أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

موازين متغيرة:

هل تتفوق إسرائيل على نظرية الردع الإيراني؟

08 مايو، 2018


تصاعدت الضغوط الإسرائيلية لإلغاء الاتفاق النووي الإيراني، وتجديد فرض العقوبات الدولية على إيران، ويرتبط ذلك بإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامن نتنياهو" عن وثائق إيرانية استولى عليها الموساد الإسرائيلي والتي ادعى أنها تُثبت استمرار إيران في تطوير برنامجها النووي، وتكثيف اتصالات القيادات الإسرائيلية مع إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بهدف دفعه إلى إعلان قرار بإلغاء الاتفاق النووي، وفرض حصار دولي على طهران.

تطلعات إيران:

تم تسويق الاتفاق النووي من قبل طهران على أنه انتصار كبير للسياسة الإيرانية، حيث سيتيح الاتفاق لإيران الاستخدام السلمي للذرة بما في ذلك عمليات إنتاج الوقود النووي غير المخصص للأغراض العسكرية في مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها سواء من الولايات المتحدة أو مجلس الأمن أو بعض الدول الأوروبية.

وقامت واشنطن بالفصل بين عقوبات المشروع النووي، وعقوبات دعم إيران للإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان وسعيها لتقويض استقرار جيرانها في المنطقة، مما تسبب في إحباط الرأي العام الإيراني الذي تقبّل الضائقة الاقتصادية التي استحكمت بشكل أكبر من حوله تحت مبرر أن تحول إيران لقوة نووية كان يستحق التضحيات التي قدمها الشعب من أجل تحقيق هذا الهدف، ولكن إيران في النهاية تخلت عن طموحها النووي أو قبلت بتأجيله دون أن تتمكن من رفع كافة العقوبات المفروضة عليها.

 كما سعت الولايات المتحدة للضغط على حلفائها الأوروبيين لإبطاء عملية رفع العقوبات الأوروبية التي فرضت في وقت سابق ضد إيران، وبالتالي شعر الرأي العام الإيراني بالغضب جراء ضياع تضحياته وتأجيل حلم امتلاك البديل النووي بلا مقابل معقول، وقد انفجر هذا الغضب في صورة الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت العديد من المدن الإيرانية في مطلع العام الحالي بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية. ويمكن القول إن أحد أسباب هذه الاحتجاجات أن الشعب الإيراني لم يعد واثقًا في أن الاتفاق النووي كان انتصارًا حقيقيًا له، وبالتالي فلن يكون متحمسًا للإبقاء على الاتفاق إلا بمقابل عادل.

تكلفة الانسحاب: 

 لا تزال إيران تعلن عن تمسكها بالاتفاق النووي على الرغم من تهديدات الرئيس ترامب بالانسحاب منه، وقد صرح الرئيس "حسن روحاني" في مايو 2018 بأن إيران يمكن أن تُبقي على التزامها بالاتفاق حتى لو انسحبت الولايات المتحدة منه بشرط التزام الدول الخمس الأخرى الموقِّعة على الاتفاق به، بيد أن تصريحات روحاني والتي تبدو وكأنها تهدف إلى إيقاع الشقاق بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين ربما لن تكون مجدية فعليًّا في خدمة الموقف الإيراني؛ إذ إن طهران تدرك من خلال تجربتها بعد توقيع الاتفاق أن الدول الأوروبية لم تستطع منع واشنطن من الالتفاف على قرار رفع العقوبات.

وبالتالي فإن الرهان على أن الأوروبيين سيلتزمون بالاتفاق حتى لو انسحبت واشنطن منه لا يقوم على أساس واقعي، كما أن التزام طهران بالاتفاق مع الجانب الأوروبي فقط سيعني ضرورة تقيدها بالشروط الواردة فيه ومنها: تسهيل عمل لجان التفتيش على المنشآت النووية الإيرانية، يضاف إلى هذا أن واشنطن لها مطلق الحرية في فرض مزيد من العقوبات على إيران بشكل أحادي، دون وجود ضمانة لعدم تدخل الولايات المتحدة في منع الاستثمارات الأوروبية في إيران، وتدخلها أيضًا بشكل غير مباشر في اختيار المفتشين الدوليين والمواقع التي سيتم تفتيشها في إيران.

نظرية "الردع الإيراني": 

أدى قيام إسرائيل بتوجيه ضربات عسكرية للقواعد الإيرانية في سوريا، وتنفيذ عملية استخباراتية أسفرت عن سرقة وثائق خمسة عشر عامًا من المشروع النووي الإيراني ونقلها لإسرائيل إلى توجيه ضربة قوية لفكرة "الردع الإيراني" فِي مواجهة إسرائيل بشكل خاص، فعلى مدار سنوات المواجهة غير المباشرة بين الطرفين كانت طهران تدعي تفوقها ونجاحها على أكثر من مستوى تتمثل فيما يلي:

1- سرية البرنامج النووي: تمكنت إيران من إخفاء مشروعها النووي عن الاستخبارات الإسرائيلية، والدول الكبرى حتى بلغ مرحلة أجبرت هذه الدول على التفاوض معها لتخفيض طموحاتها العسكرية لمدة محدودة وليس للتخلي عن المشروع برمته. 

2- إخفاق الضغوط الإسرائيلية: لم تتمكن إسرائيل من إقناع واشنطن بتوجيه ضربة عسكرية منفردة أو مشتركة معها ضد المنشآت النووية الإيرانية، بالإضافة إلى عدم قدرتها على منع توقيع الاتفاق النووي مع طهران رغم ذهاب رئيس الحكومة "بنيامين نتنياهو" للكونجرس في عام 2015، وتحريضه ضد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما لمنعها من المضي قدمًا في توقيع الاتفاق مع إيران.

3- التمدد الإقليمي الإيراني: لم يمنع الاتفاق إيران من توسيع نفوذها الإقليمي والتمدد نحو إسرائيل، ومحاولة إحكام الحصار حولها عبر تقديم الدعم لنظام الرئيس الأسد في سوريا، وزيادة حجم مخزون التسليح الذي يمتلكه حزب الله، ودعم حركة حماس في غزة، كما سعت إيران للترويج لنفسها على أنها قوة بإمكانها تحقيق الاستقرار الإقليمي بعد تمكن حزب الله والميليشيات الشيعية في العراق وسوريا من المشاركة في تقويض تنظيم داعش.

تحول ميزان القوى:

أدى وصول الرئيس ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة إلى ميل ميزان القوى لصالح تل أبيب مجددًا، فحتى لو لم تنسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي كما يهدد الرئيس الأمريكي حاليًّا، فإن الضغوط الأوروبية ستشتد على إيران للتفاوض من جديد حول منع التجارب الصاروخية التي يمكن أن يتم تحميلها بأسلحة نووية.

وسيدفع هذا في الغالب إلى زيادة الخلافات بين الجناحين الحاكمين في النظام الإيراني، مما قد يزيد الضغوطات التي تجبره على الانسحاب من الاتفاق ردًّا على المطالبات بالتفاوض مجددًا على الاتفاق المُوقَّع في عام 2015، أيضًا يمكن القول إن تمكن الموساد من الوصول إلى الأراضي الإيرانية وسرقة وثائق سرية ونقلها إلى إسرائيل أدى إلى التشكيك في إيران كقوة إقليمية، 

وأخيرًا إن عجز إيران عن استخدام سياسة الوكلاء الإقليميين وخاصة حزب الله وحركة حماس للرد على الاعتداءات الإسرائيلية الموجهة لها مؤخرًا ربما يُنهي بدوره أسطورة تمدد الأذرع الإيرانية إقليميًّا، ويجردها من أهم الأسلحة التي تضغط بها على الدول المناوئة لها دون التورط المباشر في صراعات مسلحة معها، وفِي كل الأحوال سيكون الاتفاق النووي الذي وقّعته إيران في خطر داهم وأكثر قربًا من الانهيار وربما بيد طهران نفسها على الأقل لكي تتفادى إيران حربًا قد تضطر لدخولها مرغمة بضغوط من داخل الجناح المتشدد في النظام، ومنع الاحتجاجات الشعبية الجارفة التي قد تطالبها بموقف قوي لردع إسرائيل والولايات المتحدة.