أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

رسائل ضاغطة:

حدود تأثير البيان الثلاثي على إنجاز الاستحقاقات في لبنان

06 أكتوبر، 2022


أصدر وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية بياناً مشتركاً بشأن دعم لبنان بعد اجتماع ممثلين عن الدول الثلاث على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 21 سبتمبر 2022؛ إذ أعربت الدول الثلاث عن دعمها المستمر لسيادة لبنان وأمنه واستقراره، مشددة على أهمية إجراء انتخابات رئيس الجمهورية في الوقت المناسب بما يتوافق مع الدستور، وتشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية المطلوبة بشكل عاجل لمواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية في البلاد، وتحديداً تلك الإصلاحات اللازمة للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

وأعرب البيان عن استعداد الدول الثلاث للعمل بشكل مشترك مع لبنان لدعم تنفيذ إجراءات الإصلاح الأساسية هذه، والتي تعد ضرورة لازدهار البلاد واستقرارها وأمنها في المستقبل. وأقرت الدول الثلاث بالدور الحاسم الذي يواصل الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي لعبه بصفتهما المدافعين الشرعيين عن سيادة لبنان واستقراره الداخلي في حماية الشعب اللبناني في وقت أزمة غير مسبوقة. وأكدت ضرورة قيام الحكومة اللبنانية بتنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن الدولي 1559 و1680 و1701 و2650 وغيرها من القرارات الدولية ذات الصلة، بما فيها تلك الصادرة عن جامعة الدول العربية، والتزامها باتفاق الطائف الذي يحفظ الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان.

رسائل متعددة:

حمل البيان الثلاثي المشترك العديد من الرسائل إلى مختلف الفاعلين السياسيين في لبنان، مجملها يدور حول أن الاهتمام الدولي بالشأن اللبناني لم ينقطع على أثر إصرار الفاعلين السياسيين في البلاد على تجاوز السبل الممكنة كافة المؤدية إلى الإصلاح المطلوب على المستويين السياسي أو الاقتصادي من جهة، أو بسبب الانشغال بالأزمات الدولية الراهنة وفي مقدمتها الحرب في أوكرانيا التي تستأثر بالاهتمام الدولي بوجه عام من جهة أخرى. ويمكن تبيان بعض هذه الرسائل على النحو التالي:

1- ضرورة إنجاز الاستحقاقات الدستورية: سيطرت العديد من الأزمات والخلافات بين القوى السياسية المختلفة في لبنان على المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد بشكل أصبح معه إنجاز الاستحقاقات الدستورية المترتبة على الانتخابات التشريعية الأخيرة، مثل تشكيل الحكومة، أو المترتبة على انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، واختيار بديل له قبل نهاية شهر أكتوبر 2022؛ أمراً يغلفه التعقيد والغموض. 

وأرادت الدول الثلاث، وهي الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية، توجيه رسالة لهذه القوى الداخلية، وحتى الإقليمية، بأنه لا يمكن التسليم بصعوبة إنجاز هذه الاستحقاقات، وأنه لابد من تنفيذها، وفقاً للآجال المنصوص عليها في الدستور، بما يعني ضرورة تجاوز التعقيدات الماثلة كافة أمام تنفيذ الاستحقاقات، والتي من بينها بكل تأكيد إصرار بعض القوى في لبنان على رسم المشهد القادم في لبنان بما لا يؤثر على وضعها على المستويين السياسي والاقتصادي، وكذلك إصرار بعض هذه القوى على رهن تنفيذ هذه الاستحقاقات بتحقيق اختراق في ملفات إقليمية ودولية أخرى.

2- ضرورة تنفيذ الإصلاحات: يمثل تنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية في لبنان ضرورة ملحة على المستويين الداخلي والخارجي؛ إذ ترهن القوى الدولية والإقليمية تقديم أي دعم أو مساندة للبنان بتنفيذ هذه الإصلاحات حتى لا يتحول هذا الدعم إلى أداة في يد الطبقة الحاكمة في بيروت، بما يسمح بإعادة تموضعها في المشهد وباستمرار الاختلالات الهيكلية السياسية والاقتصادية في البلاد. وهذه الإصلاحات المطلوبة على المستوى السياسي سبق وأن طالبت بها باريس في مبادرتها عقب انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020 ولكنها وجدت تلكؤاً وتعطيلاً متعمداً من جانب القوى اللبنانية لتعطيلها بما أدى إلى إفشالها في نهاية الأمور. 

أما على المستوى الاقتصادي، فهي الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي كشرط مسبق لحصول لبنان على تمويل يسمح له بمواجهة في الحدود الدنيا لأزمته الاقتصادية الضاغطة، ومازالت القوى اللبنانية كذلك تراوغ في تنفيذها حتى الآن، الأمر الذي دعا الدول الثلاث بأوزانها السياسية والاقتصادية على الصعيدين الدولي والإقليمي إلى تأكيد مشروطية تقديم الدعم للبنان بتنفيذ هذه الإصلاحات، للضغط على الطبقة اللبنانية الحاكمة.

3- تجديد شرعية اتفاق الطائف: تعددت المطالبات على مدار السنوات الماضية في لبنان، وخاصة بعد الحراك الشعبي في أكتوبر 2019، وانفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020، بأن يكون للبنان عقد اجتماعي جديد يبدأ بتعديل بنود اتفاق الطائف الذي وُصف بأنه السبب في تراكم الأزمات التي يواجهها لبنان، خاصة على المستوى السياسي على الرغم من أنه كان له الفضل الأكبر في توقف الحرب الأهلية اللبنانية. 

وبالنظر إلى المعطيات الداخلية والإقليمية والدولية، فإن إدخال تعديلات على اتفاق الطائف، أو تبديله بالكامل أمر من الصعوبة بمكان، وقد يؤدي إلى تفكيك البنية المجتمعية للبلاد. ولذلك، عكفت كل البيانات الدولية التي تتناول لبنان على تأكيد شرعية اتفاق الطائف، ومنها البيان الثلاثي الأخير، بوصفه الذي يحفظ الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان، بما يقطع الطريق أمام استبداله.

نتائج محدودة:

يلاحظ أنه على الرغم من حرص الدول الثلاثة لفرض ضغوط على لبنان للالتزام بالانتهاء من استحقاقات انتخاب رئيسي الوزراء والدولة، وفقاً للمواعيد الدستورية المقررة، فإنه من الواضح أن هذه الضغوط لم تنجح، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 

1- تأكيد المواقف السابقة نفسها: لم يخرج نص البيان الثلاثي عن مضمون العديد من البيانات المشتركة والمبادرات الدولية بشأن لبنان فيما يتعلق بضرورة تنفيذ الإصلاحات، أو بتطبيق القرارات الدولية، أو تأكيد شرعية اتفاق الطائف، وذلك بدءاً من المبادرة الفرنسية في أغسطس 2020 مروراً بالبيان السعودي – الفرنسي المشترك في ديسمبر 2021، والمبادرة الكويتية لبناء العمل المشترك بين لبنان ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في يناير 2022، وصولاً إلى بيان قمة جدة للأمن والتنمية في يوليو 2022. 

2- استمرار الاهتمام الدولي: يمكن القول إن هذا البيان قد مثّل جرس إنذار للقوى السياسية في لبنان بأن البلاد ليست بمعزل عن بؤرة الاهتمام الدولي، وأن القوى الدولية قد تعيد الضغط والتلويح بالعقوبات بحق المتسببين في تعطيل الاستحقاقات والإصلاحات. ولذلك سارعت القوى إلى التوافق أخيراً بشأن مشروع موازنة عام 2022، وتمريرها في جلسة مجلس النواب يوم 26 سبتمبر بالأغلبية البسيطة نفسها التي تمت بها الاستحقاقات الأخيرة كافة داخل المجلس منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة، وبلغت هذه المرة 64 صوتاً.

3- استجابة جزئية من لبنان: أكد البيان الثلاثي ضرورة إجراء الاستحقاقات الدستورية في الآجال المحددة، ومنها انتخاب رئيس للجمهورية في الوقت المناسب بما يتوافق مع الدستور، ولذلك أصبحت كل القوى اللبنانية مطالبة بالشروع في الإجراءات الخاصة باختيار مجلس النواب لرئيس جديد للجمهورية، بعدما أدركت أن مساعيها إلى تأجيل هذا الاستحقاق أطول وقت ممكن تحت ذرائع مختلفة منها ما أعلنه رئيس مجلس النواب نبيه بري من قبل بأنه لن يدعو إلى جلسة اختيار الرئيس قبل تنفيذ الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي لن تجدي نفعاً. 

ومن هنا يمكن تفسير شروع بري في الدعوة إلى جلسة لاختيار الرئيس تُعقد يوم 29 سبتمبر، وذلك رغم إدراكه صعوبة التوافق بين القوى السياسية على مرشح بعينه؛ وهو ما يعود إلى رغبته في أن يثبت للمجتمع الدولي أنه ليس من الداعين إلى تعطيل الاستحقاقات الدستورية. 

فقد انعقدت جلسة انتخاب الرئيس بالفعل في اليوم نفسه، وأخفق أي من المرشحين في الحصول على أغلبية الثلثين، إذ حضر الجلسة حوالي 122 من أعضاء البرلمان البالغ عددهم 128 جلسة الخميس، بينما اقترع 66 منهم بأوراق بيضاء، وفاز ميشال معوض، نجل الرئيس اللبناني السابق رينيه معوض بـ36 صوتاً، لكنه كان يحتاج إلى 86 صوتاً للفوز من الجولة الأولى، وتعذر إجراء جولة تصويت ثانية نظراً لانسحاب عدد من النواب من الجلسة. وفي الجولة ثانية تكون الغالبية المطلوبة للفوز 65 صوتاً.

وبناء على ذلك، قد يتراجع الحراك الخاص بتشكيل الحكومة الجديدة خلال الأيام القادمة حتى تتضح المواقف بشأن المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية، على أن يكون حسم كل هذه الملفات قبيل المهلة الدستورية التي يتحول بمقتضاها مجلس النواب إلى هيئة ناخبة، وهي العشرة أيام الأخيرة قبل انتهاء الولاية الرئاسية؛ أي يوم 20 أكتوبر 2022. 

وربما يشير البيان الصادر عن أمانة مجلس الوزراء يوم 28 سبتمبر، والذي يؤكد أن من حق حكومة تصريف الأعمال الحالية تولي مهام رئاسة الجمهورية في حال تعذر انتخاب رئيس جديد، إلا أن الأمور تتجه إلى تعذر تشكيل حكومة جديدة قبل هذه المهلة في ضوء الخلاف الذي ما يلبث أن يهدأ حتى يتجدد بين رئيس الوزراء نجيب ميقاتي من جهة، والرئيس اللبناني ميشال عون وفريقه السياسي من جهة أخرى بشأن شكل الحكومة الجديدة. 

وليس من الواضح مدى قدرة حزب الله على تسريع عملية تشكيل الحكومة، على الرغم من دعوته لذلك مؤخراً، خاصة أن الرئيس عون يرغب في تشكيل حكومة تكفل نفوذه حتى بعد انتهاء ولائيه الرئاسية، وليس من الواضح ما إذا كان تلويح ميقاتي بأن حكومة تسيير الأعمال سوف تتولى مهام رئيس الدولة في حالة تعذر انتخاب رئيس جديد سوف تفرض ضغوطاً على عون للإسراع بملف تشكيل الحكومة، خاصة أنه أكد في مطلع سبتمبر 2022 أنه "يعتبر أنها لا تملك الشرعية الوطنية للحلول مكان رئيس الجمهورية"، وهو ما لبث أن أكده رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، وصهر عون، إذ أشار إلى أن "الحكومة عندها مغتصبة سلطة وفاقدة للشرعية وساقطة مجلسياً ودستورياً وميثاقياً وشعبياً".

وفي الختام، بقدر ما مثل البيان المشترك الصادر عن وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية عنصراً ضاغطاً لتحقيق الاستحقاقات الدستورية والإصلاحات البنيوية في لبنان، فإن تحقيق هذه الاستحقاقات والإصلاحات يظل رهناً بتوافق القوى اللبنانية نفسها، وهو أمر أثبتت التجربة الخاصة بالمبادرة الفرنسية تعذر تحقيقه لتوقفه على ديناميكيات داخلية من جانب، وارتباطه بأدوار ومواقف إقليمية ودولية من جانب آخر، مما قد يجعل من هذا البيان بياناً شكلياً أكثر من كونه مؤثراً على مجريات الأمور في البلاد، ولكنه في الوقت نفسه يمثل إيذاناً بحراك دولي وإقليمي كبير بشأن لبنان خلال الفترة المقبلة لمحاولة الوصول إلى صيغ مقبولة لتنفيذ البنود التي وردت في البيان.