أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

معضلة "أميصوم":

تأثير الداخل الصومالي على توازنات القرن الأفريقي 2021

20 ديسمبر، 2020


من المقرر أن تنهي بعثة الاتحاد الإفريقي (أميصوم) رسميًا مهمتها في الصومال بحلول نهاية عام 2021، لكن يبدو أن الصومال غير مستعدة لتحمل التبعات الأمنية لذلك الانسحاب. فإذا استمرت حرب العصابات المحدودة (أو المنظمة) في إقليم التيغراي أو امتدت إلى مناطق إثيوبية أخرى فإن ذلك يعني إمكانية سحب الحكومة الإثيوبية المزيد من القوات العاملة في الصومال، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى إضعاف قوة أميصوم بشدة. من المحتمل أن يقوم الأعضاء الآخرون في البعثة، مثل جيبوتي وبوروندي وأوغندا، بالانسحاب أيضًا. وعلى أية حال فإن وجود انتشار قوي لإثيوبيا لا يزال يمثل الركيزة الأساسية لأي تمديد آخر لبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال. القوات الإثيوبية، سواء تلك التي تعمل في إطار أميصوم أو بشكل مستقل، هي لاعب قوي في الصومال. إن ثقل هذه القوات العسكري يفوق بشكل كبير ثقل قوات المؤسسة العسكرية الصومالية. إذ على الرغم من سنوات التدريب والتمويل الدولي، لا يزال الجيش الوطني والشرطة في الصومال يعتمدان في الغالب على مجموعات الميليشيات القائمة على أساس عشائري في مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة.

ربما تواجه بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال مشاكل أخرى أيضًا. إذ إن الولايات المتحدة تدعم بشكل ثنائي الحكومة الصومالية في محاربة الجماعات المتطرفة من خلال نشر المئات من قوات العمليات الخاصة لتدريب القوات الصومالية. ولا شك أن هذا الدعم مفيد لتنفيذ مهام بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال. ومع ذلك، قررت إدارة الرئيس دونالد ترامب سحب قواتها الخاصة من الصومال في أوائل عام 2021. وقد أثار ذلك مخاوف بشأن الثغرات المحتملة في بناء قدرات قوات الأمن الصومالية. سيكون هناك عبء ثقيل على أميصوم لتحل محل الدعم الأمريكي. يطرح ذلك كله التساؤل حول مسارات المستقبل لأزمة الصومال وارتباط ذلك بديناميات التفاعلات الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي. وسوف يحاول هذا المقال الإجابة عن ذلك من خلال تحليل تعقيدات أزمة الداخل الصومالي وتشابكاتها مع المقومات الإقليمية.

أزمة الداخل:

حاولت الجهات المانحة لسنوات عديدة تغيير النظام الانتخابي في الصومال والذي يستند إلى قاعدة عشائرية والاتجاه عوضًا عن ذلك نحو تطبيق الاقتراع العام المباشر بما يسمح بتمثيل سياسي أكثر شمولًا وتعزيز المساءلة. تبنى الرئيس فرماجو هذه الأجندة في أوائل عام 2020، وأقنع مجلس النواب بإصدار قانون انتخابي جديد لهذا الغرض. لكن مجلس الشيوخ وساسة الصومال في الأقاليم اعترضوا على ذلك. بعد التوصل إلى اتفاق انتخابي في أكتوبر 2020 تمت العودة إلى صيغة نموذج مقديشو المعدلة: يقوم شيوخ العشائر، الذين تم ترشيحهم من قبل العشائر والتصديق عليهم من قبل كل من الأقاليم والحكومة الفيدرالية، باختيار مندوبي الهيئات الانتخابية. تقوم هذه الهيئات الانتخابية المخصصة لكل مقعد في مجلس النواب، باختيار النواب، ثم يختار نواب البرلمان الرئيس.

ومن جهة أخرى، تقوم مجالس الولايات باختيار أعضاء مجلس الشيوخ. من الواضح أن هناك العديد من التعديلات على نموذج الاقتراع العشائري مقارنة بصيغة عام 2016 المماثلة: تتألف كل هيئة انتخابية الآن من (101) عضو، وهو عدد أكبر عن ذي قبل. وإجمالًا، سيكون هناك (27775) مندوبًا. كما سيتم تحديد موقعين للتصويت في كل إقليم اتحادي، بدلًا من موقع واحد. وقد ازدادت حصة المقاعد المخصصة للنساء إلى 30٪. وربما تجعل هذه التغييرات الرشوة أكثر صعوبة، أو أنها على الأقل سوف تجعلها أكثر تكلفة. ولا شك أن كل خطوة في هذا النظام تنطوي على فرص كثيرة للرشوة والمحسوبية. كما أن هذا النظام يعزز هوية العشيرة، وهو ما يفضي إلى انقسام أساسي وإشكالي في الحياة السياسية والاجتماعية في الصومال. قامت الحكومة الفيدرالية بتشكيل لجان انتخابية رئيسية للتعامل مع عمليات تنظيم الاقتراع. لكن تشكيل اللجان الانتخابية أثار معارضة 14 متنافسًا على الرئاسة حيث هددوا بمقاطعة الانتخابات ما لم تتم مراجعة عضوية لجان الانتخابات تلك.

ثمة مشكلة داخلية أخرى تؤثر على عمليات حفظ الأمن والاستقرار في الصومال وتحدد ملامح مرحلة ما بعد انسحاب قوات أميصوم، وهي التوتر بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الأقاليم، وخاصة إقليم جوبالاند. لقد تدهورت العلاقات بسبب الخلاف السياسي حول تقاسم السلطة. فبينما تريد الأقاليم مزيدًا من الحكم الذاتي، تريد الحكومة المركزية تعزيز سلطة المركز على حساب الأقاليم. واللافت أن إثيوبيا قدمت دعمًا حاسمًا للحكومة الفيدرالية الصومالية في تنافسها مع حكومات الأقاليم. كما هو الحال في إثيوبيا، كانت التوترات بين المركز والأطراف حول توزيع الموارد الاقتصادية والسلطة السياسية من أبرز أسباب عدم الاستقرار في الصومال منذ انهيار نظام سياد بري في عام 1991. في السنوات الأخيرة، تركزت جهود تحقيق الاستقرار في الصومال على تحقيق التوازن بين سلطة المركز والأقاليم وفقًا للنظام الفيدرالي. على أن الحكومة الصومالية الحالية برئاسة محمد عبدالله فرماجو، التي تدعمها إثيوبيا، تريد إعادة مركزية السلطة.

ولكن في ظل التشابكات الإقليمية المعقدة وظروف الداخل الإثيوبي المضطرب من الممكن أن تتخلى إثيوبيا وإريتريا عن دعم الرئيس فرماجو، وهذا من شأنه أن يضعف مقديشو بشكل كبير ويعزز الديناميات الانقسامية في الصومال. قد تتفاعل هذه الديناميات حتى لو لم يتم إعادة انتخاب فرماجو رئيسًا للصومال في فبراير 2021. يمكن للصومال أن ينزلق بسهولة إلى حرب أهلية معقدة تشمل حركة الشباب والعشائر والأقاليم الفيدرالية. وهو الأمر الذي يتطلب من المجتمع الدولي والجهات المانحة مراجعة الحسابات الخاصة بمستقبل الصومال مرة أخرى.

 الدور الإثيوبي والتنافس الإقليمي:

تتزامن هذه المشاكل الداخلية مع وجود تحديات كبرى مرتبطة باستقرار الداخل الإثيوبي. فقد قامت إثيوبيا بنشر قوات عسكرية في الصومال بشكل مستقل منذ عام 2006، كما شاركت في بعثة الاتحاد الإفريقي منذ عام 2014. وتساعد كل هذه القوات في محاربة حركة الشباب وبناء قدرات قوات الأمن الصومالية. وعلى الرغم من عدم وجود تأكيد رسمي من إثيوبيا، إلا أن التقارير تقول إنها سحبت حوالي ثلاثة آلاف من جنودها من غير قوات الاتحاد الإفريقي. جاء ذلك بعد اندلاع نزاع مسلح في البلاد بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وقوات الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي في أوائل نوفمبر 2020. وقد أثار ذلك مخاوف من إمكانية حدوث فراغ أمني محتمل في بعض مناطق الصومال. وعلى الصعيد السياسي يحاول رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إعادة تشكيل تحالفات القرن الإفريقي عن طريق خلق محور جديد مع كل من إريتريا والصومال. ففي 27 يناير 2020، عقد كل من الرئيس الإريتري أسياس أفورقي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو اجتماعهم الثلاثي الثالث، وأعلنوا تشكيل كتلة إقليمية جديدة تعرف باسم مجلس "تعاون القرن الإفريقي". لم يكن مستغربًا أن يؤيد كل من آبي أحمد وأفورقي إعادة انتخاب فرماجو لولاية ثانية في الصومال.

ومن المرجح أن يؤثر التحالف الثلاثي الجديد في القرن الإفريقي على الشركاء الإقليميين الآخرين الذين يواجهون خسائر محتملة من حيث التأثير الاستراتيجي في المنطقة. وعلى سبيل المثال، يمكن أن تؤدي روابط النقل الإثيوبي عبر إريتريا أو الصومال إلى تقويض موقف جيبوتي كمركز اقتصادي ولوجستي. كما أن التعاون الوثيق بين الجيران الثلاثة يمكن أن يؤدي كذلك إلى تقليص النفوذ الكيني في المنطقة، ولا سيما تهديد مشروع الربط البري الكيني مع كل من إثيوبيا وجنوب السودان. وبالفعل تدهورت العلاقات الدبلوماسية بين الصومال وكينيا منذ عام 2019 بسبب نزاع إقليمي بحري. قامت الصومال بطرد سفير كينيا واستدعت سفيرها في نيروبي بسبب اتهام الحكومة الكينية على ما يبدو بالتدخل في الانتخابات الصومالية. ومن المرجح أن تؤثر التداعيات الدبلوماسية سلبًا على بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال، خاصةً إذا سحبت كينيا قواتها. وفي الوقت نفسه قام رئيس جمهورية صوماليلاند موسى عبدي بزيارة دبلوماسية إلى كينيا حيث التقى بالرئيس أوهورو كينياتا، ورئيس الوزراء السابق رايلا أودينجا الذي طالب بالاعتراف الدولي بصوماليلاند كدولة مستقلة. وبالفعل أعلنت كينيا عن فتح قنصلية لها في هرجيسا. كما أعلنت كينيا أيضًا أنه ستكون هناك رحلات مباشرة للخطوط الجوية الكينية إلى هرجيسا، والاعتراف بأوراق سفر مواطني صوماليلاند، وإصدار تأشيرات سفر لهم بحلول مارس 2021. ولا شك أن هذا التوجه الكيني الجديد صوب هرجيسا يعكس مدى الانقسام الحاصل بين كل من كينيا والصومال.

وعلى أي الأحوال فإن وجود علاقات قوية بين إثيوبيا وكينيا أمر مهم بالنسبة لأمن واستقرار الصومال، بيد أن تناقض المصالح واختلاف الرؤى بين الطرفين يثير القلق. ثمة انقسام في الرأي حول علاقة المركز بالأطراف في الصومال، وخاصة وضع إقليم جوبالاند ومنطقة جيدو المتنازع عليها. فبينما تدعم إثيوبيا موقف الحكومة الفيدرالية، فإن كينيا تميل أكثر نحو دعم سلطة الأقاليم الاتحادية. ومع ذلك، من المرجح أن تحافظ كل من كينيا وإثيوبيا على اعتبارات الحد الأدنى، حيث توجد مؤشرات على وجود علاقات جيدة بين القيادة السياسية في البلدين. ففي 9 و10 ديسمبر 2020، افتتح قادة البلدين نقطة حدودية واحدة في بلدة مويالي، وناقشوا مختلف الاهتمامات الاقتصادية والأمنية بما في ذلك الجهود المشتركة لمحاربة حركة الشباب الإرهابية.

 توسع العثمانية الجديدة:

يرتبط الاتجاه الثالث المؤثر في تفاعلات الصومال ومنطقة القرن الإفريقي عمومًا بالمتغير التركي. لقد قامت تركيا على نحو متزايد بقيادة رجب طيب أردوغان بإحياء التقاليد العثمانية التوسعية إما بالتدخل العسكري أو نشر قوات كما حدث في الصومال وقطر وليبيا والعراق وسوريا والبلقان. استطاعت حكومة أنقرة فتح جبهات متعددة حيث تواجه روسيا في كل من سوريا وليبيا وأذربيجان، بينما تهاجم الأكراد المتحالفين مع الولايات المتحدة الذين يقاتلون تنظيم داعش. كما قامت تركيا بإجراء استفزازات بحرية في شرق المتوسط بشكل ينتهك معاهدة قانون البحار ويهدد قبرص. واليوم ترى العديد من الدول العربية أن تركيا باتت تشكل تهديدًا لأمنها القومي. من المحتمل أن يؤدي نهج أنقرة العسكري متعدد الجبهات إلى مزيد من الصراع، ويعيد الحسابات داخل حلف الناتو.

وفي هذا السياق أصبحت إفريقيا ركيزة مهمة في السياسة العسكرية التوسعية التي تنتهجها تركيا والتي تمت مناقشتها على نطاق واسع في أدبيات العلاقات الدولية. ولعل ما يلفت الانتباه أن شعار الكتيبة التركية المتمركزة في مقديشو بالصومال هو "النسر الإفريقي"، وهو ما يحمل دلالات رمزية حول القوة السياسية والعسكرية التركية في مناطق الأطراف النائية. قامت تركيا بالفعل ببناء وجود عسكري دائم في كل من الصومال وليبيا. ومن المحتمل قريبًا في النيجر كذلك. لكن الوضع في الصومال يبدو مختلفًا، حيث استخدمت أنقرة استراتيجية عسكرية خارجية لا مثيل لها في أي مكان آخر في القارة. قامت أنقرة في عام 2017 ببناء أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج في الصومال، والأهم من ذلك، أنها تخرج جيلًا جديدًا من المتدربين، وتبني هوية عسكرية اجتماعية جديدة تهدف إلى تشكيل مستقبل الصومال.

من غير المرجح أن تقوم تركيا بتقليص طموحاتها في إفريقيا، ولا سيما الصومال الذي يمثل كما ذكرنا شيئًا مختلفًا وفريدًا من نوعه في حسابات تركيا الاستراتيجية. تشير كتابات الأكاديميات العسكرية التركية إلى أن تركيا تعتبر القرن الإفريقي، وخاصة الصومال، مركزًا جيوسياسيًا رئيسيًا عبر محور الخليج العربي وقارة إفريقيا، مع وجود موارد طبيعية هائلة ونقاط ارتكاز استراتيجية، مثل باب المندب، على طول البحر الأحمر وخليج عدن. ولعل ذلك يمثل الدافع الأساسي لسياسة تركيا العسكرية في الصومال، والتي تشمل أيضًا الاستثمار في البنية التحتية الوطنية الحيوية. على سبيل المثال، في الوقت الحاضر تدير الشركات التركية مطار مقديشو الدولي وميناء مقديشو. يعني ذلك أن سياسة تركيا في الصومال لا تقتصر على إقامة قواعد عسكرية فحسب، بل تتعلق ببناء حليف طبيعي في بلد بالغ الأهمية في منطقة القرن الإفريقي. ومن المحتمل أن يكون توقيع اتفاقية "تدريب وتعاون عسكري" مع النيجر في يوليو 2020 يستهدف ربط حزام النفوذ التركي من شرق المتوسط وحتى سواحل البحر الأحمر عبر الصحراء الإفريقية. بيد أن النيجر سوف تشكل معضلة كبرى بسبب الوجود الفرنسي الذي يهيمن على أجندة النيجر الدفاعية، بالإضافة إلى الأسلحة الصينية والروسية التي تشكل جزءًا مهمًا من ترسانة النيجر العسكرية. 

ختاماً تمثل الانتخابات العامة إشكالية كبرى، ولذلك ينبغي التوافق على تنظيمها بين مختلف الأطراف في الداخل والجهات الدولية المؤثرة. بيد أن الأكثر أهمية هو ضرورة إعادة التفكير في جهود الجهات المانحة لتحقيق الاستقرار في الصومال. من الضروري تمديد وجود بعثة الاتحاد الإفريقي مرة أخرى إلى ما بعد الإطار الزمني المحدد في ديسمبر 2021. ولكن الأمر نفسه يتطلب اتخاذ إجراءات أكثر جدوى من جانب "أميصوم". يجب أن تقترن الجهود المبذولة لبناء القوات الفيدرالية ومؤسسات الدولة الصومالية بإجراءات مساءلة ذات مغزى، وتغييرات هيكلية عميقة وفعالة. أضف إلى ذلك يتعين على الصومال أن يحل مشكلته مع كينيا بالوسائل الدبلوماسية دون قطع العلاقات. وفي المقابل، يجب على كينيا الاستمرار في ممارسة ضبط النفس الدبلوماسي، والوفاء بالتزاماتها تجاه تحقيق السلم والأمن في منطقة القرن الإفريقي.