أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

رهانات آمنة:

آليات الشركات العالمية لمواجهة مخاطر "اللايقين"

12 يوليو، 2018


عرض أحمد عبدالعليم - باحث متخصص في الدراسات الأمنية والاستراتيجية

تواجه الشركات والمؤسسات العالمية مخاطر سياسية متنوعة باتت تُشكِّل تهديدًا كبيرًا لها خاصة في ظل الثورة التكنولوجية، وتوسُّع أنشطتها في أكثر من دولة حول العالم، ما جعلها تتعامل مع ظروف متباينة في كلٍّ من تلك الدول، الأمر الذي يدفع تلك الشركات والمؤسسات إلى دراسة التحديات التي قد تواجهها وتؤثر في بيئة عملها وعلى مكاسبها وأرباحها.

وفي هذا الإطار، تأتي أهمية كتاب "كونداليزا رايس" (مستشارة الأمن القومي بإدارة الرئيس الأمريكي السابق "جورج دبليو بوش" الأولى ووزيرة الخارجية بإدارته الثانية)، و"آيمي زيجارت" (أستاذ العلوم السياسية وكبير الباحثين بمؤسسة هوفر)، المعنونة: "المخاطر السياسية: كيف يمكن للشركات والمؤسسات توقُّع انعدام الأمن العالمي؟". تحاول المؤلفتان من خلال خبرتهما العملية ومؤهلاتهما العلمية والأكاديمية تسليط الضوء على ما يمكن أن يواجه الشركات والمؤسسات العالمية من مخاطر سياسية جمّة نتيجة المتغيرات الدولية الهائلة.

أنواع المخاطر السياسية:

يقدم الكتاب مفهومًا أوسع للمخاطر السياسية المرتبطة بالمؤسسات والشركات العالمية، وذلك باعتبارها لم تعد ناتجة فقط عن التعامل مع الحكومات نتيجة بعض تصرفاتها مثل التعديل في بنود قانونية أو إجرائية للشركات بما يمكن أن يؤدي إلى إحداث تغير جذري في بيئة عملها بما يؤثر بالتبعية على ربحية تلك الشركات. 

يشير الكتاب إلى أنه صارت هناك مجموعة واسعة من الفاعلين الآخرين الذين يمكن أن يُحدِثوا مخاطر سياسية على الشركات والمؤسسات العالمية، ولعلَّ أبرزهم مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، والقراصنة "الهاكرز"، وكذلك التنظيمات الإرهابية. ويأتي ذلك في ظل عالم لا توجد فيه رهانات آمنة، حيث تتسع دائرة "عدم اليقين" في الأعمال التجارية.

وتُعدِّد المؤلفتان أنواعًا مختلفة من المخاطر التي يمكن أن تُؤثر على الشركات، بعضها خارجي أي مرتبطة بعوامل خارجة عن إرادة الشركة، سواء كانت مخاطر سياسية وجيوسياسية أو قانونية أو تنظيمية، وصولًا إلى المخاطر السيبرانية والإرهابية. وتصنف تلك المخاطر بأنها ذات تأثيرات خطيرة على الشركات والمؤسسات العالمية.

من جانب آخر، تشير المؤلفتان إلى أن المنظمات أو الشركات يمكن أن تؤذي نفسها من الداخل، وذلك من خلال عدم وجود ثقافة واضحة في بيئة العمل تضع المحاذير المختلفة، وآليات التعامل التي تكفل الاحترام بين الجميع، حيث إن كثيرًا من تلك الشركات لا تمنح الاهتمام الكافي بثقافات وخبرات موظفيها.

ولعلّ أبرز مثال على ذلك هو النقد الشديد الذي تم توجيهه لشركة "أوبر"، وكذلك لقناة "فوكس نيوز"، في ظل قيامهما بمعاملة بعض الموظفات بشكل سيئ؛ مما جعل الأمر يتحول إلى قضية رأي عام داخل الولايات المتحدة. وهذه القضايا الثقافية يمكن أن تشكل مخاطر سياسية كبيرة على المؤسسات، وتُفقدها الكثير من مصداقيتها وتواجدها في السوق الوطني والعالمي.

نماذج للنجاح والفشل: 

تقدم المؤلفتان نماذج لبعض الشركات التي تعاملت بشكل جيّد مع المخاطر السياسية، مثل تعامل شركة "ليجو" الدنماركية لألعاب الأطفال مع بعض الانتقادات البيئية التي وُجّهت إليها من بعض الجمعيات البيئية، مما دفعها لأن تصدر قرارًا باستبدال مادة البلاستيك في منتجاتها بمواد صديقة للبيئة، في الوقت الذي تُصنَّف فيه تلك الشركة باعتبارها الأفضل في إدارة المخاطر السياسية في العالم.

كما يستعرض الكتاب نموذجًا آخر ناجحًا في التعامل مع المخاطر السياسية، وهي شركة "ماريوت" التي تدير سلسلة من الفنادق حول العالم، وذلك في ظل إدارتها لأزمة التفجيرات الإرهابية التي حدثت في فندق تابع لها عام 2009 في مدينة جاكرتا الإندونيسية، حيث تعاملت الشركة بشكل جيّد مع ذلك.

من جانب آخر، يستعرض الكتاب بعض التجارب الفاشلة الخاصة ببعض الشركات التي لم تكن لديها آليات واضحة وسريعة لتوقع المخاطر السياسية والتعامل معها بشكل صحيح، ومثال ذلك الاختراق الخطير الذي قام به متسللون تابعون لكوريا الشمالية في عام 2014 لبعض البرامج الخاصة بشركة "سوني بيكتشرز إنترتينمنت" العالمية لصناعة الأفلام، وهو اختراق تم تنفيذه من أجل معاقبة الشركة على تقديم فيلم كوميدي ساخر عن الزعيم الكوري الشمالي "كيم جونج أون"، حيث قُدّرت الخسائر المبدئية للشركة جرّاء ذلك الاختراق بحوالي مائة مليون دولار في ظل انخفاض أسهمها في البورصة.

في الوقت ذاته، تسمح الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي للناشطين بالتواصل على مستوى العالم، وإطلاق بعض الحملات التي يمكن أن تُمثّل ضغطًا اقتصاديًّا خطيرًا على النشاط التجاري للشركات، ولعلّ أبرز مثال على ذلك ما تعرّضت له شركة الترفيه الأمريكية "SeeWorld" من حملة مقاطعة بسبب أحد الأفلام الوثائقية، وفي ظل عدم إبداء الشركة لاستجابة فعّالة فإنها قد أُصيبت بالشلل جرّاء تلك الحملة وخسرت أموالًا طائلة.

وبالتالي فإن هذه الأمثلة توضح بشكل كبير حجم المخاطر السياسية التي نتجت عن سوء استخدام الإنترنت، بما أضر بتلك الشركات وسمعتها في السوق العالمي. ووفقًا للأمثلة السابقة، سواء التي تم التعامل معها بنجاح أو بفشل؛ فإن الشركات أو المؤسسات العالمية باتت مُعرضة لكم كبير من المخاطر السياسية، سواء نتيجة ضغوط من المنظمات الحقوقية، أو من التنظيمات الإرهابية، أو من خلال شركات تعمل على جمع البيانات. بالإضافة إلى الاختراقات التي يمكن أن يقوم بها قراصنة، سواء كانوا أفرادًا أو تنظيمات. علاوة على حملات المقاطعة التي يمكن أن تمثل أداة ضغط كبيرة على الشركات.

آليات المواجهة:

يقدم الكتاب بعض الآليات التي يمكن من خلالها التعامل مع المخاطر السياسية وتفادي خسائرها إلا في أضيق الحدود، حيث يبرز أن المنظمات أو الشركات الأكثر فاعلية هي التي تتعامل مع المخاطر السياسية بشكل منظم من خلال فهمها وتحليلها، علاوة على إداراتها والتعامل معها بشكل صحيح وسريع وفعّال خاصة من القيادات العليا، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1- الفهم: من الضروري أن تقوم الشركات بعملية تطوير مستمرة حول المخاطر المتوقعة، وضرورة جمع المعلومات بشكل دقيق، وذلك من خلال تكوين مجموعات عمل تجتمع بشكل دوري، وتقوم بعملية العصف الذهني من أجل تحديد المخاطر التي يمكن أن تواجه الشركة، وتحديد طبيعة تلك المخاطر وتأثيراتها المتوقعة. كما أن من المهم استعراض نقاط الضعف التي يمكن أن تُشكل مدخلًا لمثل تلك المخاطر.

كما أن من الضروري إدراك أن الكثير من المخاطر السياسية لا تنبع بالضرورة من الإجراءات التي تستهدف الشركات، ولكن من الإجراءات التي يمكن أن تُفرض عليها وتلتزم بها، مثل سعي إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" إلى إقامة جدار حدودي مع المكسيك، أو خياراته المرتبطة بمواجهة تجارية مع الصين. فتلك القرارات لها تشابكات سياسية كبيرة يمكن أن تؤثر على أعمال الشركات التجارية في السوقين، سواء المكسيكي أو الصيني. وبالتالي فإن تأثير المخاطر السياسية على تلك الشركات في هذه الحالة يكون كبيرًا.

2- التحليل: يجب على الشركات أن تقوم بتحليل المخاطر السياسية بنظرة مستقبلية، أي أن تقوم -على سبيل المثال- بتحديد الدول التي قد تصبح ذات مخاطر سياسية كبيرة، مثل التي تحدث بها حروب، أو تواجه تهديدات عسكرية من دولة أخرى، ما يجعلها محل مخاطرة سياسية يمكن أن تؤثر سلبًا على بيئة عمل وربحية الشركات.

3- تخفيف حدة الأزمة: يجب أن تقوم الشركات والمؤسسات بتخفيف حدة تأثير الأزمات بالرغم من التسليم بأن ذلك أمر صعب لمعظم المنظمات الكبيرة، إلا أن التخطيط أمر أساسي من أجل مواجهة ذلك في ظل ما يمكن اعتباره حتمية للمخاطر السياسية.

وتستشهد المؤلفتان بشركة "شل" العملاقة للنفط التي كانت قد توقعت ارتفاع أسعار النفط بشكل حاد في الفترة التي سبقت الحظر النفطي العربي في سبعينيات القرن الماضي، وهو ما مكّن الشركة من أن تعمل وتتفاعل بسرعة أكبر من منافسيها العالميين مما جنّبها أي مخاطر أو خسائر كبيرة.

وفي السياق ذاته، فإن تخفيف حدة الأزمة يتطلب تطوير استراتيجية تواصل فعّالة اعتمادًا على الوضع الذي يواجه الشركة، خاصة إذا ما كانت الأزمة أزمةَ رأي عام، فإن ذلك يتطلب تعاملًا مرنًا مع وسائل الإعلام المختلفة، ومع الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، والمسئولين الحكوميين، والمستهلكين، وكذلك المستثمرين.

4- الاستجابة الفعّالة للأزمة: كلما كانت استجابة الشركة سريعة وحاسمة ومرنة كان ذلك سببًا في تحجيم أية خسائر متوقعة، أو جعل تلك الخسائر في حدّها الأدنى. ومن المهم أن يتم ذلك من خلال القيادات العليا، ولكن ليس بمعزل عن الدرجات الوظيفية الأقل.

كذلك فإنه من الضروري تحديد نقاط القوة والضعف في تلك الاستجابة من أجل تقويم أي تصرفات خاطئة تمت، فمن المهم أن تتعلم الشركات من أخطائها من أجل ألا تتكرر مرة أخرى، وكذلك يجب أن يكون ذلك هو المدخل من أجل عمل تغذية عكسية تساعد في عملية فهم وتحليل المخاطر السياسية التي يمكن أن تواجه الشركة من أجل إعادة صياغة الأدوات الأفضل لمواجهتها بما يجعل الشركة بمنأى عن تكرارها مرة أخرى.

وبالتالي فإن الشركات والمؤسسات الدولية مطالبة باتخاذ الآليات الأربع من أجل تقليل مواجهة أي مخاطر سياسية، وهي آليات مترابطة، وكل منها يؤثر في الأخرى، وهو ما يتطلب ضرورة أن يكون الأخذ بها بشكل منهجي وعلمي من أجل أن تحقق النتائج المرجوّة.

وختامًا، تقرّ المؤلفتان بأن التحدي الأكبر لأي شركة هو محاولة إدارة المخاطر السياسية من خلال توقع ما يمكن أن يحدث، والتعامل معه بشكل صحيح. كما تعتبر كل منهما أن ذلك أمر شديد الصعوبة في ظل عالم متغير شديد الديناميكية تتعدد فيه أدوات وآليات التأثير السلبي على تلك الشركات، ولكن ذلك لا يعني أبدًا ألا تكون هناك خطط واضحة من أجل التعامل مع مثل تلك التحديات والمخاطر في الوقت المناسب وبالشكل المناسب من أجل تفادي ما قد يحدث عنها من خسائر فادحة.

المصدر:

Condoleeza Rice and Amy B. Zegart, Political Risk: How Businesses And Organizations Can Anticipate Global Insecurity, (New York: Twelve Books, May 2018).