أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

انعكاسات سياسية:

تداعيات تزايد مهاجري "المانش" من فرنسا إلى بريطانيا

13 يناير، 2022


كشفت الإحصائيات الصادرة عن وزارة الداخلية البريطانية أن 28395 مهاجراً وصلوا إلى الشواطئ البريطانية خلال عام 2021 من خلال عبور بحر المانش على متن قوارب صغيرة، أي ما يوازي أكثر من ثلاثة أضعاف العدد المسجل خلال عام 2020 (8400 مهاجر). وتدور تساؤلات حول ما إذا كان ممكناً حتى الآن التحكم في هذه الظاهرة وضبطها عبر إجراءات بريطانية - فرنسية مشتركة أم أنها أصبحت مرشحة للتزايد بشكل تصاعدي. 

أسباب تزايد المهاجرين:

يمكن إرجاع تزايد عدد المهاجرين من فرنسا إلى بريطانيا عبر بحر المانش، إلى عدة أسباب متداخلة، وأهمها ما يلي:

1- خطورة اعتراض الزوارق: إذ إن هذه الزوارق تكون محملة بأعداد تفوق سعتها الطبيعية، وربما قد يتسبب اعتراضها بعد عملية الإقلاع، في مخاطر للركاب. لذلك فإن السلطات الفرنسية ارتأت ألا تشرع في عملية الاعتراض في البحر إلا في حالات الاستغاثة.

وللحد من هذه الظاهرة الخطيرة، أعلنت شركة المعدات والأدوات الرياضية الفرنسية الشهيرة "ديكاتلون" Decathlon، في نوفمبر 2021، عن إيقاف بيع قوارب "الكاياك" المطاطية في جميع متاجرها وفروعها في شمال فرنسا؛ خوفاً من تحوير استخدام هذه القوارب إلى غاية غير الغايات الرياضية التي صُممت من أجلها. ولكن ذلك الإيقاف لم يؤد إلى الحد من عملية استخدام هذه القوارب في الهجرة، حيث إن وسطاء شبكات التهريب يقومون بشراء تلك القوارب على شبكة الإنترنت، وتصل عبر طرود إلى الأماكن التي يختبئ بقربها الأشخاص العازمون على الهجرة بعد أن يرسلوا من خلال هواتفهم مكان رمي هذه الطرود عبر خاصية تحديد المكان.

2- تأثيرات "البريكسيت": مع الخروج من الاتحاد الأوروبي، لم تعد المملكة المتحدة تستفيد من أحكام "اتفاقية دبلن" التي تُلزم دول "الوصول الأول" باستعادة اللاجئين الذين ينتقلون إلى دول أخرى في الاتحاد الأوروبي. وبالتالي فإن اللاجئين يعرفون مسبقاً أن وصلوهم إلى بريطانيا سيحميهم من إعادتهم إلى الدول الأوروبية التي سجلوا فيها طلب اللجوء الأول، والذي في كثير من الحالات ستكون نتيجته سلبية. وفي المملكة المتحدة، فإن المهاجر يستطيع أن يقدم طلب لجوء جديد ويستفيد من مبلغ شهري يتم دفعه له لحين البت في طلبه الذي قد يستغرق حوالي السنة. وإذا حصل المهاجر على حق اللجوء، فإن إيجاد عمل في السوق السوداء البريطانية ليس بالأمر الصعب، خصوصاً مع أزمة النقص الحاد في العمالة لدى بعض قطاعات الاقتصاد الإنجليزي، وارتفاع مستوى الأجور مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى. وحتى في حالة رفض طلب اللجوء، فإن المملكة المتحدة تنفذ عمليات إبعاد أقل مقارنة بفرنسا وألمانيا.

3- وجود شبكات ناشطة من المهربين: تفيد أرقام وزارة الداخلية الفرنسية بتفكيك حوالي 30 شبكة تهريب للاجئين عبر بحر المانش في الشهور العشرة الأولى من عام 2021، وبزيادة 8 شبكات عن الفترة نفسها في عام 2020، ويبلغ الذين تم إيقافهم وثبت ارتباطهم بهذه الشبكات حوالي 1500 شخص.

ويعتمد المهربون ووسطاؤهم على نشر فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة "تيك توك" TikTok، للترويج لعمليات عبور بحر المانش من أجل جذب مهاجرين جدد مقابل مبالغ مالية قد تتراوح بين 2000 و12 ألف يورو. وكانت وزيرة الداخلية البريطانية، بريتي باتيل، قد طلبت من رواد هذه المواقع، حجب هذا النوع من الفيديوهات؛ لأنها قد تساهم في تشجيع المهاجرين على المخاطرة بحياتهم وربما خسارتها. فيما تُرجع بعض المؤسسات الإنسانية سبب تزايد عدد شبكات المهربين إلى إخفاق سياسات الهجرة المتبعة حالياً والتي تُغلب الجانب الأمني على الإنساني، كما قدر تقرير للإنتربول الدولي حجم سوق تهريب البشر بـ 7.5 مليار دولار سنوياً، ما يجعله ثاني أكبر مصدر للثراء غير المشروع في العالم.

4- انعكاسات أزمة كورونا: أدى انتشار جائحة كورونا في نهاية عام 2019 إلى تراجع عدد الشاحنات والقطارات التي تعبر من فرنسا إلى بريطانيا بشكل كبير، حيث إن أكثر من 13 ألف سائق شاحنة ثقيلة أوروبي توقفوا عن القيام برحلات إلى بريطانيا، والأغلبية منهم استبدل الشاحنات العملاقة بسيارات نقل متوسطة الحجم وفضلوا العمل قرب أماكن سكنهم. وقد دفع ذلك المهاجرين إلى التفتيش عن وسائل أخرى للانتقال إلى بريطانيا، وكانت الزوارق هي الحل الوحيد المتبقي، خصوصاً أنه بعد عام 2018 تم تشديد الرقابة على "مرفأ كاليه" في شمال فرنسا، وتم تسييج الطرقات السريعة التي كانت تصل إلى النفق الأوروبي eurotunnel الذي يربط فرنسا ببريطانيا؛ للتضييق على عمليات التسلل. ويلفت البعض النظر إلى أن تشديد القبضة الأمنية لن يشكل حلاً فعالاً لمسألة الهجرة غير الشرعية؛ لأنه دائماً ما يؤدي إلى مشاكل أكثر خطورة من حيث تكاثر شبكات التهريب، وازدياد المبالغ المدفوعة من المهاجرين للعبور.


انتقادات متبادلة:

تعتبر الحكومة البريطانية أن باريس تتهاون في منع إبحار الزوارق من الشواطئ الفرنسية على الرغم من التوصل إلى اتفاق في يوليو 2021 بين الحكومتين، تدفع فيه بريطانيا رسماً سنوياً لتمويل عملية ضبط الحدود، وغالباً ما تقوم الصحافة البريطانية بالتركيز على صور رجال الشرطة الفرنسيين الذين يقفون مكتوفي الأيدي أمام عمليات إقلاع المهاجرين أمامهم.

وتجزم بعض الجمعيات الإنسانية (مثل جمعية يوتوبيا 56) بأن الإهمال الذي صاحب حادثة الغرق في 24 نوفمبر الماضي والتي أودت بحياة 27 مهاجراً، يرقى إلى حد القتل العمد وعدم إغاثة المحتاج، وقامت بتقديم شكوى ضد مدير البحرية الفرنسية في بحر المانش، فيليب دوتريو، بالإضافة الى مدير مركز عمليات المراقبة والإنقاذ، مارك بونافوس، حيث إنه وفقاً لبعض الشهادات تم تسجيل ورود طلب استغاثة إلى خدمات الإنقاذ الفرنسية من دون أن يؤدي ذلك إلى متابعة فورية.

كما انتقد مقال في "اللوموند ديبلوماتيك" الفرنسية، في شهر ديسمبر الماضي، تحت عنوان "من مينسك إلى كاليه" De Minsk à Calais، أداء الحكومة الفرنسية في هذا المجال، متسائلاً: كيف يعتبر الناطق الرسمي باسم الحكومة الفرنسية في نوفمبر 2021 أن ما يقوم به النظام البيلاروسي على الحدود مع بولندا نوعاً من الاتجار غير المشروع في البشر، وبعدها بأيام يقوم وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين بإرسال قوات الأمن الفرنسية لتفكيك مخيمات اللاجئين في مدينة كاليه؟

كما تساءلت النائبة كريمة ديلي karima delli عن حزب "أوروبا إيكولوجيا – الخضر"، في رد على وزير الداخلية الفرنسي الذي حمّل مسؤولية حادثة الغرق للمهربين؛ كيف يمكن بعد تمزيق خيم المهاجرين في الصباح الباكر بالسكاكين من قِبل قوات الأمن الفرنسية وفي طقس تكون درجة حرارة البحر فيه أقل من 3 درجات مئوية؛ تحميل المسؤولية للمهربين؟

وبدورها تنتقد السلطات الفرنسية، لندن لعدم الإيفاء بدفع مبلغ 62 مليون يورو وفق الآلية التي تم الاتفاق عليها من أجل تعزيز أعمال الرقابة على السواحل الفرنسية الشمالية، وترد بريطانيا على ذلك بأن ما يُؤخر عملية الدفع هو الإجراءات الإدارية. كما ترفض السلطات الفرنسية طلب الحكومة البريطانية بتسيير دوريات مشتركة داخل الأراضي الفرنسية، معتبرة أن هذه مسألة سيادية تتخطى الالتزامات المتبادلة ضمن اتفاق "توكيه" لعام 2003 المُوقع بين حكومتي البلدين.

كما أن رصد منظمات غير حكومية لعمليات صد من قِبل حرس الحدود البريطاني لزوارق صغيرة على متنها مهاجرين بالقرب من شاطئ مدينة دوفر البريطانية، تتقاطع مع إصرار السلطات البريطانية على طلب إرجاع المهاجرين إلى فرنسا، كما ورد في تصريحات رئيس الوزراء، بوريس جونسون، عقب حادثة الغرق، وهو ما يخالف اتفاقية اللاجئين لعام 1951.

تأثيرات متوقعة:

يمكن إيجاز تداعيات استمرار تضخم ظاهرة المهاجرين من فرنسا إلى بريطانيا عبر بحر المانش، في الآتي: 


1- التأثير سلباً على شعبية "بوريس جونسون": تحولت الهجرة عبر بحر المانش إلى مشكلة سياسية بالنسبة لرئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، الذي كان قد وعد مواطنيه بأن تطبيق "البريكسيت" سيؤدي إلى التحكم في مسألة الهجرة غير الشرعية والتقليل من أعدادها. كما أن مقاربته بأن تطبيق "البريكسيت" سوف يؤدي إلى ارتفاع الأجور في المملكة المتحدة بعد أن ساهم الاعتماد على الأيدي العاملة الأوروبية إلى انخفاض مستواها؛ لا تُقنع الكثير من الخبراء الاقتصاديين الذين يجادلون بأن ارتفاع الأجور في بعض القطاعات الاقتصادية حالياً مثل المطاعم والنقل والزراعة مرده عدم وجود عمالة بريطانية كافية لتغطية الطلب الداخلي، وليس لأن حجم الإنتاج المحلي قد زاد. 

كذلك فإن الأرقام تُظهر أن وصول المهاجرين عبر المانش إلى بريطانيا يكلف الخزينة البريطانية يومياً مليون جنيه إسترليني، حيث إن البت في طلبات أكثر من 28 ألف مهاجر وصلوا إلى البلاد عبر المانش في عام 2021 كلف نحو 336 مليون جنيه إسترليني. وكل هذه المعضلات تُضاف إليها عوامل أخرى تُفسر سبب تدهور شعبية جونسون الذي أظهر استطلاع رأي أُجري في ديسمبر الماضي أن 58% من البريطانيين يطالبون باستقالته من الحكومة.

2- تصاعد التوتر الفرنسي - البريطاني: يدور تقاذف المسؤوليات بين الحكومتين البريطانية والفرنسية في حلقة مفرغة، ففي حين يصرح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في عام 2018، بأنه لن يجعل من الشواطئ الفرنسية منطلقاً لتهديد أمن الحدود البريطانية، ثم في نوفمبر 2021 بأنه لا يريد أن يتحول بحر المانش إلى مقبرة؛ تردد مصادر حكومية فرنسية بأنها لن تغير سياستها بعدم اعتراض طريق المهاجرين إلا في حال توجيه نداء استغاثة من الركاب، وبأن الحدود البحرية الفرنسية مع بريطانيا واسعة جداً وبالتالي لا يمكن نشر دوريات على طول الساحل بأكمله لمنع القوارب من العبور. كما أن استمرار حرب التصاريح المضادة بين الدولتين أدى إلى استبعاد الحكومة البريطانية من اجتماع دعت له الحكومة الفرنسية بعد حادثة غرق مهاجرين في المانش في نوفمبر 2021 لمناقشة خطة مشتركة من أجل التصدي لشبكات التهريب.

وتعتبر الأوساط البريطانية أن الطرف الفرنسي لن يفتح باب النقاش البنّاء لإيجاد حل لمشكلة الهجرة عبر المانش إلا بعد الانتخابات الرئاسية في فرنسا في مايو 2022، حيث إن ماكرون لا يريد أن يبدو في مظهر المتنازل في ملف له حساسيته على الداخل الفرنسي مثل ملف الهجرة. وبالتالي فإن منسوب التصاريح الساخنة مرشح للاستمرار من أجل حشد الناخبين بالنسبة للرئيس الفرنسي، ومحاولة ترميم الشعبية المتدهورة لدى رئيس الوزراء البريطاني.

3- تنظيم جديد للهجرة: تحاول الحكومة البريطانية سن قانون جديد للهجرة يتم فيه تغليظ عقوبة المهربين، بحيث تصل مدة سجنهم إلى 14 سنة، كما يتم فيه اعتبار الوصول إلى بريطانيا عبر الزوارق في بحر المانش وسيلة غير مقبولة للتقدم بطلب اللجوء. وأعلنت وزيرة الداخلية البريطانية، بريتي باتيل، أن الأولوية يجب إعطاؤها للمهاجرين الشرعيين الذين يلتزمون بالقواعد البريطانية، وأن الطريق الذي سيسلكه المرشح للجوء سيؤثر على طريقة معالجة طلبه، كما تدعم باتيل طرح عدم إعطاء اللجوء للقادمين من دول آمنة مثل فرنسا. وكانت وزيرة الداخلية البريطانية قد قالت في مؤتمر لحزب المحافظين، في أكتوبر 2021، إنها ستطلب الاستعانة بقوات من الجيش البريطاني لحماية أمن الحدود ولمنع المهاجرين من الوصول إلى البلاد، كما تحاول الترويج لتغييرات جذرية جديدة كتوزيع طالبي اللجوء في بريطانيا على دول آمنة أخرى مثلما تفعل أستراليا، وتدعم أيضاً فكرة التقليل من عدد التأشيرات التي تعطيها الحكومة البريطانية للدول لا تتعاون في استرداد رعاياها الذين لم يحصلوا على حق اللجوء.