أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تحديات كثيفة:

إشكاليات عمل مفوضية اللاجئين في بؤر الصراعات بالإقليم

06 فبراير، 2020


تواجه مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين في بؤر الصراعات المسلحة بالإقليم، وبصفة خاصة في ليبيا وجنوب السودان والصومال واليمن وسوريا والعراق، عدة تحديات تؤثر على أداء مهامها الإغاثية وأدوارها الإنسانية، وخاصة في مواقع عبور اللاجئين أو طالبي اللجوء أو النازحين أو غيرهم من المدنيين، وهو ما يزيد من التكلفة الناتجة عن اشتعال الصراعات في تلك الدول بل ودول الجوار الجغرافي لها. وتتمثل تلك التحديات في التعرض للقذائف العشوائية من الأطراف المتصارعة، والتعامل مع النزوح الممتد، ونقص المخصصات التمويلية قياساً بالمطالب المتزايدة من الفئات المستهدفة من اللاجئين والنازحين، واستضافة بعض بؤر الصراعات لاجئين من دول مضطربة أخرى، ومحاولة المفوضية معالجة الأسباب الجذرية للجوء أو النزوح من نقاط الاشتعال. ويمكن تناول تلك التحديات على النحو التالي:

مخاوف أمنية:

1- التعرض للقذائف العشوائية من الأطراف المتصارعة: تصاعدت حدة المواجهات الميدانية بين الأطراف المتحاربة في ليبيا على نحو أدى إلى إعلان مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين العاملة في ليبيا، في نهاية يناير الماضي، عن قرار تعليق عملها التشغيلي في مركز "التجمع والمغادرة" بطرابلس. وجاء ذلك في أعقاب سقوط ثلاث قذائف عشوائية بالقرب من تجمع للاجئين في مدينتى طرابلس والزاوية، والذي كاد يودي بحياة المئات من المهاجرين غير النظاميين في ليبيا.

وفي هذا السياق، أشارت صفحة بعثة المفوضية على موقع "فيسبوك"، في 1 فبراير الجاري، إلى "خوفها على سلامة وحماية الأشخاص في المنشأة وموظفيها وشركائها، وسط تفاقم الصراع في العاصمة طرابلس"، معتبرة أن "القرار كان حتمياً، إذ لم يعد أمام المفوضية أى خيار سوى تعليق العمل في المرفق بعد علمها بأن التدريبات التي يشارك فيها أفراد من الشرطة والجيش تجري على بعد بضعة أمتار من الوحدات، التي تؤوي طالبي اللجوء واللاجئين"، مضيفة: "نخشى من أن تصبح المنطقة بأكملها هدفاً عسكرياً، مما يُعرِّض حياة اللاجئين وطالبي اللجوء، وغيرهم من المدنيين للخطر". كما كشفت عن نقل العشرات من اللاجئين المُعرَّضين للخطر من المرفق إلى مواقع أكثر أمناً، بهدف إعادة توطينهم أو نقلهم إلى دول أخرى. 

غير أن المفوضية تراجعت عن قرار تعليق عملها، في مرحلة لاحقة، وأكدت، على لسان رئيسها في ليبيا جان بول كافاليري، أنها "لن تتخلى عن تقديم الخدمات من أجل اللاجئين أو المشردين هناك"، لاسيما بعد تزايد مراكز إيواء اللاجئين لدرجة أن مرفق "التجمع والمغادرة" بطرابلس لم يعد مركز عبور بقدر ما أصبح مركز اكتظاظ، الأمر الذي يجعله غير قابل للاستدامة، وهو ما يخصم من قدرتها على إجلاء اللاجئين الأكثر تعرضاً للخطر.

اللجوء الممتد:

2- التعامل مع النزوح واللجوء الممتد: وذلك في ظل استمرار الصراعات، حيث تواجه المفوضية تحدي مواصلة دعم اللاجئين إلى ما بعد مرحلة الطوارئ، وهو ما يعني، إلى حد كبير، مساعدة اللاجئين على إيجاد سبل لإعالة أنفسهم من خلال برامج دعم سبل الرزق، ومناصرتهم عبر إقناع الحكومات المضيفة (وخاصة في دول الجوار الجغرافي) والمترددة في منحهم الحق في العمل أو العيش خارج مراكز الإيواء. 

وتزداد المسألة صعوبة بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي، التي تفرض قيوداً حدودية صعبة على طالبي اللجوء للانتقال إلى أوروبا، وذلك في ظل المناخ الذي يشهد تنامي الكراهية والمعاداة للأجانب وخاصة المسلمين منهم، بما يفرض على المفوضية قيادة حملة تهدف إلى الحفاظ على حق طالبي اللجوء في الحماية الدولية، بسبب تزايد التدقيق الأمني ومراقبة الحدود، لاسيما في أعقاب الهجمات الإرهابية التي شهدتها فرنسا في نوفمبر 2015 وتوارد تقارير عن أن أحد المهاجمين على الأقل قد دخل أوروبا عبر اليونان متخفياً في شكل لاجئ سوري. والأكثر من ذلك، هناك توجه أوروبي يتمثل في إزاحة العبء الخاص بتلك المشكلة (استقبال اللاجئين) مقارنة بتقاسم العبء.

ويفرض ذلك معضلة كبيرة للمفوضية، ووفقاً لآخر التقديرات الصادرة عن المنتدى السنوي لإعادة التوطين الذي استضافته المفوضية بالاشتراك مع الحكومة البريطانية والمجلس البريطاني للاجئين في 1 يوليو 2019، فإن "ما يزيد عن 1,44 مليون لاجئ ممن يقيمون حالياً في أكثر من 60 دولة مضيفة للاجئين سيكونون بحاجة إلى إعادة التوطين في عام 2020". وطبقاً لتقرير الاحتياجات العالمية لإعادة التوطين لعام 2020، فإن اللاجئين الأكثر تعرضاً للخطر والذين يحتاجون إلى إعادة التوطين يشملون اللاجئين السوريين (40%)، يليهم لاجئو جنوب السودان (14%)، الأمر الذي يشير إلى أن منطقة الشرق الأوسط والقرن الإفريقي تضم العدد الأكبر من اللاجئين.

وفي هذا السياق، قال المتحدث الإقليمي باسم مكتب تنسيق الشئون الإنسانية التابع للأمم المتحدة ديفيد سوانسون، في 4 فبراير 2020، في إشارة إلى التطورات الميدانية في سوريا: "منذ الأول من ديسمبر 2019، نحو 520 ألف شخص نزحوا من منازلهم في شمال غربى البلاد، ثمانون في المائة منهم من النساء والأطفال"، وأوضح: "إن أعمال العنف شبه اليومية لفترات طويلة أدت إلى معاناة مئات الألوف من الناس، الذين يعيشون في المنطقة، بشكل لا مبرر له"، ويأتي ذلك في أعقاب التصعيد العسكري من جانب قوات النظام السوري وروسيا في إدلب وجوارها، والتي تسيطر عليها "هيئة تحرير الشام" وفصائل مسلحة أقل نفوذاً.  

فجوة التمويل:

3- نقص المخصصات التمويلية قياساً بالمطالب المتزايدة: فرض اتساع نطاق بؤر الصراعات في الشرق الأوسط، والتأثيرات الإنسانية الناتجة عنها، تعدداً في الأدوار التي تقوم بها منظمات الإغاثة الإنسانية الرسمية وغير الرسمية، الدولية والإقليمية، لتغطية احتياجات اللاجئين وطالبي اللجوء والمدنيين، لاسيما المواد الغذائية والخدمات الصحية، وهو ما عانى منه المهاجرون واللاجئون في بعض مراكز إيواء اللاجئين في ليبيا، في يناير الماضي، بسبب عدم اعتماد حكومة الوفاق المخصصات المالية اللازمة لتوريد المواد الغذائية لمراكز الاحتجاز ومخيمات الإيواء. 

يضاف إلى ذلك من أسباب ضعف الاستجابة من المؤسسات المعنية باللاجئين ما يتعلق بتحول ليبيا إلى وطن بديل للمهاجرين القاصدين أوروبا، في الوقت الذي تحاول مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين القيام بالمزيد بتكلفة أقل لأن برامجها تعتمد بالكامل تقريباً على التبرعات المقدمة من الحكومات والمانحين من القطاع الخاص، الأمر الذي يتطلب التفكير في إيجاد حلول جديدة ومبتكرة لمعالجة فجوة التمويل الآخذة في الاتساع كون قطاعات الصحة والتعليم ودعم سبل كسب الرزق وبرامج المساعدات الأساسية تواجه تخفيضات.

تأثيرات مضاعفة:

4-استضافة بعض بؤر الصراعات لاجئين من دول مضطربة أخرى: وهو ما ينطبق على اليمن. فوفقاً لما تشير إليه المفوضية، يشكل طالبو اللجوء من إثيوبيا والصومال غالبية اللاجئين وملتمسي اللجوء الذين تستضيفهم اليمن والذين يبلغ عددهم 276,000 لاجئ، ولايزال معظمهم يعيشون في أوضاع محفوفة بالمخاطر.

ولعل ذلك يفرض أعباءً مضاعفة على المفوضية في تقديم خدماتها للاجئين الإثيوبيين والصوماليين فضلاً عن النازحين اليمنيين، لاسيما في ظل تدهور اقتصادي وانهيار في الخدمات العامة، وظهور جبهات للقتال في محافظات عديدة. وهنا تجدر الإشارة إلى قيادة المفوضية مجموعة العمل المختلطة المعنية بالهجرة، بالشراكة مع المنظمة الدولية للهجرة، لتقديم الخدمات الأساسية في اليمن. هذا فضلاً عن التعاون مع منظمة اليونيسيف بشأن حماية الطفل والتعليم وتسجيل المواليد في اليمن، وكذلك التعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان بشأن الحماية من العنف الجنسي، والتعاون أيضاً مع منظمة الأغذية والزراعة لتنفيذ استراتيجيات الزراعة الحضرية للنازحين واللاجئين. ورغم ذلك لازالت هذه الجهود منقوصة.

وكلاء السلام:

5- محاولة معالجة الأسباب الجذرية للجوء أو النزوح: يتمثل أحد التحديات الرئيسية التي تواجه مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين في بؤر الصراعات المسلحة، في محاولة بعض العاملين بها الحد من تزايد مستويات اللجوء والنزوح عن طريق معالجة الدوافع الرئيسية للجوء، وأكبرها الصراعات، التي تتسم بالتعقيد الشديد من حيث أطرافها وقضاياها ومسبباتها. وقد عبر عن هذا المعنى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (وقت أن كان يشغل منصب المفوض السامي للأمم المتحدة لشئون اللاجئين) في 18 ديسمبر 2015 حينما قال: "يجب أن نعمل من أجل غرس السلام في المناطق المضطربة.. سيكون لنتائج المحادثات وعمليات السلام الجارية في سوريا وليبيا واليمن، تأثير كبير على تطور النزوح". 

إعادة التوطين:

خلاصة القول، إن ثمة جهوداً تبذلها مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين وكذلك المنظمة الدولية للهجرة والمجلس البريطاني للاجئين والمنتدى العالمي للاجئين، للتعامل مع مشكلة اللاجئين الضاغطة على أمن واستقرار بعض دول الشرق الأوسط والدول الأوروبية، وهو ما يتطلب الاستجابة الجماعية لأزمات اللاجئين، وخاصة في الشرق الأوسط، وتوفير موطن لهم في مجتمعات جديدة عبر ما أطلق عليه "آلية إعادة التوطين"، والتي تنطوي على نقل اللاجئين من دولة اللجوء إلى دولة وافقت على قبولهم ومنحهم إقامة دائمة، لضمان حياة الأشخاص الأكثر عرضة للخطر أو ممن لديهم احتياجات محددة لا يمكن معالجتها في الدولة التي لجئوا إليها.