أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

"القومية المتصاعدة":

هل يمثل "ترامب" عودة للتيار الشعبوي في الولايات المتحدة ؟

27 أكتوبر، 2016


إعداد: رغدة البهي

على الرغم من تبني المرشح الجمهوري "دونالد ترامب" خطة اقتصادية من شأنها خفض الضرائب على الأغنياء أمثاله، إلا أن رؤاه بشأن المهاجرين المسلمين، والنخبة العالمية، والحدود المفتوحة، وأمريكا أولاً، فضلًا عن تكرار توظيفه لمصطلحات نمطية من قبيل: "الأسر العاملة"، "وطبقتنا الوسطى"، و"الشعب الأمريكي"، تجد جذورها في التاريخ الأمريكي على نحو يمكن معه القول إنه "شعبوي".

ما سبق، يُمثل خلاصة ما توصل إليه ميشيل كازن (أستاذ التاريخ بجامعة جورج تاون) في مقاله المنشور بمجلة "الشئون الخارجية" في عددها الصادر في نوفمبر / ديسمبر من العام الجاري، تحت عنوان: "ترامب والشعبوية الأمريكية.. نبيذ قديم زجاجات جديدة"، والذي تناول من خلاله جذور التيارات الشعبوية الأمريكية، ورؤاها ودورها، وموقع "ترامب" منها.

"اليسار" و"اليمين" الشعبويان:

بدايةً، يوضح الكاتب أنه على مر تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، لطالما تنافس تياران مختلفان من الشعبوية، هما "اليسار" و"اليمين" الشعبويان. يوجه النوع الأول من الشعبويين غضبه إلى النخب والشركات ذات الصلة بالحكومة، التي يزعم خيانتها لمصالح الرجال والنساء الذين يقومون بالأعمال الأساسية في البلاد. ويتبنى هؤلاء الشعبويون مفهوم "الشعب" على أساس الطبقة، ويتجنبون تعريف أنفسهم على أنهم من مؤيدي أو معارضي أي جماعة عرقية أو دين، وينتمون إلى التيار الليبرالي في الحياة السياسية الأمريكية، ويمثلون شكلًا من أشكال "القومية المدنية" Civic Nationalism، التي يُعرفها المؤرخ جاري جارسل Gary Gerstle على أنها "الاعتقاد في المساواة بين جميع البشر في حقوقهم في الحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة، وفي الحكومة الديمقراطية التي تستمد شرعيتها من موافقة الشعب".

أما أتباع الاتجاه الثاني من الأمريكيين الشعبويين -ومنهم "ترامب"- فيوجهون اللوم إلى النخب والشركات الكبرى والحكومة لتقويض مصالحهم الاقتصادية وحرياتهم السياسية. ولكن ينبغي القول، إن مفهوم الشعب وفقًا لهذا التيار له مضمونٌ عرقي. فبالنظر إلى تاريخ الولايات المتحدة، يشير ذلك المفهوم إلى المواطنين من الأصل الأوروبي فحسب.

الشعبويون في الماضي والحاضر:

وفقًا للكاتب، يدافع الشعبويون عن قيم واحتياجات الغالبية التي تعمل بجد، ورغم ذلك ظلت الشعبوية -لفترات طويلة- مفهومًا غامضًا ومتنازعًا عليه اختلف العلماء في كيفية توصيفه، وما إذا كان عقيدة أو أسلوبًا أو استراتيجية سياسية أو حيلة تسويقية أو مزيجًا مما سبق.

بات لمصطلح "الشعبوي" معنًى أكثر دقة منذ عام 1890، عندما دشن الصحفيون المتحدثون باللاتينية مصطلح "حزب الشعب" الذي سعى لتحرير النظام السياسي من قبضة "قوة المال". وقد جاء معظم نشطائه من الجنوب والغرب، وأشادوا بالعمل في المناطق الريفية والحضرية، وانتقدوا الاحتكارات الصناعية والمالية التي تسفر عن إفقار الجماهير. وقد سعى الحزب لتوسيع سلطة الحكومة المركزية لخدمة "المواطنين البسطاء".

ظهر التيار الثاني من الشعبوبة الأمريكية -القومي والعنصري- في الوقت الذي ظهر فيه حزب الشعب تقريبًا. وقد نبع كل منهما من نفس الشعور باتساع التفاوت بين بيوت الاستثمار Investment Houses والعمال العاديين وصغار المزارعين.

وظف مدافعو هذا التيار، في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، النداءات المعادية للأجانب للضغط على الكونجرس لمنع جميع العمال الصينيين واليابانيين من الهجرة إلى الولايات المتحدة. وينتمي معظم المدافعين عن هذا التيار إلى الطبقة الوسطى العاملة من الأمريكيين البيض. ومع رفع الحزب لشعار "الصينيون عليهم الذهاب"، ومطالبته بتحديد ساعات العمل بثماني ساعات، وتوفير الأشغال العامة للعاطلين عن العمل، نما الحزب بسرعة، ولم يعترض عليه وسياساته إلا عدد قليل من النشطاء العماليين البيض لخطابه العنصري.

في عام 1882، أقنع الكونجرس بتمرير قانون استبعاد الصينيين، والذي يُعد أول قانون يمنع مواطني دولة بعينها من دخول البلاد في تاريخ الولايات المتحدة. وعقب عقدين من الزمن، قاد نشطاء في الحركة العمالية في كاليفورنيا حملة جديدة للضغط على الكونجرس لفرض حظر على هجرة اليابانيين لأنهم جواسيس للإمبراطور، ويخططون لشن هجمات على الولايات المتحدة. وقد ساعدت تلك المواقف -خلال الحرب العالمية الثانية- في إضفاء الشرعية على الانتقال القسري لنحو 112 ألفًا من الأمريكيين اليابانيين، معظمهم من مواطني الولايات المتحدة.

تؤسس تلك الرؤية لما يراه "ترامب" بشأن التهديد الذي يفرضه القادمون من الدول الإسلامية اليوم، كما يُدين النخبة العالمية لتعزيزها "الحدود المفتوحة" التي من المفترض أن تسمح للمهاجرين بنيل فرص عمل دون عمال الولايات المتحدة على نحو يقلل من مستوى معيشتهم.

وقد كان المرشح الجمهوري محددًا جدًّا حول الجماعة التي تُشكل الخطر الأكبر؛ فقد اتهم المكسيكيين بجلب المخدرات والجريمة والاغتصاب إلى أمة تحترم القانون، كما اتهم المهاجرين المسلمين بشن هجمات بشعة من قبل أشخاص لا يؤمنون إلا بالجهاد، وليس لديهم أي احترام للحياة البشرية.

أمريكا أولًا:

يرى الكاتب أن الأمريكيين الشعبويين يميلون إلى تركيز معظم اهتمامهم على السياسة الداخلية، وإن ظلت السياسة الخارجية أيضًا هدفًا للمرشح الجمهوري "ترامب"، فقد أدان التحالفات الدولية مثل منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) على سبيل المثال.

ولطالما قلق الشعبويون من كلا الجانبين من المؤامرات الخارجية التي تُحاك ضد البلاد. ففي منتصف 1930، حثَّ الأب تشارلز كافلينو (كاهن الراديو) جمهوره على رفض المعاهدة التي صَدَّق عليها الرئيس فرانكلين روزفلت، والتي تسمح للولايات المتحدة بالمشاركة في محكمة العدل الدولية في لاهاي. وفي عام 1940، أصدرت اللجنة الأمريكية الأولى -وهي جماعة ضغط انعزالية- تحذيرًا مماثلًا من تدخل الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية. وفي 1990 حذر بات روبرتسون، مؤسس الائتلاف المسيحي، من "العصابة العالمية" التي تهدد السيادة الأمريكية. وبعد سنوات قليلة، اقترح المعلق السياسي المحافظ بات بوكانان بناء "الجدار البحري" لوقف المهاجرين من "اجتياح" حدود الولايات المتحدة الجنوبية.

من جانبه، تعهد المرشح الجمهوري، في خطاب له في أبريل الماضي، بأن "أمريكا أولًا" سيكون موضوعه الرئيسي والأهم.

عن أي شعب نتحدث؟

على الرغم من انتماء "ترامب" إلى القومية الشعبوية الأمريكية، إلا أن حملته الانتخابية تفتقر لوصف حاسم ودقيق للشعب الذي يمثله.

لطالما أشاد حزب الشعب بالطبقات المنتجة من أصحاب الأجور الصناعية، وصغار المزارعين، والمهنيين من المدرسين والأطباء التي صنعت ثرواتها بعضلاتها وعقولها. أما المحافظون مثل السيناتور باري غولدوتر والرئيس رونالد ريغان فأكدوا أنهم كانوا يتحدثون عن "دافعي الضرائب".

في حملته الرئاسية عام 1968، عدَّد جورج والاس الناخبين الذين يمثلهم بوظائفهم ليشملوا سائق الحافلة وسائق الشاحنة، ورجال الشرطة، وغيرهم.

وفي تعهده بجعل أمريكا بلدًا عظيمًا مرة أخرى، لم يحدد "ترامب" من هم الأمريكيون الذين سيساعدونه في تحقيق هذا الإنجاز العظيم. توظف خطاباته وحملته مصطلحات نمطية من قبيل: "الأسر العاملة"، "وطبقتنا الوسطى"، و"الشعب الأمريكي"، وهو تناقض صارخ مع هجماته على المكسيكيين والمسلمين وخصومه السياسيين. وعلل "ترامب" ذلك بقوله، إن من الصعب على نحو متزايد تحديد الأغلبية الفاضلة من الشعبويين أو أي سلالة أخرى من الولايات المتحدة بدقة، لأن الولايات المتحدة أمة متعددة الثقافات. 

يعجز كلٌّ من الديمقراطيين والجمهوريين عن تحديد المقصود بالشعب نتيجة نفور الجمهور من كلا الطرفين من ناحية، واستحالة التوصل إلى تعريفٍ يحظى بالمصداقية ويضم أجناسًا وهويات عرقية متعايشة في الولايات المتحدة من ناحيةٍ أخرى.

آفاق فوز ترامب بالرئاسة:

من وجهة نظر الكاتب، سيناضل "ترامب" للفوز بالبيت الأبيض، على الرغم من تأثر صورته كثيرًا بما يلقيه من خطب مفزعة ضد الأقليات والجماعات والأفراد على اختلافهم. ولهذا يرى الكاتب أنه كان ممكنًا لشعار حملته الانتخابية أن يكون "جعل أمريكا تكره مجددًا Make America Hate Again".

وقد أشار الكاتب إلى الدراسة الحديثة التي أجراها أستاذ العلوم السياسية جوستين غيست، التي خلص فيها إلى أن 65% من البيض الأمريكيين سيصوتون لهذا الحزب الذي يدعو لوقف الهجرة الجماعية، وتوفير الوظائف الأمريكية للعمال الأمريكيين، والحفاظ على التراث المسيحي، ووقف التهديد الإسلامي. وتلك النسبة تعتقد أن معظم السياسيين يتجاهلونها، وأنه تم التخلي عنها بسبب الثقافة الجماهيرية. وبدون معالجة أيٍّ من الحزبين الرئيسيين لهمومها بجدية عن طريق الحد من الهجرة غير الشرعية، وتوفير فرص عمل لائقة الأجور؛ فمن المرجح أن تؤيد السياسيين الذين يعالجون مشكلاتها. ويرى الكاتب أنه إذا خسر "ترامب" السباق الانتخابي فإنه قد لا يترشح لأي منصب سياسي آخر.

الشعبوية شر لا بد منه:

في أفضل حالاتها، تقدم الشعبوية اللغة التي يُمكن بواسطتها تعزيز الديمقراطية، لا تعريضها للخطر. فقد ساعد حزب الشعب في كثير من الإصلاحات التقدمية، مثل: ضريبة الدخل، وتنظيم الشركات، مما جعل من الولايات المتحدة مجتمعًا إنسانيًّا في القرن العشرين. فحتى بعض الخطباء الشعبويين المناهضين للمهاجرين دعموا قوانين مثل تحديد ساعات العمل بثماني ساعات يوميًّا، على نحو ساعد ودعم كل العاملين بأجر في البلاد، بغض النظر عن أصولهم.

وختامًا، يُمكن للشعبوية أن تكون خطيرة، ولكنها قد تكون ضرورية أيضًا، إذ تكفي الإشارة إلى ما كتبه المؤرخ سي فان وودورد في عام 1959 ردًّا على المثقفين المستخفين بالشعبوية بقوله: "يجب أن نتوقع تأثير الاضطرابات المستقبلية على مقاعد السلطة، إلا أن تقديم العلاج الدوري يبدو ضروريًّا لصحة الديمقراطية".

* عرض مُوجز لمقال بدورية الشئون الخارجية، عدد نوفمبر/ديسمبر 2016، بعنوان: "ترامب والشعبوية الأمريكية نبيذ قديم زجاجات جديدة".

المصدر: 

Michael Kazin, "Trump and American Populism Old Whine, New Bottles", Foreign Affairs, Volume 95, Number 6, November/December 2016, pp. 17-24