ديستجي"، وإعلان حزب القضية الحرة (كردي، إسلامي، محافظ)، الجناح السياسي لحزب الله الكردي أحد أبرز منافسي حزب العمال الكردستاني في تركيا، تأييده للرئيس "أردوغان" في الانتخابات، وهو ما أمّن نسبة من الأصوات الكردية الإسلامية المحافظة لصالح "أردوغان" وحزبه.

4-توظيف واستثمار "أردوغان" التصعيد ضد الأكراد في تأمين أكبر قدر من الأصوات القومية لصالحه، سواء داخليًّا باستمرار العمليات العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني، أو خارجيًّا بطرد الجيش التركي للمسلحين الأكراد من مدينة عفرين السورية في مارس الماضي والسيطرة عليها، والتهديد المستمر بشن عملية عسكرية ضد المسلحين الأكراد في شمال العراق.

5-نجاح "أردوغان" وحزب العدالة والتنمية في تقليل التأثيرات السلبية للأزمات الاقتصادية التي شهدها الاقتصاد التركي مؤخرًا على نتائج الانتخابات، من خلال الترويج لفكرة وجود مؤامرة خارجية لضرب الاقتصاد التركي، والتأثير على قرار الناخبين في الانتخابات المقبلة، فقد وصف "أردوغان" في أحد خطاباته في شهر مايو الماضي انخفاض قيمة الليرة بأنه أحدث مؤامرة للإطاحة به من السلطة، كما روج عددٌ من المسئولين الأتراك لوجود مؤامرة لنشر تصورات سلبية عن الأسواق التركية، في الفترة التي تسبق الانتخابات التركية بهدف تشويش ذهن الناخب، ودفعه إلى الامتناع عن التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية.

6-تَبَنَّى "أردوغان" وحكومة حزب العدالة والتنمية سياسات شعبوية تجاه القضية الفلسطينية كان لها صدى إيجابي لدى الناخبين الأتراك، يأتي على رأسها الموقف التركي الرافض لنقل السفارة الأمريكية للقدس، واستدعاء السفير التركي في الولايات المتحدة للتشاور، وتصعيد "أردوغان" ضد إسرائيل باتهامها بارتكاب مجزرة بعد اعتداءاتها المتكررة على الفلسطينيين على حدود غزة، وطلب الحكومة التركية من سفير إسرائيل لديها المغادرة واستدعاء سفيرها من تل أبيب، فضلًا عن ترؤس "أردوغان" للاجتماعات الطارئة لمنظمة التعاون الإسلامي في الفترة الأخيرة بشأن القضية الفلسطينية.

وفي الختام، فإنه بإعلان فوز "أردوغان" وحزب العدالة والتنمية بأول انتخابات رئاسية وبرلمانية تُجرَى في ظل النظام الرئاسي الجديد، تدخل تركيا مرحلة جديدة يتمتع فيها "أردوغان" بمزيد من الصلاحيات التنفيذية التي تتيح له مزيدًا من الهيمنة على مؤسسات الدولة وعملية صنع القرار في تركيا، بعد أن باتت لديه صلاحية تعيين وعزل الوزراء دون الرجوع إلى البرلمان، وإصدار المراسيم الخاصة بسلطاته، وإعداد الموازنة السنوية للدولة. كما أن فوز "أردوغان" وحزبه في الانتخابات سيعطيه دفعة للمضي قدمًا في سياسته الإقليمية القائمة على مزيدٍ من الانخراط في الملفين السوري والعراقي، ومواجهة التهديدات الكردية، والاستمرار في دعم تيارات الإسلام السياسي بالمنطقة.