أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

هجمات بروكسل:

التداعيات المحتملة لضرب الإرهاب عاصمة أوروبا

23 مارس، 2016


في صباح يوم 22 مارس الجاري، هزت العاصمة البلجيكية، بروكسل، عدة هجمات إرهابية متعاقبة في مترو الأنفاق والمطار الدولي، مما أسفر عن سقوط 35 قتيلاً وأكثر من 200 جريح.

هذه الهجمات جاءت بعد أربعة أيام تقريباً من إلقاء السلطات البلجيكية القبض على الفرنسي من أصل مغربي "صلاح عبدالسلام"، بعد مطاردة دامت نحو أربعة أشهر للاشتباه في أنه لعب دوراً محورياً في هجمات باريس في 13 نوفمبر الماضي، والتي تبناها تنظيم "داعش"، وأوقعت حينها 130 قتيلاً، وبالتالي، يثير توقيت هجمات بروكسل احتمالية أن يكون منفذوها قد أرادوا الانتقام من القبض على "عبدالسلام"، وتنفيذ التفجيرات قبل أن ينكشف أمرهم تماماً.

وبالنظر لما سبق، لا تعد هجمات بروكسل مفاجئة، لأنه منذ تفجيرات باريس الإرهابية رصدت تقارير استخباراتية مختلفة أعمالاً عدائية تهدد القارة الأوروبية، وعلى إثرها اتخذت الحكومات الأوروبية إجراءات أمنية غير مسبوقة تضمنت نشر الآلاف من عناصر الشرطة والجيش في عدة دول، ومنها بلجيكا بصفة خاصة.

بلجيكا هدفاً للإرهابيين

هناك أسباب عديدة تجعل من بلجيكا هدفاً للإرهابيين، ولعل في مقدمتها موقعها الجغرافي الاستراتيجي؛ حيث تشترك بلجيكا، التي تبلغ مساحتها 30.528 كيلومتراً مربعاً، ويبلغ عدد سكانها نحو 11 مليون نسمة، في حدود برية مع فرنسا وألمانيا ولوكسمبورج وهولندا، وهو ما يجعلها محطة لاستهداف الدول المجاورة لها أيضاً، خاصةً في ظل عضوية بلجيكا في منطقة "شينغن"، مما يسهل الدخول إليها والخروج منها إلى باقي الدول الأوروبية.

وما يجعل بلجيكا بلداً مغرياً للجماعات المتطرفة أيضاً هو توزيع المناطق فيها، والتركيبة السكانية في هذه المناطق، حيث تتسم بالتنوع والتعددية، وبها ثلاث لغات رسمية هي الهولندية والفرنسية والألمانية، وتحوي نسبة كبيرة من المهاجرين الأجانب، ما يجعل من السهولة بمكان على أي شخص الاختفاء أو حتى احتمالية استخدام أسماء غير حقيقية.

وثمة سبب ثالث وراء استهداف الإرهاب لبلجيكا، ويتعلق بسمات المجتمع المسلم بها، حيث يتم الاعتماد على أئمة وخطباء مساجد من خارج البلاد، بسبب النقص الموجود في بلجيكا، وهو ما يطرح احتمالية أن يأتي إلى بلجيكا أشخاص يحملون أفكاراً متطرفة قد تجد طريقها للانتشار بين بعض الجاليات المسلمة بها.

بروكسل بوابة خلفية للمتطرفين

عُرفت العاصمة البلجيكية دوماً بكونها أفضل مركز للثقافة والسياسة في أوروبا وأنها مكان للتسامح وتنوع الأعراق والثقافات، لكن ما يلفت النظر أنه مع انتشار ظاهرة الإرهاب بشكل أكثر فداحة في السنوات الأخيرة، بدأت تظهر تنظيمات إرهابية صغيرة تعتبر بلجيكا بمثابة "بوابة خلفية للمتطرفين"؛ فقد استغل تنظيم "داعش" معاناة بعض المهاجرين ليوسع دائرة تجنيده في بلجيكا كما حدث في دول كثيرة في أوروبا. ووفقاً لإحصائيات رسمية، فقد سافر 451 بلجيكياً للقتال في سوريا خلال الأعوام الماضية، وعاد منهم 117 شخصاً إلى بلجيكا، حيث باتوا يشكلون مصدر تهديد محتمل.

وفي هذا الصدد، ظهرت قضية ضواحي مولينبيك، وهي منطقة تقع في شمال غرب بروكسل، ويقطنها نحو 100 ألف نسمة، كمنطقة تهديد، حيث يوجد بها الكثير من المهاجرين الأتراك والمغاربة الذين وفدوا قبل نحو 50 عاماً، وتُقدر البطالة فيها بأكثر من 40%.

وكثيراً ما يجد هؤلاء القادمون من خلفيات مهاجرة أنفسهم في وضع غير تنافسي في سوق العمل، إذ يتحدثون الفرنسية أو العربية فقط، في حين تتطلب الكثير من الوظائف في المدينة معرفة بالفرنسية أو الهولندية، وأحياناً الإنجليزية، مما أدى إلى شعورهم بالتهميش.

وبالتالي، لطالما اُعتبرت ضاحية مولينبيك مرتعاً لشخصيات جهادية أو لشخصيات إجرامية تحولت لاعتناق الفكر المتطرف في بلجيكا، وما يؤكد ذلك أن أحد مُنفذي تفجيرات قطار مدريد في عام 2004، التي أسفرت عن مصرع 191 شخصاً، كان أحد سكان هذه المنطقة، وفيها أيضاً سكن القتلة الأربعة الذين هاجموا المعبد اليهودي في بروكسل في عام 2014، كما سكن فيها عناصر خلية مدينة فيرفيه البلجيكية التي أُلقي القبض على أفرادها في يناير 2015.

كما سكن في هذه الضاحية الشخص الذي اُعتقل في قطار متجه من أمستردام قاصداً باريس، في أغسطس 2015، وهو يحمل بندقية آلية، محاولاً أن يفتح نيرانها على ركاب القطار العزل.

وسُلطت الأضواء أيضاً على بروكسل منذ الهجمات على صحيفة شارلي إيبدو في 7 يناير 2015، وبعدها هجمات باريس في نوفمبر 2015، فأغلب المشاركين في هجمات باريس عاشوا لفترات ما في ضاحية مولينبيك البلجيكية.

وفي ديسمبر 2015، عُثر على بصمات أصابع صلاح عبدالسلام، وعلى 3 أحزمة ناسفة في مداهمة لشقة في محلة شاييربيك في بروكسل، وحينها أشارت السلطات البلجيكية إلى أن الشقة كانت مصنعاً للعبوات والقنابل والأحزمة الناسفة التي اسُتخدِمَت في هجمات باريس، كما اتخذها صلاح عبدالسلام مخبأً له لبعض الوقت.

وتزايد التركيز على بروكسل منذ أن تسربت أنباء غير مؤكدة من أجهزة الإعلام والأمن الألمانية بأن مُنفذي عمليات التحرش الجماعية في ساحة الدوم بمدينة كولونيا ليلة رأس السنة الماضية، جاءوا غالباً من بروكسل بعد أن منعت السلطات البلجيكية مراسم الاحتفالات تحسباً من هجمات واعتداءات إرهابية.

وفي 15 مارس الجاري، أعلنت شرطة بروكسل مقتل أحد المتهمين في مداهمة أمنية نُفذت في ضاحية بروكسل الشمالية "فوريست"، استهدفت 11 بلجيكياً متهمين في هجمات باريس الإرهابية.

التطرف في أوروبا.. بين "داعش" و"التهميش"

يطرح تصاعد عدد العمليات الإرهابية في أنحاء أوروبا أمرين مترابطين، أولهما أن تنظيم "داعش" قد أطلق العنان لأتباعه بعمل تفجيرات إرهابية وفق ظروفهم المحيطة، وثانيهما أن شخصيات تحمل أفكاراً متطرفة قد استطاعت تجنيد أفراد آخرين، منهم مجرمون سابقون وأفراد عاديون لتنفيذ عمليات إرهابية.

وخلال الفترة من سبتمبر 2014 وحتى تفجيرات بروكسل الأخيرة، شن تنظيم "داعش"، أو تنظيمات تابعة له، حوالي 30 اعتداءً إرهابياً في الغرب، واحتلت أوروبا القسم الأكبر منها بعدد 22 حادثاً، و6 حوادث إرهابية في أمريكا الشمالية، وحادثتان في أستراليا، وذلك طبقاً لإحصائيات صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

وقد انضم العديد من الأوروبيين إلى تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، حيث تُقدِر بعض المصادر الأوروبية الرسمية أعداد هؤلاء المقاتلين بحوالي 8 آلاف شخص، بينهم أكثر من 1200 مواطن فرنسي، و600 من بريطانيا، و550 من ألمانيا.

من ناحية أخرى، أرجعت معظم الدراسات أسباب انتشار التطرف بين بعض الجاليات المسلمة في أوروبا، إلى ضعف سياسات الاندماج ببلدان الاستقبال، ومعاناة أبناء هذه الجاليات من التهميش والإقصاء، وهو ما هيأ البيئة الحاضنة للفكر المتطرف في مجتمعات منفتحة.

ويتزامن هذا الخلل الاجتماعي في أوروبا، مع صعود لليمين المتطرف، خلال السنوات الماضية، لاسيما بعد هجمات مدريد ولندن في عامي 2004 و2005، واتهامه للمسلمين بالإرهاب.

وفي هذا السياق، فإن الأسباب التي تؤدي إلى انتشار الأفكار المتطرفة بين المسلمين في أوروبا، هي ذات الأسباب التي تجعل تنظيمات إرهابية، مثل "داعش"، تستهدف أوروبا، كخيار سياسي وتكتيكي، أي استغلال غضب وتهميش واستبعاد المسلمين الاجتماعي والاقتصادي، في محاولة لرفع حالة الاستقطاب داخل المجتمع، مما يسهل للتنظيم الإرهابي تجنيد المزيد من العناصر في صفوفه، خاصةً مع سفر هؤلاء إلى دول الشرق الأوسط، وتحديداً سوريا والعراق.

الجاليات المسلمة واللاجئون المتضرر الأكبر

من المحتمل أن يكون لهجمات بروكسل العديد من التداعيات المختلفة، سواء على مستوى الإجراءات الأمنية المتبعة في أوروبا؛ حيث أعلن عدد من دول القارة فرض مزيد من الإجراءات الأمنية في مطاراتها، وعلى حدودها، أو على مستوى التعامل مع اللاجئين والأقليات المسلمة في أوروبا.

ومما لاشك فيه أن الخطير في هجمات بروكسل، هو أن المدينة هي مقر الاتحاد الأوروبي، ومقر حلف الناتو، ما يحمل معه توقعات بأن تكون التداعيات على نفس مستوى الهجمات تقريباً، وعلى نفس رمزية المكان من جانب آخر.

ويمكن القول إن الجاليات المسلمة التي تعيش بأعداد كبيرة في فرنسا وبلجيكا وهولندا وغيرها، باتت مُعرضة لمزيد من التهديدات ذات الصلة بتصاعد التطرف العنصري ضدها "الإسلاموفوبيا"، بما يشبه اتهاماً جماعياً قد يفرض قوانين تشبه "الطوارئ" بحق مئات الآلاف.

وإذا كان الإرهابيون الذين قاموا بتفجيرات وهجمات بروكسل وقبلها باريس، هم أقلية بين الجاليات العربية في أوروبا، فإن أعمالهم الوحشية تدفع عدداً كبيراً من الأوروبيين إلى خلط صورة العرب والإسلام بهذا الإرهاب الوحشي.

وعلى الرغم من أن تدفق اللاجئين لا يشكل الخطر الأمني الأكبر في أوروبا؛ إذ يغلب على العمليات التي حدثت هناك أن من يتورط فيها مهاجرون سابقون، أو جيل ثالث من المهاجرين الذين لم يندمجوا في النسيج الاجتماعي الأوروبي، لكن ستؤدي هجمات بروكسل، بلا شك، إلى مزيد من تعقيد حياة اللاجئين؛ إذ بات منطق الاتهام الجماعي مُنتشراً في الاتحاد الأوروبي بأن هؤلاء اللاجئين بينهم إرهابيين.

أيضاً من المتوقع حدوث مزيد من صعود اليمين المتطرف في أوروبا، وكسبه أرضية قوية خلال الفترة المقبلة، مع تعزز تكتلاته في البرلمان الأوروبي لتمرير قوانين متشددة ومقيدة للحريات في أوروبا، وتشديد الإجراءات ضد العرب القادمين إلى الدول الأوروبية، وهو ما يعني في المجمل أن هذه التفجيرات الإرهابية سوف تؤثر بصورة سلبية على وضع الجاليات المسلمة في أوروبا، وربما أكثر من تفجيرات مماثلة حدثت سابقاً في لندن ومدريد وباريس.